مطلب الوحدة استحوذ على وعي الأجيال طِيلَة القرن العشرين، وما تَوَصَّل إلى خطوة ذات قيمة بهذا الاتجاه لأنه وهمٌ لا رصيد له من الواقع الذي يُراد له أن يكون فيه.
دعوات الوحدة العربية عَصَفت بأرجاء مجتمعاتنا خصوصًا في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهت إلى ما آلت إليه من تداعيات وصراعات كشفها عَارِيَةً العقد الأخير منه، ولا تزال مُعْطَيَاتها متواصلة.
فكانت نظرية خيالية فيها درجة عالية من الفنتازيا، وما تحرَّكت بواقعية وقدرة على إنجاز خطوات وَحُدَوِيَّة ذات قدرة على الحياة والتطور والنماء.
انطلقت بها الأحزاب القومية، وحملت رَايَاتِها مصر، وأنْجزت تجربتها الفاشلة مع سوريا، والتي طَعَنَت الوحدة في خَاصِرَتِها، ومنها انطلقت الطَّعَنات القاتلة التي انتهت باحتلال دول عربية لبعضها وكأنَّها سدَّدت الضَّرْبَة القاضية للوحدة.
ولا تزال بعض المَنَابِر تدعو إليها وكأنها ليست في واقعها، وإنَّما عائدة إلى ذلك الزمن الذي دَفَنَتْهُ سبعة عقود أو يزيد، وتَرَاها تُنادِي بالوحدة.
الوحدة مفهوم بَائِد في زمننا المعاصر... المطلوب التركيز على القدرات الوطنية، والحفاظ على كيان الدولة السِّياِديَّة، ومعرفة ابتكار مهارات وآليات التفاعل الإيجابي مع غيرها من الكينونات القائمة في الدنيا.
الوحدة صارت تعني أن يجتهد العرب بتأمين سُبُل التفاعل الإيجابي فيما بينهم، وتأكيد مَصَالِحِهِم، والعمل على تنمية قدراتهم الثقافية والعلمية، والإيمان بالبِنَاء والتقدم كلٌّ في مكانه وبِمُؤَازَرِة أَخِيه، فالشعور بالمصالح المشتركة والمصير الواحد هو الوحدة بَعَيْنها... أما النظرة البِدَائِيَّة الطُّفولِيَّة للوحدة فإنَّها أمر مُسْتَهْجَن وبعيد عن مُعْطَيَات العصر المُتَوَثِّب بِطَاقاتِه الابتكارية الفَيَّاضة.
فِلِتَرْتفع مفاهيم التفاعل الإيجابي بين الدول العربية، وبهذا التواصل المِعْطاء، ستُبْنَي قدرات أمة ذات رجاء.
فهل من إرادة خير يا أمة الخير؟!
واقرأ أيضاً:
الهُرَائِيَّة / أمريكا والكراسي العربية / لعبة الدين والبلاء / عراق قوي ومصر قائدة