الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، هذا ما يُقره كل مقررٍ موضوعي وكل باحث وكاتب لا يُحيد عن جادة الصواب، هذه حقيقة أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواسط السبعينات من القرن الماضي حيث لم تكن حينها الهيمنة الأمريكية شاملة بعد، فالعالم وقتها كان متعدد الأقطاب، وتراجع ذات الجمعية عن قرارها لا يُغير من الحقيقة شيئاً، فلقد اتخذت قرارها هذا بعد أن أصبحت الهيمنة الأمريكية شاملة وأصبح العالم تحت استبداد القطبية الواحدة والتي لم تدعْ أحداً وشأنه، حتى منظمة التحرير الفلسطينية التي استجابت للضغوط والإبتزاز الأمريكي - الصهيوني ودعت مناصريها للتصويت لصالح إلغاء القرار المستحق، قرار -اعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية-!
الاستثمار الإمبريالي في الحركات العنصرية بالقطع لم ينقطع حبل تواصله وعلى مر التاريخ الإمبريالي ومنذ مراحله الأولى، من الكولونيالية إلى العولمة الإمبريالية، أن اعتبار شعوب البلدان المستعمرة بشر من درجة دونية بالمقارنة مع بشرية المستعمر كان تجسيد نوعي لعنصرية جديدة تقترن بالاستعباد والإبادة "المبررة بثقافة التفوق والبقاء للأقوى" والتي تفننت في تمييز نفسها على أساس اللون تارة وعلى أساس السلالة تارة أخرى وعلى أساس النمط الثقافي في تارات متقطعة ومنوعة -الدين، اللغة، نمط الإنتاج، المنحدر الجغرافي- نشـأت الصهيونيـة الجديدة في رحم الإمبرياليـة الكولونياليـة، وهذا ما يوثقـه تاريخ الحركـة الصهيونيـة ومؤتمرها الأول وكتاب الأب الروحي لها -الوطن القومي لليهود- والذي اشـتهر بعنوان "الدولـة اليهوديـة" لـ (تيودور هرتزل) الذي تم انجازه في الربع الأخير من القرن التاسـع عشـر، إن تلك الحقيقـة هي تجسـيد حي لاندماج الطغمـة الماليـة ذات الأصول اليهوديـة بلعبـة الأمم التي كانت تلعبها الطغم الإمبرياليـة المتعددة الجنسـيات والعابرة للحدود!
أعمدة الفعل العنصري في فلسطين وما جاورها
التغلغل، الإزاحة والإحلال، الاستيطان، التطهير، التمييز، كل هذه دروب ميدانية سلكتها الوكالة اليهودية مبكراً باتجاه فلسطين وهي تحت حكم الخلافة العثمانية، حيث عملت ومنذ البدء على تقديم نفسها كونها منظمة قومية، وليست دينية بمعنى الاجتهاد لتأصيل اليهودية من كونها ديانة أي مجموعة معتقدات يمكن التخلي عنها إلى عرق لا يمكن التخلي عنه!
التغلغل تزامن مع أُفول النجم العثماني مروراً بالحصول على (وعد بلفور 1917) إلى قيام الكيان الصهيوني 1948، الذي فتح الباب على مصراعيه لنهج الإزاحـة العنصريـة حيث تهجير السـكان الأصليين لتكون الأرض جاهزة لإحلال المهاجرين اليهود الذين تدفع بهم "الوكالـة اليهوديـة" دفعاً للهجرة إلى فلسـطين محل الفلسـطينيين المُزاحين عُنوة من أرضهم، لذلك كان ما فعلـه النازي الأوروبي يصب بمصلحـة الوكالـة ومشـروعها مما يؤكد أنها كانت، بطريقـة أو أخرى، شـريك للنازي في التأمر على اسـتقرار اليهود في أوروبا، وهذا ما كشـفتـه بعض الوثائق السـريـة النازيـة التي أُخرجت للنور بعد سـنوات طويلـة من الحجر؛
