"وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي" طه ٣٩
قول الله عن كليمه موسى (عليه السلام)
الحديث عن العلاقات الحميمية بين الزوج وزوجه وأهميتها في الصحة الجسدية والنفسانية لا يخلو من التناقضات أحيان، ولكنه أيضاً لا يسلم من انتقاد البعض. لا يثير اهتمام بعض الأطباء ولا يثير اهتمام الكثير من الأزواج وخاصة من هو غير سعيد في حياته الزوجية وتحت رحمة الضغوط البيئية بأنواعها. وهناك مجموعة أخرى من الأزواج من تسقط اللوم على العلاقة الحميمية وتعتبرها مصدراً رئيسياً لعدم السعادة.
كذلك مع ظهور جائحة كوفيد عام ٢٠٢٠ تغيرت العديد من المفاهيم، وأصبح التقارب الجسدي والتقبيل من السلوكيات الغير المقبولة خشية نقل الأمراض المعدية. انتقال الأمراض عبر القبل أثار اهتمام الكثير من الباحثين في مختلف الفروع العلمية ومنها الجيولوجية. التقبيل عموما من نوعين فهناك التقبيل الودي المنتشر في مختلف الثقافات والتقبيل الرومانسي الحميمي الذي هو أقل انتشاراً ولا وجود له في بعض الثقافات. تشير الأدلة الحديثة بأن التقبيل الرومانسي الحميمي ظهر لأول مرة في بلاد الرافدين ومصر في ٢٥٠٠ قبل الميلاد1.
الطب النفساني والعلاقات الزوجية
لا يمكن القول بأن الطبيب النفساني ينصف مريضه ومهنته إن لم يسأل المريض عن طبيعة علاقته الحميمية مع زوجه أو غير ذلك. لا يتم تطبيق ذلك على الأزواج فحسب وإنما على جميع المراجعين، ويعكس ما يلي:
١- قدرة الانسان على التواصل مع الآخرين.
٢- أسباب الأعراض الطبنفسانية.
٣- الحواجز المانعة للشفاء.
ولكن هناك مجموعة أخرى من المراجعين التي تتوجه صوب مراكز الطب النفسي لعلاج مشاكل العلاقات الحميمية فقط. في مثل هذه المراجعات لابد من مقابلة الزوج وزوجه سوية ولا فائدة من مقابلة طرف دون آخر.
يمكن اعتبار الحب الرومانسي على أنه مجموعة من الأنشطة المرتبطة باكتساب والاحتفاظ بالعواطف اللازمة للبقاء والتكاثر، وتغير هذه المشاعر الاستراتيجيات السلوكية للفرد بطريقة تزيد من احتمالية تحقيق هذه الأهداف. كذلك يمكن تعريف الحب على أنه خاصية ناشئة لمزيج قديم من الببتيدات العصبية والناقلات العصبية. يبدو أن الشهوة والتعلق والانجذاب تبدو عمليات متميزة، ولكنها متشابكة في الدماغ تتوسط كل منها نواقلها العصبية ودوائرها. تتغذى هذه الدوائر على بعضها البعض وتعززها. يتم التوسط في الرغبة الجنسية عن طريق هرمون التستوستيرون والأستروجين ولوزة المخ مركزًا مهمًا. يتم التوسط في الجاذبية من خلال هرمونات التوتر والمكافأة بما في ذلك الدوبامين والكورتيزول النورادرينالين والسيروتونين2.
العلاقة الحميمية بين الزوج وزوجه لا تقتصر فقط على الحديث وتبادل الآراء فقط وإنما تشمل التقارب الجسدي وحتى بلمسة يد فكل ذلك له الكيمياء الخاصة به. يمكن القول بأن الإنسان يقضي حياته يدور بين ثلاث كلمات تبدأ بحرف أ وهي:
إنذار.
ارتياح.
اندفاع.
هناك الإنذار أولاً الذي يشعر به بسبب القلق والظروف البيئية المتعددة. يبحث الإنسان بسب ذلك عن مركز ارتياح يشعر به بالراحة والطمأنينة وبعد ذلك يتوجه نحو الاندفاع لحل مشاكله ومواجهة تحديات الحياة. متى ما تجاوز الاندفاع عتبة معينة يشعر الإنسان بالإنذار ويتوجه نحو الارتياح وهكذا.
ارتياح الإنسان بحد ذاته يبدأ بناقل كيمائي عصبي وهو السيروتونين وهو المادة التي نسعى دوماً الحفاظ عليها عند علاج الاكتئاب بالعقاقير المضادة للاكتئاب. مع مرور الوقت والتقارب الجسدي بين الزوج وزوجه يتم إفراز هرمون أوكسيتوسين Oxytocin وفازوبرسين Vasopressin لتوطيد التعلق بينهما.
التقارب الجسدي والأحضان بدورها تؤدي إلى انخفاض هرمون الكورتيزول الذي يرتفع تركيزه مع الضغوط البيئية والشعور بالإنذار. لا تؤدي الأحضان فقط إلى خفض الكورتيزول في الجسم وإنما إلى إفراز السيروتونين في الدماغ وينتقل الإنسان إلى مرحلة الارتياح. متى ما حصل الإنسان على نصيبه من الارتياح يسترجع لياقته ويبدأ إفراز الدوبامين. هذا يفسر لنا زيادة فعالية مراكز الدماغ التي تحتوي على الدوبامين في الزواج الناجح على المدى البعيد. هذه الكيمياء الناتجة من التقارب الجسدي تفسر لنا سبب تفوق الصحة الجسدية مع الزواج الناجح وانخفاض ضغط الدم وغير ذلك من الأمراض. وأهم من ذلك تفسر لنا هذه الكيمياء لماذا نأخذ الإنسان بالأحضان لكي نواسيه ونسنده.
المصادر
1- Arbol T & Rasmussen S. The ancient history of kissing. Science 19 May 2023, 380: 668-670.
2- Seshadri K. The neuroendocrinology of love. Indian J Endocrinol metab 2016, 20(4): 558-563.
واقرأ أيضاً:
الهرمونات والشهية والوزن / تفسير الأحلام في الطب النفسي