لا ابد لنا من التفريق بين الإرهاب التابع للجريمة (وهو إرهاب يوقع ضحاياه لخدمة أغراض فردية أو مجموعة جرميه منظمة) وبين الإرهاب المنطلق من مثاليات محددة. وهذا الإرهاب المثالي يقسم بدوره إلى فروع. فإذا كان الإرهاب بسبب تعجيل الحصول على الحقوق فهو اعتداء. أما الإرهاب الذي يأتي كردة فعل على كارثة معنوية تصيب شعوباً بأكملها ويتوجه مباشرة إلى المعتدي المتسبب بهذه الكارثة فان هذا الإرهاب يندرج في قائمة الحقوق. وفي مقدمتها حق مقاومة الاحتلال. إذ أنه من غير العادل أن يسمح لطرف بالتسبب بكارثة معنوية للطرف الآخر فيترك المعتدي دون عقاب. ويتهم الضحايا المدافعون عن جماعاتهم ومثالياتهم بالإرهاب. خصوصاً وأن الكارثة المعنوية أكثر تسبباً بالأذى من تلك المادية. فالكارثة المعنوية تتخطى حدود الأفراد وتجعلهم يحسون بلا جدوى الحياة. بما يجعلهم جاهزون للموت دون تردد.
ومثل هذه الجاهزية ضارة بالحضارة الإنسانية سواء ترجمت بالإرهاب أم لم تترجم. فهذه الجهوزية هي عار على هذه الحضارة ودليل على اختلال معاييرها وقواعدها وهنا لو أردنا أن نعرج على سيكولوجية الاستشهادي، فهناك واحدة من وسائل الإعلام العربية أصرت على تعريف قرائها بسيكولوجية الاستشهادي فلم تقع إلا على تعريفات لسيكولوجية الإرهابي بعد أن أدمنت أدبياتنا مصطلح الإرهاب بقوة حرب أفغانستان وتهديدات الحروب المحتملة لاحقاً مرورا باحتلال العراق وبحجة مكافحة الإرهاب. وقد يكون من المفيد تعريف سيكولوجية الاستشهادي ولنلج إلى عالم الشخص الاستشهادي، فالاستشهادي هو إنسان عادي لا يحمل سيكولوجية خاصة، وإنما يفجر نفسه بدافع تعرضه لكارثة معنوية. وهي كارثة تهدد قيم الشخص ومقدساته واستمرارية نوعه واستمرارية الأمة التي ينتمي إليها فتصبح حياته فاقدة لقيمتها مما يدفعه إلى استسهال الموت. بل إلى تمني الموت بدلا من تحمل أثار الكارثة وهنا إشارة إلى انعدام معنى الحياة لديه وكما أشار علماء النفس إلى تلك المرحلة.
وقد لا تكون لدينا جميعا شجاعة استحضار وجلب الموت الشخصي ودعوة عزرائيل لقبض روحنا. فقد تحول هذا السلوك إلى شعوب غير عربية تمكنت من التمييز بين الجاني والضحية في عتمة الحصار الإعلامي الممهد للمجازر الأمريكية فقد أدرك الغرب مثلا أن هذه الجرائم تعكس ميول معادية للإنسانية وليس للعراقيين أو العرب لوحدهم. لكن هؤلاء والأجانب لا يستطيعون استيعاب دوافع استجلاب الموت الشخصي عبر عملية استشهادية. والوقت لا يتسع لإفهامهم العلاقة بين الاستشهاد وبين البحث عن الاعتراف بالجماعة وكرامتها، فحسبنا أن نعرض على هؤلاء نوعا آخر من شهدائنا.
ذلك النوع الذي يصاب نتيجة اعتداء أمريكي مسلح ويبقى الشخص العراقي الأعزل ينزف حتى الموت لان الأمريكي المتحضر يمنع إسعافه ووصول إي مساعدة طبية له هذا النوع هو أقصى طرق الموت التي يمكن لبشر أن يتخيلها حيث تجتمع عليه الآلام ومخاوف الموت ومشاعر الذل ورغبة الانتقام وكل جبروت الاضطهاد. وكأن وحوش الآدمية لا تكتفي بهذه العذابات فتتابع عدوانها على جثته حيث تتركها للإنتان والتحلل على أيام منتهكة بذلك حرمة الأموات والأمثلة لا يمكن حصرها فالقرى النائية عن المدن أفضل مثال لأقسى اعتداء أمريكي على العراقيين. ولو قدر لأي شخص الاختيار بين هذه الميتة المسالمة بأسلوب شيطاني غير بشري، وبين الموت خلال لحظات بتفجير استشهادي، فإن الشخص سيختار الثانية حكما حتميا. وذلك بغض النظر عن انتمائه "عربي أو مسلم أو غيرهما" وعندها فقط نستطيع تفهم سلوك الاستشهاديين بدوافعهم وطريقتهم في الموت ولاختيارهم النهاية السعيدة المحزنة.
