ما هي الخرافة؟
نستطيع تعريف الخرافة بأنها الاعتقاد بوجود علاقة سببية بين حدثين لا علاقة بينهما بلا استناد للمنطق أو الواقع، أو هي فرط الإيمان بوجود تأثير لمفاهيم لا علمية مثل الحظ أو الترتيب أو الشؤم ..إلخ، فمثلا أن يكون ترتيبك أو مكان سكنك رقم 13، أو أن ترى قطة سوداء، أو أن تخرج من البيت يوم الأربعاء أو أن تسير تحت السلم، كل هذه الأمثلة وغيرها نماذج لأشياء يتحاشاها أو يتجنبها البعض، اعتقادًا منهم أنها تجلب الحظ السيئ، أي بسبب التشاؤم، وعلى الجانب المقابل يتمسك بعض الناس بأشياء أخرى مثل الخرز الأزرق والجعران والتمائم وكلمات معينة أو أرقام معينة أو أفعال معينة وغيرها لأنها تجلب لهم الحظ الجيد، أي بسبب التفاؤل... وتعد الرغبة في المزيد من السيطرة أو الثقة واليقين أهم القوى الدافعة وراء الإيمان بمعظم الخرافات؛ إذ يميل البشر دائما للبحث عن نوع من القواعد، أو القوانين، أو التفسير للطريقة التي يجري بها العالم. وفي أحيان كثيرة بالنسبة لغالبية الناس يكون خلق اليقين الزائف أفضل من عدم اليقين على الإطلاق.
ونحن جميعا نتعلم السلوكيات الخرافية من خلال عملية تعزيز بسيطة. فالمبدأ الأساسي وراء التعزيز هو أنه عندما يبدو أن إجراءًا معينا يؤدي إلى النتيجة المرجوة فإننا نكرر ذلك الإجراء كالنقر 3 مرات على الكرة قبل بدء المباراة مثلا، ويتضمن معظم السلوك الخرافي الذي نتعلمه من خلال التعزيز عملية مباشرة إلى حد معقول تربط السبب والنتيجة. وهذا هو أساس التعلم الإجرائي. إذ يحدث أن يقوم الشخص بفعل السلوك الخرافي –لسبب أو لآخر- في نفس الوقت مع السلوك الذي يتم تعزيزه بالفعل، ثم يرجع الشخص التعزيز الحاصل للسلوك الخرافي... وبالتالي يسعى إلى تكرار السلوك الخرافي ليحصل على التعزيز ويصبح السلوك طقسا يتم تكراره، وأغلبنا إن لم نكن كلنا لدينا شيء من ذلك، وبالعكس كذلك يمكن أن نتشائم من سلوك فنتحاشى تكراره، فإذا قمت مثلا بتحميل وإعداد برنامج جديد على جهاز الكومبيوتر ثم تعطل الجهاز بعدها فإنك غالبا ستميل إلى الاعتقاد بأنه كان السبب وبعدها ستتحاشى هذا البرنامج رغم أنك لا تملك دليلا على أن سبب عطل جهازك هو فعلا إجراؤك لذلك الإعداد... إذا حدث ذلك فإن سلوك التحاشي هنا هو سلوك خرافي، وحاليا كثيرا ما نجد المعتقدات الخرافية الحديثة عبارة عن أفكار مجردة إلى حد ما حول سبب الظواهر الخارقة (التخاطر Telepathy ، التبصر عن بعد Clairvoyance الإدراك المسبق Precognition). وهي أفكار موجودة في كل الثقافات، وداخل أي مجتمع، وتقاوم التغيير بالعلم إلى حد كبير.
