تتعرض منطقة الشرق الأوسط لكثير من الحروب والكوارث الإنسانية والقلاقل السياسية منذ فترة ليست بالقصيرة. هذه الكوارث جميعها قد تكون أكبر من استيعاب الأفراد وقدرتهم الشخصية على التعامل معها، ومن ثم فإنه قد يكون لها بالغ الأثر على أشخاص بعينهم مسببة لهم اضطرابات نفسية تستوجب العلاج ومنها الاضطرابات الانشقاقية.
إن الاضطرابات الانشقاقية Dissociative Disorders بصفة عامة هي مجموعة من الأمراض العقلية تشتمل على اختلال في الذاكرة والوعي والهوية و/أو الإدراك. وحينها تظهر الأعراض التي تؤثر على قيام الإنسان بوظائفه اليومية ومنها العمل والوظائف الاجتماعية والعلاقات بين المريض ومن حوله.
إن درجة النسيان أو فقدان الذاكرة في هذا الاضطراب تكون أشد مما يحدث في النسيان الطبيعي الذي قد نتعرض له جميعا. يتميز هذا الاضطراب بوجود "فجوات" في الذاكرة لمدد طويلة من الوقت وهي تلك الفجوات التي ترتبط بذكريات الأحداث الأليمة.
إن فقدان الذاكرة الانشقاقي Dissociative Amnesia أيضا ليس مجرد فقدان للمعلومات كما يحدث في النسيان البسيط الذي قد ينتج عن مرض أو إصابة للمخ. في حالة فقدان الذاكرة الانشقاقي تكون الذكريات موجودة ولكنها مدفونة على عمق شاسع في عقل المريض بحيث لا يستطيع استرجاعها، ومع ذلك فقد تظهر تلك الذكريات مرة أخرى من تلقاء نفسها أو بعد أن تستحثها مثيرات بعينها موجودة في البيئة المحيطة به.
أسباب فقدان الذاكرة الانشقاقي:
لقد ارتبط فقدان الذاكرة الانشقاقي بالضغوط النفسية الشديدة الناتجة عن الحروب والإساءات بأنواعها (الجسدية والنفسية والجنسية على سبيل المثال) أو الكوارث التي يتعرض لها الإنسان بشكل مباشر أو يكون شاهدا عليها. قد يكون هناك أيضا ارتباط جيني بين حدوث الاضطرابات الانشقاقية وفقدان الذاكرة الانشقاقي لأن المصابين بهذا الاضطراب أحيانا ما يكون لهم أقرباء أو أفراد من العائلة يعانون من نفس المشكلة.
من الأكثر عرضة للاصابة بهذا الاضطراب؟
للأسف إنهم النساء ويشيع كما قلنا في أثناء الحروب والكوارث الطبيعية.
هل هناك أعراض أخرى غير تلك المتعلقة بالذاكرة؟
من الممكن أن يعاني هؤلاء المرضى من أعراض قلق أو اكتئاب مصاحبة.
كيف يتم التشخيص؟
على المريض أن يخضع للفحص الطبي الشامل ابتداء من الفحص الجسماني مرورا بالتحاليل المختبرية والتصوير المقطعي للمخ وغيرها وذلك لاستبعاد أن تكون الأعراض قد حدثت بسبب مرض عضوي ما. في حالة خلو المريض من الأسباب العضوية يقوم الطبيب النفسي المختص بمساعدة الأخصائي النفسي بفحص المريض وتطبيق بعضا الاختيارات النفسية حتى يتم الوصول للتشخيص.
كيف يُعالج هذا الاضطراب؟
أهم ملمح في علاج هذا الاضطراب هو العلاج بالجلسات النفسية بأنواعها مثل العلاج المعرفي والعلاج الأسري والعلاجات الإبداعية باستخدام الفن أو الموسيقى. أيا كانت الوسيلة العلاجية التي ستختلف من مريض لآخر حسب تقدير الفريق المعالج، فإن غاية العلاج هي القضاء على الأعراض والتحكم في أي مشكلات سلوكية عبر مساعدة المريض على التعبير عن نفسه وذكرياته الأليمة بأمان وتدريبه على طرق مختلفة تمكنه من التكيف مع الضغوط . قد يحتاج المريض إلى علاج دوائي باستخدام مضادات الاكتئاب أو القلق إذا استدعت الحاجة.
واقرأ أيضًا:
خوف الرصاص من الهتاف! / حدوتة محسن فكري / الوصمة / من يحرس الحرُاس ؟/ عن السيكولوجيا المدهشة للجماهير المتآلفة!