اضطراب طيف التوحد (الذاتوية) Autistic Spectrum Disorder
استحداث مفهوم طيف التوحد (الذاتوية) في السنوات الأخيرة يعكس تغيير جذري في مفاهيم الطب النفساني التي أصبحت تركز على وجود بعد من الأعراض من طفيف جدا إلى شديد جداً بدلا من التركيز على وجود أو عدم وجود أعراض معينة أو اضطراب ما. في نفس الوقت هناك هوس اجتماعي وعلمي بخصوص الاضطراب وتشخيصه ومعرفة أسبابه 1.
مصطلح التوحد أصبح شائع الاستعمال في الصغير والكبير على حد سواء، ومن جراء ذلك أصبح المفهوم يشكل ضغطاً لا يستهان به على الخدمات الصحية المجانية والخاصة منها. التوحد يرتكز على مشاكل التواصل الاجتماعي وليس من السهولة أن تصدر الحكم علي سلوك إنسان بأنه غريب أو توحدي. هناك من هو انطوائي ومبدع وليس من الصواب أن تصفه بالتوحد لأنه يختلف عنك وعن بقية الناس. لا يزال التوحد محاطاً بالغموض ولا توجد جينات يسهل تعريفها وكل مراجع يختلف عن الآخر.
كذلك أصبح التوحد كثير الاستعمال في تفسير سلوك غير مقبول مهنياً وتأزم الإنسان مع زملائه وفي العمل. الحقيقة أن استعمال دفاع التوحد من قبل البعض عواقبه سلبية لأن أي لجنة أو محكمة تنظر في سلوك غير مقبول تصل إلى استنتاج واحد وهو أن الفرد غير قابل على التعلم من أخطائه بسبب صفاته التوحدية
عملية تشخيص التوحد، وخاصة في البالغين، ليست عملية سريعة وتستغرق عدة ساعات أحياناً. هناك من يشخص نفسه بهذا الاضطراب عبر الإنترنت ويطالب بخدمات صحية وتعليمية تسد احتياجاته الناقصة. هذا المشهد في الحياة العملية كثير التكرار، وعدم الحصول على التشخيص طالما يؤدي إلى رفض الفرد لتقييم الفريق الصحي، ويبدأ بالبحث عن طبيبٍ يعطيه هذا التشخيص.
التوحد أيضاً أصبح عرضة لاستغلال بعض الأطباء والمعالجين الذين يقدمون خدمات علاجية طبية لا تستند على اَي دليل علمي. هذا المشهد كثير الملاحظة في الأطفال. العملية العلاجية الوحيدة التي يمكن التوصية بها هي التي تستهدف تأهيل الطفل وتقييم مهاراته التي يمكن صقلها لتساعده في التنافس مع أقرانه.
تاريخ التوحد
أول من استعمل مصطلح التوحد هو الطبيب النفساني السويسري بلوليرBleuler في عام ١٩١٠ في تعريفه للفصام حيث وضع أربعة مجموعات لتشخيصه ومن ضمنها التوحد وما كان يعينه انعزال المريض وخلوته بالخيالات الخاصة به. لا يزال مفهوم بلولير في غاية الأهمية عند الحديث عن الفصام، واستعار المصطلح من الإغريقية ومعناه الذات Self أو النفس.
ولكن التوحد كما نعرفه الآن مصدره فينا. هاجر منها طبيب نفساني هو ليو كانر Kanner إلى أمريكا ونشر في عام ١٩٤٣ وصف حالات مرضية لإحدي عشر طفلا وأطلق عليها مصطلح الاضطرابات التوحدية للاتصالات الوجدانية، وبعدها بعام واحد استحدث مصطلح التوحد الطفلي المبكر. الكثير من الأعراض التي وصفها كانر هي مشابهة لاضطراب التوحد الآن وتحدث عن قوة الذاكرة وعجز الكلام. كان عالم كانر هو عالم المدرسة التحليلية، وتم وضع التوحد في إطار فصام الطفولة الذي استمر لعقود عدة. خطيئة كانر الكبرى إسقاط اللوم على الوالدين في الحديث عن أسباب المرض، وبعده نشر هذه الضلالة برونو بيتلهايم ببدعته المعروفة بالثلاجة الأم. لم يغفر التاريخ إلى اليوم المدرسة التحليلية هذا التعجرف.
ولكن في نفس وقت ظهور سلسلة كانر كان هناك طبيبا نفسيا في فينا اسمه هانز اسبرجر الذي نشر في عام ١٩٤٤ وصفة للشخصية التوحدية Autistic Psychopathy. لم ينتبه أحد لاسبرجر الذي تحدث عن التوحد بصورة إيجابية وركز على أهمية الجينات وشيوع الاضطراب عكس زميله المهاجر الذي كان يقول بأن التوحد نادر جداً. لم يسمع أحد بما كتبه اسبرجر إلى أن نشرت لورنا وينغ مفهومه في عام ١٩٨١. بعد ذلك بدأ مفهوم التوحد يتغير وبسرعة.
يشير الإعلام إلى ارتفاع انتشار التوحد في الأعوام الأخيرة، ولكن لا يوجد دليل واضح على ذلك، وربما استحداث معايير تشخيصية جديدة، ارتفاع الوعي الجماهيري، واستحداث خدمات خاصة للتوحد ساعد على ارتفاع تشخيص المرض. انتشار التوحد هو ١ ٪ في السكان ولكل ٦ ذكور هناك أنثى واحدة. احتمال تشخيص التوحد في الولايات المتحدة الأمريكية هو ضعف حدوثه في أروبا.
مصادر
1- Willingham E(2020).Autistic People take the helm of the studies. Science 368: 460.
ويتبع >>>>>>>>: اضطراب طيف التوحد ASD الذاتوية2
واقرأ أيضًا:
الجريمة والعنف والصحة النفسية / المؤشر السكري والتحميل السكري والصحة العامة