اختلال الإنية مصطلح في الطب النفسي يعني: "حدوث تغير مزعج أو على الأقل غير سار في إدراك الشخص الواعي لكيانه النفسي" ويعبر عنه البعض بتبدد الشخصية، ويزيده سوءًا أن يحاول ذلك الشخص استبطان مشاعره فيشعر بأنه معزول بشكل أو بآخر عن مصاحبة ذاته فكأن مشاعره فارغة أو بعيدة أو غير موجودة أو مختلفة عن مشاعره المعتادة، أو كأنه مجرد مراقب لذاته من بعيد، وهو لا يعزو ذلك لغير أنه مرض أصابه ويطلب العلاج منه وإن كان في أغلب الأحيان يعجز عن إيجاد الكلمات التي تعبر عن مشاعره المرضية، واختلال الإنية هذا كثيرا ما يصاحبه تغير مزعج أو على الأقل غير سار في إدراك الشخص الواعي للواقع الخارجي الذي يعيشه، فيشعر أن خبرته للواقع تغيرت فالصبح مثلا ليس صبحا كالذي كان يعرفه ولا صوت الأذان كما كان... إلخ.
وهو يعطي لذلك تفسيرات شتى لكنه ومهما بلغت به الحيرة في فهم أو الشعور بأنه أحسن وصف أعراضه مهما بلغت به الحيرة يصل في النهاية إلى أنه مريض نفسي وأهلا به إذا طلب العلاج، فإذا أردنا أن نكون أكثر علمية نقول اختلال الإنية كعرض هو: "حدوث تغير مزعج أو على الأقل غير سار في إدراك الشخص الواعي لكيانه النفسي: أي وعيه بنفسه Depersonalization (الفصل عن النفس أو الحرمان من الوصول السهل لها بشكل جزئي أو كامل) وعلاقته كشخص بنفسه وبهذا الوعي، وعيه بأفكاره أو وعيه بمشاعره De-affectualization (الفصل عن الوجدان أو الحرمان من الوصول السهل له بشكلٍ جزئي أو كامل) أو وعيه بجسده Desomatization (الفصل عن الشعور بالجسد أو أعضائه أو الحرمان من الشعور السهل بجسده أو بأحد أعضائه بشكل جزئي أو كامل) أو وعيه بخبراته الواقعية Derealization (الفصل عن الوعي بالواقع المعاش أو الحرمان من الوعي السهل به بشكلٍ جزئي أو كامل) وقد تكون كل حالة خلطة من هذا وذاك أو أقرب لهذا من ذاك، وتتراوح شدة الاضطراب ما بين الخبرة السخيفة التي يمكن للإنسان التعامل معها، وبين الشعور الملح المزعج المستمر الذي يعيق الشخص عن أهم نواحي حياته، وهناك من توصله الخبرة المزعجة والملحة بأنه ليس كما كان وإن بدا أنه فكأنه يمثل أو كأن الآخرين يمثلون إلى الشعور بأنه على وشك الجنون!"
إذن يشتكي مريض متلازمة اختلال الإنية - تبدل الواقع Deperonalisation-Derealization Syndrome من أن تغيرا أصاب خاصية وعيه بنشاطه العقلي أو الشعوري أو بجسده أو بمحيطه الواقعي بحيث تبدو هذه المحسوسات غير حقيقية أو بعيدة أو آلية التسيير وهو مفصول عنها بشكل أو بآخر، ونجد في محكات تشخيص هذه المتلازمة في تصنيف منظمة الصحة العالمية العاشر أن من الممكن تشخيص الاضطراب استنادا فقط إلى الشكوى من تغير الوعي بالواقع المحيط دون اشتراط تأثر محتويات الكيان النفسي الشخصاني (1992 who,)، فترد محكات التشخيص كما يلي:
وجود كل من (أ) و(ب) أو أحدهما إضافة إلى (ج) و(د):
(أ) أعراض اختلال الإنية (تبدد الشخصية) أي أن الشخص يشعر بأن مشاعره الخاصة أو خبراته مفصولة أو بعيدة أو ليست ملكه أو مفقودة، أو ضائعة... الخ؛
(ب) أعراض تبدل الواقع : أي أن الأشياء أو الناس أو المحيط تبدو غير حقيقية أو بعيدة أو اصطناعية أو فاقدة للون أو فاقدة للحياة، الخ؛
(ج) القبول بأن هذا التغير تغير شخصاني تلقائي وليس مفروضا من قوى خارجية أو من أشخاص آخرين (أي سلامة الاستبصار Intact Insight )
(د) حدوث ذلك في حالة من صفاء الوعي حيث يكون الإحساس كاملا ولا توجد حالة تخليط تسممية أو صرع.
