احتياطات الأمان: سلوكيات التأمين في مرضى القلق مقدمة
مرضى الوسواس مثلهم كبقية البشر؛ عندما يتعرضون لما يخيفهم أو يهددهم يبحثون عن كل ما من شأنه تأمينهم من ذلك؛ فيلجؤون لهذه السلوكيات لتأمين أنفسهم قدر الإمكان، وهناك عدة أشكال من "سلوكيات التأمين"، ربما نجد نوعًا من التداخل أو صعوبة في التفريق أحيانًا بين شكل وآخر منها، وأبرزها:
1. التحاشي أو التجنُّب Avoidance .
2. الإخفاء والسرية Concealment .
3. الأفعال الاستباقية أو الاحترازية Anticipatory Measures .
4. قمع الأفكار Thought Suppression .
5. الأفعال المحيِّدة Neutralizing Actions .
6. طلب الطمأنة Reassurance Seeking.
7. صرف الانتباه أو الإلهاء Distraction .
8. الأفكار البديلة والتي تسمى أحيانًا "الوساوس المركَّبة".
9. الهرب Escape.
بعض هذه السلوكيات يلجأ إليها المريض ليمنع تمامًا أيَّ تعرُّض لما يثير وسواسه؛ مثل التحاشي، أو يفعلها قبل التعرُّض؛ مثل الأفعال الاستباقية أو الاحترازية وأحيانًا طلب الطمأنة، وبعضها يلجأ لها المريض عند التعرُّض لمثيرات وسواسه؛ مثل: محاولة قمع الفكرة أو الفعل المحيِّد أو أخيرًا الهرب، وأما الشكل المتبقي من أشكال "سلوكيات الأمان" وهو الإخفاء والسرية؛ فهو استراتيجية مستمرة يحافظ عليها المريض خوفًا من ردود أفعال الآخرين المتوقعة حال معرفتهم بمحتوى وسواسه، ولنأخذ مثلاً من موقعنا الإلكتروني تحت عنوان: "للموسوسين والموسوسات.. الصلاة فضلاً دون حفاضات":
"السلام عليكم.. أشكركم لقبولي بالمنتدى، أنا مصابة بالوسواس القهري، أرجوكم أن تفيدوني، مشكلتي ما أشعر به من قطرات وأتحفض للصلاة، ولكن أتناء تحفُّضي أشعر بنزول قطرات وأنا أصلي، وأغسل ملابسي في اليوم بشكل مستمر، تعبت، أصبحت أحسب لدخول الحمام ألف حساب! وأيضًا خوفي من النجاسة في الحمام وخارجه، دائمًا أرى كل شيء نجسًا، رجاءً.. أفيدوني كيف أتعامل؟ البول رغم تحفُّضي أحسُّه نزل ونجَّس ملابسي وهكذا؛ هل أصرف الانتباه؟ مع العلم أنه لدي مرض المسالك البولية، ولا أميِّز بين الوسواس والمرض".
وجاء في ردنا عليها: "ارتداؤك للحفاضة يمثِّل سلوكًا تأمينيًّا أو "احتياط أمان" Safety Behavior وهو ما يُعيق الشفاء، وبالتالي حتى لو رأى بعض الفقهاء في استخدام الموسوس الحفاضات أثناء الصلاة تيسيرًا عليه؛ فإننا نردُّ فتواه بأن هذا يعطِّل العلاج، ولا يُقبل تيسيرًا إلا في حال عدم إمكانية أو إتاحة العلاج الدوائي أو المعرفي السلوكي، احتياطات الأمان هذه تجعل التعرُّض للمثير غير فعَّال علاجيًّا؛ لأنها تطمئن المريض بحيث يستطيع أداء الفعل المثير للوسواس دونما عذاب كبير، وفي العذاب العابر بالتعرُّض للمثير ومنع الاستجابة له العلاج، بمعنى آخر تسهِّل هذه الاحتياطات على المريض التعايش مع وسواسه تعايشًا يطمئنه قليلاً وليس دائمًا، ويقلل إلحاح الرغبة في أداء الفعل القهري، لكنه يعزِّز ويشدُّ من عضد الوسواس ويطيل عمره، بينما التعرُّض لما يثير الوسواس دون مطمئن مع الامتناع عن الفعل القهري = الشفاء".
