برنارد لويس: موسوعية وانتقائية وتعميم
حسب برنارد لويس بدء التاريخ عند المسلمين مع انطلاق الدعوة الإسلامية نفسها، وهو السبب في تحديد التقويم بتاريخ هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة المنوّرة، أما ما سبق ذلك، من تاريخ لحضارات الأمم التي سبقت واندثرت، فلم يتعدّ الاهتمام به درجة ارتباط ذلك بما جاء في القرآن من روايات وأمثلة عن تلك الأمم والشعوب التي كانت تقبع في درك "الجاهلية"، وأما التاريخ الإسلامي فيمثل، بالنسبة للمسلمين، نتيجة حتمية لمشيئة الله، وهو بذلك ذو شأن ديني وفقهي- قانوني هام، في حين لا يحمل تاريخ غير المسلمين مثل هذا البعد الإلهي؛ لهذا ظل الاهتمام بالموروث التاريخي لفترة ما قبل الإسلام، في بلادٍ هي مهد الحضارات الإنسانية التي تنتشر الشواهد عليها في كل مكان، في حدوده الدنيا، فقد انقرضت لغات الأقدمين ودفنت مآثرهم تحت الرمال، حتى جاء البحاثة وعلماء الآثار الغربيين ليعيدوا نبشها ودراستها وفك رموزها.
الإسلام هوية وانتماء
ظل الإسلام، لأكثر من ألف عام، يمثل المصدر المقبول الوحيد للقوانين والتشريعات الخاصة والعامة في حياة المسلمين، ولم يتغير هذا الواقع حتى في ظل وقوع معظم البلاد والشعوب الإسلامية تحت احتلال الدول الأوروبية لها.
لهذا يبدو الفارق شاسعاً بين عالم الإسلام وبقية دول العالم، حين يتعلق الأمر بالشؤون السياسية، محلية كانت أم دولية. إذ لا يجتمع رؤساء الدول الإسكندنافية من وقت لآخر لمناقشة قضايا البلاد البروتستانتية؛ ولا هي من عادة زعماء اليونان ويوغوسلافيا وبلغاريا والاتحاد السوفيتي أن يتناسوا خلافاتهم الإيديولوجية لعقد اجتماع على خلفية العقيدة الأرثوذوكسية!. [وأنا أعترض على هذا الكلام من جانب هذا الثعبان الصهيوني، لأنه من المعروف تاريخيا أن المحافل والمجامع الدينية المسيحية لأكابر أساقفة الكنائس العالمية في العالم القديم وتحت إشراف الإمبراطور الروماني نفسه!!، سبقت حتى ظهور الإسلام، وفيها تم مناقشة التوجهات العقائدية المختلفة في الديانة المسيحية، وذلك بهدف التقريب بين المذاهب المختلفة، ومنها مجمع نيقية وأنطاكية وقسطنطينة وغيرهم من المحافل الدينية المسيحية]؛
وكذلك لم تحاول الدول الآسيوية التي يعتنق غالبية سكانها البوذية تشكيل تجمع بوذي في الأمم المتحدة. إن مجرد التفكير في تشكيل تجمعات ضمن هذا الإطار في العالم الحديث قد تبدو غريبة وبلا معنى، لكنها ليست كذلك في العالم الإسلامي، ففي خلال مراحل الحرب الباردة جميعها، كان ممثلو أكثر من خمسين دولة إسلامية، من جمهوريات وممالك وإمارات، ومن دول محافظة وثورية، رأسمالية واشتراكية، مدعومة من الشرق والغرب، يشكلون تجمعاً دولياً يلتقي بشكل دوري ليتعاونوا بشأن قضايا تهم بلادهم وشعوبهم، [هذا الكلام تبدو فيه أنياب الحقد والحسد بارزة من فم برنارد لويس مع المكر والخبث الواضحين في كلماته المسمومة، ورغم أن منظمة دول العالم الإسلامي لا تهش ولا تنش!، ولو كان لها أدنى تأثير دولي لاستطاعت كبح أو منع المجازر التي تحدث يوميا في فلسطين وفي أفغانستان وفي العراق وفي الصومال وفي كشمير وغيرهم من دول العالم الإسلامي، ولكن برنارد لويس يستثير ويستعدي الدول الغربية والدول المتقدمة في العالم بصفة عامة كالصين والهند حاليا على دول العالم الإسلامي المُستضعَفَة، وذلك لتوجيه الضربات المستمرة لتلك الدول ومحاربة نهضتها ووحدتها بشتى الوسائل حتى لا تقوم لها قائمة!!