وأما التصنيف الأمريكي الرابع (DSM-IV) فترد محكات تشخيص اختلال الإنية فيه كما يلي:
(أ) شعور الشخص بالانفصال عن عملياته العقلية أو عن جسده
(ب) سلامة استبصار الشخص بالواقع reality testing
(ج) أن ينتج عن ذلك ضيق أو خلل وظيفي معتبر إكلينيكيا.
(د) ألا تمثل تلك الأعراض جزءًا من أعراض اضطراب نفسي آخر أو نتيجة لاستخدام أحد العقَّاقير نفسانية التأثير.
وبينما يصنف اختلال الإنية في تصنيف منظمة الصحة العالمية ضمن اضطرابات عصابية أخرى (other neurotic disorders) فإنه في التصنيف الأمريكي يصنف ضمن الاضطرابات الانشقاقية dissociative disorders والحقيقة أن فرقا جوهريا يوجد بين مرضى الاضطرابات الانشقاقية ومرضى اختلال الإنية، فبينما يعتبر عدم الوعي بحدوث تغيير أحد أهم علامات مرضى الانشقاق فإن ما يحرك مريض اختلال الإنية هو الوعي المزعج بالتغير، وبالتالي فإن التصنيف الأمريكي يجانب الصواب هنا، وعرض اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع هو عرضٌ يصعب وصفه ورغم شيوعه إلا أنه مهمل، وما يزال علاج شكله الأولي صعبا، وللتفريق بين الشكلين نقول أن لدينا نوعين من اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع:
- اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع الثانوي Secondary Deperonalisation-Derealization : وهو الذي يظهر كعرض مرحلي غالبا ضمن أعراض القلق أو الاكتئاب أو الخوف الشديد أو الكرب وغير ذلك من الاضطرابات النفسية والكروب الحياتية، ولأن وصف العرض صعب في ذاته أو يتم التعبير عنه بطريقة غير مفهومة فإن الاهتمام عادة ما ينصب على أعراض الاضطراب أو الحدث الحياتي الكربي، والعلاج في هذه الحالة هو علاج الاضطراب أو المشكلة الأولية والتي يعتبر اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع عرضا ثانويا لها.
- اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع الأولي Primary Deperonalisation-Derealization : وهي الحالة التي توجد فيها الأعراض دون أي علاقة باضطرابات نفسية سابقة عليها، وتبقى شكوى المريض الأساسية كلها في نطاق اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع، وما تزال الفكرة الشائعة عنه أنه نادر حتى أنه يرد في كتاب دليل منظمة الصحة العالمية لتصنيف الاضطرابات النفسية: (وعدد المرضى الذين يعيشون هذا الاضطراب في شكله النقي أو المعزول قليل والأكثر شيوعا، هو أن تحدث ظاهرة تبدد الشخصية ـ تبدل إدراك الواقع في سياق أمراض اكتئابية والاضطراب الرهابي والاضطراب الوسواسي القهري)
معدلات الانتشار
يحدث اختلال الإنية كعرض في نسبة كبيرة من الأسوياء ذكرت بعض الأبحاث أنها تصل إلى 70% ولكنها تحدث بصورة عابرة ومؤقتة خاصة إذا كان الشخص مجهدا أو مسافرا إلى مكان غير مألوف, ثم سرعان ما يستعيد وعيه بذاته الأصلية مرة أخرى، كذلك فإنها يمكن أن تنتج تحت تأثير الكحول أو غيره من العقَّاقير المخدرة كالحشيش مثلا أو غيره من المهلوسات hallucinogens كالبانجو أو الكيتامين ketamine وتكون أيضًا عابرة في أغلب الأحيان (Noyes & Kletti, 1977) وتحدث في بعض الناس بشكل أكثر شدة وإيلاما ولفترة قد تصل إلى أسابيع أو شهور في صورة اضطراب انشقاقي نتيجة صدمة نفسية أو قلق أو اكتئاب أو حرمان حسي، كما يمكن أن تظهر بصورة مزمنة ومعيقة لفترة طويلة سواء في شكلها الثانوي كجزءٍ من اضطراب نفسي آخر كالوسواس القهري أو الاكتئاب أو صرع الفص الصدغي temporal lobe epilepsy أو كنسمة صرْعية أو مصاحبة لمرض الشقيقة -الصداع النصفي- Migraine headaches أو في شكلها الأولي والذي كان يعتبر أقل انتشارا (2005 ,Medford et al).
