الفصام واضطرابات ذهانية أولية4
كلوزابين
رغم أن مرض الفصام يتم تصنيفه أحيانا رجوعاً إلى مصطلحات توصف الأعراض، ولكن في الممارسة العملية السريرية هناك: فصام يستجيب للعلاج Treatment Responsive Schizophrenia.وفصام مضاد للعلاج Treatment Resistant Schizophrenia. ورغم أن علاج الفصام يشمل تدخلاً اجتماعياً ونفسياً وسلوكياً، ولكن العلاج بالعقاقير المضادة للذهان هو المركز الذي يدور حوله علاج أكثر الأمراض النفسية تدحيا. يمكن تقسيم العقاقير إلى نوعين: عقاقير مضادة للذهان باستثناء الكلوزابين Antipsychotic Drugs excluding Clozapine والكلوزابين Clozapine.
المجموعة الأولى لا تختلف بعضها عن البعض الآخر من ناحية الفعالية المضادة للذهان. هنالك عقاقير الجيل الأول التي قد تكون أكثر فعالية من عقاقير الجيل الثاني والعكس صحيح. العقاقير الأخيرة قد لا تسبب أعراض جانبية حركية بنفس مقدار عقاقير الجيل الأول، ولكن تأثيرها سلبياً على تركيز السكر والدهون في الدم والمصاحب لزيادة في الوزن أبعد الكثير من الأطباء عن الإفراط في وصفها. يضاف إلى ذلك أن أسعار عقاقير الجيل الثاني باهظة الثمن بعض الشيء مقارنة بعقاقير الجيل الأول. يمكن إيجاز استعمال العقاقير المضادة للذهان غير الكلوزابين بأنه يعتمد على تقييم الطبيب المعالج واستنتاجه بأن العقار الموصوف هو الأفضل لهذا المريض بالذات دون غيره. هناك اتجاه معاكس بدأ يظهر خلال الأعوام الأخيرة إلى عودة عقاقير الجيل الأول احتلال موقع الصدارة أحياناً.
الكلوزابين ليس بعقار جديد وبدأ استعماله في السبعينيات (1971). تم سحبه من الأسواق بعد أربعة أعوام بعد أن تأكد أن كبحه لمخ العظم Bone Marrow Suppression قد يكون قاتلاً لبعض المرضى. كانت هذه التجربة القصيرة للعقار كافية لتثبيت حقيقة يؤمن بها كل ممارس في الصحة النفسية إلى اليوم وهي أنه أكثر العقاقير فعالية وبدون منازع. حاول العلماء بناء عقاقير مشابهة كيميائيا، ولكن بدون جدوى. هذه الجهود انتجت عقاقير جيل ثاني أقل فعالية وهناك ما لا يقل عن سبعة عقاقير تتشابه في فعاليتها ومتقاربة في أعراضها الجانبية. عاد إلى الاسواق مجدداً في عام 1989.
الكلوزابين عقار خطير وفعال في آن واحد. فعاليته في الفصام لا تقتصر على الأعراض الإيجابية فحسب وإنما تشمل الأعراض السلبية والمعرفية. يضاف إلى ذلك بأن معدل حالات الانتحار ينخفض بصورة ملحوظة. أما مشاكل وصف العقار فيمكن التطرق إلى أكثرها شيوعاً كما يلي:
1- كبح مخ العظم وانخفاض خطير في عدد كريات الدم البيض. يتم تجاوز هذا برفع الجرعة تدريجياً ومراقبة عدد كريات الدم البيضاء بصورة منتظمة وخاضعة لنظام مركزي للشركة المنتجة له.
2- أعراض جانبية قلبية تتطلب مراقبة منتظمة للفاعلية القلبية. يكثر الأطباء من عمل تخطيط قلب كهربائي بصورة منتظمة كل ٦ أشهر. تخطيط القلب قلما يكشف عن التهاب العضلة القلبية بصورة مبكرة، وزيادة سرعة دقات القلب قلما يحتاج إلى تخطيط قلب لاكتشافه.
3- زيادة في الوزن وإصابة المريض بمرض السكر فيما لا يقل عن 20 ٪ من الحالات. يمكن فرض بعض السيطرة على هذا الأمر بالعناية بالتغذية والوزن ومراقبة تركيز الدهون والسكر في الدم بصورة منتظمة. يلجأ بعض الأطباء إلى وصف عقار اريبيبرازول Aripiprazole وإضافته إلى الكلوزابين. لا توجد أدلة علمية تسند مثل هذه الممارسة ويجب توخي الحذر منها.