، وذلك لأنه يعلم علم اليقين باستقرائه لتاريخ أمتنا أن مكمن القوة في هذه الأمة هو وحدتها ولو في شكل مجموعات قوية من الدول، مثل الدولة الأيوبية التي حررت القدس من الفرنجة الصليبين، ودولة المماليك الفتية التي حررت دول الشام من بقايا الإمارات الصليبية مثل الرها وطرابلس وطرد المستعمرين الفرنجة نهائيا من الشرق، ودولة بني عثمان التي قضت على الإمبراطورية الرومانية الشرقية تماما مع تحويل عاصمتها بيزنطة أو قسطنطينوبولس إلى عاصمة مسلمة للدولة العثمانية "إستانبول"، والتي يدين أكثر من 97% من سكانها حاليا بالديانة الإسلامية، فهل أسلم أجداد هؤلاء بسفك الدماء وتحت قهر الرماح والسيوف؟!، وهذا سؤال إضافي لهذا الصهيوني المتأمرك برنارد لويس؟!].
أحد أسباب هذا التميّز في الموقف السياسي الإسلامي يعود إلى المستوى العالي من الإيمان والممارسة الدينية لدى المسلمين عامة مقارنة بأتباع الديانات الأخرى، السبب الآخر والأهم هو أن الإسلام ليس طريقة تعبدية وحسب، وإنما هو أيضاً هوية وانتماء، فبالنسبة إلى الكثير من المسلمين، يمثل الإسلام الهوية والانتماء بحيث يتفوقان على أي هوية أو انتماء آخرين. [وهذه كلمات حق أراد بها برنارد لويس الباطل أيضا، هذا الباطل الذي ذكرته آنفا].
أما عن الموجة الثورية الحديثة في الإسلام فتقوم على عدة ركائز؛ أحد هذه الركائز هو الشعور بالإذلال، وهو شعور مجموعة من الناس اعتادت أن ترى إلى نفسها كحامية وحيدة للحقيقة الإلهية، إنها تؤدي واجباً إلهياً بتبشير الكفار بالدين الحنيف، لكنها لا تلبث أن تجد نفسها واقعة تحت سيطرة هؤلاء الكفار أو هي متأثرة إلى حدٍ كبير بهم، وبشكل أدى إلى تغيير أنماط حياة المجموعة، إضافة إلى الإذلال، هنالك الإحباط المتأتي من فشل جميع الخيارات المستوردة من الغرب لتغيير أحوال الشعوب، وبعد الإذلال والإحباط جاءت الركيزة الثالثة الضرورية للبعث – الثقة بالنفس من جديد والشعور بالقوة، هذا الشعور انطلق وتنامى خلال أزمة النفط عام 1973، حين اتخذت الدول العربية المنتجة للنفط موقفاً داعماً لمصر وسوريا في حربهما ضد إسرائيل؛
وباستخدام النفط كوسيلة مؤثرة جداً تكونت الثروة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، مع الفخر والثقة بالنفس، تم تعزيزها بركيزة أخرى هي: احتقار الغرب وأخلاقياته. [هنا يواصل برنارد لويس بث السموم والكراهية بين الدول الإسلامية والغرب، وهل يجرؤ عاقل على احتقار أخلاقيات الصدق والأمانة وحب الحرية واحترام حياة الإنسان والحيوان وحب العمل وإتقانه وإعلاء قيمته مهما كان عملا بسيطا ومتواضعا؟!، تلك الأخلاقيات السامية المنتشرة في كثير من دول الغرب المتقدمة؛ ولكن كعادة هذا المؤرخ الصهيوني وأقصد بكلامي ذلك التعميم الذي يستخدمه في كتاباته؛ فهو يعمم احتقارنا نحن المسلمين لأخلاقيات الغرب، وهذا غير صحيح بالمرة؛ والدليل على ذلك أن كثيرا من مثقفي أمتنا انبهروا بالغرب لدرجة التقليد الأعمى لكل ما هو غربي، حتى أخذوا من الغرب المظاهر الخادعة والأخلاقيات السيئة قبل أن يقلدوا الغربيين في الأخلاقيات الطيبة المؤدية إلى نهضة أي أمة!!].
