رحلتي إلى علم النفس الإسلامي1
خواطر من أجل نظرية نفسية إسلامية
عندما نقول نظرية نفسية إسلامية فإننا نريدها نظرية علمية تتسع لمكتشفات العلوم النفسية والعصبية المعاصرة ضمن إطار وتصور للإنسان على أنه كائن أرقى من الحيوان الذي يشترك معه بالوظائف البدنية الحيوية... ولا نقصد بالنظرية النفسية الإسلامية العودة لآراء قدامى المسلمين الذين اختلطت لديهم الفلسفة بالدين والملاحظة اليومية فأعطونا تصورات عن النفس البشرية هي مزيج من عقائد الديانات الشرقية وآراء فلاسفة اليونان... ولا نقصد الاستنتاج من النصوص القرآنية والحديث الشريف أكثر مما تدل عليه من خطوط عامة تهدينا من أجل وضع التصور الذي ينسجم معها ويستوعب الثابت من العلوم النفسية المعاصرة دون أن نلبس فرويد والباقين عمامات إسلامية.
النظرية النفسية الإسلامية تختلف عن المطروح حتى الآن عالمياً في أنها ترى الإنسان خلقاً آخر لا مجرد جسد حي ودماغ فائق القدرات يدرك ذاته ولا مجرد روح من طبيعة غير مادية تفكر وتشعر وتريد وتحب وتكره وتتعامل مع المحيط من خلال الجسد الحي الذي هو آلة لها يمكن لروح أخرى أن تستعيره منها أو تتسلط عليه وتتواصل معنا من خلاله.
أهم أساسين للنظرية النفسية الإسلامية هما تعريف الإنسان على أنه خليفة لله في الأرض مفطور على التخلق بأخلاق الله والتصرف مثلما كان الله سيتصرف لو كان هو مكاننا وفي موقفنا، والتأكيد على أن الإنسان خلق آخر لا هو روح تستخدم الجسد ولا هو جسد لا روح فيه.
تعريف الإنسان
أ - عند التطوريين داروين وفرويد ومن تبعهما: الإنسان حيوان تحكمه غرائز مركوزة في اللاشعور لديه تدفعه لإشباعها، ولا يختلف عن باقي الحيوانات إلا في قدرته على إدراك ذاته ووعي وجوده، لكن هذا الوعي خاضع للاشعور ويقوم بتبرير رغبات اللاشعور بحيث تبدو أفعال الإنسان نابعة من الوعي والإرادة الحرة، بينما الحقيقة أن الإنسان تسيره الغرائز كما تسير الحيوان، لكن الإنسان يعيش وهم الإرادة الحرة والدوافع المتسامية على الغرائز.
ب - عند السلوكيين: الإنسان آلة حية لها احتياجات حيوية تضغط عليها لتحقيقها، وتبرمجها الأفعال الشرطية الكلاسيكية والفاعلة وتخلق فيها حتى الدوافع النفسية المكتسبة انطلاقا من دوافع بدائية جسدية.
ج - الإنسانيون ومعهم الوجوديون تقدموا في نظرتهم للإنسان فركزوا على الجانب النفسي فيه وسكتوا عما هو جسدي واعتبروا الإنسان خالق ذاته ككائن فوق المادة وفوق الغرائز، وإن كان لا بد له من أن يشبع الحاجات الأساسية الهادفة إلى المحافظة على بقائه كفرد واستمراره كنوع، لكنه بعد ذلك يسعى لإشباع دوافع راقية تتجاوز جسده إلى الانتماء والحب والإنجاز وتحقيق الذات، والإنسان عندهم حر حرية حقيقية، أي باختصار هو حيوان تطور بحيث صار شبه إله.
• كل المدارس المذكورة لا تعترف إلا بالجسد الحي وتعتبر الروح خرافة.
• الأديان كلها أعلت من قدر الروح واعتبرتها هي الإنسان وليس الجسد إلا آلة حية تخدمها لكنها تحاول تسييرها ودفعها إلى تحقيق رغباتها وشهواتها، لذا يكون هدف الإنسان الراقي هو التحرر من تحكم جسده به من خلال مقاومة الشهوات وإضعاف الجسد بالجوع والحرمان الجنسي ورفض أي شكل من أشكال التنعم والرفاهية والسعي للمكانة الاجتماعية، وذلك كي تنتصر الروح الخالدة على الجسد الفاني وتحقق شوقها للعودة إلى الروح العظمى التي انبثقت منها أي الخالق.
• هذه الثنائية المبسطة نتج عنها الإيمان بتناسخ الأرواح وانتقال الإنسان من جسد إلى آخر من خلال الموت والولادة، والإيمان بتحضير أرواح من ماتوا والتحاور معهم عبر جسد مستعار هو جسد الوسيط، والاعتقاد أن الجني يدخل في الإنسان ويتكلم على لسانه ويتحكم بجسده وتصرفاته انتقاماً منه واعتداءً عليه.
• عند الأديان الإنسان مكون من عنصرين متصارعين عليه أن يبذل كل ما يستطيع ليتغلب أحدهما على الآخر أي روحه على جسده.
• تقدم الطب وعلم النفس والفيزيولوجيا العصبية والدوائيات النفسية وتبين لنا أنّ كل شيء في الإنسان من مشاعر وأفكار وشهوات وسلوكات من صنع آلة حية هي الدماغ، فأنكرت الروح، أما من اعترف بها، فقد فسرها على أنّها النظام الذي ينبني وفقه الجسد الحي ليصبح كائناً واعياً لوجوده.
• إذاً هما تطرفان: الأول ينكر أي أهمية للجسد ويعتبره شيئاً غير النفس التي هي الروح بمنظورهم، والثاني ينكر الروح ويعتبر الجسد الحي هو الإنسان ولا شيء معه.
• الروح ثابتة في القرآن والحديث الشريف بنصوص قطعية الثبوت وإن كانت دلالتها غير قطعية، أي الروح موجودة وتنفخ في كل جنين بعد بلوغه مئة وعشرين يوماً في الرحم.
• ويقول محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: (إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك، ثم يبعثُ اللهُ إليه ملَكا، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ، ويُقالُ له: اكتبْ عملَه، ورزقَه، وأجلَه، وشقيٌّ أو سعيدٌ؛ ثم يُنفخُ فيه الروحَ، فإنَّ الرجلَ منكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، حتى لا يكونَ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ، فيدخلُ النارَ. وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، فيدخلُ الجنةَ...) أخرجه البخاري ومسلم
• يقول تعالى في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14))
• ربنا يشير إلى نفخ الروح بقوله: ثم أنشأناه خلقاً آخر، وهو في معرض وصف مراحل تكون جسد بشري حي جديد. فالإنسان بعد نفخ الروح لا هو جسد ولا هو روح، بل هو خلق آخر.
• كما أن الماء بعد اتحاد الأكسجين بالهيدروجين خلق آخر ذو خصائص كيميائية وفيزيائية مختلفة تماماً عن مزيج الأكسجين والهيدرجين غير المتحدين الذي يمكن أن يشتعل في أية لحظة.
• النفس في القرآن لها معنيان: الأول هو الكائن كله من رأسه إلى قدمه بكل ما فيه من حياة بدنية وعقلية، والثاني هو الوعي والشعور عند الإنسان وهو الذي يتوفاه الله في النوم والموت، أما الروح فتنزع من الجسد مرة واحدة عند الوفاة ولا تنزع كلما نام.
ويتبع>>>>>: رحلتي إلى علم النفس الإسلامي3
واقرأ أيضًا:
مصادر سكينة الإيمان6 / رحلتي إلى علم النفس الإسلامي1