صحيح ربما تفيد بعض هذه الاستراتيجيات على المدى القصير، إلا أنها في الأغلب الأعم تشتري راحة وقتية عابرة بثمن باهظٍ! هو تثبيت وتقوية القناعات المعيقة التي تقف خلف الحدث الوسواسي؛ فعلى سبيل المثال: إذا أخذنا حالة مريض وسواس قهري يعاني من فكرة أنه سيرفع صوته بسبِّ الدين في المسجد أو الكنيسة (وربما اندفاعه لأن يفعل ذلك)؛ نجد أن مثل هذا المريض قد يلجأ للتحاشي الكامل؛ فلا يدخل المسجد أو الكنيسة، وبعضهم يتحاشى حتَّى النظر لدور العبادة! وهذا التحاشي سيقلل من قلقه بلا شكٍّ على المدى القصير، لكنه على المدى الطويل سيُبقي ويعزِّز اعتقاده بأنه سيفعل ذلك فعلاً؛ لأنه يفكر كما يلي: لولا أنني أتحاشى المسجد (أو الكنيسة) لكنت رفعت صوتي بسبِّ الدين.
واستكمالاً للمثال نفسه فإن لجوء هذا المريض لإخفاء تلك الفكرة أو النزعة عن كل الآخرين باعتبارها سرًّا؛ خوفًا من أن يتهمه الآخرون بالكفر أو بالجنون، أو أن يعتزلوه أو يحتقروه؛ لا شكَّ أن ذلك الإخفاء سيريحه من مخاوفه تلك، إلا أن لجوءه للسرية في الوقت نفسه سوف يقضي تمامًا على أي فرصة لتعريض فكرته تلك لما يفنِّدها من آراء متعادلة؛ مثل أنه لن يفعل ذلك لأنه شخص متدين وكل من يعرفونه يؤكدون ذلك.
وقد عالجتُ مريضًا بمثل هذه الحالة كان طبيب امتياز، وقد حوَّله لي أحد زملائي الجرَّاحين لأنه كان يصرُّ على طلب إجراء جراحة في فكَّيه تجعل قدرته على فتح فمه محدودة! على غرار جراحة تثبيت الفكين التي كانت تُجرى لمرضى البدانة المفرطة للتقليل من قدرتهم على التهام الطعام! على أن يكون بإمكانه أن يثبِّت فكَّيه وأن يحررهما وقتما يشاء! بدت الفكرة غريبة للجرَّاح، وظلَّ مُصرًّا على معرفة السبب لكي يقرر إجراء الجراحة من عدمه، وعندما عرف أن السبب هو رغبة ملحَّة انتابته ذات مرة وهو في المسجد بأن يسبَّ الدين، وتلا ذلك تحاشٍ مستمر لدخول المسجد، وتحاشي النظر إلى المسجد وحتى المرور من أمام المساجد ما استطاع! واستمرَّ لمدة ثلاث سنوات، ولما وجد نفسه مضطرًّا لتوضيح السبب لأهله وأهل خطيبته، وغير قادر على رفض هدية السفر لأداء العمرة من صهره؛ لجأ للجرَّاح الذي أصرَّ بعد أن عرف السبب في أخذ رأي الطبيب النفسي.
فإذا تخيلنا أن تلك الجراحة أُجريت فعلاً، وأصبح بإمكان ذلك الطبيب الصغير أن يدخل المسجد وقد ثبَّت فكيه بحيث لا يستطيع فتح فمه والصياح بسبَّ الدين في المسجد؛ فإن تثبيت الفكين هنا هو فعل استباقي أو احترازي Anticipatory Measure الغرض منه هو منع الحدث المخشي من الوقوع، مشكلة هذا الطبيب كانت ستُحل على المدى القصير ويصبح بإمكانه أن يدخل المساجد وأن يقبل هدية صهره؛ فقط عليه أن يُخفي أن فكيه مثبتان! ولكننا إذا نظرنا إلى المدى البعيد فسنجد النتيجة السلبية نفسها المنتظرة من اللجوء إلى أيٍّ من سلوكيات الأمان؛ وهي تقوية القناعة المعيقة وتعزيزها؛ بأنه سيصيح بسبِّ الدين في المسجد لولا أنه ثبَّت فكيه! أي لولا لجوؤه للفعل الاستباقي.
