خلل الحس الداخلي في اضطرابات الوسواس القهري1
الشعور بالتقزز أو الاشمئزاز Disgust Proneness
التقزز هو عاطفة أساسية تعمل على تحفيز تحاشي المواد أو المحفزات الضارة التي قد تسبب المرض للإنسان. ويرتبط التقزز بالاستجابة الحشوية والعلامات الفسيولوجية التي تنطوي على تغيرات في الحس الداخلي مثل الغثيان Nausea والزيادة في إفراز اللعاب Salivation... إلخ.، ولا جدال بالتالي أن كلا من عتبة الشعور بالتقزز (الميل لتكرار الشعور بالتقزز)، وشدة الشعور به أو إلى أي مدى يجده الإنسان منفرا (حساسية التقزز) لابد يتأثر بوظيفة الحس الداخلي، وكنا سنة 2008 نشرنا مقالين على موقع مجانين، عن علاقة التقزز بالوسواس القهري ولعل العرض الأكثر ارتباطا بالتقزز من عروض الوسواس القهري هو عرض و.ت.غ.ق حيث يشيع التقزز المرتبط بالتلوث التلامسي Contact Contamination أو المادي ويليه عرض و.ذ.ت.ق والذي يشيع فيه التقزز المعنوي المرتبط بالتلوث العقلي Mental Contamination ذي العلاقة بالشعور بالذنب، وقد بينت دراسات التصوير الوظيفي للمخ أن اضطراب الوسواس القهري خاصة عرض و.ت.غ.ق يصاحبه نمط معين للتنشيط العصبي يشمل مناطق المخ المسؤولة عن انفعال القرف (التقزز أو الاشمئزاز) Disgust وبشكل خاص الجزيرة الأمامية Anterior Insula أكثر من تنشيط مناطق الخوف المخية مثل اللوزة Amygdala وقد تم إثبات ذلك من خلال تعريض مرضى الوسواس القهري لصور أو أدوات معينة تثير التقزز أو تذكر به أثناء التصوير الوظيفي للمخ (Phillips et al., 2000).
وأما بقية اضطرابات الطيف الوسواسي القهري فإن الظواهر الحسية جزء جوهري من الأعراض وعوامل الإدامة في كل اضطراب منها كما سنرى، ولعل الأشهر والأوضح ارتباطا هو اضطرابات العرات ومتلازمة توريت، ففيها نجد أن الحوافز أو الحواث المنذرة تسبق العرة، بل ويرتبط مكان حدوثها بمكان العرة (Essing et al., 2022)، كما يرتبط حاث الفعل في مرضى العرات بزيادة الوعي الداخلي (دقة أكبر في اكتشاف ضربات القلب) لدى المرضى. (Ganos, et al., 2015) كما ارتبطت شدة الحواث المنذرة بزيادة الوعي بالحس الداخلي، وربما تؤدي زيادة الوعي بالحس الداخلي إلى تسليط الانتباه على الذات وفرط استشعار الحواث بالتالي.
العلامات | الأعراض الجسدية | اضطراب طيف الوسواس القهري |
اضطراب الوسواس القهري | ||
شعور التلوث والتقزز | الشعور بالتلوث ماديا أو معنويا، وحواث الفعل Urges for Action | وسواس التلوث الغسيل القهري «و.ت.غ.ق» |
اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت NJREs | شعور الشك والاندفاعات العقلية، والتوتر الداخلي | وسواس الشك التحقق القهري «و.ش.ت.ق» |
اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت NJREs | البطء والتكرار والتماثل والتناظر وشعور نقص ما، وحواث الفعل | وسواس اللا اكتمال التكرار القهري «و.ل.ت.ق» |
الذنب التقزز وإ.ل.ص.ت NJREs | شعور الذنب والتقزز وإل.ص.ت | وسواس الذنب التعمق القهري «و.ذ.ت.ق» |
فرط الاستجابة الحسية وحواث الفعل | شكاوى حسية مختلفة بحسب الاضطراب | اضطرابات نزع الشعر، والتسحج، والسلوك المتكرر الموجه للجسد |
حساسية القلق وإ.ل.ص.ت NJREs | شكاوى حسية مختلفة | اضطراب الاكتناز |
اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت NJREs | إطالة وقت التهيؤ، تكرار الفحص الإجراء الطبي | اضطراب التشوه الجسدي |
لا يوجد | الأعراض الجسدية الخاصة بالمرض | وسواس المرض |
لا يوجد | وجود رائحة منفرة | وسواس المرجع الشمي |
الحواث المنذرة Premonitory Urges اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت | أحاسس جسدية مختلفة بحسب مكان العرة | اضطراب العرات وتوريت |
يلي ذلك وسواس التشوه ثم وسواس أو اضطراب الاكتناز ونبدأ بمرضى اضطراب التشوه الجسدي فهؤلاء لديهم مستويات أقل من الوعي بالحس الداخلي مقارنة بمرضى القلق وغير المرضى، وهم أقل قدرة على الاتصال بإشارات الجسد الداخلية (Pratt, 2014) كما توجد علاقة فريدة بين كل من إ.ل.ص.ت NJREs ومشاعر اللا اكتمال واضطراب التشوه الجسدي (Summers et al., 2017)، وكثيرا ما تنتج علاقة معقدة بين سمة الكمالية ورفض الجسد (ولو جزئيا) بحيث ترتبط مشاعر اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت بعواطف الغضب واليأس والذنب والخوف وربما يصبح الارتباط شرطيا، وتصبح القهور حلا وحيدا يتعزز إجرائيا بتخفيضه لحدة تلك العواطف، وكذلك في مرضى اضطراب الاكتناز كثيرا ما تتعلق مشاعر اللا اكتمال و/أو إ.ل.ص.ت بالرغبة في إكمال مجموعة أو بالتخوف من التخلص من غرض من الأغراض، لكن من الواضح أن آلية عملها ترتبط معرفيا وعاطفيا بأداء القهور.
وأما مرضى اضطراب سحج الجلد فإن لديهم ظواهر حسية جسدية هي الحواث المنذرة التي تسبق سلوك السحج، ويلاحظ أنه عندما يترك المريض حرا (أي لا يقمع المريض سلوك السحج) تبدأ شدة إلحاح الحواث المنذرة في الزيادة حتى يحدث السحج وتستمر في الزيادة أثناءه وتبدأ في الانخفاض قبل انتهاء السحج، ولكن عندما يقمع الأفراد السحج فإن شدة الحواث المنذرة تزيد لفترة زمنية أطول، ويشير هذا الارتباط الزمني إلى أن سلوك السحج ينشأ بسبب الرغبة المتزايدة في السحج وأن شدة الإلحاح يجب أن تعود إلى مستوى منخفض قبل أن يتوقف الأفراد عن السحج. (Dieringer et al., 2019).
وأما مرضى اضطراب نتف الشعر ففضلا عن الخواص الحسية الخارجية للشعر (الخشونة، التعرج، الانشقاق، القصر.... إلخ) التي تجعله مستفزا للنتف- وتسمى محفزات النتف، يوجد لديهم فرط حساسية استجابة للمنبهات الحسية، تختلف شدته بين المرضى لكنه فائق الشدة في حوالي 15% من الحالات (Falkenstein et al., 2018) ورغم تعلق ذلك بالحس الخارجي إلا أن صدى ذلك الحس الخارجي يحس داخليا كظواهر حسية مزعجة في صورة أحاسيس اللا اكتمال وإ.ل.ص.ت، كما تتفاعل تلك الحساسية مع سمات تشيع في مرضى النتف كالكمالية (Bottesi et al., 2016) كذلك تشيع في وصف المرضى لحاث النتف أو النزع Urge to Pull عبارات حول الأحاسيس الشبيهة بالحكة أو الأحاسيس المركزة (مكان النتف) التي تتكرر أو تبقى باستمرار في ذهن الفرد (Madjar & Sripada, 2016) وتدفعه إلى نتف الشعر، وبشكل عام يوجد فرط حساسية استجابة للمنبهات الحسية (Houghton, & Christian , 2018) في مرضى اضطرابات السلوك التكراري جسدي التمركز Body-Focused Repetitive Behaviors ومنها اضطراب سحج الجلد واضطراب نتف الشعر، وأكل أو قضم الأظافر، وكلها من أعضاء طيف الوسواس القهري.