الخرافة واضطراب الوسواس القهري:
يمارس كثير من مرضى الوسواس القهري طقوسًا معينة بطرق معينة مرات ومرات، سواء انطوت على التكرار أو التحاشي، وبعض أعراض الوسواس القهري تتشابه مع بعض السلوكيات الخرافية الشائعة، كما يتشابه سلوك الشخص المؤمن بالخرافة مع سلوك مريض الوسواس القهري، وربما كل من اضطراب الوسواس القهري وسمة الميل لتصديق الخرافة يمثلان طريقة كفاح للتعامل مع ظروف صعبة يواجهها الإنسان، إلا أن المرضى يختلفون عن الآخرين في أن طقوسهم تتسم بفرط التكرارية وعادة ما تعيق حياتهم اليومية كما يواجهون صعوبة كبيرة في التكيف مع أي تغيير في روتينهم الخاص، ودائما يكون التأثير على الأداء هو الخط الوحيد الفاصل بين ما هو مرض وسواس قهري وما هو ناتج عن سمة تصديق الخرافة.
وبشكل عام أدت العلاقة الظاهرة بين أعراض اضطراب الوسواس القهري والمعتقدات الخرافية أو ما يسمى أحيانا بالقناعات الوسواسية Obsessive Convictions إلى افتراض البعض أن تصديق الخرافة والوسواس القهري يمثلان نقطتين على متصل معرفي سلوكي واحد بل إلى افتراض أن الإيمان بالخرافة يمكن أن يكون عرضا من أعراض الوسواس القهري تحت السريرية أي التي لا تدفع صاحبها إلى طلب العلاج، كما أدى ذلك التشابه إلى افتراض دور سببي للإيمان بالخرافة في حدوث اضطراب الوسواس، وهو ما اتضح عمليا أنه افتراض غير صحيح (Brugger, & Viaud-Delmon, 2010).
ومن المهم في حالات الوسواس القهري التمييز بين الاعتقاد أو التفكير الخرافي Superstitious Thinking (أو التفكير السحري Magical Thinking) والسلوك الخرافي Superstitious Behavior إذ يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر، وهو ما يعني إمكانية وجود تمثيل عصبي دماغي مختلف أي دوائر عصبية مختلفة ولو جزئيا لكل منهما، فالسلوك الخرافي يعني طقوسًا (عادة حركية بشكل أو بآخر) تقوم بها لتحقيق نتيجة محددة. ويمكن أن يحدث السلوك الحركي الخرافي في الأفراد الأصحاء دون أن يصاحبه اعتقاد خرافي (مثلا في قوى مسببة غير موجودة)، كذلك قد يتم تكوين المعتقدات الخرافية دون وساطة مباشرة من قبل النظام الحركي أي دون طقوس حركية، ولهذا اقترح اختلاف الدوائر العصبية المسؤولة عن نشأة السلوك الخرافي عن تلك المسؤولة عن التفكير الخرافي (Brugger, & Viaud-Delmon, 2010)
ومن الباحثين من يربط التفكير والسلوك الخرافي بسمات الشخصية القسرية وبالتدين ومنهم من ينفي ذلك الارتباط، فهل هناك نوعٌ ما من العلاقة ما بينَ القسرية أو القهرية في السلوك البشري وبينَ الإيمان بالخرافات؟، الحقيقةُ أن هناكَ اختلافًا في الآراء ما بينَ الدراسات والأبحاث المختلفة، فهناكَ من رأوا أن العلاقة بينَ السلوك القهري والإيمان بالخرافةِ علاقةٌ غير مباشرةٍ في أحسن الأحوال (Leonard et al.,1990)، وهناكَ من رأوا أن العلاقةَ بينَ هذين النوعين من السلوك هيَ علاقةٌ أكيدةٌ (Frost et al.,1993)، وواقع الأمر أن الاستعداد للإيمان بالخرافات يمكنُ أن يكونَ موجودًا بدرجات مختلفة عند جميع الناس ممن لا يعانونَ من أي اضطراباتٍ نفسيةٍ ومن ذوى الاضطرابات النفسية المختلفة ومن أصحاب اضطرابات الشخصية المختلفة وسمات الشخصيات المختلفةِ وهناكَ من يربطونَ ما بينَ بعد الاستعداد لتصديق الخرافات خاصةً التفاؤل والتشاؤم وهو موضوع حديثنا هنا وبينَ كونِ أداء الشخصية ضعيفًا بوجه عام، وهناكَ أيضًا من يركزونَ على أهمية الإيمان بالخرافة في تطوُّرِ المجتمعات البشرية كلها وفي تطور علم النفس نفسه(Smith, 1992) .