4- أعراض جانبية عصبية أكثرها خطورة نوبات صرعية2 خاصة في جرعة يومية تتجاوز500 مغم يوميا. يلجأ الطبيب إلى وصف عقار الصوديوم فالبرويت Sodium Valproate وقائيا بجرعة 500 مغم يوميا للوقاية من الصرع. العقار الأخير قد يؤدي إلى زيادة في الوزن أيضاً. هناك أيضاً من يعاني من عدم السيطرة على الإدرار والبراز بسبب العقار.
الكلوزابين عقار تم حصر استعماله في الفصام المضاد للعلاج. الفصام المضاد بالعلاج تم تعريفه بعدم الاستجابة للعلاج بعد استعمال عقارين بجرع علاجية لفترة لا تقل عن 6 أسابيع لكل منهما. هذا التعريف لا يخلو من الإشكال. هناك ثلاث مجموعات من الأعراض التي تميز الفصام وهي الأعراض الإيجابية مثل الهلاوس، الأعراض السلبية مثل ضعف الدافعية، والأعراض المعرفية. يعتمد الطب النفسي في تقييمه للعلاج على استجابة الأعراض الإيجابية، ولكن الأعراض السلبية أشد تأثيراً على مستقبل المريض، والأعراض المعرفية يعتبرها الكثير مصدر الأعراض الأخرى. على ضوء ذلك فإن تقييم الاستجابة للعلاج خاطئة لاعتمادها على استجابة مجموعة واحدة للعلاج.
تلعب مجموعة الأعراض السلبية ومجموعة الأعراض المعرفية الدور الرئيسي في تقرير تأهيل المريض للعودة إلى صفوف المجتمع والعيش بصورة طبيعية. يعتبر الكلوزابين أكثر العقاقير تأثيراً على مجموعة الأعراض السلبية والمجموعة المعرفية1، وفعاليته على الأعراض الإيجابية أفضل بكثير من عقاقير الجيل الأول والثاني.
هناك إجماع عام بأن العقاقير المضادة للذهان تستند إلى حصار مستقبلات الدوبامين في فعاليتها بصورة أو بأخرى. هذا الحصار يتم خلال بضعة أيام، والانتظار لمدة 6 أسابيع لا يتوازى مع الفعالية الجارية في الخلايا العصبية. يمكن القول بأن فترة الانتظار هذه تستحق المراجعة وربما فترة تتراوح بين 2 -4 أسابيع أكثر عملية في الممارسة السريرية.
يجب اتباع البروتوكول الخاص بالمستشفى عند بداية العلاج ويجب أن يتم ذلك مع دخول المريض إلى المستشفى. يتم رفع جرعة العقار من ٢٥ مغم يومياً إلى ٣٠٠ مغم يومياً وتدريجياً مع قياس كريات الدم البيض أسبوعياً وبعد ذلك كل أسبوعين ومن ثم شهرياً. لا يمكن وقف فحص الدم مدى الحياة. يجب عمل فحص الدم بصورة طارئة متى ما كانت هناك علامات حمى. يتم وقف العلاج بصورة سريعة وتدريجية مع انخفاض عدد كريات الدم البيض. لا يجوز وصف العقار بعد نوبتين من انخفاض كريات الدم البيض.
الفصام مرض مدمر لشخصية الإنسان بكل معنى الكلمة وما لا يقل عن 10% من المرضى يودعون الحياة انتحاراً. الكلوزابين العقار الوحيد الذي ثبت بأن استعماله يؤدي إلى انخفاض معدل الانتحار في الفصام.
يتم وصف العقار أحيانا لعلاج اضطراب الشخصية الحدية الشديد، واضطراب الثناقطبي الشديد. في كلا الحالتين يستحسن مشاورة زميل آخر في المهنة والصراحة مع المركز المشرف على وصف ومتابعة كلوزابين.
