يمكن القول بأن اضطراب الوسواس القهري هو من أكثر الاضطرابات النفسانية دراسة في التصنيف العالمي الحادي عشر للأمراض، وهذا يفسر استحداث حقل اضطراب الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة Obsessive Compulsive Disorder and Related Disorders. رغم أن مصطلح طيف الوسواس القهري كثير الاستعمال، ولكن يفضل استعمال مصطلح الوسواس القهري والإشارة إلى التشخيص الدقيق. تم جمع الاضطرابات ذات صلة لأنها تشترك في النمط الظاهري العام Common Phenotype والمسببات المرضية التي تنطوي بشكل أساسي على الأداء القهري، ويضاف إلى ذلك أن الأفكار الوسواسية هي في موقع الصدارة في الاضطرابات ذات صلة التي تشمل اضطراب تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder BDD، المراق Hypochondriasis، والاضطرابات المرجعية الشمية Olfactory Reference Disorder ORD.
بالإضافة إلى الأفكار الوسواسية والسلوكيات القهرية فإن القلق شائعٌ في جميع اضطرابات الوسواس القهري والاضطرابات ذات صلة، وكان الاضطراب سابقاً يتم تصنيفه كاضطراب قلق. لكن الأدلة العلمية تشير الآن إلى تورط دوائر دماغية خاصة بالوسواس القهري غير تلك المتورطة في اضطرابات القلق عموماً.
التصنيف الحديث هو:
١- الوسواس القهري Obsessive-Compulsive Disorder OCD.
٢- اضطراب تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder (BDD).
٣- اضطراب المرجع الشمي Olfactory Reference Disorder.
٤- المراق Hypochondriasis.
٥- اضطراب التخزين Hoarding Disorder.
٦- اضطرابات سلوك التركيز المتكرر على الجسد Body Focused Repetitive Behaviour Disorders:
• اضطراب نتف الشعر Trichotillomania.
• اضطراب تسحج الجلد Excoriation Disorder.
يتم تصنيف الاضطراب مع ذلك إلى ثلاث درجات:
١- بصيرة جيدة.
٢- بصيرة ضعيفة.
٣- انعدام البصيرة (أفكار وهامية).
العمليات النفسانية الدماغية:
١- الإعاقة المعرفية: يعاني المريض المصاب بالوسواس القهري من ضعف في اختبارات التثبيط والمرونة المعرفية1 فعلى سبيل المثال هناك صعوبة في تثبيط الاستجابات السلوكية المعتادة أو التلقائية عند الإشارة للقيام بذلك. تظهر عدم المرونة في سلوكياتهم في عدم قدرتهم تغيير السلوك بطريقة تكيفية عند استلام إشارات بيئية للقيام بذلك، هناك أيضاً عدم القدرة على تحويل الانتباه مع تغير الظروف. هذه الإعاقة المعرفية تفسر عدم قدرتهم على التوقف وتوجيه الانتباه بعيداً عن ممارسة طقوس لا طائل منها. يمكن ملاحظة ذلك أيضاً في هوس نتف الشعر، اضطراب تشوه الجسد، واضطراب الاكتناز. كذلك يتم ملاحظة هذه الإعاقة المعرفية في اضطراب الفصام، ويتم العثور عليها في الدراسات النفسانية المختبرية في أقارب المرضى مما يدل على أنها ليست مجرد ظواهر أو آثار ثانوية Epiphenomena وإنما علامات وأنماط داخلية لشذوذ عصبي بيولوجي.
٢- السلوكيات القهرية: هي عادات مفرطة غير تكيفية ويمكن استيعابها من خلال عمليات التعلم2. الطريقة الأولى للتعلم تتم عن طريق التعرف على أهمية الأحداث واتخاذ الإجراءات اللازمة للحصول على نتيجة لها قيمة وهذا ما نسميه سلوك موجه نحو هدف. الطريقة الثانية تتم عندما يتم تكرار الإجراءات إلى عتبة معينة تصبح فيه مستقلة عن قيمة النتيجة وتنتهي العلاقة بين الاستجابة السلوكية ونتيجة السلوك، وعند ذاك يتم تفعيل مثل هذه السلوكيات بواسطة الحدث نفسه دون الانتباه إلى قيمة وهدف السلوك، وهذا ما نسميه تكوين العادة habit Formation. هناك توازن بين تعلم سلوك موجه نحو هدف وتعلم عادة ما ومرونة في التحول من نمط إلى آخر. تتسلط عملية تعلم العادات في المصاب بالوسواس القهري الذي لا يقوى على تفسير سلوكه القهري مثل ممارسة الطقوس ولا يتطوع بالتصريح على أنها عادات سيئة لا قيمة لها.
