الفكرة التسلطية أم الحدث العقلي التسلطي؟
بداية السلام عليكم يا دكتور وائل، أنا لي رأي في موضوع حضرتك مسمى الفكرة التسلطية أم الحدث العقلي التسلطي؟، أنه وبمنتهى البساطة الاثنين مع بعض لكن لو أحببنا نضعهم الاثنين تحت مسمى واحد سيكون وبكل واقعية كخبيرة وسوسة قهرية "حدث عقلي تسلطي" لأن هذا المسمى سيكون أشمل لكلا المعنيين، وبالأخص بما أني موسوسة قهرية أعتقد أنه -والله أعلم- ما من موسوس قهري أي صاحب أفكار تسلطية إلا والأفعال التسلطية أيضا تعرض نفسها عليه حتى ولو مرة واحدة أو أكثر بقليل على مدى حياته بأي نوع من أنواع هذه الأفعال التسلطية.
ولكن يتوقف حكمه على نفسه أو حكم طبيبه المعالج عليه بأنه صاحب أفعال تسلطية، أيضا يتوقف على كم مرة عرضت الأفعال التسلطية نفسها عليه وتعامل معها بأي طريقة؟ وما هو حجمها من بين أفكاره التسلطية المتعددة والمتشكلة أو المتنوعة بمعنى آخر "الوسوسة دي تخصصات"، ولكن هذا لا ينفي -في بعض الأحيان- ومع كل موسوس منا وبدرجات متفاوتة وجود إحساس بفكرة اقتحامية تدفعه إلى فعل معين أو حدث معين بغض النظر أنها تبدأ بفكرة أولا ثم فعل أو حركة أم أنها تبدأ بحركة أو حدث اقتحامي وفعل تسلطي مباشرة.
1/7/2006
الابنة العزيزة سينا هانم خبيرة الوسوسة أهلا بك عافاك الله وشفاك من كل وسوسة قهرية، أسعدتني مشاركتك جدا خاصةً وأنك من حيث لا تدركين تفتحين بابا لتداعيات كثير مما أسمعه من مرضاي فأكتم ما يخطر في ذهني لحظتها، وكي أوضح الأمر أكثر فسأضرب لكم بعض الأمثلة:
1- نبهني مرضى وسواس القولون من المسلمين إلى أن ما يحدث لهم وكنت أسميه فكرةً تسلطية مؤداها أنه أحدث (أي خرج منه الريح)، نبهوني أنه ليس فكرةً وإنما هم يحسون كأن ريحا خرج أو سيخرج، وقد جعلني ذلك أسترجع مجموعة أحاديث لسيد الخلق تتناول الأمر بإعجاز واضح:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" "صدقَ رسولُ الله"، والإشارة في هذه الرواية تتعلق بأحاسيس في الجهاز الهضمي من طبيعتها أنها تشكك الإنسان في وضوئه.
* عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" "صدقَ رسولُ الله"، وواضحٌ أن التأكيد هنا أو المرجعية إنما يجب أن تكونَ لسماع الصوت أو شم الريح -وهو ما قد يشاركك فيه الآخرون-، وليس خبرة حسية تخص صاحبها وحده.
* عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" "صدقَ رسولُ الله"
وفي لفظ أبي داود "إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له: إنك قد أحدثت، فليقل له: كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه" "صدقَ رسولُ الله"، وتظهر هاتان الروايتان بوضوح أن مشاعر وأحاسيس الإنسان الخاصة هي من أكثر ما يتدخل فيه الوسواس وبالتالي يحدث التوهم أو التخيل والذي إما أن يكونَ مصدرا أصليا للفكرة التسلطية أو يكونُ داعما ومعززا لفكرة قَبْلِية.
والحقيقة أنني عادة ما أستند إلى نفس هذه الأحاديث الشريفة أثناء العلاج المعرفي للذكور الموسوسين بأن لديهم شهوة الدبر أو قشعريرة الدبر، كما وضحت في ردي على صاحب مشكلة لا لوطي ولا ممسوس موسوس فقط م.
2- نقطة أخرى مهمة يا سينا لعلها قريبة من السابقة وهي أن ما يهاجمنا الوسواس بشأنه دائما ما يكونُ أمراً خاصا أو شعورا خاصا بالفرد وحده، مثلا كشعور الأم حديثة الوضع بحبها لوليدها فتجدينها تشك وتتساءل هل شعوري نحوها هو الشعور الطبيعي؟ فعندما تكون الخبرة الشعورية خاصة بالشخص وحده يستطيع الوسواس إلقاء الشك في نفس الإنسان والمقصود هنا هو الشك في صحة الشعور أو صدقه أو في النية -وهي خبرة صعبة- وليس فقط في الفعل الظاهر، بل ربما يكونُ الشك في الفعل الظاهر أحيانا أسهل وقعا في النفس وأيسر عليها لأن الموسوس يجد من يسأله وإن انقلب غالبا ذلك السؤال إلى فعل قهري يتكررُ ويتكرر، لكنني أرى جوهر الوسوسة هو الحؤول بين الشخص وبين قدرته على التحكم في أو التحقق من محتوى الشعور أو الوعي المباشر، وهو ما قد يمتد أحيانا إلى حد اختلال الآنية كما بينا في ردنا على صاحبة مشكلة اختلال الآنية في نطاق الوسواس القهري.
أشكرك على مشاركتك، وأنتظر المزيد.