تحليل نفسي للظاهرة الاستشهاديـة
بناءا على قراءات علم النفس فان تحليل الطب النفسي لا يضم بندا خاصا بالاستشهاد. لكنها تفتح المجال لإدراجه في خانة "الانتحار ألإيثاري" altruistic وتعريفه أنه تضحية بالحياة لخدمة أهداف سامية غير فردية. هذا الإدراج ينطوي على قدر من الغموض لمصطلح الاستشهاد (أو الشهادة). ويتضاعف هذا الغموض مع الفروق الحضارية لمفهوم الشهادة بين الثقافات المختلفة. ليرفض إدراج الظاهرة الاستشهادية في تصنيفات الطب النفسي. فهذه التصنيفات غربية, وهي بالتالي بعيدة عن مفهوم الشهادة المنبثق من ثقافات شرقية أسلامية. وغياب مفهوم الاستشهاد, عن التصنيفات الأجنبية, هو مفتاح الحوار حول اختلاف المواقف من هذه الظاهرة على المستويات الأخلاقية والسياسية والسيكولوجية.
في غياب هذا الحوار برز موقف غربي اختزالي ينظر للعملية الاستشهادية على أنها فعل إرهابي يوقع ضحايا بين المدنيين. وبالتالي فإن الاستشهاد هو إرهاب, عندما حولت الصدمة الأمريكية إلى حماقة استخدام كل القوة التي تجلت بإلقاء قنبلتي هيروشيما ونكازاكي. وأنتج هذا الهجوم الكاميكاز (الانتحاريين اليابانيين) بظاهرة لا شعورية ثأرا لكرامة وطنهم واستنادا إلى هذه المقاربات صنف مفهوم الجهاد المسلم في خانة الخطورة الفائقة, فاتخذت لمواجهته مجموعة خطوات مترابطة وإن بدت ظاهريا متناقضة. إذ تمت محاولات عديدة ومتنوعة لاحتواء جماعات الجهاد المسلم عبر التحكم في تمويله ومصادر هذا التمويل, وبمؤازرة هذا الاحتواء عمل الإعلام الغربي طيلة سنوات على تغذية الخوف من الإسلام في أوساط الرأي العام الغربي حتى انبثق مصطلح "الهلع من الإسلام" أو الإسلاموفوبيا. وذاع صيته وأنتشر ليكون مدخلا للمرحلة الثانية من تحويل الإسلام إلى بعبع حضاري عبر طرحه طرفا في صدام الحضارات؛
وهو مصطلح سرقه هنتنغتون عن رواية أميركية صدرت مطلع الثمانينات، وفيها يتخيل المؤلف تكاثر عدد العرب في أميركا وصولا إلى حكمهم لها وفق الشريعة الإسلامية.وهناك وقائع عالمية مماثلة للغرب تدفع لاستغراب التركيز على العرب والمسلمين في موضوع الإرهاب وتجاهل أخطاره الحقيقية الداخلية خصوصا بعد ما بينته أحداث 11 أيلول عن إمكانية متابعة المسلمين الأمريكيين وسهولة حصرهم ورصدهم بسبب عجزهم عن الذوبان في فسيفساء المجتمع الأمريكي, ونحن بعيدون عن مناقشة تحليلات سيول المعلومات المتسربة حديثا والموحية بوجود تواطؤ داخلي أميركي بعضه مباشر وبعضه على شكل إهمال إذ أن ما يهمنا في هذا السياق هو التأكيد على أن الظاهرة الاستشهادية قد تسربت إلى الحضارة الغربية. بحيث لم تعد هذه الحضارة قادرة على تجاهل هذه الظاهرة وإسقاطها من تصنيفاتها للحالات النفسية.
