حين حين قرأت هذا البوست وكاتبه طبيب نفسي دكتور يحيى موسى وسأضع كلامه بعد تعليقي وجدته يناقش نقطة مهمة لمستها وأوجعتني كثيرا كلما حدثت لي شعرت أني أخطأت في حق نفسي حين رضيت أن أقول أنني أعاني من مرض نفسي أو مشكلة نفسية ما أصبح كل تصرف عادي أو رد فعل طبيعي محل شك أو مربوطا بالمرض النفسي لو اختلفت مع أحد الأصدقاء وتضايقت من طريقتهم وحدث سوء فهم منك لنواياهم كما يحدث مع أي أصحاب أو أناس طبيعيين كلامك فورا يفسر على أن لديك ضلالات اضطهاد وفاكرهم يتآمرون عليك مع اعترافي أنه من الممكن أن تكون حالتك النفسية جعلتك تبالغ في ردود فعلك وتعطي الأمور أكبر من حجمها الطبيعي لكن ليس معنى ذلك أن لديك ذهانا،
إنك كلما حكيت لطبيبك أي شيء عن بعض التصرفات التي تزعجك يريد أن يعرف تفاصيل دقيقة ووصف للقصة بدقة بالأحداث بالكلمات وقتها كنت أتعجب ثم أصبحت أقول لنفسي (تفتكري هو ممكن يكون فاكر إنك بيتهيألك) لو فقدت أعصابك لأي سبب كأي إنسان طبيعي وطبعا بتحصل كثير (تلاقي ناس ظريفة تقولك أصله مريض) أصبحت حتى التصرفات العادية والأفكار الطبيعية محل شك أصبحت أحيانا تحاول السيطرة على انفعالاتك أكثر من العادة حتى لا تسمع كلمة كهذه
هذا جزء من بوست كتبه دكتور يحيى موسى يتحدث عن هذه الظاهرة:
في فترة ولاية الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون (20 يناير 1969 – 9 أغسطس 1974)، كان عنده مدعي عام اسمه چون ميتشل.. چون ميتشل (المدعي العام) كان متجوز واحدة اسمها مارتا Martha.. مارتا في يوم من الأيام قالت لزوجها، وزوجها قال للإدارة الأمريكية برئاسة نيكسون، أنها شافت عناصر حكومية من موظفي البيت الأبيض يزرعون أدوات تجسس ومنخرطين في أنشطة مشبوهة.. حجم المؤامرة اللي زعمت مارتا أنها على إطلاع عليها كان أكبر من تصديق المحيطين بيها، وبرغم منصب زوجها الحساس، شككوا في قدراتها العقلية، واتهموها بأنها عندها ضلالات الشك paranoid delusions..
بعد زعم مارتا بفترة، تنكشف أبعاد فضيحة التجسس الشهيرة بأزمة (ووتر جيت) لكن المشكلة أن مزاعم ثانية زعمتها مارتا ما ثبتش صحتها مع الفضيحة، ففضلت محل تشكيك.. لكن الذي أثمرت عنه الأزمة دي (غير استقالة إدارة نيكسون بابا على رأي الفاجومي) كان الظاهرة اللي سماها عالم النفس (بريندن ماهر) باسم مارتا (Martha Mitchell effect) ويعني بها الحالة التي الطبيب النفساني أو الاختصاصي النفساني يستقبل كلام مريضه (الحقيقي) على أنه مجرد (ضلالات)..
بعيدا عن أنواع الضلالات (عظمة، اضطهاد، شك، غيرة، إشارة إلخ) فبشكل عام عندنا قسمان كبيران نقدر نصنف تحتهم الضلالات (التفكير الضلالي): إما ضلالات مألوفة (من الممكن حدوثها على أرض الواقع)، أو ضلالات غريبة غير مألوفة، بنسميها bizarre delusions
الضلالات غير المألوفة زي أن حد يقول أن الكائنات الفضائية مثلا خطفته وزرعت في سنانه جهاز تصنت.. وبغض النظر أن فيه ناس بتؤمن بالكائنات الفضائية، بس بتظل الفكرة بتاعة الضلالة نفسها غريبة، ومستنكرة.. أما الضلالات المألوفة فكثير، حد يقول أن فيه ناس تراقبه، أو تحاول تدس له سم في الأكل، أو إن واحد أو واحدة يتهم شريك أو شريكة حياته بالخيانة، وهكذا..
الضلالات المألوفة دي (واللي من المحتمل إنها تكون حقيقة)، من المهم جدا أن المعالج ما يستعجلش ويصدّق على كونها ضلالات بناء على تقرير المحيطين بالمريض.. قبل ما نفحص محتوى التفكير الضلالي، محتاجين نفحص عملية التفكير نفسها.. الـ process اللي من خلالها كوّن المريض فكرته المزعومة.. هل كانت طريقة تفكيره منطقية ولا لأ؟ هل وصل للنتائج بناء على استدلالات سليمة وإلا فيه فجوات وثغرات في عملية تفكيره؟
في الطب النفسي بشكل عام، نعاني من أزمة نسميها over-diagnosis أو المبالغة في التشخيص.. أننا نفسر أحيانا الأعراض العادية والاختلافات الطبيعية بين البشر على أنها أعراض مرضية أو اختلالات نفسية (لمجرد سمعة المفحوص أنه معتل نفسيا).. وينتج عن ذا أزمة أكبر هي الـ over-treatment أو المبالغة في العلاج.. نعبي المريض أدوية مش محتاجها لأعراض (عرضية وطبيعية) في خيالنا إحنا بس!
كثيرا نفتقر للملاحظة السليمة في أماكننا العلاجية، وكتير من المشتغلين بالمهنة بطلوا يسمعوا بعناية لمرضاهم، وبطلوا ينتبهوا لأهمية كلام المريض نفسه، في مقابل المبالغة في الاعتماد على تقارير المحيطين بالمريض.. ودا بيبعد بمهنتنا كتير عن هدفها الأسمى.. تخفيف المعاناة والحد من عزلة المعتلين نفسيا.
واقرأ أيضاً:
أنشودة الألم / حجرة صغيرة تفضي إلى النور / عسر المزاج dythymia / ماذا يعني أن تكون مكتئبا؟