أعوام المراهقة والاضطرابات النفسية الاضطرابات الوجدانية
أعوام المراهقة أشبه بالباب الذي يتم فتحه أمام الإنسان ليواجه تحديات الحياة المختلفة، أزمات الوجود، ومنافسة أقرانه في ملعب الحياة. كان تعريف أعوام المراهقة من سن البلوغ إلى نهاية العقد الثاني من العمر، ولكن اليوم ومع تحسن التغذية والصحة العامة تبدأ المرحلة من عمر عشر أعوام، وبسبب تحديات المرحلة ونمط الحياة تغير تعريفها من عمر ١٠ أعوام إلى ٢٥ عاماً. ليس من الغرابة أن نسمع الآن بأن سن الزواج هو بداية العقد الرابع للرجل والمرأة على السواء.
كذلك نرى أعوام المراهقة هي الستار الذي يتم رفعه لتظهر أعراض مختلف الاضطرابات النفسية. تتغير هرمونات الإنسان في هذه المرحلة وأسقط الكثير من الباحثين اللوم عليها في تفسير مختلف الاضطرابات النفسية. يتكامل اتصال مختلف الدوائر العصبية في هذه المرحلة وقد تظهر أعراض الاضطراب النفسي بسبب عدم كمال هذه الدوائر بحكم الجينات التي يحملها المراهق أو بسبب تعرض جهازه العصبي للأذى في أيام الطفولة.
كذلك تتميز أعوام المراهقة بأن أعراض الاضطرابات النفسية تختلف في إطارها ومحتواها عن البالغين، ولذلك لا يسهل تشخيصها أحياناً بسهولة (المخطط الأول). مقابل ذلك وبسبب توجه الطب النفسي في التركيز على العوامل البيولوجية والعلاج بالعقاقير نرى بأن هناك بعض الإسراف أحيانا في تطبيب الكثير من المشاكل النفسية في المراهقين.
إحدى الاضطرابات النفسية التي تظهر في فترة المراهقة هي الاضطرابات الوجدانية، وتقسم مظهريا Phenotypic كما يلي:
• الاكتئاب الرديد.
• الثناقطبي الأول Bipolar I Disorder.
• الثناقطبي الثاني Bipolar II Disorder.
تتميز هذه الاضطرابات هذه الأيام بأربعة عوامل وهي:
١- تكرار النوبات.
٢- ارتفاع انتشار الانتحار معها.
٣- ارتفاع انتشار المخدرات بسببها.
٤- وجود عوامل التهابية وهرمونية تلعب دورها.
وكل ذلك يفسر أهمية هذه الاضطرابات في هذه المرحلة وضرورة تشخيصها بعناية.
اضطرابات المراهقة الأخرى
تشكل الاضطرابات الوجدانية ما يقارب ١٢- ١٥٪ من الحالات الطبنفسية في الممارسة العملية. الكثير منها لا يسهل تمييزه من اضطرابات أخرى تصل إلى المراكز الطبنفسية كما هو موضح في المخطط الثاني وهي:
١- عجز الانتباه وفرط الحركة والذي يصاحبه أحياناً كثرة الاندفاع والتهور. الكثير من هؤلاء يتم تشخيصهم بالاكتئاب أو الثناقطبي جزافاً بسبب عدم التوازن الوجداني.
٢- الاضطرابات التوحدية حيث يميل المراهق إلى العزلة ويتم تشخيصه بالاكتئاب.
٣- الفصام والذي يتميز بأعراض ذهانية يصاحبها أحياناً أعراض وجدانية. من جانب آخر هناك الكثير من المرضى المصابين بالثناقطبي أعراضهم شديدة وذهانية،
٤- الإدمان على المواد الكيمائية المحظورة والتي تسبب عدم توازن وجداني، ولكن من جانب آخر هناك من يستخدم هذه المواد لعلاج نفسه.
٥- ولادة صفات أو علامات الشخصية الحدية Emerging Borderline Personality Traits والذي سيتم التطرق إليه بمفرده.
القاعدة العامة للتمييز بين مختلف هذه الاضطرابات هي ما يلي:
١- التنقيب عن الأعراض الرئيسية للاكتئاب والهوس (المخطط الثالث).
٢- أعراض الاضطرابات الوجدانية تتميز بظهورها على شكل نوبات من انتكاسة وهدأة.
٣- أعراض عجز الانتباه وفرط الحركة والتوحد لا يصعب تمييزها من عمر ٧ أعوام.