سيكولوجية الاستشهـاد
لاستيعاب الظاهرة الاستشهادية يقتضي دراستها دراسة تكاملية ومتابعتها وتطورها كظاهرة عبر التاريخ, وربطها بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, ولضيق المجال بعرض تفاصيل هذه الرؤى, نلجأ إلى الاختصار والتبسيط في عرضنا لهذه الظاهرة من الوجهة السيكولوجية, وكما يلي:
1- الموت الشخصي: حيث يتهرب الفرد عادة من التفكير بموته الشخصي لأنه لا يحتمل الفكرة, وللهروب من حتميتها يلجأ الفرد إلى خدعة الموت المؤجل, ومفادها أننا كلنا سائرون إلى الموت ولكن ليس الآن, وهذا التأجيل يؤمن الاطمئنان في مواجهة حتمية الموت. ولكن ماذا يجري عندما يسعى أحدهم إلى حتفه ويختار إراديا وضع نهاية لحياته، وتصنيفات الطب النفسي تنظر لهذه الرغبة على أنها قتل للذات (انتحار) بسبب تعرض الشخص لكارثة فردية خاصة يصعب عليه تحمل وطأتها, بل أن تجارب الطب النفسي تشير إلى أن الناجين من محاولات الانتحار غالبا ما يراجعون دافعهم إليه ويقرون بعدم أهليته لإنهاء حياتهم, فيعودون إلى التمسك بالحياة بروابط أقوى من السابق ولا يخالف هذه القاعدة سوى مضطربي المزاج, الذين يدفعهم مزاجهم المضطرب للإصرار على فداحة خسارتهم وأهليتها كي تجعلهم يصرون على الانتحار.
2- الأنماط الثقافية للكارثة المعنوية:
يختلف نمط الكارثة المعنوية باختلاف المناخ الثقافي الذي تحدث فيه, وهنا لا بد من الملاحظة بأن عنف ردود الفعل يزداد بزيادة مستويات الفقر والقهر والعجز إجمالا, وهنا نجد من المفيد إيراد بعض الأمثلة ومنها:
- الانتحار الاحتجاجي الياباني: الذي يجري بطريقة استعراضية (حرق الجسم في مكان عام) بسبب كوارث معنوية أقل حدة من السابقة (فقد الانتماء). لكن ما يشجع عليها هو اعتقاد اليابانيين بالتقمص (عودة الروح للحياة في جسد آخر), وهو يرتقي مع عمق نبل دافع الانتحار وسمو هدفه.
- انتحار الماسادا (الحصن اليهودي): حيث تدعي الأسطورة أن هذه الجماعة من اليهود قاومت لسنتين بعد سقوط القدس (73 ميلادية), فلما فقدت قدرتها على المقاومة فضلت الانتحار الجماعي بديلا عن ذل الاستسلام.
لكن المؤرخين الجدد كشفوا عن كون هذه الجماعة عصابة من اللصوص الذين كانوا يغيرون على القدس ويسرقون أبناء جلدتهم اليهود, وانتحارهم كان لمعرفتهم أنهم سيتعرضون للعذاب والانتقام بسبب إجرامهم.
- انتحار القادة والعسكريين عقب الهزائم الكبرى, حيث يلعب العامل الثقافي أثره في تحديد طقوس هذا الانتحار وأشكاله.
أنماط الاستشهاد
ينطبق مصطلح الاستشهاد على حالات التضحية بالذات لخدمة قضية حيوية بالنسبة لمستقبل الجماعة, حيث يكتسب مقدم التضحية لقب الشهيد, ولكل جماعة تصورها الخاص لمكافأة الشهيد بعد مماته, وتتضاعف القيمة المعنوية للشهيد مع زيادة المكاسب التي يحققها موت الشهيد لقضيته.
وغالبا ما تكون هذه المكاسب من نوع التسبب بقدر أكثر من الأذى للعدد القوي المضطهد للجماعة الضعيفة صاحبة القضية. وللاختصار نورد قائمة بأنواع العمليات الاستشهادية التي لعبت أدوارا مقررة قي توجيه دفة الصراع خلال القرن الماضي, ومن هذه العمليات هي:
1- عمليات العنف الثوري: التي اعتمدتها بعض الفصائل والتيارات الماركسية, والتي لا تزال بعض الفصائل الفرعية تمارسها لغاية اليوم, وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من العنف انتهى بنهاية الحرب الباردة.
2- عمليات مقاومة المستعمرين: التي عرفت نهايتها مع نهاية النمط الكولونيالي, الذي أستمر في جنوب أفريقيا لفترة, والذي لم يعد قائما إلا في إسرائيل, ومن هنا حصر عمليات المقاومة في العمليات التي يقوم بها مقاومون عرب ضد إسرائيل.
3- عمليات الانفصاليين: وتقوم بها عادة أقليات تسعى للانفصال عن الأكثرية الحاكمة.
4- عمليات العنف الطائفي: وتجري عادة في مجتمعات تعددية تنفجر خلافات الجماعات المكونة لشعبها.
5- الصراعات (دينية وفكرية وسياسية).