غير أن السؤال الذي يشغل تفكير صناع السياسة الغربيين اليوم هو البحث عما إذا كان الإسلام، أصولياً كان أم تقليدياً، يشكل تهديداً للغرب؟
معنى "الجهـاد"
يشرح برنارد لويس معنى الجهاد كواجبٍ ديني مقدّس، مفاضلاً بين مفهومين للجهاد: جهادٌ أخلاقي غايته تهذيب النفس وترويضها، وجهادٌ حربي في سبيل الأمة، وهو يستشهد في ذلك بآيات من القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلى ذلك فهو يربط مفهوم الجهاد بالسياق التاريخي للفتح الإسلامي، غرباً باتجاه إسبانيا والبرتغال وجنوبا غرب فرنسا وجنوب إيطاليا، وشرقاً باتجاه وسط آسيا والهند والصين.
إن مفهوم الجهاد الحربي لدى لويس ينطلق من خطين: الجهاد الهجومي، وغايته نشر الدين الإسلامي، وخط الجهاد الدفاعي، وغايته الذود عن بلاد المسلمين، لكن العالم، في نظر المسلمين، مقسم إلى ثلاث مناطق: "دار السلام"، وهي بلاد المسلمين، و"دار الحرب"، وهي بلاد الكفار، و"دار الصلح"، وهي بلاد أهل الكتاب، أو المشركين، أو الكفار ممن عقدوا صلحاً مع المسلمين يدفعون بموجبه جزية لقاء عدم احتلال بلادهم أو محاربتها.
ولم يتوقف التزام مبدأ الجهاد الهجومي على زمن الفتوحات الإسلامية الأولى بل امتد حتى السنوات الأخيرة من عمر السلطنة العثمانية؛ فقد اجتاح الأفغان، عام 1896، منطقة "كوش" الجبلية في شمال الهند، والتي كان يطلق عليها اسم "كافرستان" – أي بلاد الكفار - لتصبح بعد احتلالها "نورستان" - أي بلاد النور- كما أطلق العثمانيون على بلغراد - والتي كانت مركزاً متقدماً في حربهم ضد النمسا في أواخر القرن السابع عشر، اسم "دار الجهاد، "وكانت وزارة الحرب التي أنشأها محمد علي باشا في مصر، حسب الهيكلية والتنظيم الفرنسي تُدعى "ديوان الجهادية" والوزير القائم على شؤونها يوصف بـ "ناظر الجهادية" .
على الرغم من تعريفه لصفتي الجهاد الفردية والعامة، ينتقد لويس أولئك الذين يجتهدون حالياً للتقليل من أهمية صفة الإسلام الحربية درأً لشبهة العنف والإرهاب التي أُلصقت به، وحسب رأيه، فقد افتقد مفهوم الجهاد في العصور الحديثة "قداسته" بينما حافظ على بعده الحربي البحت، وهو ما يبدو جلياً في أدبيات الحركات الإسلامية الناشطة في كشمير والشيشان وفلسطين. [وهذا الكلام أيضا من برنارد لويس فيه تحريض واضح للعالم الغربي المتقدم بل وللدول القوية في العالم –وغير مسلمة– مثل الصين؛ بمعاداة واضطهاد هذا الدين ومعتنقيه لأنهم كأتباع دين يدعوا للجهاد في سبيل الله، لن يتوقفوا أبدا عن إشعال الحروب على من يعتنقون أديانا غير الإسلام، مهما كانوا مسالمين وغير معتدين على حرمات المسلمين!!، وهذا الكلام من المغالطات التي يبثها المستشرقين الجدد من أمثال برنارد لويس، والواقع أن أصحاب الحروب والضربات الاستباقية على شعوب الأرض هم المحافظون الجدد من التلاميذ المخلصين لبرنارد لويس وأمثاله!!].
ويتبع >>>>>: برنارد لويس: نعمة الاستعمار والاحتلال!!!