٣- العمليات النفسانية1,2 أعلاه في عدم القدرة على التثبيط وعجز المرونة المعرفية لا تنطبق فقط على السلوكيات القهرية وإنما على الأفكار الوسواسية أيضاً. هناك عدم القدرة على تثبيط الفكرة ومع التكرار تتحول الفكرة إلى فكرة اجترارية. تجارب انقراض الخطر Fear Extinction تشير إلى أن المصاب بالوسواس القهري يستمر يشعر بالخطر حتى بعد انتهاء الخطر حيث يجد صعوبة في تعديل استجابته العاطفية عندما يصبح الحدث الخطر المهدد غير مهدد ويجد صعوبة في تحويل استجابته العاطفية وهذا ما يتم الإشارة إليه بنظام إشارات السلامة Safety Signalling System.
يمكن القول بأن ما يحدث في الوسواس القهري تفاعل إشارات سلامة ضعيفة واستجابات خوف مستمرة وتعلم موجه نحو هدف غير طبيعي، ويؤدي ذلك إلى اكتساب عادات مفرطة وسلوكيات قهرية.
الدوائر العصبية الدماغية
هناك إجماع علمي على أن الوسواس القهري سببه تشوهات في الدوائر العصبية التي تربط القشرة المخية، المخطط، والمهاد والتي يتم الإشارة إليها بدائرة القشرة المخططية -المهادية Corticostriatal- Thalamic. الجسم المخطط هو نواة في العقد القاعدية تحت القشرة المخية ويلعب دوراً حاسماً في تنظيم الحركة والمكافأة، ويمكن اعتباره كمدخل رئيسي لبقية العقد (النوى) القاعدية.
هناك ثلاثة دوائر تلعب دورها في الوسواس القهري3 ضمن دائرة القشرة المخططية-المهادية وهي:
١- دائرة حركية تبدأ من المناطق الحسية الحركية إلى المخطط وثم المهد والعودة إلى القشرة المخية.
٢- دائرة معرفية تبدأ من القشرة الظهرية الجانبية قبل الجبهية Dorsolateral Prefrontal والجانبية الحجاجية قبل الجبهية Lateral Orbito-Frontal إلى المخطط ثم المهاد والعودة إلى القشرة المخية. يتم وصف هذه الدائرة بالدائرة الترابطية.
٣- دائرة عاطفية تشجيعية تساعد في التحفيز وتبدأ من الجهاز الحوفي والحصين واللوزة متوجهة نحو المخطط وثم المهاد قبل العودة إلى الجهاز الحوفي.
إحدى الوظائف الرئيسية للقشرة الحجاجية قبل الجبهية Orbito-Frontal هي تشفير قيمة المكافأة أو العقاب للمحفزات البيئية وبدء الاستجابة المناسبة عند اكتشاف تغيير القيمة. تلعب القشرة الحجاجية الإنسية قبل الجبهية Medial Prefrontal Orbital Cortex مع قشرة الفص الجبهي البطنية الإنسية Ventromedial Frontal Cortex دوراً رئيسياً في تحديث سريع لقيمة المنبهات كما هو الحال عند تغير قيمة المحفز من تهديد إلى عدم تهديد. أما القشرة الحجاجية الجانبية قبل الجبهية فتعمل على تثبيط السلوك الذي تمت مكافأته سابقاً وتحويل الاستجابات إلى محفزات جديدة ذات قيمة.
تم العثور على نشاط غير طبيعي في القشرة الحجاجية قبل الجبهية وقشرة الفص الجبهي البطني الانسي Ventromedial Frontal Cortex فيما يتعلق بضعف انقراض الخوف واستلام إشارات السلامة. أما ضعف المرونة السلوكية فهو مرتبط بارتباط غير طبيعي بين القشرة الحجاجية الجانبية قبل الجبهية مع المخطط. جميع الأدلة العلمية الحديثة تشير إلى تعطل دوائر القشرة الحجاجية قبل الجبهية والدوائر القشرية الحجاجية البطنية الإنسية قبل الجبهية والتي تعمل سوية لتحديث قيمة الأحداث البيئية وبدء تغيير السلوك.
في حين أن القشرة الحجاجية قبل الجبهية تشفر قيمة المنبهات فإن القشرة الحزامية الأمامية الظهرية الأمامية Dorsal Anterior Cingulate Gyrus تشفر قيمة الأجراء والمعروفة علمياً بمراقبة الخطأ أو مراقبة النزاع Error/Conflict Monitoring. هذه المنطقة تساهم في وظيفة الدائرة القشرية الأمامية الظهرية الحزامية غير الطبيعية في ظهور استجابات قهرية وتعبير مفرط عن الخوف.
السؤال الذي لم يتم حسمه إلى الآن هو متى يبدأ ظهور هذه الفعاليات غير الطبيعية في الدماغ وتزامن ذلك مع ظهور أعراض الوسواس القهري.