- الجهاد المسلم:
يطرح مصطلح الإشهاد ومشتقاته اللغوية إشكالية لغوية-لسانية من الدرجة الأولى, فالمصطلح له دلالاته الخاصة باللغة العربية, التي تربطه (بالجهاد وفق المفهوم) بالدين الإسلامي الذي يجعل من الاستشهاد معبرا لدخول الجنة كما يفهمها المسلمون وفق أصول ديانتهم.
سيكولوجيـة الشخصيـة المقاومة
استعرض شخصية المقاوم العراقي وفقا لرؤيته بحيادية كاملة ولنقها كما في تصورات كل واحد منهم ففي زمن الاحتلال الذي ابتلى به العراقيون الآن وهنا اقصد العراقيين المجاهدين بالسلاح تحديدا أي داخل العراق والذي يعاني ولأكثر من خمس سنين عجاف بأن المدهش في هؤلاء المقاومين أنهم لا يبغون من كل هذا التأزم والتعب والترقب الرهيب غير تحرير العراق وإرضاء الله سبحانه وتعالى أولا والوطن ثانيا والشعب ثالثا وبالتالي استقلال العراق وهو الهدف السامي الذي يبتغيه والذي اختير له من بين كل البشر ليكون من جند الله على الأرض والمهم في الأمر أنهم يواجهون التبعات التالية:
أولا: أن يكون اقتحاميا مستحضرا كل معاني الإيمان بالله الواحد الأحد لان أداء الواجب المقدس محفوفا بالمخاطر ونسبة الرجوع سالما ومهما تحوط وتسلح بالحس الأمني ما هي الا نسبة لا تكاد تذكر في عقله وفي إرادته وفي نيته فهو ذاهب أما إلى الاستشهاد وإما إلى السجون التي لا يعرف ماذا يحصل له فيها من التعذيب الجسدي والنفسي الرهيب ومن إسرار ومفاجآت.هذا فضلا عن الزمن العصيب الذي يعيشه إلى حين أكمال واجبه والمحفوف بكل تلك المخاطر والملغوم بالمخبرين الجاهزين من فئة العشر دولارات.
ثانيا: الأزمة الثانية هي عائلته وتوديعها المعلن أو الحاضر بالذاكرة وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى اوجب الجهاد لكنه (كره) للمجاهد أي من الصعوبة بمكان لكنه فرض لا يمكن الحياد عنه والتغاضي، ولا يمكن لأي إنسان أن يتصور المقاوم المجاهد ويحس بشعوره الكامن في أعماق الروح الزكية وهو يقف أمام عائلته محدثا جاهرا أو صامتا قد يكون اللقاء الأخير معكم أحبتي والله معكم وراعيكم وأما إنا فلا ادري ماذا سيقدر الله علي وقد لا ارجع وقد لا نلتقي، ولنتخيل هذا الموقف باستبدالنا للمواقع لتلك اللحظة!
ثالثا: الأزمة الأمنية التي تحيط به وربما من اقرب الناس إليه والذين أما يعرفون انه مقاوم أو يحسون بنياته التي قد لا تخفى في بعض الأحيان من خلال التعبير الهادئ الوديع غير المستفز لمن حوله بأنه ضد الاحتلال كموقف وهذا بدافع إشعار من حوله بأن الاحتلال غير شرعي وعلى الجميع محاربته أو على الأقل عدم الموافقة عليه إي بطلانه وهي في أكثر الأحيان رسالة حق خطيرة جدا في الميدان وبين المعرف والذي قد بترصده في حالة حصول أي خلاف تفرضه نواميس الحياة وقد يكون ثمن الموقف هذا حياته وهنا لكل مقاوم ردة فعل تختلف عن الآخر وحسب تكوينه النفسي والاجتماعي وسعة صدره وصبره على استهزاء الآخرين وهل أن له القدرة على القول لهم سلاما رغم تنازله عن حق ما، وصعوبة هذا التنازل ولكن للموقف إحكامه وعليه أن لا يخسر نفسه وبيته وربما يخسر غيره من خلال الضغط المبرح عليه بين يدي العدو إذا ما تم الإخبار عنه نتيجة الموقف سابق الذكر.. وهنا فأن المقاوم قد يترك الجدل مع من حوله ويستسلم لخسارة موقف أمام موقف آخر هو الأعلى شرفا والأسمى وهو ديمومة تواجده في ساحة المعركة التي هي هو وهو هي ولا شيء آخر يساويهما بالقيمة الدنيوية والأخروية وهذا هو الربح الوفير له ولرفاقه بالسلاح.