أما الاستيطان فقد جرى ويجري في الأرض المأهولـة أو غير المأهولـة من أرض فلسـطين، ولأن المشـروع متدرج ويحتاج إلى هجرات متعاقبـة فإن التطهير العرقي يتواصل ويزداد حدة مع كل موجـة جديدة؛ بل إنه متواصل بسـبب تواصل الهجرات وحاجتها الجديدة للأرض المنزوعـة والمؤمنـة، وبعد كل هذا صارت حالـة من تبقى من أهل الأرض الأصليين والذين كانوا يغمرونها بانتشـارهم عليها أقلية وسـط أمواج بشـريـة نهمـة موعودة بالرخاء والأمن مضللـة "بأنها إنما تعود إلى أرضها"، وهنا صار التمييز العنصري بحق فلسطينيي أراضي 1948 سمة ملازمة للنظام الصهيوني في فلسطين المحتلة، وبعد حرب 1967 حيث استكمل الكيان الصهيوني احتلاله للمتبقي من أرض فلسطين التاريخية -الضفة والقطاع- إضافة إلى أراضي عربية مجاورة ـ سيناء، الجولان، وتوسع للاستحواذ على منابع المياه في لبنان والأردن، أعلن وتعامل مع كل الأراضي المحتلة على أنها أراضي قد ضُمت إلى الكيان الصهيوني،
وهذا ما ورد في قرارات ضم القدس الشرقية وإقامة القدس الكبرى كعاصمة (للدولة الصهيونية)، ثم قرار ضم الجولان، وترافق ذلك مع سياسة التوسع الفعلي في بناء المستوطنات داخل الضفة الغربية وغزة والجولان، إن قضم أراضي الضفة والقطاع ثم هضمها استيطانيا وتمثلها كجزء من الكيان التي لا مجال للتفاوض بشأنها في أي تسوية مقبلة هو عامل يفضح ما يدعيه الكيان من كونه يسعى لسلام حقيقي، حيث أن كل الدلائل تؤشر عكس ذلك تماماً، إضافة إلى إجراءاته العملية لتقطيع أوصال الضفة الغربية ومن ثم بناء جدار عازل يُحدد حدوده كما يراها مناسبة له لتكون هي حدود الجزيرة الفلسطينية المحاطة بالاستيطان الصهيوني، أي الدولة الفلسطينية التي يريدها الكيان الصهيوني بقبضته وكأنها ولاية بحكم ذاتي منزوعة الروح، وهذا ما يجري التفاوض عليه وفق خطة "خارطة الطريق" الأمريكية التي تتفاعل مع ما يفرضه الكيان الصهيوني كأمر واقع على الأرض، فهذا (بوش) يؤكد أن حدود 1967 ليست مقدسة وأن حل الدولتين يجب أن يضمن أمن واستقرار ويهودية الكيان الصهيوني، أي لا أمل بعودة اللاجئين ولا أمل في بقاء عرب فلسطين -فلسطينيي 1948- في الكيان حيث يجري وتدريجياً تنفيذ مشروع (ترانسفير) لهم لتتكرر دورة الإزاحة والإحلال، وهذه المرة للحفاظ على "نقاء الدولة اليهودية"!
مسموح للصهيوني أن يقتل "لأنه يُدافع عن نفسه"!
ممنوع على الفلسطيني أن يُدافع عن نفسه!
مسموح للصهيوني أن يمتلك أسلحة الدمار الشامل "لأنه يُدافع عن نفسه"!
ممنوع عن الفلسطيني البحث عن أي سلاح يُدافع به عن نفسه!
مسموح للصهيوني أن لا يُنفذ كل قرارات الأمم المتحدة "لأنه يٌدافع عن نفسه!
ممنوع على الفلسطيني عدم تنفيذ قرارت الولايات المتحدة!
مسموح للصهيوني التجاوز على حدود أي دولة "للدفاع عن نفسه"!
ممنوع على العربي تضامنه مع الفلسطيني!
مسموح للصهيوني تطرفه الديني وعنصريته ويُعاقب كل منتقد له "لأنه يُدافع عن نفسه!
ممنوع على المسلم استثمار دينه للدفاع عن نفسه!
عنصرية الصهيوني مسموحة لأنها ضد العرب والمسلمين!
ومقاطعة الكيان الصهيوني ممنوعة لأنها ضد الصهيونية الربيبة المدللة من الطغمة الإمبريالية العالمية!
ممنوع على الكيان الصهيوني خسارة أي حرب من حروبه!
مسموح للعرب خسارة كل حروبهم!
لقد قالها (دافيد بن غورين) -مؤسـس الدولـة الصهيونيـة-: "(إسـرائيل) لا تتحمل خسـارة حرب واحدة مع العرب، وإن حصلت فإنها بدايـة النهايـة!"
