الدماغ بين العاطفة والحكم الأخلاقي Emotions, Moral Judgment & The Brain
العقل بين العاطفة والحكم الأخلاقي الحكم الأخلاقي الذي يصدره إنسان على آخر لا يرتبط فقط بالوظائف العقلية وإنما بالعاطفة كذلك. القاعدة العامة هي أن الإنسان الذي هو في حالة عاطفية شديدة يميل إلى إصدار أحكام أخلاقية متطرفة على الآخرين. كما يعالج الإنسان أفكاره في القشرة المخية فهو كذلك يعالج العواطف في القشرة المخية الجبهية٬ والذي يعاني من تلف في قشرة الفص الجبهي الأمامي الأوسط يتميز بأداء غير طبيعي في المهام العقلية التي تعتمد على العاطفة. يمكن الاستنتاج بأن العاطفة والحكم الأخلاقي يتم معالجتها في الفص الجبهي الأمامي للدماغ.
النموذج النفساني للتعامل مع العواطف المتفق عليه موضح أدناه. هناك مواقف وظروف معينة يمر بها الإنسان باستمرار يصاحبها جوانب عدة تتعلق بتركيزه للموقف والظرف كرد فعل للعاطفة التي يشعر بها. ذلك بدوره يؤدي النتاج معنى خاص بالطرف وقد يصاحبها تقييم وتغيير معرفي. النتيجة هي شعور الإنسان بعاطفة ما كرد فعل لمدة استقباله أعلاه في ذلك الوقت والمكان. بعد رد الفعل العاطفي يتحكم الإنسان بسلوكه وعموماً لديه القدرة على كبت العاطفة أو تنفيذ عمل ما.
المخطط الثاني يمثل لنا نتائج البحوث المتعددة في مناطق الدماغ تتعامل مع التنظيم العاطفي يلعب الجاهز الحوفي والقشرة المخية الأمامية دورها في التعامل مع العاطفة ورد فعل الإنسان عملياً لهذه العاطفة.
المعالجة العاطفية غير الطبيعية تتميز بما يلي:
عدم التعاطف مع الغير
عدم الشعور بالإحراج
عدم الشعور بالذنب
عدم الميل إلى التسامح
سرعة الشعور بالغضب
هذه الصفات هي التي تميز الإنسان الذي نعرفه سايكوباث. كذلك ترى بأن هذا الإنسان يستوعب الخطأ الأخلاقي بصورة سطحية ولا يستطيع أن يميز بين تجاوز أخلاقي يؤدي إلى إلحاق الأذى بالضحية وتجاوز آخر مثل آداب المائدة المتعارف عليها في الثقافات المختلفة. ولكن مع كل ذلك ترى سايكوباث أكثر مهارة من غيره في تبرير تجاوزه الأخلاقي وإن تم فحصه نفسيا مع استعمال أدوات بحوث نفسية فستحصل على إجابات مثالية تتناقض كلياً مع سلوكهم على أرض الواقع٬ فلذلك لا فائدة من إجراء مثل هذه الفحوصات والاعتماد كلياً على الحقائق السلوكية على أرض الواقع.
الجرائم الجنسية والحكم الأخلاقي
يكثر الحديث عن العجز العاطفي والحكم الأخلاقي لمرتكبي جرائم العنف والإرهاب٬ ولكن مرتكبي الجرائم الجنسية يتشاركون معهم في عطل معالجة العاطفة وإصدار الحكم أخلاقياً. يشمل ذلك مرتكبي جرائم الاغتصاب والتحرش بالأطفال في مختلف الأعمار. رغم أن هناك ملاحظة سريرية تشير إلى أن مرتكبي جرائم التحرش بالأطفال لديهم صفات شخصية لا تشير إلى تشخيصهم سايكوباث٬ ولكن معالجتهم للعواطف وإصدار الحكم الأخلاقي لا يختلف كثيراً عن مرتكبي الجرائم المروعة. بعبارة أخرى يمكن القول بأن إطار شخصية المتحرش بالأطفال وفعاليته العقلية لا تختلف عن أي سايكوباث ولكن محتوى سلوكهم يختلف عنهم.