رابعا: أن المقاوم الحصيف ينأى بنفسه عن المساجلات العقيمة التي هو أحس الناس لها ولشرورها إذ إنها لا تعدو كونها خسارة للهدف وللمقاومة في آن واحد. ومن خلال تجارب الحروب الشعبية التعبوية الذكية فان المقاوم بين أوساط الجماهير هو ذلك المسالم الرقيق والملاك الذي ينأى عن كل الشبهات كونه مقاوم حيث انه يعتقد جازما انه بين أعداء ومتربصين، إذ انه يشكل خطرا مدمرا لمصالح بعضهم التي ارتبطت جدليا وأخلاقيا ومصيريا مع المحتل والذي سوف يكون كارثيا عليهم.
خامسا: أن المقاوم يحمل في بيته وفي جيبه ما (يصلح للمواجهة) -ينفع- عدوه أذا ما داهمه على حين غرة كونه متحسبا لأسوأ الاحتمالات ومفاجآت الميدان المبوأ بكل الاحتمالات واحسب انه لا ينام هنيئا مطمئنا بل يريح عينا مغمضة ويفتح أختها تراقب المجهول وبهذه الطريقة يمكن تحصين نفسه ضد ما يمكن أن يخطط له وللإيقاع به من خلال الأعداء والمتابعين له من حيث يدري ولا يدري وخاصة في الليل بل قد يستدعي الظرف الهجرة عن البيت إلى مكان امن آخر هو يقدره لأنه الأعرف بالبديل الأمين الحريص عليه.
من هذا القليل يمكن أن نستشف أي حياة يعيشها المجاهد وأي قلق وأي رصد مطلوب منه وأي صبر لا تحمله الجبال يحمله وهو سعيد به من اجل تلافي أي خطر يداهمه ويلغي دوره ولو إلى حين وربما يأتي ذلك من اقرب الناس إليه من المأجورين.
ومن الناحية السيكولوجية في زمن بدأ الإنسان الفرد يستعيد قيمته وقدرته على الفعل. وهي قيمة تنموا في عصر المعلومات الذي حول ميول التعميم إلى السذاجة إذ تمكن شاب فيليبيني صاحب ال 26 عاماً من إلحاق إضرار قدرت بمليارات الدولارات عبر فيروسه المسمى "أحبك" (I Love You). مما أعاد للسيكولوجيا دورها عبر عودة القيمة الفردية. وفي العراق فأن خمسة أعوام فترة كافية للنظر إلى مسار المقاومة العراقية منذ انطلاقتها في الأيام الأولى للغزو الأميركي كظاهرة غير منظمة فردية بحتة لا قيادة لها مقاومة مبنية على فطرة رفض الدخلاء من غير المرغوب في تواجدهم في البنية الاجتماعية العراقية وقد غلب على المقاومة العراقية في بدايتها المبكرة العمل دون إحكام بناء الأطر التنظيمية والإدارية لخلاياها المقاومة، إذ كانت في الغالب اندفاعا شعبيا عفويا رافضا للاحتلال مدفوعا بمحفزات وطنية أي أن الدافع هو دافع فطري غير موجه.
ومعرفة ما طرأ على هذا المسار النفسي للمقاوم من تغيرات، ووضع اليد على نقاط القوة والضعف التي صاحبت أداءها، بعد مرور خمسة أعوام على بدايتها وأن هذه البداية كانت مبكرة، وأن هذا التبكير نفسه قد فاجأ الأميركيين. فبعد أن كان الجيش الأميركي يتوقع استقبالات احتفالية من قبل الشعب العراقي فوجئ بعد ثلاثة أيام فقط بأن أحد جنودهم قتل على يد مقاوم عراقي في حي الأعظمية ببغداد يوم الثاني عشر من أبريل/ نيسان 2003، وفي الثامن عشر من الشهر نفسه نفذت المقاومة هجوما واسعا في منطقة نفق الشرطة بجانب الكرخ في بغداد وأحرقت في هذا الهجوم سيارة همر أميركية وقتلت من كانوا فيها.
هذه كانت البداية، واليوم نحن بصدد قراءة سيكولوجية متفحصة بإسناد علمي أكاديمي مهني ليكون بحثا علميا رصينا وهادفا غير مداهن لألوان السياسة المنافقة ليرقى إلى نبذ خوف المتقولين من دعاة تصنيع الموت وتصدير الرعب في نفوس العرب لمسايرة المصطلح الغربي المعادي لأصالتنا وإذعانا لمتطلبات أحبار التحضر العالمي الأمريكي لنعسكر في مخيمات صنعت وصدرت تلك الأقلام الإرهابية، خوفا من بطشهم وطمعا في رضاهم
والله من وراء القصد