ربط الصرع بالطب النفساني2
الذهان Psychosis
عند الحديث عن الذهان في الصرع هذه الأيام فالموضوع يتعلق بمجموعتين من الاضطرابات الذهانية. المجوعة الأولى هي اضطرابات ذهانية مزمنة تحدث ما بين النوبات الصرعية وتشبه الفصام في أعراضها إلى حد ما. المجموعة الثانية هي لحالات تخليطية انتيابيه Episodic Confusional states متزامنة مع النوبات الصرعية أو الفعالية الصرعية، وظاهريا لا تختلف في الكثير في الغالبية عن حالات تخليطية حادة في مختلف الاختصاصات الطبية.
يتم استعمال مصطلح اضطرابات الصرع الذهانية المشابهة للفصام SLPE Schizophrenia-like psychoses of epilepsy في وصف الذهان المزمن 11 . أعراضه لا تختلف عن الفصام، وكثيراً ما يظهر بعد سنوات عدة من الإصابة بالصرع. إطار الأعراض الذهانية لا يختلف عن الفصام، ولكن ربما محتوى الوهام والهلاوس له علاقة بظروف المريض بسبب الصرع. لا توجد علاقة بين الفعالية الصرعية والسيطرة على النوبات الصرعية عموماً في هذا النوع من الذهان.
يتم استعمال مصطلح نوبات ذهان انتيابية لوصف مجموعة النوبات الحادة ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مجموعات. المجموعة الأولى هي مجموعة الذهان التالي للنوبة الصرعية Postictal Psychosis وهو أكثر أنواع الذهان الحاد انتشاراً. يتبع ذلك مجموعة الذهان المحدث بالعقاقير سواء ذلك كانت عقاقير مضادة للصرع أو عقاقير محظورة. انتشر مفهوم الحشيش كمادة كيمائية مضادة للصرع، وليس من المستغرب ملاحظة أعراض ذهانية مصدرها مستحضرات غير قانونية تحتوى على الحشيش. الذهان التالي للصرع كثير الملاحظة مع نوبات صرعية جزئية تتفاقم فجأة ومصدرها بؤرة في الفص الصدغي. بعد تعافي المريض من النوبة يحدث تدهور في حالته العقلية بعد ١٢- ٧٢ ساعة، وأعراض الذهان تتميز بكونها فصامية أو وجدانية المحتوى بالإضافة إلى الأعراض التخليطية. يتحسن المريض تلقائيا خلال أسبوع، وإن تم عمل تخطيط دماغ كهربائي فقد يمكن ملاحظة فعالية صرعية أو أمواج بطيئة.
المجموعة الثالثة هي مجموعة الذهان المتناوب Alternating Psychosis الذي يحدث في مرحلة السيطرة الكلية أو شبه الكلية على النوبات الصرعية، والتطبيع القهري Forced Normalization هو التفسير العلمي لتفسير ظاهرة الذهان المتناوب، ولكن لا يتم استعمالها سريريا إلا إذا تم الحصول على الدليل بوجود تخطيط دماغ كهربائي طبيعي مقارنة بتخطيط دماغ كهربائي سابق غير طبيعي. وصفه لاندولت Landolt في الصرع الجزئي 12 ، ولكنه أيضاً كثير الملاحظة في المرضى الذين يتم علاجهم باستعمال عقاقير سكسنمايد Succinimide ويتم استعمال مصطلح مجموعة سكسنمايد لوصفهم.
الأمراض العصبية والطبنفسانية المصاحبة الصرع
المفهوم السائد هذه الأيام في الحديث عن الأمراض الطبنفسية المصاحبة للصرع هو العلاقة الثنائية التوجه Bidirectional Relationship بين الصرع والأمراض الطبنفسانية 5 وكذلك بين الصرع والأمراض العصبية. يمكن تقسيم هذه العلاقة في الطب النفساني أولاً بين الصرع من جهة والاضطرابات العصبية التطورية التي هي عجز الانتباه وفرط الحركة وطيف الاضطرابات التوحدية، ثانياً بين الصرع واضطرابات القلق والمزاج، وثالثاً العلاقة بين المجموعات الثلاث.
ما يعنينه المفهوم الثنائي التوجه هو أن المراجعين المصابين بالصرع أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بالاضطرابات أعلاه، ولكن المصابين بالاضطرابات الأخيرة هم أيضاً أكثر احتمالا من غيرهم أن يصابون بالصرع. تكمن أهمية المفهوم في تغييره للقاعدة الطبية العامة بأن العقاقير المستعملة في علاج الأمراض الطبنفسية ليست هي السبب في إصابة المريض بنوبات صرعية وإنما ظهور الصرع هو مسار طبيعي للمرض الطبنفساني بحد ذاته. جميع هذه الاضطرابات قد تظهر في مرحلة ما في المرضى المصابين بالصرع ويتراوح انتشارها ما بين ٣٠٪ لاضطرابات القلق والمزاج وعجز الانتباه وفرط الحركة، ولا يقل انتشار الاضطرابات الذهانية عن ٧٪.
اضطرابات المزاج المتمثلة بالاكتئاب كثيرة الملاحظة في المصابين بالصرع لأسباب مختلفة، ولكن الملاحظ هو غياب الدراسات الميدانية عن اضطراب الثناقطبي 13 . فهناك دراسات تشير إلى أن انتشار الثناقطبي في المصابين بالصرع لا يقل عن ضعف انتشاره في بقية الناس، ولكن تشخيصه أصعب من غيره بسبب اختلاط وتناوب الأعراض المختلفة من مزاجية وذهانية وصرعية في المريض نفسه، وغالبا ما يتم تفسيرها بنوبات ذهانية مصاحبة للنوبات الصرعية. كذلك يمكن تفسير الظاهرة بأن العقاقير المضادة للصرع قد تلعب دورها في تغيير مسار الثناقطبي في المريض نفسه.
