تحية طيبة السلام عليكم.
هذا تعليق على مقال الدكتورة نيرمين الرصين...
إلى الدكتورة نيرمين؛
مشكورة على وضوحك،جميلة هذه الصراحة فيك؛ إنك بهذا تخرجي ما لا يقال، تحملين على تمثلات نفسية اجتماعية تكاد تأخذ في عقل الرجل العربي شكل الحقيقة المطلقة والعادة الحسنة بل وربما -لا سمح- الله العبادة الدينية.
ما يجري الآن بين الرجل العربي والمرأة العربية يتخذ مظهر لعبة كر وفر،صراع خفي من اجل احتلال المواقع، وان كانت الصورة معقدة اشد التعقيد نظرا بالضبط لكبت المخزونات والسكوت عن غير المرغوب فيه، كما أن الوضع الحالي مركب بفعل شدة التأثيرات الثقافية الإعلامية والعولمة إن صح التعبير... العقل العربي موضع تنازعات وتجاذبات متنوعة يفضي إلى هذا الإبهام في الموقف والإرادة:
المرأة تتحين الفرص فقط لتقديم أو تأخير القدم حسب الموقف وخطورته؛ غريزة بقاء النوع بشكل من الأشكال..
والرجل العربي أيضا رهين نظرة خارجية ضيقة في ذهنه تمس رجولته وفحولته وقوامته- حسب رأيه طبعا...
يتبع
مصطفى شقيب
المغرب
22/12/2009
الأستاذ الفاضل مصطفى شكيب تحية طيبة وبعد؛
بداية أشكر لك كلماتك الطيبة، وأتفق معك سيدي تماما أن الصورة شديدة التعقيد ويتدخل فيها الكثير من العوامل، وقد تعود الكثيرون (ومرة أخرى لا أقصد التعميم) على التحفز عند فتح مثل هذه الملفات في حياتنا واعتبارها معركة بين الرجال والنساء فينبري كل طرف لإلقاء الاتهامات على الطرف الآخر، وتحميله المسئولية، وتصبح القضية: من "المخطئ"؟ ومن "الضحية" وتتحول بيوتنا إلى ساحات للمعارك، وتعلو نبرة الحقوق في غير موضعها، وينشغل الطرفان بجمع الأدلة والقرائن التي تدين الطرف الآخر، ومع انشغالهما في هذه المعركة الوهمية لا ينتبهون أن السفينة تغرق بهما هما الاثنين، بل وربما بالمجتمع بأسره.
كما أتفق معك تماما أن العقل العربي صار ريشة في مهب رياح العولمة والموروثات (إلا من رحم ربي)، وصار رهينة إعلام يكرس لصورة نمطية صراعية بين النساء والرجال، قائمة على أساس أن هزيمة طرف هو انتصار للطرف الآخر، غير أن التباكي على العقل العربي لم يعد مجديا ولا كافيا بل علينا كمهتمين أن نعمل على تحريك المياه الراكدة وفتح هذه الملفات بوعي وحكمة وتدرج مدروس وتوازن، وعدم الاكتفاء بتشخيص المشكلات وتوصيفها على أهميته، بل علينا أن نجتهد في خلخلة ما حسبه الكثيرون مسلمات غير قابلة للتغيير، وأن نفعل ذلك بدافع من حرص حقيقي على مجتمعاتنا، وتفهم لواقعها ورغبة حقيقية في التغيير إلى الأفضل منطلقين من ديننا وقيمنا ومنظومتنا الأسرية المنبنية على أساس المودة والرحمة وأن النساء شقائق الرجال؛
كما أن علينا أن نعمل على إبراز النماذج الإيجابية الناجحة (وهي كثيرة) كطرح عملي واقعي بديل وشكل مختلف ومثال ملموس للتصور المتزن للعلاقات داخل الأسرة، وأن نخرج من الحديث العام النظري ونعمل على الدخول في التفاصيل لنقدم حلولا حقيقية لهذا الواقع الذي يزعجنا جميعا، وأن نفتح حوارا جادا مخلصا حول كل هذه القضايا يجمع المهتمين والمتخصصين للخروج بأفضل النتائج الممكنة.
