في صباح جمعة اليوم 29 شوال 1439 خرجت متعجلا بعد أن قررت تغيير مكان صلاتي هذه الجمعة إلى مسجد المحافظة على القرآن الكريم، ولي معه حكاية من أرادها اتبع الرابط السابق.. سبب تغيير مكان الصلاة هو أن ابني الأصغر جواد (5.5 سنوات ونصف) أصر على عصياني بل وتعمد مضايقتي .... وعندها قررت تركه ليصلي مع أمه... وانطلقت أنا محاولا التستر تحت الظل المتناثر بجوار البنايات قدر استطاعتي كانت الساعة 11.30 دقيقة ... وكنت أحمل أشياء لا أحب أن أدخل بها المسجد هي محمولان وملف مريضة فضلا عن حذاء لا يلبس دون انحناء لا أحبه وأنا أمام بيت الله إلا للسجود..... لكنني اضطررت ومعي كل أحمالي إلى هذا المسجد عندما أذن الظهر لدخول مسجد أقرب قبل عبور كوبري العبور....
بدأ الخطيب خطبته وأنا واقف بجوار ثلاجة مياه الشرب أنتظر أن أشرب بعد أن ينتهي أحدهم، وكان لماحا أكثر مني فوجدته يسكب ما بقي من الكوب ... ويملأ لي الكوب ... ووقتها أنا سرحت مع ما أسمع من حديث خطيبنا .... ثم انتبهت إلى أن علي أن أشكره وأكمل ملأ الكوب لنفسي ... وكان قد ملأ ثلاثة أرباع الكوب ... جزاه الله خيرا ... كنت في منتهى العطش وشربت وحمدت ونظرت إلى الصفوف أمامي فوجدت الصف الأول خاليا وبعضهم في الثاني فخجلت من أنني سأضع ملف المريضة وقبضة المفاتيح أمامي أثناء الصلاة ففضلت الصف الثاني ... وصليت ركعتين تحية للمسجد ثم جلست أنصت للخطيب.
لكن ما هذا الذي سمعت ؟ وأنا أنتظر أخا يملأ لي الكوب؟؟ ... "شر الأمور محدثاتها وإن لكل محدثة بدعة ولكل بدعة ضلالة ......؟ .... لفظتها أذناي لم أسمع أن الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام قالها هكذا بل قالها دائما "شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" أو ".....إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة"... صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.... ثم أن "لكل محدثة بدعة ولكل بدعة ضلالة" لا تستقيم لغويا مع مفهوم الحديث والذي يعني أن المحدثة في الدين والعبادات كلها وليس جزء منها مرفوضة وكذلك أن البدعة وليس جزء منها ضلالة.
رغم ذلك لم أتسرع في الحكم وقررت البحث على النت حالما يسنح وقت مناسب.... لكنني لم أفهم بعد ذلك ماذا قصد الخطيب بالحديث الذي قاله .... وكنت بين تلقي صفعات لغته العرجاء التي تنصب الفاعل ولا تتورع عن رفع المفعول ونصب المجرور ... وبين ما يود فضيلته أن يقول ... كان شابا في العشرينات ملتحيا ... وراح يقدم مرة أخرى بعدما اتهم الجميع بالإحداث والابتداع والضلال... فقال أن موضوع خطبته اليوم هو الغلاء الذي هو حديث كل الناس في مصر أغنياء وفقراء .... ثم أخبرنا بأن كثيرين يقصرون في أداء الزكاة التي هي ثالث فروض الإسلام .... ومنهم التجار الجشعون وما أكثرهم ... ثم قال لو ذهبت اليوم إلى السوق الكبير (ولم يوضح أيهم؟) وسألت عن تاجر أمين ؟؟ ربما تجد واحدا أو اثنين على الأكثر ... أولئك الذين يحتكرون السلع ... ويتسببون في زيادة الأسعار واضطراب الأحوال ... كنت متأكدا أن أحدا من هؤلاء ليس المجرم الأول في جرائم الاحتكار، لكنني آثرت الصبر.
ثم قال نعود إلى الغلاء ما هي أسبابه يا ترى ؟؟ هناك تحليلات تتهم السياسة وأخرى تتهم المجتمع وأخرى تتهم التجار، وأخرى تتهم الأعداء.... إلخ واختار هو أن يتكلم عن المجتمع فأرغى وأزبد لاحنا في أغلب ما قال من جمل ... وكان من جميل ما قال الحث على الإنفاق وحديث "إن للّه تعالى ملكاً ينادي كل صباح اللّهم أعط كل منفق خلفاً وأعط كل ممسك تلفاً"، وكذا حديث التوبة حين حكى كيف أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الأولى في الثلث الأخير من كل ليلة ليقول هل من تائب فأتوب عليه ؟
كان الخطيب لا يقرأ من كتاب أو لوح إليكتروني "تابلت" كما شاع في الآونة الأخيرة ... واحتار المرء بين اعتباره تطورا وتيسيرا وبين افتقاده لأهم ما في الخطبة من تواصل بصري ولفظي وحركي بين الخطيب ومستمعيه ... أخشى أن يوما يصبح اللوح الإليكتروني في يد الخطيب هو القاعدة ... أو يصبح العرض الإليكتروني للخطبة هو البديل ! المهم أن خطيبنا يرتجل أو يسمع ما حفظ فهو قوي وشجاع ويبذل المجهود ليكون قادرا على إلقاء الخطبة دون مساعدة في تفاعل طبيعي مع مستمعيه.