واستكمالاً للمثال نفسه.. فإن المريض الموسوس بفكرة أنه سيسبُّ الدين في المسجد إذا اضطر إلى دخول المسجد في صحبة أحدهم؛ فإنه ربما يلجأ إلى أيٍّ من أشكال "سلوكيات الأمان" الأخرى؛ فمثلاً قد يلجأ أول ما يلجأ إلى محاولة "قمع الفكرة"، وهو ما يؤدي إلى وقوعه في فخ محاولات عقلية تهدف إلى السيطرة على الفكرة إلا أنها تزيد من ضراوتها! وكلما كان محتوى الفكرة مزعجًا أو منفِّرًا أو مرفوضًا من قِبل الشخص (أي كلما كانت أكثر إزعاجًا أو إخافة له)؛ زادت تلك المحاولات، وزادت بالتالي ضراوة الفكرة؛
ولعلنا شرحنا ذلك وبيَّنا تأثير محاولة قمع الفكرة التي تؤدي إلى ما يُعرف بالعملية المفارقة، وربما بعد أن يفشل تمامًا في محاولة القمع يلجأ إلى الهرب من المسجد، أو ربما إن كان الهرب غير ممكن أو محرج بشكل جدِّيٍّ فإن مريضنا سيجد أنه لا حيلة لديه لتقليل القلق إلا اللجوء إلى ما يُسمَّى بـ"الفعل المحيِّد"؛ ومنه - في هذا المثال - ما يُسمَّى بـ"الإبدال" Subistitution ، وتعني استبدال فكرة جيدة طيبة مثل: أنه سيسبح الله كثيرًا، أو أنه: سيدعو الله أن يسامحه على ما مضى... إلخ؛ بالفكرة السيئة (أنه سيصيح بالسبِّ في المسجد)، فهذا الفعل المحيِّد أيضًا سيعطيه شيئًا من الراحة، لكنه سيساهم في إبقاء قناعته بإمكانية فقد السيطرة على نفسه ورفع صوته بسبِّ الدين في المسجد كما هي.
ولنأخذ مثلاً آخر من موقعنا، تحت عنوان: "وساوس قهرية أم ظواهر انفصال؟":
"السلام عليكم.. أنا "مريم" من "الجزائر"، عندي مشكلة جدُّ شديدة؛ وهي أني عندما كنت أصلي كنت أغمض عينيَّ وأتخيَّل أناسًا صالحين؛ لأخشع ويزيد إيماني، وكان الأمر ينفع معي، لكن الأمر بعدها انقلب عليَّ؛ فأصبحت أغمض عينيَّ فأرى الناس الموجودين معي في الغرفة، وتأتيني الوساوس أني لا أصلي لله بل لهم! مع أني كنت أقاوم، إلا أني غالبًا ما أفشل، فأصبحت أصلي لوحدي كي أتفادى هذه المشكلة، ونجح الأمر مؤقتًا، لكن بعد ذلك أصبح أسوأ؛ فأصبحت وأنا أصلي أو أقرأ القرآن أشعر وأحسُّ حقيقة بأن أحدًا يراقبني، وعندما أغمض عيني لا أرى الوجوه، أيَّ وجه، تصوَّر حتى وأنا وحدي في البيت تمامًا يلازمني هذا الشعور، مع أني مقتنعة بأنه من خيالي، لكن لا أستطيع مقاومة هذا الشيء؛
أصبح هذا الأمر كابوسًا، أصبحت علاقتي بربي سيئة جدًّا، فكلما دعوته أرى وجوه الناس، وتأتيني الوساوس أني أدعو الله ليراني الناس، مع أني قاومت هذا الأمر إلا أنه بدأ يتمكَّن مني، أنا الآن لا أشعر بالله مطلقًا من كثرة الوساوس سأصبح مقتنعة أنه فعلاً من نفسي وليس الشيطان، من فضلكم ساعدوني، أريد أن أقاوم هذه الوساوس، وعندما أدعو الله أني أدعوه لأنه ربي، وليس لأجل الناس، أريد أن أصلي من دون أن أرى وجه أحد".