والحقيقة أن الرأي السائد عن معدل انتشار هذا الاضطراب كان إلى عهد قريب هو: "أن عدد المصابين باختلال الإنية في صورته الأولية أو غير المصحوبة باضطرابات أخرى قليل، بينما هو شائع كعرض ضمن أعراض أخرى لاضطرابات نفسية متعددة" وأما حديثا فإن عددًا من الدراسات المسحية (Bebbingtonet al, 1997) و(Hunter et al, 2004) تستنج أن عرض اختلال الإنية المعتبر إكلينيكيا قد يحدث لما بين 1% و 2% من الناس العاديين، وليس هناك فرق بين الذكور والإناث في معدلات الإصابة به، وأما بين المرضى النفسيين فإن معدلات حدوث اختلال الإنية كعرض عالية بشكل مدهش فمثلا بينت إحدى الدراسات المسحية (Brauer et al, 1970) على المرضى النفسيين أن عرض اختلال الإنية حدث في 80% من عينة من المرضى النفسيين، وكان مزمنا ومعيقا في خمس هؤلاء الـ 80% وتوحي نتائج دراسات أخرى قديمة وحديثة (Simeon et al, 1997) بأن عرض اختلال الإنية قد يكون ثالث الأعراض النفسية انتشارا بعد القلق والاكتئاب، صحيح أنهم في بعض تلك الدراسات لا يفرقون بين اختلال الإنية الأولي والثانوي إلا أن من الواضح أن اختلال الإنية في شكله الأولي أكثر انتشارا مما هو شائع في اعتقاد كثيرين، وهو ما تشير إليه نتائج دراسات أحدث (Baker et al, 2003) و(Simeon et al, 2003b)!.
كيف يصف المرضى أعراضهم؟
يجد مريض اختلال الإنية صعوبة كبيرة في التعبير عن ما يشعر به إلا أن ما تجمع شكاوى المرضى عليه هو غرابة الإحساس وقدرته على إرباك المريض فيصف بعضهم خبرة اختلال الإنية بقوله: "أشعر كأنني أصبحت كالإنسان الآلي" أو "أصبحت مختلفا عن أي إنسان" أو "أصبحت مفصولا عن نفسي" أو "أصبحت كأني أراقب نفسي" وبعضهم يقول: "أشعر أني نصف نائم أو دائما بين النوم واليقظة"، أو "أشعر كأن رأسي أصبح وعاءً مملوءًا بالقطن" وعادة ما يصاحب تلك الشكاوى أيضًا "لا أستطيع أن أركز" في ما يحدث حولي،
وهناك أيضًا من يشتكي من مجرد شعور بالتغير والغرابة أو الغربة عن نفسه "كأنني لم أعد من كان" أو "أشعر بأنني تغيرت ولا أعرف أقول كيف؟" أو "أشعر كأن شيئا ما يحول بيني وبين نفسي" أو أنا لا أعرف نفسي "أقف أمام المرآة فلا أرى نفسي، أرى إنسان آخر"، أو "أسمع صوتي وأنا أتكلم فأحس أنه شخص آخر يتكلم! وليس أنا" كذلك يمكن أن نجد شكاوى من نقص الوعي بالجسد كلا أو جزءًا فتقل أو تنعدم المشاعر الجسدية فنسمع من يقول: "كأنني أصبحت شبحا لا أحس بجسدي" أو "كأن يداي لم تعودا جزءًا مني" وهناك من يصر على تغير إحساسه بالجوع أو العطش بل وحتى الألم أحيانا، إلخ التعبيرات التي تصف عرض اختلال الإنية أو تبدل الوعي بالجسد.
وأما تعبيراتهم في وصف عرض تبدل الواقع فإنها تدور بشكلٍ أو بآخر حول التغير الغريب والمُهَدِّد في إدراك الواقع فمثلا "يبدو كل شيء حولي زائفا أو غير حقيقي" أو "كأن كل ما حولي صناعي كأنه عالم من الكرتون لا حياة فيه" وأحيانا نجد من يقول: "تبدو الأشياء في عيني وقد فقدت بعدها الثالث ليس لها عمق كأنها كلها صور!" أو "يبدو كل شيء حولي وكأنه تمثيل وأنا أتفرج" وحتى في الحالات التي يبدو الواقع فيها حقيقيا فإننا نجد من يقول: "تبدو الأشياء أقل حيوية مما كانت"..... إلخ التعبيرات التي تصف عرض تبدل الواقع.
