الجهاز البصريII : المسارات البصرية والمناطق البصرية تحت القشرية
القشرة البصرية الأولية Primary Visual Cortex (V1 أو باحة برودمان 17):
تقع القشرة البصرية الأولية (V1) على طول التلم المهمازي Calcarine Fissure للفص القذالي Occipital Lobe وتستقبل مدخولها الرئيسي من النواة الركبية الوحشية، وهذه الاتصالات تنظم بحيث يتم فيها الحفاظ على التموضع الشبكي Retinotopical Organization بحيث تُسْقِطُ المناطق المتجاورة من الشبكية محاويرَها متجاورة أيضا، ولكن الإسقاط الشبكي ليس مجرد خريطة بسيطة لأن العامل الحاسم هو العلاقة النسبية بين المستقبلات الضوئية والخلية العقدية الشبكية التي ترسل محوارها، ويعني هذا أن مركز الإبصار (خاصة النقرة المركزية) يتسَيَّدُ الإسقاط الشبكي إلى القشرة البصرية الأولية (V1) بسبب النسبة التي تقترب من 1 إلى 1 بين المستقبلة الضوئية والخلية العقدية وذلك مقارنة بالأجزاء المحيطية من الشبكية.
وإسقاط النواة الركبية الوحشية للقشرة البصرية الأولية (V1) يكون أساسا للطبقة الرابعة (IV) وهو مختلفٌ لكل من القناة M والقناة P، بينما الإسقاط من الخلايا الواقعة بين صفائح النواة الركبية الوحشية (المناطق داخل الصفيحة) يتجه إلى الطبقات القشرية II و III من القشرة البصرية الأولية V1، ومدخول النواة الركبية الوحشية للطبقة الرابعة (IV) من القشرة البصرية الأولية (V1) ضخم إلى حد أن تلك الطبقة القشرية تقسم إلى V1a و V1bو V1cα و V1cβ، ولكل من هذه الطبقات الرقيقةِ اتصالاتٌ مختلفةٌ نوعا، ولكن بوجه عام فإن العصبونات القشرية في الطبقة V1c تحتوي خلايا الحقلِ القابل المتماثلة الدائرية Circular Symmetric Receptive Field Organization أو خلايا المركز/المحيط Centre Surround وتسقط عصبونات من الطبقة V1c على العصبونات القشرية المجاورة بحيث تسقط عدة عصبونات من الطبقة V1c على عصبون قشري واحد فيصبح حقله القابل أكثر تعقيدا من ناحية المنبه الأفضل لتنشيطه، وتستجيب هذه الخلايا أفضل استجابةٍ لخطٍّ أو عارضٍ من الإضاءة في اتجاهٍ معين وتسمى الخلايا البسيطة Simple Cells، وتسقط هذه الخلايا تباعا أليافا متقاربة إلى العصبونات الأخرى (الخلايا المعقدة Complex Cells) والموجودة أساسا في الطبقتين القشريتين II و III من القشرة البصرية الأولية V1، وأقصى ما ينشطها هي المنبهات ذات التوجيه المحدد وفي اتجاه معين هو غالبا متعامد مع خط توجيه المنبه.
وتشع الخلايا المعقدة إلى الخلايا مفرطة التعقيد Hypercomplex Cells أو (End-stopped Cells) التي تستجيب لخط تنبيه ذي اتجاه وطول محدد، وبالتالي فهذه الخلايا التي كان أول من وصفها هوبل وفيسيل مرتبة في تسلسل هرمي وتستمد كل خلية حقلها القابل من الخلية الواقعة تحتها في ذلك التراتب الهرمي.
وقد اكتشف هوبل وفيسيل أيضا أن العصبونات تنتظم في أعمدة من الخلايا ذات الصفات المتشابهة، وكانت الصفتان اللتان درستا في البداية هما: أي عين تقدم المدخول السائد لعصبون معين أو عمود عصبونات بحيث تكون هناك أعمدة سيادة عينية Ocular Dominance Columns، والصفة الثانية هي اتجاه الخط المطلوب لأقصى تنشيط للعصبونات وهو ما يعطي أعمدة انتقائية التوجيه Orientation Selective Columns، وقد مثل هوبل وفيسيل هذين النوع من الأعمدة متعامدين على بعضهما، وكل باحةٍ قشريةٍ تحوي عمود سيادة عينية من كل عين مع مجموعة كاملة من الأعمدة انتقائية التوجيه تسمى عمود فوقي Hypercolumn.