حاولت هذه المريضة مكافحة وساوسها بنفسها فسقطت في فخ التحاشي؛ بداية من إغماض العينين أثناء الصلاة لتتحاشى رؤية الموجودين، ووصولاً إلى تحاشي الصلاة في وجود آخرين، وجاء في ردنا عليها:
"ما تفعلينه من "سلوكيات تأمين" Safety Behaviors أو "احتياطات أمان" يساعد في عدم إظهار السلوك القهري بعد الفكرة الوسواسية كما هو معتاد؛ فالامتناع الاحترازي عن الصلاة في وجود آخرين يساهم في التقليل من - أو حتى النجاح في التحاشي الكامل - لفكرة أنك تصلين لغير الله، أو لفكرة أنك ترائين؛ أي تصلين لكي يقول الناس: "مريم" تصلي، بالتالي كأنك تفعلين الفعل القهري قبل ورود الفكرة فلا تأتي!".
وأما "طلب الطمأنة" كأحد "سلوكيات التأمين" فيحدث - على سبيل المثال - إذا اضطر هذا المريض لدخول المسجد في صحبة واحد من أقربائه أو أصدقائه يعرف المشكلة، فإنه سيظل يسأله ربما عشرات المرات: هل يمكن أن أصيح بسبِّ الدين وأنا في المسجد؟ هل أنت متأكد من أنني لن أرفع صوتي بالسباب داخل المسجد؟ هل ستسارع بوضع يدك على وجهي لإغلاق فمي إذا حدث ذلك؟ وهذا الشكل من أشكال طلب الطمأنة يحدث قبل التعرُّض للمثير؛ أي قبل دخول المسجد؛ ولذلك يعدُّ واحدًا من "سلوكيات التأمين" أو "احتياطات الأمان"، وهو مختلف عن طلب الطمأنة الذي يلي التعرُّض؛ أي بعد دخول المسجد، والذي يعدُّ فعلاً قهريًّا.
ولنستكمل المثال السابق نفسه.. فإن هذا المريض سيلجأ للسؤال عن الصياح بالمسجد بوضوح إذا كان المسؤول عارفًا بمشكلته؛ فيكون الفعل القهري هنا هو السؤال؛ هل حدث أنني رفعت صوتي بالسباب ونحن في المسجد؟ ثم: هل أنت متأكد من أنني لم أرفع صوتي بالسباب ونحن في المسجد؟ وأما إذا كان المسؤول لا يعرف حقيقة المشكلة؛ فإن المريض سيسأله أسئلة من نوع: يا تُرى صدر مني أي شيء غريب ونحن في المسجد؟ فهو هنا يحاول أن يطمئن نفسه دون أن يُفصح عن حقيقة المشكلة؛ أي أنه يطلب الطمأنة مع الحفاظ على سرية المشكلة.
وباستثناء محاولات القمع أو إيقاف الأفكار فإن "سلوكيات التأمين" الأخرى تنجح في تقليل القلق والضيق على المدى القصير، مثلها مثل الأفعال القهرية، وهناك ما يؤكِّد ذلك؛ سواء من الخبرة الإكلينيكية أو الدراسات التجريبية (Rachman et al., 1996)؛ حيث يلاحَظ انخفاض معنوي في قلق الموسوس بعد اللجوء لتلك السلوكيات؛ خصوصًا الأفعال المحيِّدة، ولهذا السبب تعزِّز عملية التحييد نفسها فيكررها المريض كل مرَّة، فمثلاً يتخيَّل الموسوس صورة عقلية لستار أسود يُسدل بعد كل فكرة وسواسية، فيشعر بشيء من الراحة وانخفاضٍ في الضيق المصاحب لها، إلا أن أثر الأفعال المحيِّدة وغيرها من "سلوكيات التأمين" على المدى البعيد هو تعزيز الفكرة أو الأفكار الوسواسية؛ من خلال تأكيد مفاهيم خاطئة لدى الموسوس؛ مثل: أن أداء السلوك التأميني يمنع حدوث العواقب المخشية لورود الفكرة الوسواسية، وأن الضيق المصاحب لورود الفكرة الوسواسية لن يزول إذا لم يقم المريض بالفعل المحيِّد أو الإجراء الاستباقي.