الوساوس الخرافية (السحرية):
لعل ما يميز الأفكار الوسواسية الخرافية عن أي نوع من الأفكار الوسواسية، هو احتواؤها على نوع من السببية السحرية أو الإسناد السحري ومن غير الواضح ما إذا كان المرضى يقومون بهذا الإسناد بأنفسهم، أو ما إذا كان جزءًا من اضطراب الوسواس نفسه. فتجد المرضى يعتقدون مثلا أن الضرر يمكن أن يحدث من خلال الأرقام غير المحظوظة أو مضاعفات تلك الأرقام، أو ببساطة عن طريق السماع عن أشياء سيئة تحدث للآخرين، أو من خلال التفكير أو رؤية كلمات أو صور معينة، أو بسبب تنفيذ (أو نسيان) بعض الأفعال أو السلوكيات، أو من خلال الألوان غير المحظوظة، أو من خلال "اللبس بالأرواح"، أو عن طريق الاتصال بالأماكن أو الأشياء أو الأشخاص المرتبطين بمناسبات غير سارة أو محزنة. يمكن أن يكون الاتصال في هذه الحالة الأخيرة عقليًا أي "لا تلامسي" أو جسديًا بحتًا أي "تلامسي"..... وهناك شرح مفصل للتفكير الخرافي في الموسوسين من حيث أشكاله وأنواعه والقوانين السحرية التي تسيطر عليه معروض على الموقع منذ سنوات.
القهور الخرافية (السحرية):
تتضمن أبسط القهور السحرية (أو الخرافية) تجنبًا بسيطًا للكلمات السحرية والأرقام والأشياء والألوان والأشخاص وما إلى ذلك. ويعتبر التجنب أو التحاشي هنا فعلا قهريا سحريًا لأنه يتم استجابة للوساوس السحرية. ويمثل التجنب وسيلة المريض للسيطرة، وكثيرا ما يتعامل المريض مع الوساوس السحرية بقهور سحرية أو خرافية. وهناك أنواع أكثر تعقيدًا من القهور السحرية حتى أن منها ما يشبه ممارسات السحر القديم ويميل المريض إلى اتباع قواعد صارمة أو خطوات دقيقة، وعادة ما يجب تكرارها إذا لم يتم تنفيذها بشكل مثالي!!. وهذه القهور التي يتم تكرارها بنفس الطريقة هي "الطقوس أو القهور الطقسية". ولأن الهدف منها يكون إبطال مفعول الوسواس بالأثر السحري أو نفيه وإلغائه فإنه يُشار إليها كذلك باسم "طقوس الإبطال" Undoing Rituals ومثلا يتم الإبطال من خلال استخدام عكس الكلمة المؤذية أو التفكير في كلمات تعزز الصحة ردًا على الأفكار المتعلقة بأسماء الأمراض.
ومن أمثلة السلوكيات السحرية القهرية التي تؤدى كطقوس إبطال أيضًا ما يلي:
1- العد حتى أو بعد أرقام معينة
2- تلاوة أو التفكير في كلمات أو أسماء أو أصوات أو صور أو عبارات أو أرقام معينة
3- تحريك الجسم أو الإيماء بطريقة خاصة
4- المشي بطرق خاصة أو في أماكن خاصة عند المشي أو بشروط خاصة مثل ألا يدوس على ظل أحد وإلا انتقلت صفاته إليه.