كذلك ترى أن مرتكبي الجرائم الجنسية بالأطفال والبالغين يتميزون بتشوهات معرفية تبرر تجاوزهم الأخلاقي مثل أن الضحية استمتعت بالاغتصاب وأن الأطفال لديهم ميول جنسية٬ وفعلهم لم يلحق أي أذى بالضحية!
الخطل الجنسي أو البارا فيليا
هي مجموعة اضطرابات جنسية نفسية تتميز بسلوكيات منحرفة ودوافع جنسية غير طبيعية. هناك أنواع متعددة من الخطل الجنسي وأكثرها دراسة هو السادية حيث يستمتع مرتكب الفعل السادي جنسياً بإلحاق الأذى الجسدي بالشريك الجنسي٬ ويتمتعون جنسيا بمشاهدة سلوكيات جنسية عنيفة. الساديون أقل احتمالا من مرتكبي الجرائم الجنسية في إظهار تشوهات معرفية التي تبرر تجاوزاتهم الأخلاقية الجنسية لأن سلوكهم بحد ذاته مصدر إشباعهم الجنسي.
يمكن القول بأن السايكوباث لا يبالي بمعاناة الضحية٬ مرتكب الجرائم الجنسية يبرر سلوكه ويدعي رضى الضحية٬ والسادي لا يبالي بمعاناة الضحية ولكن يستمع بها كذلك.
الخطل الجنسي في تصنيف الأمراض النفسية العالمي الحادي عشرICD 11
تصنيف الخطل الجنسي لا يخلو من التعقيدات في الممارسة المهنية ويتأثر بثقافة المجتمع والمعايير الأخلاقية السائدة. التصنيف الجديد يعتمد كلياً على ممارسة سلوك جنسي ضد رغبة الشريك الجنسي أو السلوكيات التي تؤدي إلى إلحاق الأذى جسدياً أو نفسياً بالشريك. على ضوء ذلك تم حذف الفيتشية٬ ولبسة الجنس الآخر٬ والسادية المازوشية من التصنيف واستحداث مصطلح جديد هو اضطراب السادية الجنسية القسرية٬ واضطراب التجلط.
اضطرابات الخطل الجنسي الجديدة هي:
اضطراب الاستعراض Exhibitionism
اضطراب التلصص Voyeurism
السادية الجنسية القسرية Coersive Sexual Sadism
بيدوفيليا (عشق الأطفال) Pedophilia
اضطراب الاحتكاكية (التزنيق) Frotteuristic Disorder
اضطرابات أخرى
الاستنتاجات
الغاية من هذا المقال هي إلقاء الضوء على الخلفية البيولوجية المشتركة في عالم الجريمة. مرتكب الجريمة الذي نعرفه سايكوباث يتميز بعطله مخياً في معالجة العواطف وإصدار أحكام أخلاقية شخصية خاصة به. هذا العطل المخي لا يختلف في إطاره عن عطل مرتكبي الجرائم الجنسية المختلفة ضد البالغين والأطفال. ما يجب الانتباه إليه أن اضطرابات الخطل الجنسي المختلفة كذلك قد تتميز بنفس العجز المخي في معالجة العاطفة وإصدار الحكم الأخلاقي على الضحية.
هذه المجموعة من البشر لا تختلف عن بقية الناس في سلوكياتها الأخرى حيث ترى الكثير منهم يتمسكون بالأعراف الدينية والأخلاقية السائدة بل وحتى البعض منهم هم رجال دين. كذلك هناك الفقير وهناك الغني٬ وهناك المتعلم وهناك الجاهل. كذلك ترى مثل هذه السلوكيات شائعة في الطغاة من الزعماء ويكفي أن تتبع سيرتهم عبر التاريخ.
الحقيقة المرة هي عدم وجود علاج فعال لمثل هذه الاضطرابات بل إن الكثير من العاملين في الصحة النفسية لا يرى مبرراً لتصنيف هذه الاضطرابات ضمن الاضطرابات النفسية. التعامل معهم في مجال الصحة النفسية يرتكز على حقيقة واحدة فقط وهي حماية الآخرين منهم.
واقرأ أيضًا:
تجديد الذات / الذاتوية (التوحد) الطيف الذاتوي1