الجوهر اللاديموقراطي للصهيونية
من نافلة القول أن جوهر أي حركة عنصرية مهما اختلف لونها ومصدرها، جوهر لا ديمقراطي، فالديمقراطية مركب يعتمد المساواة في الحقوق والواجبات، أما العنصرية فهي نقيضها لأنها تعتمد مبدأ التمييز في الحقوق والواجبات وما يتبعها من تبعات، ولا تتوافر لديها القناعات الفعلية أو حتى النظرية لتنفيذ المشروع الديمقراطي بشقيه الداخلي والخارجي، حيث المواطنة ذات الدرجة الواحدة في الأول، وحيث الإيمان بتكافوء الشعوب قاطبة، وحقها جميعاً بالحياة الحرة الكريمة في الثاني،
إنها اجتزائية وانتقائية في تطبيقاتها لبعض الآليات الديمقراطية في المجتمعات التي تتحكم بها، حيث تحصر جوانب من الممارسات الديمقراطية المتاحة بفئات محددة دون أخرى وتختار ما يتلائم مع نزعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وتتيحه من ممارسات وتفرضها فرضاً على فئات أخرى وهكذا، هنا تتطابق المواصفات العنصرية بالتمام والكمال فيما يخص خاصية لا ديمقراطيتها على الصهيونية شكلاً ومضموناً، فالصهيونية قرينة لنظام (الأبارثيد) المقبور في جنوب أفريقيا عندما تؤسس لدولة تعتمد الإنتماء الديني أساس مواطنتها -دولة يهودية- وتتعامل مع السكان الأصليين الذين تعتبرهم أقلية معيقة ومشكلة يجب استئصالها -فلسطينيو 48- بوسائل شتى أبرزها التهجيج بواسطة (ترانسفير) جديد يُعطي الدولة "نقاؤها اليهودي المفقود"؛
التمييز الصهيوني إزاء فلسطينيي 48 سياسياً واجتماعياً وثقافياً؛ فكل فلسطيني متهم حتى يثبت إخلاصه، وكل فلسطيني مشروع غير معلن "للإرهاب" حتى يثبت العكس، وكل فلسطيني هو قنبلة ديموغرافية موقوتة تُهدد "نقاء" الكيان الصهيوني اليهودي، ومقابل كل مولود فلسطيني جديد داخل الكيان الصهيوني ترتفع كلفة المهاجر اليهودي إليه!!
هذه مسلمات النظام الصهيوني في الكيان، وعلى ضوءها تجري عمليات إبادة الفلسطيني وملاحقته وعزله وتجريده من أبسط حقوقه الإنسانية!
كان العنصريون البيض في جنوب أفريقيا يعزلون السود ويُرحلونهم عن تجمعات البيض ويُقصونهم إلى حيث العزلة أو الاستخدام الدوني!
أما عنصرية النظام لأمريكي إزاء السود في أمريكا فكانت واضحة وضوح الشمس حتى أواخر عقد الستينيات من القرن الماضي، فالتمييز في التعامل مع السود وحقوقهم المدنية كان نهجاً وعُرفاً سائداً، دستورياً كان السود مواطنون لكنهم فعلياً مواطنون منبوذون معزولون، مواطنون من الدرجات الدنيا، حتى قامت ثورة الحقوق المدنية الفعلية التي تزعمها (مارتن لوثر كنغ) والتي أسفرت لاحقاً عن استجابات ساهمت في رفع الكثير من معالم الحيف المدني في قوانين الولايات، وفي الممارسات العامة ووضعت قوانين صارمة للحد من التمييز العنصري إزاء السود!
إن الرأسمالية الاحتكارية حاضنة موضوعية للحركات العنصرية، فالنازية والفاشية، والصهيونية وتحالف الشمال ضد الجنوب، والتمييز العنصري على أساس اللون والجنس والسلالة، كلها أعراض لأمراضٍ مزمنةٍ تُعانيها الطغم الإمبريالية وبعضها يُحاول أن يؤصل نفسه بموروثات العبودية والإقطاعية التي لا يُمكنها أن تحيا مجدداً لولا الأرضية المشابهة التي توفرها لها الرأسمالية الاحتكارية ذاتها حيث تُغذيها بذات الجينات الطبقية لتنتشر وتزدهر وتتلون بروح الاستغلال الطبقي محلياً وعالمياً!
إن إعتبار اليهود "عنصر بشـري متميز" هو حجر الزاويـة في عنصريـة الصهيونيـة وترسـانتها الأيديولوجيـة، فهي تدعي تبعيـة أصحاب الديانـة اليهوديـة إلى نسـل سـيدنا يعقوب الذي "انتخبـه الرب ليكون شـعب الله المختار، وأن باقي شـعوب العالم وُجدت لخدمتـه"، إنها فكرة عنصريـة بالمطلق وهي تُعاكـس منطق العقل والعلم والتاريخ ناهيك عن المنطق الإنسـاني!