وأعود لأسأل نفسي ما هو الفارق بين هذه البيوت وبين بيوتنا الحديثة، وكما قلنا من قبل أن الأسباب عديدة لكنني سأركز على أحدها اليوم وهو التنشئة، وجزء مهم منها وهو التنشئة على الحياة الجماعية لا الحياة الفردية وعلى مفاهيم تحمل المسئولية وأهمية ترسيخ ذلك في نفوس وسلوكيات أبنائنا، غير أن شيوع نمط الحياة الفردي والاستهلاكي جعل كثيرا من الآباء والأمهات يلبون جميع رغبات أبنائهم بل ويتحملون عنهم كل المسئوليات والواجبات الاجتماعية ويفنون أنفسهم من أجلهم، فينشأ هذا الشاب وتلك الفتاة وهم لا يعرفون معنى المسئولية، ولا يستطيعون تحمل التغيير والضغوط، ولا يعرفون مخالفة ما يريدون، وشعار كثير منهم أنا وبعدي الطوفان، وليس ذلك خاص بغير الملتزمين دينيا بل وجدته شائعا في بيوت الملتزمين أيضا، فالشاب والفتاة يعيش كل منهم في عالمه الخاص لا ينشغل بأمور أسرته ولا من حوله، لم تواجهه مشاكل ولم ينزل لمعترك الحياة ولم يتعلم كيف يحل مشاكله ولا يفهم معنى الحلول الوسط؛
وانظروا إلى البيوت كيف تؤثث وانظروا إلى سقف المطالب التي تطلبها الفتيات اليوم لتأسيس بيت الزوجية، وقد رأيت في قريتنا الصغيرة التي ليس فيها طريق ممهد، كيف تؤثث البيوت وحكت لي إحدى قريباتي هناك أن العريس يجب أن يؤثث أربعة غرف كاملة منها حجرة أطفال مجهزة بكل الكماليات، فقلت لها وماذا يفعل الفقراء وهم كثير في هذه القرية، قالت يكتبون شيكات على أنفسهم ولا يتنازلون عن ذلك، وتؤثث الجدران والغرف وتنهار البيوت والمعاني، فالشاب والشابة ومن قبلهم والديهم يريدون كل شيء، ويقول كل طرف ولماذا أنا من يتنازل؟ يقولونها في كل شيء، فهم لم يتعلموا يوما معنى الحياة المشتركة ومعاييرها.
هو وهي يطلب فيجد، فإن لم يجد فيثور ويقلب الطاولة ويرحل، فهو وهي لم يتعلما يوما أهمية الهدف الأكبر، ومعنى إنشاء أسرة.
وإذا كنا نتحدث عن مطالب الشابات في الزواج فانظر بالمقابل لمطالب الشباب في عروسة المستقبل، فكلهم يريدونها شقراء فاتنة زرقاء العينين وفقط وكنت أتمنى لو كان هناك حتى شروط إضافية تتعلق بالمضمون لكني لا أجد، ومن كثرة ما سمعت هذا الشرط كنت أضحك وأقول لصديقاتي وكأن الأصل في المصريات هو الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، ولكني لا ألوم الشباب والشابات قدر ما ألوم مناهج التربية التي أنشأت هذا الخلل، وجعلتهم أطفالا كبار الأجسام أو كما قال شيخنا الشعراوي رحمه الله: أننا رفعنا سن الطفولة في بيوتنا إلى سن الثلاثين.
سادتي بالتأكيد لا أقصد التعميم، ولا أنفي الكثير من النماذج الايجابية من زيجات حديثة ضربت المثال في جمالها لكنني فقط أحاول الدخول إلى جذور المشكلات الموجودة فأضرب الأمثلة الواضحة قدر الإمكان، ولي مع مقاييس الرضا، ومعاني الأسرة حديث آخر إن شاء الله تعالى.
مرة ثانية أشكر لك تعليقك الطيب، وأرجو أن تكون إسهاماتنا المتواضعة خطوة في سبيل تغيير حقيقي إيجابي لواقع مجتمعاتنا وبلادنا.
تحياتي
اقرأ أيضاً:
صمت الأزواج.. طلقات في جسد الزوجات / سيكولوجية الخصوصية الزوجية(2) / التراكمات في الحياة الزوجية(2) / الصمت الزوجي