الارتباط الأمومي والتعلق 1
استراتيجيات التعلق
هناك إجماع على أن استراتيجيات التعلق لا علاقة لها بالوراثة من قريب أو بعيد. يتم استحداث هذه الاستراتيجيات منذ الطفولة وتبقى ثابتة نسبياً مع تقدم العمر. يتم تصنيف هذه الاستراتيجيات على ضوء سلوك الطفل عند فراقه للأم أو من يرعاه كالآتي:
١- الطفل الآمن Secure Child: يعود الطفل إلى التقرب بسرعة عند رجوع الأم ويشعر بالسعادة.
٢- الطفل المتجنب Avoidant Child : يكون أقل قلقاً عند الفراق ولا يبالي بعودة الأم وحتى بمن يتولى رعايته.
3- الطفل المتردد أو القلق أو المعارض Ambivalent, Anxious, or Resistant: يكون أكثر الأطفال كرباً وألماً عند الفراق وتظهر عليه علامات الغضب وسلوك التشبث عند رجوع الأم.
٤- الطفل المضطرب والمشوش Disorganized – Disoriented : لا يمكن الحصول على أي سلوك واضح له عند الفراق من الأم والعودة لها.
هذه الاستراتيجيات الأربعة تشبه إلى حد كبير فئات أو أنواع التعلق بين البالغين كما يلي:
١- الأفراد الذين يشعرون بالاستقلال والأمن ويحرصون كل الحرص على العلاقات البشرية مع الغير.
٢- الأفراد الذين لا يشعرون بالأمن في العلاقات ويميلون إلى تحقير العلاقات وغيرهم من الناس في معظم الأحيان، وأحياناً ولفترة محدودة يجللون بعض العلاقات البشرية.
٣- أفراد يشغلون تفكيرهم بعلاقات الماضي والحاضر وتراهم في ضياع وارتباك مع غيرهم من البشر.
٤- أفراد لا يفهمون موقعهم في الدنيا وترى آثار الإهمال وصدمات الماضي واضحة عليهم
نقاش عام
مسألة تعلق البشر بعضهم ببعض له تاريخه الطويل وتساءل الباحثون دوماً حول أيهما الأهم: طبيعة الإنسان وخصائصه أم تربيته Nature versus Nurture لا يزال هذا السؤال يطرح نفسه حتى يومنا هذا فهناك من يقول أن الجينات التي يحملها الإنسان لها الصدارة والآخر يميل إلى العكس، والبعض يجمع بين الاثنين.
أول إشارة تاريخية لدراسة أمر التعلق مصدرها الإمبراطور الروماني فردريك الثاني الذي أمر في القرن الثالث عشر بجمع بعض الأطفال في عمر الرضاعة وإعطائهم عناية جسدية فقط مثل الغذاء والملبس، ولكن عدم السماح لأي من يتولى رعايتهم بالكلام معهم. كانت غاية هذا الإمبراطور "المقدس" اكتشاف أي لغة سيختار الأطفال مستقبلاً. بالطبع لم يكشف عن نتائج هذه التجربة الرهيبة إلا أحد الرهبان حيث دون بعدها أن الأطفال لقوا حتفهم مع الأيام، فلا طعام أو ملبس يمكن أن يغطي احتياجات الطفل بدون لمسة حنان وعطف واتصال متبادل مع من يرعاه.
كان على الإمبراطور أن يتعظ بأعمال فلاسفة اليونان مثل بلاتو (أفلاطون) وأرسطو، قبل أكثر من ألف عام من تجربته المريعة. أكد هؤلاء الفلاسفة العظام على أهمية العوامل البيولوجية والبيئية في نشأة الإنسان، والصراحة هذا هو الرأي السائد إلى اليوم. جاء عصر النهضة بعد ذلك والجميع على إلمام بآراء جان جاك روسو الذي جادل بأن الصفات الحميدة تكون مزروعة في الإنسان منذ الولادة ولا يغير ذلك فيه إلا البشر الذين يعيشون في محيطه.
يمكن أن نعرف مفهوم التعقل بأنه قابلية الإنسان على إدراك أن تفكيره وتفكير الآخرين تمثيلي Representational في طبيعته، وأن سلوكه وسلوك الآخرين مدفوع بحالة داخلية مثل الأفكار والمشاعر. تفهم الأم وتستوعب وتستجيب لاحتياجات الطفل ويتم ذلك عن طريق ضبط الحالة العقلية والنفسية للطفل في داخلها. من جراء ذلك يشعر الطفل بأنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحالة النفسية والعقلية للأم. بعدها يقوم الطفل بدوره باستيعاب الأم في داخله. على ضوء ذلك هناك تمثيل للأم في عقل الطفل ناتج عن تمثيل الطفل في بداية الأمر في داخل الأم. متى ما تم الأمر بصورة صحية أصبح الطفل قادراً كذلك على استعمال التعقل في التعامل مع الآخرين وإن السلوك ما هو إلا نتيجة لأفكار ومشاعر في داخله.
لا شك بأن علم النفس والطب النفسي مزدحم جداً بالنظريات النفسية. الكثير من هذه النظريات مكتظة بمصطلحات غريبة ومضطربة في معناها، ورغم أنها رنانة في إطارها، لكنها قلما تساعد الطبيب النفساني أو المعالج النفساني في التواصل المستمر مع المريض. كذلك يصعب وضع هذه النظريات في إطار البحث العلمي على عكس النظريات البيولوجية، وهذا ما يفسر شيوع تطبيب الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية وحصرها في إطار الاضطرابات الوجدانية إلى حد الإسراف.
يمكن إضافة ملاحظة أخرى إلى طبيعة العلاج النفسي الذي يتم تقديمه إلى المرضى والشكوك التي تحوم حوله وهل هو محدد ومميز بنظرية نفسية علاجية واحدة أم لا. على ضوء ذلك ترى بأن مبدأ التعقل أكثر تقبلا ولا يخضع لقواعد نظرية مميزة يُفترض استعمالها في العلاج، وإنما هو طريقة تواصل إنسانية بين المعالج والمريض مبنية على استيعاب الحالة النفسية للمريض وإدراك الحالة النفسية للمعالج نفسه في عين الوقت.
ملحق
أنواع التعلق المضطرب في الممارسة السريرية
١- غير متعلق Unattached
٢- منفصل detached
٣- انطوائي Avoidant
٤- اتكالي Dependent
٥- متردد Ambivalent
٦- معكوس Reversed
٧- شهواني Erotic
٨- خبيث Malignant
أمثلة
١- غير متعلق: طفل يكاد يكون سلوكه أشبه بطفل مصاب بالتوحد.
٢- منفصل: معتمد على نفسه ويرفض مساعدة الآخرين.
٣- انطوائي: رد فعله يتميز بالقلق والابتعاد عن الأم عند الأزمات.
٤- اتكالي: الشعور بالقلق مع فراق الأم.
٥- متردد: طفل يعيش في بيت عائلي يتميز بكثرة المشاكل بين الزوجين.
٦- معكوس: طفل يتغيب عن المدرسة بسبب مرض الأم.
٧- شهواني: كثرة التفكير والتخطيط في علاقة جسدية مع المعلم أو المعلمة.
٨- خبيث: يلحق الأذى بطفل آخر أثناء اللعب والولع بألعاب إلكترونية عنيفة.
واقرأ أيضًا:
الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية) / المفهوم الحديث لاضطراب الشخصية ٢٠٢٢