لا تختلف المراجعة الطبية النفسانية عن غيرها من المراجعات الطبية في مختلف الفروع الطبية والجراحية. يقابل المراجع الطبيب النفساني أو من ينوب عنه، وقد يكون الأخير طبيباً تحت التدريب أو عاملاً في الصحة النفسية مثل أخصائي في علم النفس Psychologist، ممرض طبي نفساني Psychiatric Nurse أو عامل اجتماعي Social Worker. ولكن في جميع الأحوال تقع مهمة تشخيص المريض باضطراب نفساني على الطبيب النفساني فقط فهو الوحيد المؤهل للقيام بهذه المهمة.
يتوجه الإنسان نحو مراكز الطب النفساني لأنه يشكو من أعراض نفسية أو جسدية لها علاقة بالصحة النفسية، وستكون المهمة الأولى هي:
أولاً: تاريخ الحالة الراهنة
١- ماهي الأعراض؟
٢- متى ظهرت؟
٣- تطورها؟
٤- تأثيرها على فعاليات الإنسان الوظيفية المختلفة سواء كانت بيولوجية أو مهنية أو اجتماعية.
السؤال الذي يحرص الطبيب النفساني على سؤاله في هذه المرحلة هو الاستفسار عن أي حدث في حياة الإنسان سبق ظهور الأعراض لفترة لا تزيد عن ستة أشهر، ويتم استعمال مصطلح حوادث الحياة Life Events على هذا المفهوم. هذه الحوادث تختلف في قوتها وتأثيرها على الإنسان، فهناك الحداد، الانفصال عن الأهل، الطلاق، فشل دراسي، وأزمة مادية، وأحياناً استضافة آخرين لفترة طويلة في البيت.
ثانياً: التاريخ العائلي
يستفسر الطبيب النفساني عن التاريخ الطبي للعائلة ووجود أمراض طبية أو طبية نفسية. يستفسر عن الوالدين والأشقاء والأقارب وعلاقتهم بالمراجع. الغاية من التاريخ العائلي كشف استعداد المريض الوراثي للإصابة باضطراب طبي معين أو تأثير البيئة على صحة المريض النفسية.
ثالثاً: التاريخ الطبي السابق
الاضطرابات الطبية النفسية تتميز بتكرارها أحياناً. يستفسر الطبيب عن المراجعات السابقة والعلاج الذي تم استعماله واستجابته لعلاج معين دون آخر.
رابعاً: التاريخ الشخصي
يحرص الطبيب النفساني على دراسة التاريخ الشخصي للمريض بصورة دقيقة وخاصة أثناء المراجعة الأولية. يوضح هذا التاريخ عتبة المريض للإصابة باضطرابات طبية نفسية معينة، والعوامل التي تساعد في شفائه من المرض أو تقف حاجزاً في وجه العلاج.
لكل طبيب نفساني أسلوبه الخاص في التحري عن التاريخ الشخصي لمراجعه، ويمكن تصنيف الحقول إلى ما يلي:
١- الولادة: عمر خمسة أعوام: تعرض الطفل لمشاكل طبية أثناء الحمل والولادة وهذه في غاية الأهمية في الأمراض العصبية التطورية والفصام. يستفسر الطبيب أيضاً عن تعلق الطفل بالوالدين والتاريخ الطبي بالإضافة إلى مراحل النمو التطورية مثل عمر بداية الكلام والمشي.
٢- عمر خمسة أعوام - خمسة عشر عاماً: هذه مرحلة تواصل الطفل مع أقرانه في معاهد التعليم المختلفة. تظهر مشاكل الصعوبات التعليمية في القراءة والحساب في هذه المرحلة. يعاني بعض الأطفال من مشاكل القلق الاجتماعي والانفصال عن الوالدين. تعكس هذه المرحلة نقاط الضعف والقوة في الإنسان من جوانب عدة وقدرته على التنافس مع أقرانه.
يصاحب هذه المرحلة دخول الإنسان مرحلة المراهقة والذي قد يصاحبها تغيير ملحوظ في سلوك الطفل وتعامله مع الآخرين في المجتمع واستعداده للتمرد. هناك من يكثر التركيز على ملاحظة الصفات الشخصية العدوانية في بداية عمر المراهقة، ولكن هذه المرحلة هي الأخرى التي تنذر بإصابة الإنسان باضرابات طبية نفسية جسيمة.
يتعرض الإنسان في هذه المرحلة إلى استعمال مختلف أنواع المواد الكيمائية المحظورة من حشيش وأفيون وغيره والذي قد تلعب دورها في تغيير مسار حياة الإنسان وإصابته بمختلف الاضرابات النفسية الجسيمة.
