الانتقام يمكن تعريفه كشعور أو فكرة أو فعل. يتفق الجميع أن الانتقام هو عمل يتضمن إلحاق الأذى بشخصٍ كان وراء إصابة أو فعل أدى إلى إلحاق الأذى بالمنتقم. الشعور هو الرغبة في ارتكاب العمل ومعاقبة من الحق الأذى بالمنتقم.
الانتقام مصطلح كثير الملاحظة في أدبيات الطب النفساني الديناميكي. النزعة الانتقامية بحد ذاتها غريزة متأصلة في داخل الإنسان٬ ولكن يتم ترويضها عن طريق التربية والتعليم وبالتالي ينجح الإنسان في كبتها والسيطرة عليها لأن إطلاق العنان لها لا يؤدي إلا إلى فناء الإنسان اجتماعيا ونفسياً. يتم ملاحظة ترويض النزعة الانتقامية في العلاج النفساني حين يقرر المراجع عدم الاستمرار في العلاج ونبذ معالجه لأن هناك في داخل عقله لا واعي نزعة انتقامية تم كبتها بنجاح وتم تحويلها تجاه مراجعه. كذلك تلاحظ هذا السلوك في تعامل الإنسان مع من حوله ومع زوجه إذا كانت هناك عقد نفسية تم حملها منذ الطفولة وكُبتت بنجاح.
هناك من عمليات الانتحار يصعب تفسيرها ومظاهر الاكتئاب غير واضحة في الإنسان. هناك العديد من الحالات السريرية التي تكشف بان الانتحاري تم تنفيذ عمله من أجل الانتقام من المقربين منه مثل زوجته أو والديه وتحميلهم الذنب وهم على قيد الحياة.
كذلك يتم تفسير السلوكيات الجنسية المتميزة بالعنف والانحراف بالنزعة الانتقامية المكبوتة. يتم ملاحظة ذلك في ضحايا الاعتداء الجنسي في الطفولة وترى الإنسان يسعى إلى إذلال زوجه أو شريكته الجنسية. الكثير من حالات الخطل الجنسي يمكن تفسيرها بالنزعة الانتقامية للذكر بسبب نبذ النساء له.
يتم كذلك تفسير السلوكيات القهرية في المصابين بالحصار المعرفي (الوسواس القهري) بنزعة انتقامية تم كبتها ويتم التعبير عنها خلال سيطرة الإنسان على من يعيش معه. هذا ما يفسر أحيانا ملاحظة السلوك القهري في بيئة دون أخرى.
الانتقام ومخ الإنسان
منذ فترة طويلة درس علماء النفس في سويسرا فعالية الدوائر الكهربائية مع تحفيز النزعة الانتقامية في المتطوعين للدراسة. لاحظ الفريق العلمي زيادة فعالية النواة المذنبة Caudate Nucleus وهي إحدى مناطق الدماغ المرتبطة بمعالجة المكافأة في الإنسان. رغم صغر حجم الدراسة، ولكن تم تكرارها أكثر من مرة وما يمكن استنتاجه بأن الانتقام يؤدي إلى الشعور بالفوز والتفوق. لذلك رغم أن الرغبة الانتقامية يمكن السيطرة عليها قانونيا، ولكن ذلك لا يؤثر على دوائر الدماغ الكهربائية.
ولكن هناك جانب آخر للانتقام يمكن دراسته من خلال النماذج الأربعة للصحة النفسية.
النموذج الاجتماعي: هناك من يقول (فرانك سيناترا) بأن نجاحك وتفوقك هو خير انتقام من إنسان ألحق الأذى بك. من ينشر منشورا كاذبا عنك عبر الإنترنت لا تحتاج أن تنشر عنه ما يفضحه، ولكن تنتظر الفرصة لثبت تفوقك وتعاليك على هذه التفاهات. ولكن هناك أيضاً من يقول أن خير انتقام هو الانتقام بحد ذاته وعند ذاك ينعزل الإنسان اجتماعياً ويتدهور مهنيا ولا يفكر سوى بالانتقام.
الإعلام بجميع أصنافه يشجع على الانتقام وما عليك إلا أن تشاهد فيلما سينمائياً أو مسلسلاً تلفزيونياً حتى تكتشف هذه الحقيقة.
النموذج النفسي الحركي Psychodynamic: أشد ألماً وأبطأ شفاءً من الجروح الجسدية هي الجروح النفسية ومن هناك تأتي النزعة الانتقامية. تشعر بالمكافأة بعد الانتقام، ولكن هذا الشعور لا يدوم ولا تتخلص من الضغط النفسي، بل على العكس يطول أمد وشدة الذكريات الأليمة. لذلك يقول فرنسيس بيكون: الرجل الذي يبحث عن الانتقام سيحافظ على جراحه الخضراء المفتوحة.
النموذج السلوكي: الانتقام فعل يؤدي إلى رد فعل وبالتالي يدخل البشر في حلقة انتقامية مغلقة لا تنتهي.
النموذج الطبي النفسي: هناك من يقول بإن حق ضحايا الاعتداء الجسدي أو الجنسي يجب الحصول عليه من قبل الآخرين ومساعدتهم. هذا صحيح قانونيا وأخلاقياً، ولكن ذلك لا يعني بأنه سيساعدهم في التخلص من مشاكلهم النفسية تماماً. الحصول على الحق يتم عن طريق القانون وليس عن طريق الانتقام وبالتالي القانون لا يرحم المنتقم إن خالف القضاء.
متى ما تشعر بأفكار الانتقام وعاطفته تزحف داخلك حاول أن تنقل كثافتها نحو تحقيق أهدافك والتوجه نحو أحلامك، وتطورك نفسيا، وفكريا، ومهنياً. هذه العملية تفتح لك الطريق للسعادة أما الانتقام فسيغلق الأبواب في وجهك.
مصادر للاطلاع
1- Chester D, DeWall N (2016). The pleasure of revenge: retaliatory aggression arises from neural imbalance toward reward. Soc Cogn Affect Neurosci 1197): 1173-1182
بحث علمي يتطرق الى الدوائر العصبية في الدماغ التي تلعب دورها في العنف والانتقام. الكثير من هذه الدراسات تفسر الية العنف والانتقام ٬ ولكن الربط بين الالية والعوامل النفسانية ليس واضحاً بالكامل.
واقرأ أيضاً:
الاكتئاب والتصنيف العالمي الجديد ICD 11 / القواعد العامة لعلاج الاكتئاب بالعقاقير