كانت نظرية النقطة المحددة لوزن الجسد Set point Theory أحد أهم النظريات التي وضعها العلماء لتفسير مجموعة من الحقائق التي تظهر بمتابعة أوزان البشر على مر السنوات فتظهر الجسد وكأنما يدور حول نقطة ثابتة، لكن هذه النظرية، أصبحت تجابه في عالم اليوم بالعديد من المشكلات، منها أن كثيرا من ممارساتنا التي يعتبرها معظمنا صحية للأسف أو على الأقل غير ضارة يمكنُ أن تعبث بالنقطة المحددة، وحقيقة لا تستطيع نظرية النقطة المحددة-التي كنت مقتنعا بمنطقيتها وغيري طويلا- أن تفسر وباء البدانة الذي يجتاح العالم، فقرائه وأغنيائه، إلا من بوابتين على الأقل هما بوابة الحمية المنحفة المتكررة Repeated Dieting أو المزمنة Chronic Dieting أو بوابة نوعية الغذاء ونوعية الحياة التكنولوجية الخاملة التي يعيشها ملايين البشر، ولعل ذلك ما دفع إلى طرح العلماء لما أستطيع تسميتها بنظرية "نقطة التسوية الجسدية Settling-Point Theory" ونستطيع تلخيص معطيات هذه النظرية التي أعتبرها تطويرا ناقدا لنظرية النقطة المحددة ليجعلها قادرة على تفسير ظواهر أكثر فيما يلي:
- يحدث استقرار وزنِ الجسدِ نتيجة استقرارِ عواملَ مُخْتَلِفةٍ تُؤثّرُ على توازن كميةِ المأكول من الطاقةِ وكمية المستهلك منها في غير الخزن في الجسد.
- تفترض هذه النظرية أن نقطة اتزان الجسد البشري هي ناتج تسوية متغيرة أي أنها ليست محددةٌ سلفا غير قابلة للتغير وإنما محددةٌ سلفا قابلة للتغير وهذا هو ما يُمْكِنُ أَنْ يُفسّرَ الحالاتَ التي تحدث فيها تغيرات طويلة الأجل في وزن الجسد، ولا يستطيع نموذج نقطةٍ محددةٍ صارمٍ تفسيرها، وحسب نظرية نقطة التسوية الجسدية فإن حدوث تغيير دائم في العواملِ التي تُؤثّرُ على توازن الطاقةِ يؤدي إلى تغيُّرٍ نقطة التسوية الجسدية.
فرغم أن نظرية النقطة المحددة Set point Theory لم يثبت خطؤها حتى الآن، إلا أن عجزها عن شرح بعض الظواهر مثل الزيادة في وزن الجسد التي تحدث للمهاجرين من بلدٍ إلى بلد وهو ما أثبتته عدة دراساتٍ على المهاجرين (Wirtshafter & Davis, 1977)، وكذلك عجزها عن شرح الزيادة الوبائية في معدلات البدانة خلال العقود الأخيرة في معظم بلدان العالم والتي تزامنت مع الوفرة وإتاحة الغذاء عالي السعرات والدهون، كل ذلك دفع بالعلماء إلى تطوير الفكرة لبيان تأثير البيئة والسلوك على الموروث الجيني لتصبح النقطة التي يحدث عندها اتزان وزن الجسد أقل حتمية وأكثر قابلية للتغيُّر وللتعديل، وتفترض هذه النظرية الأحدث أن أجسادنا تضبط أوزانها عند نقطة تسوية تصل إليها أجسادنا بناء على تفاعل مستمر بين توجهات ما نحمل من جينات مع عديد من حلقات التغذية الارتجاعية بين الجهاز العصبي والكتلة الدهنية، ومدى واسع من التغيرات السلوكية والثقافية والتي تؤدي بوضوح في الآونة الأخيرة على مستوى العالم إلى دفع كثيرين ممن يحملون جينات القابلية للبدانة إلى بدانة أكثر (Keesey & Hirvonen, 1997).