٣- عمر ١٦ عاماً - الخروج من معاهد التعليم: يودع الإنسان معاهد التعليم الأولية والمتوسطة في طريقه إلى تعليم ثانوي ومن ثم جامعي أو إلى العمل. تصبح تحديات الحياة أكثر صعوبة وأثناء هذه المرحلة تظهر أعراض الاضطرابات النفسية الجسيمة مثل الفصام والاكتـئاب والهوس. يستعيد الإنسان أحياناً التوازن الذي فقده في النصف الأول من مرحلة المراهقة، وهناك من يتدهور توازنه وأدائه الاجتماعي والدراسي والمهني.
٤- العلاقات مع الآخرين: علاقة الإنسان بالآخرين تبدأ بعلاقته بالوالدين والإخوة والأخوات. العلاقات الحميمية والزوجية قد تكون مصدر توتر وضغوط ونفسية أو تعمل كعامل مساعد في رحلة المريض نحو الشفاء بعد إصابته باضطراب نفسي.
٥- الأداء المهني: العمل يوفر للإنسان الأمان الاقتصادي وفرص التواصل الاجتماعي وتنظيم حياته. في نفس الوقت العمل قد يكون مصدراً للتوتر والضغوط النفسية وبالتالي أحد أسباب إصابة الإنسان بالقلق والاكتئاب.
٦- استعمال الكحول والمواد الكيمائية المحظورة: يجب الاستفسار بالتفصيل عن استعمال هذه المواد وتأثيرها على حياة الإنسان. يشكل استعمال هذه المواد اضطرابات نفسياً بحد ذاته، ويلعب دوره في مسار جميع الاضطرابات النفسية.
٧- علاقة المراجع بالقانون والسلطات: تورط الإنسان في مشاكل مع السلطات والقانون تساعد على تشخيص حالة المراجع وتقييم شدة الاضطراب النفساني.
٨- الشخصية: يستفسر الطبيب النفساني عن شخصية مراجعه وطباعه الفردية قبل ظهور الأعراض التي يشكو منها. هذا الاستفسار يتم عن طريق استجواب من يرافق المراجع، وإذا لم يكن هناك مرافقا للمراجع فمن الأفضل أن يشير الطبيب بدقة إلى ذلك. تقييم الإنسان لشخصيته يتميز بتحيزه ولا يضيف معلومات ذات أهمية تساعد على دراسة حالة المراجع.
فحص الحالة العقلية
في الوقت الذي ينتظر المراجع من الطبيب فحصاً سريرياً للكشف عن علامات آفة مرضية، نرى الطبيب النفساني يلاحظ ويسأل ويتمعن في سلوك مراجعه وإجابته عن مختلف الأسئلة. المراجعة الطبية النفسية بدون تدوين الحالة العقلية فحصاً بدون فائدة (2). الحقول التي يجب الاستناد عليها في فحص الحالة العقلية هي كما يلي:
١- المظهر والسلوك: يلاحظ المريض رعاية المريض بنفسه من خلال ملبسه وأناقته ونظافته. هناك من هو بطيء الحركة لا يبالي بما حوله، وهناك من هو في حالة تهيج وحركة مستمرة لا يقوى على الاسترخاء. التواصل العيني Eye Contact واحد من أهم الملاحظات الطبية النفسية. يتجنب الإنسان المصاب بالاكتئاب التواصل العيني معظم الوقت، والمريض المصاب بالفصام يتميز تواصله بعدم التوازن.
٢- الكلام: يتم التركيز على إطار حديث الإنسان في هذا الحقل دون محتواه. كلام الإنسان يعكس أفكاره، ويمكن القول بأن هناك أفكار عدة في فكر الإنسان في أَي وقت. هناك فكرة أولية مرتبطة بحديث الإنسان مع غيره أو المهمة التي يقوم بأدائه، وهناك أفكار ثانوية عدة يضعها الإنسان جانباً في تلك اللحظة. ينتقل الإنسان من فكرة أولية إلى أخرى أولية متقدمة ويتم التعبير بصورة منتظمة وبسرعة مقبولة من أجل توضيح فكرته. الإنسان المصاب بالاكتئاب قليل الكلام وينتقل ببطء من فكرة إلى أخرى عكس المصاب بالهوس الذي ينتقل من فكرة أولية إلى أخرى بسرعة وأحياناً تكون العلاقة بين الأفكار علاقة ثانوية أو غير واضحة. أما المصاب بالفصام فينتقل من فكرة أولية إلى ثانوية بدون سابق إنذار. يتم استعمال مصطلح اضطراب التفكير Thought Disorder لوصف تشتت تفكير الإنسان.
