الدول الديمقراطية المعاصرة كانت تحكمها أنظمة استبدادية جائرة، تستعبد أبناءها وتصادر حرياتهم وحقوقهم.
ولم تتبدل أساليب الحكم فيها، إلا بعد إعمال العقل وإطلاق قدراته العلمية والابتكارية فأدّت إلى الثورة الصناعية، التي زعزعت النظام الحياتي، وفرضت ما يناسبها من آليات تفاعلية ما بين الحكومة والشعب، وكانت الفكرة الديمقراطية، وتطورت مع تنامى وازدهار المسارات الصناعية.
أي أن الديمقراطية مولودة من رحم الثورة الصناعية، والقول بالقدرة على بناء أنظمة ديمقراطية في مجتمعات تعطل العقل وتهين العلم، وتهمل الصناعة، نوع من الهذيان والبهتان.
فلا توجد دولة ديمقراطية لا تصنع، فلكي تبني نظاما ديمقراطيا عليك أن تصنع، وأن تسمح للعقل بالتفاعل الحر اللازم للإتيان بما ينفع.
إن فشل الديمقراطية في بعض المجتمعات سببه جهلها لمقوماتها وعناصرها الأساسية، ويأتي في مقدمتها العقل الحر الفاعل، والنشاط الصناعي المتواصل، وإدامة قدرات الاقتصاد بميادينه المتنوعة، الزراعية والحيوانية والعمرانية وغيرها.
كما أن للتعليم المعاصر دوره في إرساء الروح الديمقراطية، فإذا كان التعليم ضعيفا أو متأخرا، فإن بناء المجتمع الديمقراطي ضرب من الخيال.
أما إذا انتشرت الثقافات العقائدية بأنواعها وانحرافاتها وتطرفاتها فلا يجوز الحديث عن الديمقراطية.
إن ما يحصل في بعض المجتمعات باسم الديمقراطية، لايمت بصلة إليها لأنها تفتقر لأبسط مقوماتها، وهي حرية التعبير واحترام قيمة الإنسان، وتوفير حاجاته وعدم انتهاك حقوقه الطبيعية.
ولفقدان هذه المرتكزات انتشر الفساد وتكونت الفئات المسلحة، والعصابات المتسلطة على مصير الناس.
ولكي تتعافى هذه المجتمعات من ورطة الديمقراطية، عليها أن تبذل جهودا حقيقية وطنية صادقة لتشجيع إعمال العقل، وتأهيل التعليم وتدريس مناهج التفكير العلمي، والقيام بمشاريع صناعية ذات قيمة اقتصادية.
وتحفيز القطاع الخاص على المبادرة ببرامج إنتاجية تستثمر في طاقات المواطنين، وتحرر إبداعاتهم اللازمة لبناء الحاضر والمستقبل.
فهل لنا أن نحقق ثورتنا الصناعية لنبني تجربتنا الديمقراطية ونكون في عصرنا؟!!
واقرأ أيضاً:
المفكرون والمفكرون!! / العقل المستورَد!!