٤- أعراض الفصام غير متطابقة مع المزاج عكس الاضطرابات الوجدانية.
ولكن هناك أيضاً ارتباط بين القلق واضطراب النوم في الأطفال وتطور الأعراض مع تقدم العمر. القاعدة العامة هي أن عجز الانتباه والقلق واضطراب النوم كثير الملاحظة في العقد الأول من العمر. يزداد عدم التوازن الوجداني مع أعوام المراهقة وتظهر أعراض الاكتئاب ومع دخول الإنسان العقد الثالث من العمر يزداد احتمال ظهور نوبات الهوس. هذا النموذج كثير التكرار في الممارسة المهنية.
أعراض الاضطرابات الوجدانية
أعراض الاكتئاب (المخطط الثالث) عموما شائعة في أعوام المراهقة مع تعرض المراهق إلى مختلف الضغوط التعليمية والاجتماعية هذه الأيام. الشعور بالحزن والاكتئاب بصورة مستمرة لمدة أسبوعين تنذر دوماً بوجود الاكتئاب الجسيم وبالذات إن كان يصاحبها فقدان التلذذ بفعاليات تبعث البهجة فيه. اضطراب النوم والشهية والتركيز يصعب تمييزها ولا تظهر بصورة واضحة في أعوام المراهقة كما هو الحال في البالغين. ظهور أعراض حصارية (وسواسية) للمرة الأولى يثير الشك بوجود الاكتئاب الجسيم ويجب توخي الحذر في إسقاط اللوم على الحصار المعرفي (الوسواس القهري) فقط. هذه الملاحظة تفسر سبب تصنيف الحصار المعرفي أحيانا كاضطراب وجداني في الممارسة السريرية.
أما أعراض الهوس الرئيسية لاضطراب الثناقطبي الأول في المراهقة (المخطط الرابع) فهي لا تختلف كثيراً عن البالغين ولكن من السهولة تفسيرها بنشاط وحيوية وانفعال المراهق وكثيراً ما يفسرها البعض بمجرد تقلبات هرمونية.
أما اضطراب الثناقطبي الثاني (المخطط الخامس) فهو أكثر الاضطرابات الوجدانية غموضاً وتشخيصه أحيانا يستند على معلومات سابقة وغير دقيقة عن وجود نوبات قصيرة المدة من فرط نشاط وحيوية مع تهور وقلة نوم وسرعة التفكير وأحياناً أفكار الشعور بالعظمة والتعالي على الآخرين. كان الطب النفسي سابقاً يفسر هذه الأعراض بالدفاع الهوسي Manic Defence ضد الاكتئاب. المشكلة الأخرى في تشخيص هذا الاضطراب هو علاقته باضطراب الشخصية الحدية وظهور معالمها في أعوام المراهقة. وجود تاريخ عائلي للاضطرابات الوجدانية ينذر بتشخيص الثناقطبي الثاني.
العلاج
هناك خمسة قواعد رئيسية للعلاج:
١- تثقيف المراهق ومن يتولى رعايته.
٢- استعمال العقاقير.
٣- تثقيف المراهق على تمييز أعراض الانتكاسة المبكرة ومحاولة تفاديها.
٤- تجنب المخاطر بأنواعها.
٥- الالتزام بنمط حياة صحي.
الاكتئاب يحتاج إلى عقاقير مضادة للاكتئاب وتوازن المزاج يحتاج إلى ما يلي:
١- الليثيوم Lithium لا يزال المعيار الذهبي لتوازن المزاج ولكن له أعراضه الجانبية على المدى القريب والبعيد.
٢- العقاقير المضادة للذهان من الجيل الأول أو الثاني.
٣- فالبرويت Valproate أكثر فعالية مع تعسر المزاج ولكن له أعراضه الجانبية المتعددة في التأثير على الوزن والمبايض.
٤- كارباميزابين Carbamazepine للحالات التي تتميز بسرعة الدوران Rapid Cycling من قطب إلى آخر.
٥- لامتروجين Lamotrigine للاكتئاب في الثناقطبي الثاني.
المصادر
1- Sawyer S, Azzopardi P, Wickremararthne D, Patton G (2018): Age of Adolescence. Lancet online: 19 January 2018.
2- Washburn J, West A, Heil J (2011): Treatment of Paediatric Bipolar Disorder: A review. Minerva Psiactr52(1):21-35
واقرأ أيضًا:
اضطرابات وجدانية: اكتئاب / اكتئاب مضاعف / اضطرابات وجدانية: هوس واكتئاب / هوس خفيف واكتئاب؟