علاج الدماغ الوسواسي
علاج الوسواس القهري4 هو علاج نفساني يستند على مبادئ العلاج المعرفي السلوكي وعلاج بالعقاقير. جميع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية Selective Serotonin Reuptake Inhibitors SSRI وعقار كلواميبرامين Clomipramine متشابهة ومتساوية في فعاليتها سوى أن الأعراض الجانبية للعقار الأخير أشد من الأولى. معظم الدراسات حول العلاجات النفسانية هي لمراجعين تم استعمال العقاقير فيهم ولا يوجد دليل على أنها أكثر فعالية.
الجدول أدناه يوضح العقاقير المستعملة (الاسم العلمي اللاتيني) في علاج الحصار المعرفي. يجب مراعاة عدم تجاوز الجرعة القصوى في الغالبية العظمى من المراجعين. يتم أحيانا استعمال جرع عالية، ولكن ذلك لا يجوز استعماله إلا في مراكز طبنفسية مختصة في علاج الحصار المعرفي وفي مركز تعليمي متميز.
العقار | الجرعة القصوى يوميا(مغم) | جرع نادرة جداً |
Citalopram | 40 | 120 |
Clomipramine | 250 | |
Escitalopram | 20 | 60 |
Fluoxetine | 80 | 120 |
Fluvoxamine | 300 | 450 |
Paroxetine | 60 | 100 |
Sertraline | 200 | 400 |
اضطراب التخزين أقل استجابة للعلاج مقارنة بغيره. 60% من الذين يستجيبون للعلاج ينتكسون بعد خمسة أعوام والهدأة الكاملة لا تحدث إلا في 18% من المراجعين وهدأة جزئية في 22%.
أظهرت الدراسات فإن فرط النشاط في القشرة الحجاجية قبل الجبهية، القشرة الأمامية الظهرية الحزامية والمخطط يتم تطبيعه بعد العلاج الناجح. يشير تأثير استعمال مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية إلى انخفاض تعديل سيروتونين للدوائر القشرية وقد يكون ذلك مصدر أعراض الوسواس القهري.
رغم العلاج بالعقاقير والعلاج النفساني سوية فإن 40% من المراجعين لا يستجيبون استجابة كافية ويتم اللجوء إلى جرع عالية من مثبطات استرداد سيروتونين الانتقائية والحد الأعلى لجرع هذه العقاقير وبعد ذلك إضافة مضادات مستقبلات دوبامين أو المعروفة بمضادات الذهان من الجيل الأول والثاني4 ولكن بجرع أقل من التي يتم استعمالها في علاج الفصام في غالبية المراجعين. هناك أدلة على زيادة فعالية دوبامين في المخطط تؤدي إلى حدوث دوامة في الاتصالات تؤدي بدورها إلى تدفق المعلومات عبر الدوائر القشرية المهادية.
هناك ما يقارب 10% من المرضى يعانون من أعراض شديدة جداً وعند ذاك يتم اللجوء إلى بضع المنطقة الظهرية الأمامية الحزامية جراحياً5 وذلك قد يؤدي إلى تحسن فيما يقارب النصف منهم. هناك أيضاً بعض الدراسات حول استعمال علاج تحفيز الدماغ العميق6 Deep Brain Stimulation DBS الذي يستهدف الطرف الأمامي للكبسولة الداخلية Anterior Limb of the Internal Capsule ALIC والنواة تحت المهاد الأمامية الإنسية Anteromedial Subthalamic Nucleus من أجل تنظيم فعالية الدوائر المشار اليها أعلاه وكذلك لا يتجاوز التحسن في الأعراض أكثر من 50%.
مصادر:
1- Gillian C & Robbins T. Goal-directed learning and obsessive-compulsive disorder. Phil.Trans R.Soc. 2014; 369:20130475.
2- Luigies J, Lorenzetti V, de Haan s et al. Defining compulsive behaviour. Neuropsychol Rev 2019;29;4-13
2- Haber SN. Cortizcostriatal circuitry. Dialogues Clin Neurosci 2016; 18(1): 7–21.
3- Hauser TU. On the development of OCD. Curr Top Behav Neurosci 2021; 49: 17–30.
4- Al-Timimi S, Jamil N. Current pharmacological treatment of obsessive-compulsive disorder. Thew Arab Journal of Psychiatry 2020; 31: 98-105.
5- Brown LT, Mikell CB, Youngerman BE et al. Dorsal anterior cingulotomy and anterior capsulotomy for severe, refractory obsessive–compulsive disorder: a systematic review of observational studies. J Neurosurg 2016; 124(1): 77–89.
6- Abdelnaim M, Lang-Hambauer V, Hebel T, et al. Deep Brain Stimulation for treatment resistant obsessive compulsive disorder: an observational study with 10 patients under real-life conditions. Front.Psychiatrty 2023; 14. Online Publication.
Further Reading
Lynall, Mary-Ellen; Jones, Peter B.; Stahl, Stephen M. Cambridge Textbook of Neuroscience for Psychiatrists (p. 438). Cambridge University Press. Kindle Edition.
واقرأ أيضا:
الدماغ والعنف / الفص الجبهي للدماغ والأداء التنفيذي