يقولون بأن الفوز في مباريات كأس العالم – وهي أعلى مستوى للمسابقات الرياضية – يحتاج للاعبين موهوبين، مع مدربين خبراء وتكتيكيين ناجحين، وأيضا بعض الحظ، ولكن علماء النفس يرون جوانب أخرى إضافية تلعب دورا بنسب مختلفة في عملية الفوز ونعطي بعض الأمثلة على ذلك والتي كانت نتيجة دراسات تمت في أماكن مختلفة من العالم :
• لون الفانلة (القميص)، فقد وجد أن اللون الأحمر له تأثير إيجابي على الفريق خاصة إذا استوفى جوانب الفوز الأخرى، ربما لأن اللون الأحمر لون مؤكد ومميز، وهو يعبر عن الحيوية، والحماس والوضوح والخطر، فإشارات المرور للتحذير لونها أحمر، والتأشيرات المهمة على الأوراق تكون باللون الأحمر، وتصحيح الامتحانات باللون الأحمر، والملابس المثيرة للنساء باللون الأحمر، لذلك فهو يحدث حالة من التأثير على الخصم، وظهوره المتناثر في أرض الملعب يشتت انتباه الخصم ويربكه. وقد وجدوا أن اللاعبين الذين يرتدون اللون الأحمر يعطون انطباعا أنهم أكثر مهارة وسيطرة، وأن أصحاب ضربات الجزاء يكونون أكثر توفيقا حين يرتدون اللون الأحمر، وأن المنتخب الإنجليزي الذي عادة ما يرتدي اللون الأبيض فاز بلقبه الوحيد في كأس العالم (مونديال 1966) على أرضه عندما خاض النهائي بالقميص الأحمر على حساب نظيره الألماني بالأبيض. وبعض الأندية من المستوى العالي في إنجلترا مثل ليفربول ومانشستر يونايتد ترتدي القميص الأحمر، والنادي الأهلي (وهو النادي الأقوى والأكثر جماهيرية في مصر والعالم العربي يتميز بالقميص الأحمر). ولون الفانلة ليس هو العامل المؤثر الأهم إلا حين تتوافر معه العوامل الأخرى بدليل أن البرازيل صاحبة الرقم القياسي في بطولات العالم (5 ألقاب) ترتدي القميص الأصفر. ووجد أن اللون الأخضر للفانلة يسهل خداع الدفاع حيث يختلط اللون الأخضر بلون العشب فيسهل اختراق اللاعبين. واللون الأبيض هو أكثر الألوان وضوحا على المستطيل الأخضر ولذلك يمكن أن يصاحبه عدد أكبر من التمريرات الناجحة.
• الحالة النفسية للاعبين الموهوبين، ففي كل فريق يوجد عدد من اللاعبين الاستثنائيين مثل محمد صلاح، وكريستيانو رونالدو وميسي، وهؤلاء يؤثرون تأثيرا بالغا في نتائج المباريات بمراوغاتهم الذكية المربكة، وسرعتهم الفائقة، وقدرتهم على التسديد في الظروف الصعبة، وثباتهم الانفعالي في اللحظات الحرجة، وفوق كل ذلك تأثيرهم النفسي على دفاعات الخصم وحراس المرمى. هؤلاء اللاعبين الموهوبين يكونون في حالة توهج في بعض المباريات أكثر من غيرها فيغيرون من النتائج بشكل مذهل، ولكن في بعض المباريات يكونون في حالة انطفاء بسبب حالتهم النفسية أو الجسدية فلا يحققون توقعات جمهورهم.
• القدرة الإبداعية قبل التسديد: فقد وجد بعد تحليل 311 هدفا سجلت على مدى 153 مباراة خلال مونديال 2010 في جنوب افريقيا و 2014 في البرازييل وكاس أوروبا 2016 في فرنسا أن الإبداع في آخر حركتين قبل التسديد على المرمى كان هو المؤشر الأفضل في نجاح المباراة، وأن الأفعال التي تصنف في إطار الإبداع العالي تكون نادرة خلال المباراة (أقل من 10%) إلا أن نصف الأهداف تقريبا شملت حركة أو حركتين في هذا الإطار. وركز الباحثون على ثمانية حركات تسبق تسجيل كل هدف، وأعطوا الإبداع فيها درجة بين صفر و10، وخلصوا إلى أنها مزيج من عناصر "المفاجأة والأصالة والمرونة". وهناك نوع آخر من الإبداع يتم أثناء المباراة (وليس فقط وقت التسديد) وهو الإبداع التكتيكي للمدربين، وهو عامل حاسم للفوز في كرة القدم، وله دراسات رياضية ونفسية متخصصة، وهو يجعل فريقا أقل في المستوى والمهارات يتفوق على فريق أعلى ويشكل مفاجأة وربما صدمة لجمهور المشاهدين، خاصة وأن الفوز في حالة الإبداع التكتيكي غالبا ما يأتي في اللحظات الأخيرة حين يتم إنهاك الخصم أو تشتيته أو هزيمته نفسيا أو استغلال إحدى ثغراته.