هل هناك قومية يهودية؟
اليهودية في الأصل ديانة سماوية يمكن أن يعتنقها من يؤمن بها مثلها مثل المسيحية والإسلام، وعليه عندما يُغير اليهودي ديانته إلى المسيحية أو إلى الإسلام أو حتى إلى الإلحاد فإن يهوديته تنتهي لتحل محلها المعتقدات الجديدة، وهكذا الأمر بالنسبة للمسيحية والإسلام أيضاً حيث أن الإيمان بالمعتقدات فقط الذي يمنح صفة الانتساب إليها كأديان، لكن أصحاب الحركـة الصهيونيـة يلوون عنق الحقائق عندما يدعون بأن اليهوديـة ليسـت معتقد ديني فقط وإنما هي عنصر سـلالي أيضاً!
هناك الكثير من اليهود ممن لا يعتقد بما تعتقده الحركة الصهيونية وهم يجدون في أطروحاتها العنصرية أوهاماً تجلب الشفقة، وهناك العديد من الشخصيات اليهودية المرموقة والمختصة في مجال العبرانيات قد أكدت على بطلان زعم وجود العنصر اليهودي، ومنهم (رافاييل باتاي) المدير السابق لمعهد (هرتزل) بمدينة نيويورك الذي قال بالحرف الواحد: "إن ما وصل إليـه علم الأنثربولوجيا الطبيعيـة يُبين أنه بعكـس المعتقد الشـائع لا يوجد عنصر يهودي"!
يُجيب الدكتور إسماعيل صبري عبد الله على هذا السؤال في كتابه القيم -في مواجهة (إسرائيل)- قائلاً:
"حين تخشى الصهيونية ما تُثيره النعرات العنصرية من ردود فعل مضادة في الرأي العام تُحاول الاستناد إلى مبدأ القوميات وتدعي أن اليهود يُشكلون قومية متميزة، وهكذا أطلق الصهاينة على مشروعهم الأول اسم "الوطن القومي لليهود"، وتحمل إحدى المؤسسات الصهيونية العالمية اسم "الصندوق القومي لليهود" ويتحدث كتاب الصهيونية عن "الشعب اليهودي"".
وهذه الدعوى القومية لا تستند إلى أي أساس، فماذا يربط بين اليهود في مختلف بلاد الأرض؟
نحن نقول أنه لا يربط بينهم إلا مجموعـة من المعتقدات الدينيـة، ولكن الصهيونيـة ترفض هذا المنطق السـليم الذي يجعل من اليهوديـة ديناً فحسـب، ومع ذلك فهي تعجز عن تقديم أي سِـمـة أخرى مشـتركـة بين اليهود؛ فهم لا يعيشـون على أرض واحدة، ولا يتكلمون لغـة واحدة، بل إنهم في كل البلدان يتكلمون لغـة البلد الذي يعيشـون فيـه... ومهما يكن من أمر، فإن الأساس العنصري في يد الصهيونية سلاحٌ هامٌ وفعالٌ لتعبئة اليهود في كل مكان لمساندة الكيان الصهيوني. وهي تستخدمه في كل المستويات ابتداء من التعصب العنصري عند بعض هؤلاء اليهود إلى مجرد التعاطف الطبيعي الذي يُحس به عدد كبير منهم باسم الانتماء التاريخي، أو ذكريات الاضطهاد، أو التماسك الديني... والأمر الذي ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان هو أن قدرة الصهيونيـة على تعبئـة يهود العالم ترتهن بإشـاعـة الإحسـاس بأن يهود الكيان الصهيوني في خطر. ص 48.
يذهب بعض الدارسين إلى القول بأنه إذا كان أمر إثبات وجود شعب يهودي أو قومية يهودية هو أقرب إلى الخيال فإن إثبات وجود شعب صهيوني وأمة صهيونية أمر وارد تؤكده معطيات الواقع!