أما الأمراض العصبية المصاحبة للصرع فهي متعددة وتشمل الجروح الدماغية الرضية، الأورام، الأمراض الوعائية، أمراض المناعة الذاتية، والشلل الدماغي Cerebral Palsy. كذلك ما نستوعبه أن العقاقير المضادة للصرع قد يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي على هذه الأمراض. الكثير من هذه الأمراض يصاحبها اضطرابات طبنفسي أو أعراض نفسانية مختلفة ولكن العلاقة الثنائية التوجه لا توجد إلا في الخرف، الضربة الوعائية الدماغية Stroke ، الشقيقة والاضطرابات التطورية العصبية. لا توجد علاقة ثنائية التوجه ما بين الصرع من جهة والشلل الدماغي، جروح الدماغ الرضية، والتصلب المتعدد رغم شيوع الأعراض الطبنفسية فيها.
نوبات مجاورة للنوبة الصرعية
لابد من الحديث عن هذا الموضوع في جزء خاص به لتوضيح المفهوم أولا وفصله عن الأعراض الطبنفسانية المصاحبة للصرع. المجموعة الأولى من النوبات تعرف بنوبات سابقة للنوبة الصرعية Preictal Episodes وتتميز بتعكر المزاج بين ساعات عدة إلى ثلاثة أيام قبل حدوث النوبة الصرعية. يتفاقم أمر هذه الأعراض في الكثير لفترة ٢٤ ساعة قبل حدوث النوبة، وتتحسن الأعراض في الغالبية بعد ذلك إلا في أقلية حيث تستمر لعدة أيام.
كان الحديث أعلاه عن النوبات الذهانية التالية أو ما بعد النوبة الصرعية، ولكن ليس جميع هذه النوبات ذهانية. تتعدد أعراض هذه النوبات، وتشمل القلق، الاكتئاب، السلوك الاندفاعي، التفكير الانتحاري، والتهيج بالإضافة إلى الأعراض الذهانية. لا تستجيب هذه الأعراض للعلاج باستثناء الأعراض الذهانية، والتخلص منها لا يتم إلا مع السيطرة الكاملة على النوبات الصرعية. يكثر ملاحظتها في الصرع البؤري المقاوم للعلاج، وقد تتأخر بداية الأعراض لفترة عدة أيام مما يؤدي إلى تشخيص اضطرابات نفسية ما بين النوبات الصرعية.
الظاهرة الثالثة للنوبات المجاورة للنوبة الصرعية هي مجموعة الأعراض الصرعية الطبنفسية التي لا يسهل تشخيصها وكثيرا ما ينتهي المريض بالحصول على تشخيص اضطرابات القلق والاكتئاب بدلاً من الصرع. أكثر الأعراض انتشارا هو الهلع (٦٠٪) الصرعي ويتبعه الاكتئاب.
أما المجموعة الأخيرة من النوبات المجاورة للصرع فتتميز بأعراض طبنفسية وسلوكية وأسبابها هي التطبيع القسري، ورم وطائي عابي 14 Hypothalamic Hamartoma والحبسة الصرعية الطفلية Epileptic Aphasia of Childhood.
التطبيع القسري 12 هو تشخيص لا يمكن الوصول إليه إلا مع عمل تخطيط دماغ كهربائي، ورغم الإشارة إليه كاضطراب ذهاني لكن الأعراض الاكتئابية أكثر شيوعا وغالبا لا يتم تشخيصها بسرعة. والظاهرة على عكس ما يتصور البعض شائعة في الصرع المقاوم للعلاج ولا تتحسن الأعراض إلا مع حدوث نوبة صرعية. هذه الظاهرة أكثر ارتباطاً بعقاقير معينة مثل كلوبازام Clobazam فيكاباترن Vigabatrin وسكسنمايد.
الملاحظات والمصادر (الضغط على الواصل)
11- هناك علاقة قوية ما بين الصرع والفصام، واحتمال إصابة المصاب بالصرع بالفصام هو ثلاثة أضعاف غيره. لا يختلف انتشاره ما بين الذكور والإناث، والدراسات الميدانية الأخيرة لا تساند الرأي الشائع بأن هناك علاقة ما بين نوع الصرع واحتمال الإصابة بالفصام.
12- ظاهرة الصرع المتناوب لا يسهل تشخيصها خاصة أن رعاية المريض المصاب بالذهان تتم في غالبية الحالات خارج مراكز الصرع، وخاصة مع بداية انتكاسة المريض. رغم أن هناك بعض الآراء التي تشكك في قيمة المفهوم وفصله عن بقية أنواع الذهان المصاحبة للصرع، ولكنه ظاهرة لا يصعب ملاحظتها في المراكز التي تعني بالمراجعين المصابين بصرع مقاوم للعلاج.
13- المسار العرضي لانتكاسة الصرع أحياناً لا يختلف في إطاره عن انتكاسات الثناقطبي، وقد يفسر صعوبة تمييزه في مراكز علاج الصرع وكذلك في المراكز الطبنفسانية.
14- حالات نادرة في الطفولة لا تستجيب للعلاج وتحتاج إلى تداخل جراحي.
ويتبع>>>> : ربط الصرع بالطب النفساني4
واقرأ أيضًا:
المشورة والإنسانية Counseling & Humanism / الطب النفسي الحركي Dynamic Psychiatry