ويستطيع العمود الفوقي الذي يبلغ حجمه 1 مليمتر مربع تحليلَ قطاع من ساحة الرؤية يعرف بالمدخول الشبكي المقابل من العينين، وفي حالة النقرة حيث تتساوى تقريبا نسبة الخلايا العقدية إلى المستقبلات الضوئية يكونُ حجم قطاعِ ساحة الرؤية صغيرا جدا، بينما يكونُ العكس صحيحا بالنسبة للمدخول من الأجزاء المحيطية من الشبكية، وبالتالي فإن التحرك لمليمتر واحد في القشرة من عمود فوقي لآخر يقابله تغير في موضع قطاع ساحة الرؤية الذي يتم تحليله، ومعظم الأعمدة الفوقية مسؤولة عن تحليل المدخول من النقرة (انظر ما يلي).
إلا أن عاملين رئيسيين يتعارضان مع هذا النموذج أحدهما هو تكيف القناتين P و M والآخر هو اكتشاف مناطق غنية بأكسيداز السيتوكروم Cytochrome Oxidase (أحد واصمات Markers النشاط الاستقلابي) في الطبقات القشرية II و III و IVb (وإلى حد أقل الطبقات V و VI) والتي لا تُظْهِرُ انتقائية التوجيه، وإنما حساسية عالية للّون وللتّردد الفراغي العالي، وهذه المناطق الغنية بأكسيداز السيتوكروم في الطبقات القشرية II و III تجمّعُ لتشكلَ القطرات Blobs وواحدة منها على الأقل تكون مرتبطة بكل عمود سيادة عينية، وتسمى المناطق الواقعة بين القطرات: ما بين القطرات Interblobs، وللقطرات وما بين القطرات والطبقة الغنيةِ بأكسيداز السيتوكروم IVb إسقاطاتٌ متميزةٌ لباحة القشرة البصرية V2 والباحات القشرية البصرية خارج الجسم المخطط، وهذه الإسقاطات ترتبط جيدا بالقناتين P و M، ويوحي ذلك الترتيب للقنوات والإسقاطات بأن المعلومات البصرية لا تتم معالجتها بأسلوب تراتبي (هرمي) وإنما عبر سلسلة من المسارات المتوازية.
والوظيفة الرئيسية للقشرة البصرية الأولية (V1) فضلا عن كونها المكان الأول لتفاعلات مدخول العينين، هي أن تحلل ساحة الرؤية إلى قطع خطية صغيرة لها اتجاهات متباينة وأيضا عَزْل ومُكَامَلَة مكوّناتِ الصورةِ البصريةِ التي تنزل بعد ذلك إلى باحات أكثر تخصصا تقوم بتحليلات أكثر تعقيدا للمعلومات لكنها تعتمد على تفاعلها مع القشرة البصرية الأولية (V1) من أجل الإدراك الواعي للصورة البصرية الكلية. وإكلينيكيا نجد أحيانا مرضى لديهم آفات تشمل ضررا ثنائي الجانب للقشرة البصرية الأولية (V1) حيث ينكرون تماما قدرتهم على رؤية أي منبه بصري رغم أنهم بالفحص الموضوعي يستطيعون تحديد الأهداف البصرية بدقة وهي ظاهرة تسمى الرؤية العمياء Blindsight.
الباحات القشرية البصرية الترابطية Visual Association Areas أو الباحات خارج المخطط Extrastriate Areas:
وهي الباحات القشرية البصرية خارج القشرة البصرية الأولية (V1)، وتختص أساسا بالمعالجة البصرية، ويختلف عددها حسب نوع الكائن وهي أكثر عددا في الإنسان، وتوجد هذه الباحات داخل باحات برودمان 18 و19 والقشرة الصدغية السفلية Inferotemporal Cortex، وهي مختصة بعمليات معالجة بصرية أكثر تعقيدا من معالجة القشرة البصرية الأولية (V1)، ويميل أحد عناصر المنظر البصري للسيادة من حيث التحليل الجاري في تلك الباحة القشرية (مثلا اكتشاف اللون أو الحركة)، إضافة لذلك هناك عددٌ من أجزاء الجهاز العصبي المركزي مرتبطة بالجهاز البصري وتشمل القشرة الجدارية الخلفية Posterior Parietal Cortex، والقشرة الجبهية Frontal Cortex ومنطقة المجالات الجبهية للعين Frontal Eye Field، والبنى تحت القشرية في الوطاء، والجزء الأعلى من جذع الدماغ.
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
واقرأ أيضًا:
المجموع الحسي المستقبلات والمسارات الحسية / التحاس (التحويل الحسي) في الحواس الخاصة