كذلك يحمي الفعل الاستباقي أو الفعل المحيد الفكرة الوسواسية من التعرُّض للأدلة النافية لصحتها؛ فمثلاً: إذا كانت الفكرة الوسواسية "اندفاعةٌ لركل أحد المصلين في الصفِّ الذي أمام المريض في صلاة الجماعة" تقتحم وعيه وتُلِح عليه أثناء الصلاة؛ فإن فكرةً وسواسيةً كهذه - ما لم يتحاشَ المريض صلاة الجماعة - لن تعيش طويلاً؛ بسبب تكرار الصلاة جماعةً دون حدوث ذلك، بينما يختلف المآل تمامًا إذا كان المريض يلجأ لفعل استباقي؛ كأن يصرَّ على الصلاة في الصفِّ الأول بعيدًا عن الإمام، وبالتالي لن تقتحم الفكرة وعيه، ولن يشعر بالقلق أو يلجأ لفعل محيِّد كلما اقتحمت الفكرة وعيه، ومثال الفعل المحيِّد هنا: هو ضغطه لأسفل للتأكُّد من ثبات أصابع قدمه الأيمن على الأرض، ويتبع ذلك شعور بالاطمئنان وانخفاض للخوف والتوجُّس، لكنه أيضًا يمنعه من اكتشاف أنه لن يركل المصلي الذي أمامه! أي أنه سيبقى خائفًا من أنه سيركل أحد المصلين أمامه، ويمكننا اختصار ما يحدث بالصورة التالية:
الوسواس ===< خوف/ قلق شديد ===< فعل استباقي/ فعل معادل ===< انخفاض القلق ===< تأكيد الاعتقاد بمنطقية الخوف ===< الوسواس.
ويُعتقد أن هذه الدائرة تصبح أقوى بالتكرار، كما أنها يمكن أن تُقطع بتكرار الامتناع عن اللجوء للفعل الاستباقي أو المحيِّد؛ حيث يتعلَّم الموسوس أولاً أن ما يخشاه لن يحدث حتى لو لم يسبقه بالفعل الاستباقي ولم يُتبعه بالفعل المحيِّد، وثانيًا يتعلم أن الضيق المصاحب للحدث الوسواسي سينقص بالتدريج حتى يتلاشى دون اللجوء للفعل المحيِّد.
ورغم أنه من السهل التفريق بين الفعل الاستباقي أو الاحترازي والفعل القهري استنادًا إلى توقيت الحدوث؛ فبينما يحدث الفعل الاستباقي قبل الحدث الوسواسي بغرض منعه؛ فإن الفعل القهري لا يحدث بالضرورة إلا بعد الحدث الوسواسي بغرض تخفيف أو إنهاء القلق أو الانزعاج الناتج عنه.. إلا أن الأمر ليس بالسهولة نفسها عند محاولة التفريق بين الفعل المحيِّد والفعل القهري؛ وذلك لوجود عديد من نقاط التشابه بينهما، وإن لم يكونا متطابقين، ومن هذه النقاط:
- يحدث كلاهما بعد الحدث التسلطي.
- ينتج عن كليهما خفضٌ للقلق والخوف المصاحب للحدث الوسواسي.
- يؤدي خفض القلق والخوف الناتج عنهما إلى تعزيز كليهما كاستجابة مباشرة للحدث الوسواسي!
البند | الفعل المحيد | الفعل القهري |
توقيت الحدوث | بعد الحدث الوسواسي | بعد الحدث الوسواسي |
تأثير الفعل | خفض القلق والخوف من الحدث الوسواسي | خفض القلق والخوف من الحدث الوسواسي |
التعزيز الذاتي | يعزز نفسه كاستجابة للحدث الوسواسي | يعزز نفسه كاستجابة للحدث الوسواسي |
الجبرية والتكرارية | لا يُشترطان فيه | صفتان أصيلتان فيه |
ورغم نقاط التشابه هذه إلا أن الفعل المحيِّد يختلف عن الفعل القهري في أن الجبرية والتكرارية لا يُشترطان فيه، وليسا من صفاته في كثير من الحالات، بل إننا كثيرًا ما نجد الموسوس يستخدم فعلاً معادلاً معينًا استجابة لحدث وسواسي معين دون غيره، وربما يستخدم فعلاً معادلاً آخر للحدث الوسواسي الآخر، حتى لتبدو الأفعال المحيِّدة في حالات كثيرة وكأنها تدابير أو تكتيكات يلجأ إليها الموسوس لتقلِّل من قلقه، لكن النتيجة النهائية لاستخدامها هي تعقيد أكثر لمشكلة الوسواس.