ويصب ما تقدم كله ضمن دراسة ظاهرة فرط الاستجابة الحسية Sensory Overresponsivity أو الـ"لا تحمل الحسي" Sensory Intolerance أو ما يسمى بمتلازمة عدم التحمل أو اللاتحمل الحسي والتي تشير إلى أشخاص يشتكون من مستويات عالية من الضيق تنجم عن الأصوات اليومية (مثلا، أصوات الأشخاص الذين يمضغون، أو صرير أسنان، صوت المكنسة الكهربية، أو صوت احتكاك معين...إلخ) أو الأحاسيس اللمسية الشائعة (مثل المواد اللزجة أو الدهنية أو ذات الثقوب الدقيقة...إلخ). وتترافق أعراض المتلازمة مع أعراض الوسواس القهري والاضطرابات والظواهر المرتبطة بالوسواس القهري وكذا اضطرابات طيف الذاتوية Autistic Spectrum Disorders وغيرها (Taylor et al., 2014). وفرط الاستجابة الحسية Sensory Overresponsivity تكاد تكون ميزةً أو نمطا داخليا للوسواس القهري (Moreno-Amador et al., 2023).
الخلاصة والتوصيات:
في مجال العلاج النفساني كثيرًا ما يستخدم التعرض لإشارات التحسس لتقليل الحساسية لأحاسيس الجسد في اضطراب الهلع (Lee et al., 2006) وكذلك بعض حالات الوسواس والرهاب، ويعتبر تحفيز الدماغ من طرق العلاج الحديثة التي استفادت من حصاد الدراسات على الدوائر والبنى العصبية المرتبطة بالحس الداخلي عبر تقنيات تحفيز الدماغ كالتحفيز العميق للدماغ «ت.عد» والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة «ت.م.عد»، والتي تم استهدافها بالفعل لتعديل الأداء العصبي في الاضطرابات النفسية والعصبية (Kopell et al., 2004)، بما في ذلك الوسواس القهري (Denys et al., 2010) وقد أظهرت مراجعة حديثة تفوق التأثيرات العلاجية للتحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الدماغ (ت.م.م.ع.د rTMS) على تأثيرات الإجراء المموه في علاج الوسواس القهري، وكان استهداف القشرة قبل الجبهية الظهرية الوحشية ق.ج.ظو DLPFC على الجانبين هو النهج الأكثر ملاءمة في مناجزة الوسواس القهري، وهناك حاجة لمزيد من البحث لتحديد التردد الأمثل، والنبضات الإجمالية لكل جلسة، ومدة العلاج بـالت.م.م.ع.د للوسواس القهري.
وأخيرا فرغم تواتر شكوى مرضى الاضطرابات النفسانية من أعراض جسدية، ورغم أن دراسة خلل الحس الداخلي في الاضطرابات النفسية مجال واعد ليس فقط بالفهم الأعمق لتلك الاضطرابات بل والتدخلات العلاجية الجديدة، إلا أن تلك الدراسة تأخرت كثيرا حتى أن تمثيل الأعراض الجسدية في معايير التشخيص الرسمية ما يزال دون المستوى الذي يستحقه، وكان ذلك لأسباب متعددة أهمها في رأينا هو انحياز الأطباء النفسانيين لتصوراتهم العقلية لتلك الاضطرابات والتي كانت تبحث عن تفسير معرفي لأعراض الجسد، فمثلا مهما اشتكى مريض الوسواس القهري من أحاسيس جسدية ترتبط بالوساوس أو القهور لم يكن الطبيب النفساني يفسرها إلا بأنها انعكاس للقلق الشديد ثم لا يعطيها اهتماما خاصا لأنها ستزول مع القلق، أو ربما فسرها بانها هلاوس، لكنه لم يكن يفكر أبدًا أن الجسد يمكنه أن ينشئ تلك الأعراض بشكل مستقل عن القلق، وإذا أردنا أن نتعلم من ذلك فإن النصيحة لكل طبيب نفساني هي "لا تجعل همك إحراز التشخيص، واحذر الاهتمام فقط بالمعايير التشخيصية" وتذكر دائما أن الاستماع الجيد واحترام طريقة شرح وتفسير المريض لأعراضه أمران في منتهى الأهمية، أهم كثيرا من استيفاء معايير التشخيص.
المراجع:
1- Phillips ML, Marks IM, Senior C, Lythgoe D, O’Dwyer AM, Meehan O, et al. (2000): A differential neural response in obsessive-compulsive disorder patients with washing compared with checking symptoms to disgust. Psychological Medicine 2000;30:1037–1050.