ومن أكثر الشكاوى المصاحبة ما يتعلق بعرض الفصل عن الوجدان حيث يشعر الشخص إما بتغير أو عدم وجود مشاعره أو استجاباته الانفعالية المعتادة "مشاعري ماتت لا شيء أتفاعل معه لا شيء يؤثر فيّ" أو "أنا أشعر بالعجز عن استشعار شعوري تجاه كل شيء مشاعري لم تعد كما كانت ولا أدري كيف" أو من يقول: "مشاعري لم تعد بطبيعتها وتلقائيتها المعتادة وكثيرا ما أظهر ما لا أحسه حقيقة" أو من تقول لطبيبها النفساني بعد سنوات من المحاولات العلاجية غير الناجحة: "لا أشعر بأي شيء: لا اكتئاب، لا قلق، لا وجع، لا سعادة إطلاقا لا أشعر!".... إلخ التعبيرات التي تصف عرض الفصل عن الوجدان.
وفي التشخيص التفريقي Differential Diagnosis
ينبغي تمييز هذا الاضطراب عن الحالات الأخرى التي تحدث فيها إحساس "بالتبدل في الشخصية" مثل الفصام، ووهامات (ضلالات) التحول أو السلبية وخبرات السيطرة الخارجية، وكذلك الاضطرابات التفارقية (الانشقاقية) (حيث لا يوجد وعي بالتغيير) وبعض الحالات الخزف المبكر والأورة aura أو النسمة السابقة على نوبة صرع الفص الصدغي وبعض الحالات التالية للنوبة الصرعية والتي قد تتضمن متلازمات اختلال الإنية (تبدد الشخصية) وتبدل إدراك الواقع كظواهر ثانوية، وإذا حدثت متلازمة تبدد الشخصية ـ تبدل إدراك الواقع كجزء من اضطراب اكتئابي أو اضطراب رهابي أو اضطراب وسواسي قهري أو اضطراب فصامي قابل للتشخيص، تعطي الأولوية للتشخيص الأساسي (منظمة الصحة العالمية، 1999).
المراجع:
1- World Health Organization (1992): The ICD–10 Classification of Mental and Behavioural Disorders. Geneva: WHO.
2- American Psychiatric Association (1994): Diagnostic andStatistical Manual of Mental Disorders (4th edn) (DSM–IV). Washington DC: APA.
3- Noyes, R. & Kletti, R. (1977): Depersonalization in response to life-threatening danger. Comprehensive Psychiatry, 8, 375–384.
4- Medford, N., Sierra, M., Baker, D. & David,A.S. (2005): Understanding and treating depersonalisation disorder.Advances in Psychiatric Treatment,vol.11,92–100.
5- Bebbington, P., Marsden, L. & Brewin, C. R. (1997): The need for psychiatric treatment in the general population: the Camberwell needs for care survey. Psychological Medicine,27, 821–834.
6- Hunter, E. C. M., Phillips, M. L., Chalder, T., et al (2003): Depersonalisation disorder: a cognitive–behavioral conceptualization. Behavior Research and Therapy, 41,1451–1467.
7- Brauer, R., Harrow, M. & Tucker, G. J. (1970) Depersonalisation phenomena in psychiatric patients. British Journalof Psychiatry, 117, 509–515.
8- Simeon, D., Gross, S., Guralnik, O., et al (1997): Feeling unreal: 30 cases of DSM–III–R depersonalization disorder.American Journal of Psychiatry, 154, 1107–1113.
9- Baker, D., Hunter, E., Lawrence, E., et al (2003): Depersonalisation disorder: clinical features of 204 cases. British Journal of Psychiatry, 182, 428–433.
10- Simeon, D., Knutelska, M., Nelson, D., et al (2003b): Feeling unreal: a depersonalization disorder update of 117 cases.Journal of Clinical Psychiatry, 64, 990–997.
11- منظمة الصحة العالمية (1999): المكتب الإقليمي لشرق المتوسط المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض ICD/10 تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية، النسخة العربية، الأوصاف السريرية (الإكلينيكية) والدلائل الإرشادية التشخيصية.
يتبع>>>>>>>: اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع وصف
اقرأ أيضاً:
طيف الوسواس OCDSD اختلال إنية Depersonalization
التعليق: أنا أشعر كأن عدة اشخاص يسيطرون علي في آن واحد
وأحيانا لكل شخص سيطرته في وقت محدد .. وكل شخص وله نقيض (مخالف) كأنني في صراع دائم مع نفسي ومعهم .. هل من تفسير !