ويبقى لنا "الهرب" كأحد "سلوكيات التأمين" التي قد يلجأ لها المريض عندما يفشل في "التحاشي"، أو يضطر لسبب أو لآخر للتعرُّض لما يثير وسواسه (دخول المسجد في هذه الحالة) فلا يفيده "قمع الفكرة" ولا "الفعل المحيِّد"، ثم هو تغلبه مخاوفه فيضطر إلى الهرب، وحين يعجز مريض الوسواس القهري عن "التحاشي" أو "الهرب" ويضطر للمواجهة؛ فإنه كثيرًا ما يلجأ إلى "الهرب المعرفي" أو "صرف الانتباه" Distraction عن مصدر التهديد أو الخطر؛ مثل الموسوسة التي تُلهي نفسها بتكرار كلام المعالج بينما هي تمشي، أو لتستطيع أن تمشي في الشارع وتركب المواصلات العامة دون تدقيق في نظافة الناس والشارع؛ أي دون ممارسة أفعالها الاحترازية.
ونختتم هذا المقال بأمثلة على سلوكيات التأمين الشئعة في مرضى الوسواس القهري كما لاحظناها أثناء ممارسة العلاج المعرفي السلوكي:
سلوكيات أو احتياطات التأمين الشائعة في مرضى الوسواس القهري | |
1 | وضع الحفاضات أثناء الصلاة أو باستمرار. |
2 | ارتداء القفازين |
3 | حَمْل المناديل المطهرة (Antiseptic Wipes) دائمًا في الجيب أو الحقيبة. |
4 | حمل قطعة احتياطية أو أكثر من الملابس الداخلية في الحقيبة. |
5 | تحاشي الأكل و/ أو الشرب إلاَّ بعد صلاة العشاء. |
6 | تحاشي الخروج من البيت إلاَّ بعد صلاة العشاء. |
7 | تحاشي لمس العورة أثناء الغسل أو باستمرار. |
8 | تحاشي لمس الجسد أثناء الغسل. |
9 | تحاشي النظر أو ارتداء النظارات السوداء. |
10 | تحاشي ركوب مواصلات عامة. |
11 | عدم استخدام المراحيض العامة. |
12 | عدم استخدام الحمام التركي. |
13 | عدم استخدام الحمام الإفرنجي أو تغطية سطح الماء بطبقات مناديل ورقية، أو بالعكس الجلوس عليه بنفس طريقة الجلوس على الحمام التركي |
14 | تحاشي رؤية المرضى النفسيين. |
15 | تحاشي كلمة معينة أو حرف معين. |
16 | تحاشي السعال أو النحنحة بعد الوضوء. |
17 | تخصيص ثوب معين للصلاة أو ثياب معينة للمطبخ أو للحمام... إلخ. |
18 | تخصيص قطعة صابون أو إسفنج اغتسال للنصف العلوي من الجسد وأخرى للنصف السفلي. |
19 | تصوير الباب (القفل- محبس الغاز لوحة الكهرباء) مغلقًا بالمحمول بتاريخ حديث للتأكد بعد مغادرة المنزل. |
20 | تصوير المفتاح خارج المنزل مع إثبات التاريخ والتوقيت لإثبات أنه لم ينسه في الباب. |
21 | تصوير شخص بعد المرور عليه (سيارة تسير وسائقها سليم بعد النزول) لتأكيد عدم حدوث العدوان المتخيَّل |
المراجع:
1. Rachman S., Shafran, R., Mitchel, D., Trant, J., & Teatchman., B (1996) : How to remain neutral : An experimental analysis of neutralization. Behaviour Research and Therapy, 34, 889-898.
ويتبع............. احتياطات الأمان، سلوكيات التأمين والعلاج بالتعرُّض
واقرأ أيضا:
في العتمة .. ضي مدخل مكمل .. عن الألم / تقنية تدريب الانتباه Attention Training Technique / اليقظة الراضية أو الوعي الآني Mindfulness