وبتفصيل أكثر لشرح نظرية نقطة التسوية فقد افترض ما يسمى بنموذج البرميل الناضح leaky barrel model، فنقطة التسوية التي يصل إليها تنظيم الوزن هي محصلة التفاعل (Bennett,1995) بين ستة عوامل هي (Knutson, et al., 2003) و(Berridge, 2004) :
1- كمية الغذاءِ المتوفرِ
2- القيمة المحفّزة للغذاءِ المتوفرِ
3- كمية الطاقةِ المأكولة في صورة غذاء
4- كمية دهونِ الجسدِ المختزنة
5- كمية الطاقةِ المُسْتَهْلكةِ
6- قوّة إشارات الشبع.
فإذا تخيلنا برميلا يصب فيه الماء عبر خرطوم فإن كمية الماءِ التي يُدْخلُها الخرطومُ تُمثّلُ كميةَ الغذاءِ المتوفرةِ. ويُمثّلُ ضغطُ الماء عبر الخرطومِ القيمةَ المحفّزةَ للغذاءِ والتي تتأثر بعوامل ثقافية وشخصية عديدة، وأما مستوى الماء في البرميل فيمثل مستوى الدهون في الجسد والتي تتأثر بالنقطة المحددة ونسبة الطاقة المستهلكة حرقا إلى الطاقة المأكولة غذاء، بينما تُمثّلُ كميةُ تَسْريب الماءِ من البرميلِ كميةَ الطاقةِ المستهلكة أي السُعرات الحرارية التي يتم حرقها، بينما تتأثر إشارات الشبع بعوامل عديدة من بينها كمية الدهون المختزنة في الجسد، ورغم سخف مثل هذا النموذج حين نطبقه على الإنسان إلا أنه لا يبتعدُ كثيرا عن الحقيقة.
وما يزال الباحثون بحاجة إلى دلائل أكثر قبل الحكم بصحة أي من نظريتي النقطة المحددة أو نقطة التسوية Settling-Point Theory أو خطأ كليهما، ولسوء الحظ فليس هناك تفسير حتى الآن لآلية تنظيم الوزن يعطي مساحة كبيرة للتحكم الواعي فكل الآليات الاستقلابية الارتجاعية المعقدة محكومة لا شعوريا، ونستطيع القول بأن نظرية نقطة التسوية تحررنا بعض الشيء من الحتمية التي تفترضها نظرية النقطة المحددة، وذلك من خلال طرحها لإمكانية نجاح التغييرات الصارمة طويلة الأمد في أسلوب الحياة والغذاء والتريض في تعديل النقطة المحددة للوصول إلى نقطة التسوية (Egger & Swinburn, 1999)، إلا أن التغيير الصارم والمستمر بدرجة تنجح فعلا في التأثير على الوزن وصيانة المفقود منه لهي أمرٌ مزعج وصعب ويعجز عنه معظم إن لم يكن كل الناس، وهذا ما تثبته الدراسات العلمية التي تتابع من ينهون الحمية المنحفة بنجاح (Hill & Wyatt, 1999).
المراجع الأجنبية:
1. Wirtshafter, D., & Davis, J. D. (1977). Set points, settling points, and the control of body weight. Physiology & Behavior, 19, 75-78.
2. Keesey RE and Hirvonen MD. (1997) : Body weight set-point: determination and adjustment. J Nutr 127: 1875S-1883S
3. Bennett WI. (1995) Beyond overeating. N Engl J Med. 332:673-4.
4. Knutson B, Fong GW, Bennett SM, Adams CM, Hommer D. (2003): A region of mesial prefrontal cortex tracks monetarily rewarding outcomes: characterization with rapid event-related fMRI. NeuroImage 2003;18:263– 72.
5. Berridge, KC (2004) : Motivation concepts in behavioral neuroscience. Physiology & Behavior 81 (2004) 179–209 209
6. Egger, G & Swinburn, B (1999): An "ecological" approach to the obesity pandemic. BMJ 1997;315:477-480
7. Hill, J.O. & Wyatt, H.R. (1999). Relapse in Obesity Treatment: Biology or Behavior. The American Journal of Clinical Nutrition, 69, 1064-1065.
اقرأ أيضا:
كيف نأكل؟ هل لهذا علاقة بالبدانة / هل البدانة مرض؟ / الوصمة الاجتماعية للبدانة / ما هي أسبابُ انتشار البدانة؟ / البدانة في الأطفال والمراهقين