رغم أن الأعراض الجانبية لعقار الكلوزابين متعددة ولا تشمل ما تم التطرق إليه أعلاه فقط، ولكن فعالية الدواء تفوق بقية العقاقير المستعملة في الفصام. على ضوء ذلك لا بد من عرض العلاج بالكلوزابين على المريض مبكراً وعدم الانتظار لفترة 12 أسبوعاً التي يصعب إثباتها علمياً. لابد من شرح جميع مشاكل العلاج بهذا العقار مع المريض والقرار قراره في نهاية الأمر، ولكن الفصام مرض مدمر في الكثير من المرضى، وربما وصف هذا العقار مبكراً قد يمنع ظهور الأعراض السلبية وتأهيل المريض إلى العيش بصورة طبيعية.
رغم ذلك فإن ما يقارب من ٤٥٪ من المرضى يتوقفون عن استعمال كلوزابين خلال عامين ويعانون من انتكاسة شديدة قد تحتاج إلى جرع عالية من كلوزابين مع إعادة العلاج.
الحقن المدخرية Depot Injections
علاج الفصام يعتمد على استعمال العقاقير المضادة للذهان، ولا يمكن الاستغناء عنها في رعاية المرضى مهما كانت خطة علاجهم، والحقيقة الأخرى هي أن تشريع القوانين الوطنية لعلاج الاضطرابات النفسية قسرياً يستهدف علاج الفصام وبالذات استعمال العقاقير المضادة للذهان. ولذلك السبب لابد من الحديث عن العقاقير المدخرية في علاج الفصام التي بدورها تضمن إلى حد ما استعمال العقار للعلاج طوعاً أو قسراً.
توفر هذه العقاقير يختلف من مكان إلى آخر، وخاصة فيما يتعلق بعقاقير الجيل الأول من العقاقير المضادة للذهان. تم سحب بعض عقاقير الجيل الأول من قبل الشركات المنتجة لقلة استعمالها وليس بسبب سلامتها وفعاليتها. الحقن المدخرية المتوفرة في بريطانيا الآن هي:
-
فلوبينثكسول Flupenthixol
-
زكلوبينثكسول Zuclopenthixol
-
هالوبيردول Haloperidol
ولكن في مناطق أخرى توجد العقاقير التالية:
-
فلوفينازين Fluphenazine
-
بيرفينازين Perphenazine
-
بيبوتايزين Pipotiazine
في جميع الحالات يتم إعطاء جرعة اختبارية والانتظار لمدة أسبوع قبل المباشرة باستعمال العقار بصورة منتظمة بجرعة حقنة كل أسبوع إلى حقنة كل أربعة أسابيع. عقار زكلوبينثكسول من أكثر العقاقير استعمالاً ويبدأ استعماله بجرعة اختبارية مقدارها ١٠٠ -٢٠٠ مغم في العضلة في المؤخرة Buttocks وبعدها يتم معايرة الجرعة تدريجياً اعتماداً على استجابة المريض للعقار والأعراض الجانبية، والجرعة القصوى هي ٦٠٠ مغم أسبوعياً.
يجب عمل تخطيط قلب في كل مريض يستلم هذه العقاقير، وقياس QTc Interval وهي الفترة الزمنية ما بين تقلص البطين إلى استرخائه. متى ما كانت هذه أكثر من 400 msec يستحسن التشاور مع طبيب أمراض قلبية رغم أن البعض يستعمل فترة 450 msec كحد أقصى. كذلك يستحسن قياس تركيز إنزيم سي بي كي CPK Creatine Phosphokinase لاستعماله مستقبلاً مرة أخرى في حالة إصابة المريض بالمتلازمة الخبيثة للدواء المضاد للذهانNeuroleptic Malignant Syndrome NMS.
جوانب الإيجابية لهذه العقاقير هي:
زهيدة الثمن.
أقل خطورة في ظهور المتلازمة الايضية.
أقل خطورة في ارتفاع الوزن.
جوانب سلبية وهي:
أعراض خارج السبيل الهرمي Extrapyramidal Symptoms.
خلل الحركة المتأخر Tardive Dyskinesia.
فرط برولاكتين الدم Hyperprolactinemia.
مصادر:
1- Mortensen PB, Pedersen MG, Pedersen CB. Psychiatric family history and schizophrenia risk in Denmark: which mental disorders are relevant? Psychol Med.2010 Feb;40(2):201-10.
ويتبع>>>>>: الفصام واضطرابات ذهانية أولية6
واقرأ أيضًا:
آلية الطعام والصحة النفسية/ العلاقة بين الهرمونات والوزن