ذات مرة زرت بيتا يابانيا في مدينة كيتو، وكانت دعوة غداء، وأخذني صاحبه في جولة، أمام الحمام زوج نعال عليك أن تضعه في قدميك عندما تدخله، الغرف فارغة، فتح دواليبا في الحائط وأطلعني على الفراش الذي يوضع على الأرض للنوم.
وفتح لي دولابا آخر ليظهر تمثال بوذا الذي يصلي أمامه كل صباح.
وبعدها جلسنا في مكان متصل بالمطبخ، وكان حفرةً في الأرض نضع أرجلنا فيها، ونجلس حول مائدة مرتفعة قليلا فوق الحفرة.
ومما لاحظته في البيت أن السنادين عندما أسأله عن نوع النبات الذي فيها يجيبني: "نحن نزرع ما يؤكَل"!!
وتعجبت من أمر اليابانيين، لأنهم لا يتركون بقعة في الأرض خالية من اللون الأخضر.
انتبهت إلى قوله الذي يعني "نزرع لنأكل"!! فأخذت أقارن بينه وما يسود عندنا، فنحن لا نزرع لنأكل، بل نشتري ونستورد لنأكل.
وهذه عاهة حضارية وخيمة، فالمجتمعات تطعم نفسها وتجتهد بتطوير زراعتها، وتكون حريصة على توفير الطعام وما تحتاجه من لوازم العيش، وما يمكن تسميته بالاكتفاء الذاتي، وهو منهج العائلة في مجتمعاتنا منذ الأزل، وتبدلت في القرن العشرين، عندما عملت قِوى متعددة لتوفير أسباب التبعية والدونية والخنوع، فصار الجوع ديدننا، واحتقار الزراعة مذهبنا.
وتجدنا اليوم، نستورد معظم طعامنا، ونتوسل الآخرين بمساعدتنا على توفير رغيف الخبز.
فهل وجدتم دولة من دولنا تصدر الحنطة والذرة والشعير، وكان عدد منها يقوم بذلك في النصف الأول من القرن العشرين، وفي مقدمتها العراق.
فأين كنا، وأين أصبحنا؟
سيدّعي البعض بزيادة عدد السكان، وهذه أكذوبة، فالصين تطعم ملياراتها البشرية، ونحن نعجز عن إطعام ملاييننا المعوقة بأنظمة حكمنا الجاهلة الساذجة!!
فهل سنزرع لنأكل؟!!
واقرأ أيضًا:
الاحتلال النفسي!! / الجمال البعيد!!