٣- المزاج Mood: يتم استعمال مصطلح المزاج لوصف تقييم الإنسان لمزاجه وأما مصطلح الوجدان Affect فيتم استعماله لوصف تقييم الطبيب النفساني أو غيره لمزاج الإنسان بصورة موضوعية. رغم ذلك فأن هناك الكثير من يستعمل مصطلحاً دون آخر للإشارة إلى المصطلحين. يتم تدوين الحالة الوجدانية مع استعمال أحد المصطلحات كما هو موضح في الجدول أدناه.
المصطلح اللاتيني | المصطلح العربي | ملاحظات |
Anger | غضب | ربما من علامات الهوس |
Anxiety/Depression | قلق/اكتئاب | مزيج من قلق واكتئاب |
Depression | اكتئاب | للمزاج والوجدان |
Dysthymia | خلل المزاج | تعكر المزاج |
Euphoria | شمق/مرح | يستعمل لأمراض عضوية |
Euthymia | سوائية المزاج | طبيعي |
Flat | مسطح | مع الاكتئاب أو الفصام |
Hypomania | هوس خفيف | في الثناقطبي |
Incongruence | هدم التطابق | الفصام |
Mania | هوس | في الثناقطبي |
٤- الأفكار الانتحارية: يتم الاستفسار عن الأفكار الانتحارية بصورة مباشرة وتدوين ذلك بالنفي أو الإيجاب. إفصاح المريض عن أفكار انتحارية يتطلب الاستفسار عن تخطيط المريض لتنفيذ فكرته وبالتفصيل. كذلك الأمر مع أي فكرة لقتل إنسان آخر، وإن كان ذلك أقل ملاحظة في الممارسة العملية للطب النفساني العام.
٥- محتويات الفكر Thought Contents: في هذا الحقل يتم تدوين الأفكار التي تشغل المراجع ووصفها ومن ثم تصنيفها استناداً إلى الإطار الذي يحتويها كما هو موضح في الجدول أدناه.
المصطلح اللاتيني | المصطلح العربي | ملاحظات |
Normal | طبيعية | مقبولة يتعامل معها الفرد بمرونة |
Obsessional | حصارية(وسواسية) | متكررة وتافهة ويدركها الفرد غريبة ويقاومها |
Over-valued | مبالغة | فكرة يتمسك بها الفرد بقوة ويدرك ذلك |
Delusion | وهام | فكرة غير طبيعية لا تقبل النقاش ولا يدرك الفرد ذلك |
٦- الإدراك غير الطبيعي: يتم استعمال مصطلح الهلاوس لوصف الإدراك غير الطبيعي وقد تكون سمعية، بصرية، شمية، ذوقية أو حسية. الهلاوس تشير دوماً إلى عملية ذهانية أو آفة عضوية.
٧- الوظائف المعرفية: في هذا الحقل يتم فحص استبصار المريض في المكان والزمان وتركيزه وذاكرته.
٨- البصيرة: يتم الاستفسار عن بصيرة المريض في الأعراض التي يعاني منها وقبوله أو رفضه لوجود اضطراب نفسي واستعداده في الدخول في معالجة طبية نفسية.
الفحص الجسدي
لا بد من فحص المريض الذي يراجع الطبيب النفساني للمرة الأولى، وإن لم يفعل فعليه تدوين ذلك بوضوح والسبب. هذا الفحص يعتمد على أعراض المريض وعمره. القاعدة العامة هي أن المريض الذي يصل عيادة الطب النفساني بعد عمر الأربعين عاما لأول مرة يعاني من مرض عضوي حتى يتم إثبات العكس مع استجواب المريض وفحصه. ليس هناك أفضل من وجود مرافق للطبيب عند قيامه بهذا الفحص.
الفحوص المختبرية
يتم عمل الفحوص المختبرية عند الحاجة فقط والشك في وجود مرض عضوي. يتم عمل هذه الفحوص أيضاً قبل المباشرة باستعمال عقاقير معينة تتميز بأعراض جانبية معينة على الوظائف الاستقلابية في الجسم على المدى القريب والبعيد.
التقرير الطبي
لا بد من تدوين جميع الملاحظات أدناه وكتابتها ومن ثم طبعها. الممارسة الطبية هذه الأيام تشجع وتفرض على الطبيب إرسال نسخة من تقريره الطبي المفصل إلى المريض مع الاستنتاجات التي وصل إليها والتشخيص وخطة العلاج. هذه الممارسة تعكس الشفافية المطلوبة بين الطبيب ومراجعه وتشجع المراجع على التعاون مع طبيبه المعالج والالتزام بخطة العلاج.
واقرأ أيضاً:
القواعد العامة لعلاج الاكتئاب بالعقاقير / الملكة إليزابيث الثانية