• الاستقرار السياسي والاجتماعي: فاللاعبون يتأثرون كثيرا بأحوال بلادهم، فإذا كان ثمة قلاقل أو صراعات في بلادهم فإن ذلك يؤثر على حماسهم وعلى تناغم حركاتهم ونقلاتهم وتسديداتهم في المستطيل الأخضر.
• الانتماء : كلما كان الانتماء للنادي أو الوطن قويا كلما زاد حماس اللاعبين وزادت فاعليتهم.
• المعتقدات المحيطة بالفوز والهزيمة: فهناك بعض الفرق تحكمها معتقدات خرافية أو سحرية فتمارس طقوسا معينة وترتكن إلى قدرة هذه الطقوس على تحقيق الفوز فتهمل بقية عوامل الفوز الموضوعية.
• وجهة الضبط: فهناك شعوب ترتبط بوجهة الضبط الخارجية والتي تعني لهم أن النجاح يأتي نتيجة عوامل الحظ أو الصدفة أو تدخلات الآخرين أو مساعداتهم، وهناك شعوب أخرى تتبنى وجهة الضبط الداخلية والتي تعني لديهم أن الشخص والفريق مسؤولون مسؤولية تامة عن النجاح أو الإخفاق من خلال ما يقدمونه من جهد وما يتبعونه من خطط وتكتيكات وما يعززون من العوامل المتعددة المؤثرة في النتائج، ولا يعولون كثيرا على الحظ أو الصدفة.
• العمل الجماعي: فالفرق الناجحة المستقرة تركز بشكل كبير على اللعب كفريق قوي ومتناغم بكل أفراده، ولا تركز على لاعب نجم مهما كانت قدراته ونجوميته، هي قد تستفيد من قدراته الاستثنائية ولكنها لا تعول في فوزها بالكامل على وجوده أو عدم وجوده، أما الفرق المهزوزة والقادمة من العالم الثالث فإنها غالبا ماتعتمد على البطل الفرد المتفرد الذي تركز عليه طول المباراة وتجعل بقية اللاعبين "يخدمون عليه" لكي يحقق هو الفوز ويصفق له الجميع بينما ينسون أدوار وأسماء باقي اللاعبين.
• الرشاوى والمكافآت: بعض الدول تغدق من العطايا والمنح لأعضاء الفريق والجهاز الفني قبل دخول المباريات، وهذا يعتبر رشوة رياضية وتأثيرها دائما سلبي حيث يميل اللاعبون إلى الرفاهية والبذخ وما يتبعهما من راحة واسترخاء، وتتضخم ذواتهم ويشعرون بالثقة الزائدة والغرور، والأفضل أن تخصص مكافآت في حالة الفوز في كل مستوى من مستويات المونديال لأن هذا يحفز اللاعبين بشكل أفضل.
• المناوشات القطرية والأممية: فقد تشتعل بعض النعرات العنصرية والطائفية على أرضية نتائج المباريات وتظهر في صورة نكات وحكايات ساخرة تمس بعض الفئات أو الطوائف أو الدول، وهي تعكس صراعات تحتية تظهر متسترة بالتعصبات الكروية والأشكال الفكاهية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، كتلك التي انتشرت إثر هزيمة الفريق السعودي بخمسة أهداف، وبعدها هزيمة الفريق المصري في الدقائق الأخيرة وهزيمة الفريق المغربي كذلك وما تبع ذلك من سخريات متبادلة بدلا من التركيز على العوامل الموضوعية وراء هزيمة الفرق العربية في المباريات الأولى للمونديال، بما يعني أننا شعوب غير جادة وأننا نستهلك طاقاتنا في التنكيت على أنفسنا وعلى غيرنا وأن لدينا مشاكل كثيرة تستدعي المراجعة والتصحيح خاصة إذا كانت هذه المشاكل قد انكشفت لنا ولغيرنا تحت الأضواء الساطعة للمونديال
واقرأ أيضًا:
لماذا يعشق الناس الكرة، ويعشقون محمد صلاح ؟3 / وراء كل امرأة عنيدة رجل مستبد / التدين الرخو (السوفت)