لكن العجيب أنه حيرني جدا حين بدأ التركيز على غياب الحاكمية أو على الحكم بغير ما أنزل الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر على مدى عشر دقائق أدلة على ضرورة تحكيم شرع الله وأن ما نحن فيه نتيجة طبيعية لذلك حتى بدأت أحس تذمرا مكتوما من الحاضرين ... وشخصيا كنت أشعر بأن من الممكن أن يأخذه المخبرون من على المنبر ... هل هذا ممثل الأوقاف؟ هل هو الشيخ المكلف رسميا بالخطبة؟؟؟ المسجد جميل ومخدوم لكنني أذكر أيام الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد غالبا أوائل سنة 2014 لم تقم فيه صلاة الجمعة عدة مرات لعدم توفر خطيب رسمي فالمفروض أن الخطبة موحدة في الأهداف العامة على الأقل.. ولا تكون إلا لتابعي الأوقاف أو الأزهر ...
في المساء بعدما أنهيت عيادتي شاء الله أن أنسى فلاشتي في جهاز العيادة ... تقبلت الأمر بصدر رحب لكن لولا هذا ما وجدت الوقت لأكتب شيئا مما استفزته بخاطري تلك الخطبة ؟ كيف يكون هذا حال اللغة العربية في خطيب جمعة في وسط مدينة الزقازيق ؟ لست متأكدا من حساسية أحد ممن حولي لكل هذا اللحن اللغوي المتدفق في الآيات والأحاديث ؟؟ حسبي أنت يا إلهي هذا دائما رفضته أنا بقلبي وبلساني وإن كنت لا أذكر الآن أين على مجانين ... ترى جيلي هو الذي يشهد وحده مثل هذا الانحدار ؟ كم يهتم به من شبابنا ؟؟
ابني الذي اختار مهنة الطب النفسي دون تشجيعي إن لم يكن نهيي ... كان يحفظ القرآن ويحصد النهايات في اللغة العربية والدين لأن الشيخ المحفظ كان يزوره مرتين على الأقل في الأسبوع، يستغرب محاضراتي في الطب النفسي باللغة العربية ... وكذلك نفر من أصدقائي الأصغر سنا غالبا .... يرون الإنجليزية أسهل في نقل الأفكار .. والألفاظ العربية الأصيلة صعبة ومهجورة وغير مستعملة ... والمدارس الوطنية اسمها على ألسنة الطلاب الناشيونال وليس المصرية أو الوطنية ... وزيادة في الجمال هم يدرسون المناهج الحكومية باللغة الإنجليزية ... وهكذا يضيع إن لم يسعف الله جواد وائل أبو هندي.
نعود إلى الخطبة والخطيب فأنا لم أجد أي رواية للفظ النبي محمد علية الصلاة والسلام بهذه الركاكة "وإن لكل محدثة بدعة ولكل بدعة ضلالة..." من أين أتى خطيبنا بالحديث الركيك ؟ ... لم أجده مكتوبا هكذا إلا على موقع أو صفحة شخصية...منشأة على موقع أجنبي وبعض صفحات الناقلين عنه. فإذا كانت ما تزال -لسبب لا أفهمه- اللغة العربية لا تحظى بالاهتمام في إعداد الخطيب في مصر.. فهل محتوى الخطبة كذلك لا يحظى بالاهتمام ؟ وكل هذا ربما يصبر رغم أهميته لكن أن يصل الأمر إلى اللحن في الحديث بتركيك لفظه بما لم يرد ؟ فأمرٌ أراه جديرا بالاهتمام والتحرك للبناء والتحريض على بناء وتكوين الخطيب بأحسن ما يحفظ ديننا ولغتنا في آن... وما أكثر ما هو جدير في بلادنا بالتحرك للبناء........ لكن إن فرطت المؤسسة الدينية والشعوب في لغتها ... ولم يبق لها إلا الله عز وجل ... فهل في صحة نصوص دينهم يفرطون ؟
أستطيع أن أقول إذن أن لكل محدث على المنبر بدعة وليس ما تقول من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام/ من المهم أن يتغير محتوى إعداد وتدريب الخطيب وأن يكون مما يشترط لاعتلاء المنبر ليس فقط لطاعة الأوامر السيادية وإنما كذلك عرض الدين بلغة ومحتوى سليمين .... لأن الواقع أن ما أراه من تدهور الخطباء ومحتوى الخطبة كان يستدعي الكتابة منذ سنين وكل فترة كنت أبتلى بمثل ما سبق إلا أنني لم أكن أكتب غالبا لأنني لا أنسى فلاشة مجانين إلا قليلا .... إن لم يكن عرض الدين بلغة ومحتوى سليمين أو أقله بمحتوى سليم إن لم يكن هذا هدف وزارة الأوقاف في أي بلد فهل تكون لها أهداف ؟......
واقرأ أيضًا:
عيد ميلاد مجانين الرابع عشر / لبيك يا أقصى تمنيت لو كنت فلسطينيا / وسواس الطلاق والخلع والزواج