2- Essing J, Jakubovski E, Psathakis N, Cevirme SN, Leckman JF, Müller-Vahl KR. (2022). Premonitory Urges Reconsidered: Urge Location Corresponds to Tic Location in Patients With Primary Tic Disorders. J Mov Disord. 2022 Jan;15(1):43-52. doi: 10.14802/jmd.21045. Epub 2022 Jan 25. PMID: 35124958; PMCID: PMC8820883.
3-Ganos C, Garrido A, Navalpotro-Gómez I, Ricciardi L, Martino D, Edwards MJ, Tsakiris M, Haggard P, Bhatia KP. (2015). Premonitory urge to tic in Tourette's is associated with interoceptive awareness. Mov Disord. 2015 Aug;30(9):1198-202. doi: 10.1002/mds.26228. Epub 2015 Apr 16. PMID: 25879819.
4- Pratt M (2014). Interoceptive Awareness and Self-Objectification in Body Dysmorphic Disorder. Research submitted in partial fulfilment of the requirements for the degree of Doctor of Clinical Psychology (DClinPsy), Royal Holloway, University of London. un-published
5- Summers BJ, Matheny NL., Cougle JR. (2017). ‘Not just right’ experiences & incompleteness in body dysmorphic disorder, Psychiatry Research, V. 247,2017,P. 200-207,ISSN 0165-1781,
6- Dieringer M, Beck C, Verrel J, Münchau A, Zurowski B, Brandt V. (2019). Quality and temporal properties of premonitory urges in patients with skin picking disorder. Cortex. 2019 Dec;121:125-134. doi: 10.1016/j.cortex.2019.08.015. Epub 2019 Sep 19. PMID: 31605885.
7- Falkenstein, M. J., Conelea, C. A., Garner, L. E., & Haaga, D. A. F. (2018). Sensory over-responsivity in trichotillomania (hair-pulling disorder). Psychiatry Research, 260, 207–218. doi:10.1016/j.psychres.2017.11.034
8- Bottesi, G., Cerea, S., Razzetti, E., Sica, C., Frost, R.O., & Ghisi, M.(2016). Investigation of the phenomenological and psychopathological features of trichotillomania in an Italian sample.Frontiers in Psychology,7,256.
9- Madjar S, Sripada CS. (2016).The Phenomenology of Hair Pulling Urges in Trichotillomania: A Comparative Approach. Front Psychol. 2016 Feb 19;7:199. doi: 10.3389/fpsyg.2016.00199.
10- Houghton, & Christian (2018). Sensory Processing in Body-Focused Repetitive Behaviors. Doctoral dissertation, Texas A & M University. Available electronically from.
11- Taylor, S., Conelea, C.A., McKay, D., Crowe, K.B., & Abramowitz, J.S.(2014). Sensory intolerance: latent structure & psychopathologic correlates. Comprehensive psychiatry,55(5),1279-1284.
12- Moreno-Amador B, Cervin M, Martínez-González AE, Piqueras JA;(2023).OCD-Spectrum Spain Research Group. Sensory Overresponsivity and Symptoms Across the Obsessive-Compulsive Spectrum: Web-Based Longitudinal Observational Study. J Med Internet Res. 2023 Apr 13;25:e37847. doi: 10.2196/37847. PMID: 37052983; PMCID: PMC10141273.
13- Lee K, Noda Y, Nakano Y et al.(2006). Interoceptive hyper- sensitivity and interoceptive exposure in patients with panic disorder: specificity and effectiveness. Bmc Psy- chiatry. 2006;6:32
14- Kopell BH, Greenberg B, Rezai AR. (2004). Deep brain stimulation for psychiatric disorders. J Clin Neurophysiol. 2004;21(1):51–67.
15- Denys D, Mantione M, Figee M, et al. (2010). Deep brain stimulation of the nucleus accumbens for treatment-refractory OCD. Arch Gen Psychiatry. 2010;67(10):1061–8.
16- Perera MPN, Mallawaarachchi S, Miljevic A, Bailey NW, Herring SE, Fitzgerald PB. (2021). Repetitive Transcranial Magnetic Stimulation for Obsessive-Compulsive Disorder: A Meta-analysis of Randomized, Sham-Controlled Trials. Biol Psychiatry Cogn Neurosci Neuroimaging. 2021 Oct;6(10):947-960. doi: 17.1016/j.bpsc.2021.03.010. Epub 2021 Mar 26. PMID: 33775927.
اقرأ أيضاً:
العروض السريرية الأربعة للوسواس القهري / خلل الحس الداخلي في الاضطرابات النفسية