5- القيام بأعمال جسدية في الاتجاه المعاكس
6- التفكير بالعكس
7- تكرار كلمات المرء أو كلمات الآخرين
8- تكرار الاعتذار لشخص آخر أو لله تعالى
9- أداء السلوكيات في أوقات خاصة أو في تواريخ معينة
10- لمس أشياء معينة بطريقة خاصة أو لعدد معين من المرات
11- التحديق في أرقام أو كلمات معينة لإلغاء أرقام أو كلمات أخرى تعتبر نحسا.
وتظهر قراءة الأمثلة أعلاه تلك العلاقةَ الأكيدةَ ما بينَ السلوكِ القهري أو الأفعال القهرية وبينَ طريقة التفكير الخرافي أو السحري والتي يتسمُ بها كثيرٌ من الموسوسين فيبالغونَ في توجسهم من عواقب عدم استجابتهم لوساوسهم، أو تراهم يفسرونَ الرابطةَ بينَ ما يفعلون من طقوس وبينَ ما هي مفعولةٌ لأجله بطريقةٍ مخالفةٍ للمنطق، ولنتأمل بعض الأمثلةِ لمرضى و.ت.غ.ق وغيرهم تبين الأفكار السحرية والقهور المتعلقة بها:
1- أمثلة لظاهرة انصهار/اندماج الفكر الشيء أ.ف.ش Thought Object Fusion
التفكير في الأمور الجنسية أثناء المذاكرة يلوث الكتب والمكتب
لمس بناتي وأنا أفكر في الجنس يؤذيهن
تفكيري في الجنس أثناء نشر الغسيل ينجسه
كل ما ألمسه وأنا حائض ينجس لابد يُطهر !
تذكر صورة «فلان أو كذا» أثناء الغسيل أو التطهير يفسده.. لا بد من الإعادة !
2- أمثلة لظاهرة اندماج الفكر-الفعل أ.ف.ف الأخلاقي Thought Action Fusion
إذا فكرت في الجنس أو رأيت صورة أو مشهدا جنسيا لابد من الغسل.
تخيل صورة جنسية يفسد الوضوء
إذا نطق أحد ابنائي هذه الكلمة مثلا فأر فلابد من غسيل فمه جيدا.
ما لم أرد على السب الكفري داخلي فقد خرجت من الدين ولأعود لابد من الغسل.
3- ومن موسوسي التلوث بالموت من يتخلص من ثيابه إذا شارك بها في جنازة لأن إعادة ارتدائها أو حتى الاحتفاظ بها يعني مزيدا من الموتى والجنائز.... فعلى خلفية من التقزز والخوف من الموت تبرز الفكرة السحرية أن الموت ينتقل ويمكن أن يحدث ذلك عبر الثياب فيرى المريض أنه لابد أن يتخلص من ثيابه وأن يغتسل مثلا 7 مرات متتالية وهي طقوس سحرية.
المراجع :
1- Brugger, P; Viaud-Delmon, I (2010). Superstitiousness in obsessive-compulsive disorder Dialogues in Clinical Neuroscience, 12(2):250-254.
2- Leonard HL, Swedo SE, Garvey , M. A (1999) : Postinfectious and other forms of Obsessive Compulsive Disorder. Child & Adol. Psychi. Clin North Am. Vol. 8 . p. 497-511.
3- Frost, R. O.; Krause, M. S.; McMahon, M. J.; Peppe, J. (1993) : Compulsivity and superstitiousness. Behavior Research and Therapy, 31, 423-425.
4- Smith, N. W. (1992) : The distant past and its relation to current psychology: A tour of psychophysical dualism and non-dualism. Mankind Quarterly, 32, 261-273.
5- وائل أبو هندي (2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة إصدار يونيو 2003 عدد 293
ويتبع >>>>>: الخرافة والوسواس القهري ما العلاقة؟2
واقرأ أيضًا:
وسواس اللااكتمال التكرار القهري و.ل.ت.ق مقدمة2 / شعور اللاّكتمال وخبرات ليس صحيح تماما خ.ل.ص.ت NJREs