لكن الواقع ذاته لا يُسلم بما ذهب إليه هؤلاء الدارسون رغم محاولاتهم الواقعية، التي تُراهن على الزمن وعلى ظهور أجيال جديدة من اليهود لا تعرف غير أرض (إسرائيل) وطناً لها، هذا المنطق يدحض تماماً أمام نوعية وكمية الهجرات المعاكسة من الكيان الصهيوني، وأمام ضعف الانتماء الوطني عند المقيمين والمولدين في الكيان وخاصة الشباب الذي يغمره شعور بالاكتئاب عندما يحين دوره للتجنيد، رغم المغريات المادية النوعية. إن الاستيطان ومهما طال أمده، خاصة إذا كان على حساب شعب حي، سوف ينتهي إلى زوال كما انتهى في الجزائر وغيرها!
وهنا يقول الدكتور إسماعيل صبري عبد الله وفي نفس الموضوع:
"إن العقبة الرئيسية في سبيل تكوين أمة متميزة في (إسرائيل) هي الرابطة الصهيونية، فـ (إسرائيل) لا يُمكن أن تصبح أمة إلا إذا تخلت نهائياً عن اعتبار نفسها وطناً ليهود العالم، إن فكرة القومية (الإسرائيلية) نفي بالضرورة للقومية اليهودية، وهي لا يُمكن أن تتبلور وتتأكد إلا في الحدود التي تضمحل فيها وتتلاشى فكرة أن اليهود في العالم كله هم شعب واحد... فكيف تكتمل معالم الأمة ومكوناتها غير قابلة للتحديد بل خاضعة للتغيير المستمر وفقا للهجرة من (إسرائيل) وإليها؟"
وهكذا تكون الأيديولوجية الصهيونية حائلاً دون نمو قومية مستقلة في الكيان الصهيوني بإصرارها العنصري من ناحية على وحدة اليهود في العالم وبرفضها من ناحية أخرى أن ينفصم هذا الكيان عن الغرب ليُصبح جزءاً من المنطقة المحيطة به...
إن أكثر الأديان التي تعرضت للاستغلال والتحريف والتزييف هي الديانة اليهودية، والمفارقة هنا أنها تعرضت لهذا كله بفعل أفعال بعض اليهود أنفسهم، وأغلب هؤلاء من ذوي المصالح والغايات متدينين كانوا أم ملحدين!
يقول صاحب كتاب "في مواجهة إسرائيل" عن استغلال الدين عند دهاقنة الحركة الصهيونية ما يلي:
"إلى جانب العنصرية تستغل (إسرائيل) الدين أسوأ استغلال، ويبدأ ذلك بمحاولة تأسيس الدعوة لإنشاء (إسرائيل)، ثم لتبرير وجودها بالحديث عن "الوعد الإلهي لبني إسرائيل في كنعان"، فالعقل لا يُمكن أن يقبل الاسـتناد في احتلال أرض فلسـطين إلى واقع أن دولـة يهوديـة كانت قائمـة في جزء منها قبل ألفي عام! ولو أخذنا بمثل هذه الحجج لوجب رد الولايات المتحدة لقبائل الهنود الحمر!! فالتاريخ هنا عمره لا يزيد على خمسة قرون".
والأمر الغريب حقاً هو أن عدداً من مثقفي أوروبا المتعاطفين مع (إسـرائيل) لا تصدمهم عدم استقامة المنطق، ويتقبلون بسـهولـة اسـتخدام حجتين متناقضتين؛ فهم يُقيمون وزناً كبيراً للخمسـين عاماً التي مضت على قيام (إسـرائيل) ويهدرون الألفي عام التي عاشـها العرب على أرض فلسـطين، أو بصورة أخرى يقبلون الزعم الصهيوني عن "حقهم" في أرض فلسـطين باسم مملكـة زالت منذ أكثر من ألفي عام، ويرفضون حق العرب الذين طُردوا من أرضهم منذ خمسـين عاماً فقط! لا يُمكن لأي إنسـان يحترم عقلـه أن يسـتفيض في مناقشـة لأسـطورة يُراد لها أن تكون سـنداً لاغتصاب..!
لا غرابة بعد الذي تقدم أن نخرج بالقول أن الصهيونية هي شقيقة للنازية في الرضاعة وأن كل الحركات العنصرية المعروفة في وقتنا هي أخوات لأب مارق بهوسه الاستغلالي والعُبودي المسلط على شعوب كوكبنا في الماضي والحاضر!
المصدر: كنعان النشرة الإلكترونية
السنة الثامنة ـ العدد 1471 27 آذار (مارس) 2008
اقرأ أيضاً:
هذه هي العنصرية النازية الإسرائيلية الأمريكية../ الصهيونية بإيجاز(3) / القراءة الصهيونية للتاريخ(4)