السؤال الحائر: الحب وأشياء أخرى م. مستشار
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد فإن من الواجب علي ابتداءً أن أعبر لكم عن خالص شكري وامتناني لما قدمتموه لي من نصح سديد وإرشاد نافع عندما أرسلت إليكم مشكلتي فعنونتموها باسم: "السؤال الحائر ..الحب وأشياء أخرى" فقد أنرتم لي الطريق؛ وعرفت وجه الصواب في توجهي نحو مسألة الزواج، فألف شكر للأخ الدكتور أحمد عبد الله بشكل خاص على إرشاده ولطفه، ولفريق استشارات مجانين بشكل عام … ولكنني أجد في نفسي رغبة ملحة لأستشيركم في مسألة خاصة/ عامة في الوقت نفسه
وهي الخِطبة لفترة طويلة كسنتين مثلًا، وذلك في حالة الرغبة في الزواج مع الحاجة لهذه الفترة الزمنية لإتمام مستلزمات الزواج المادية، وأهدف من الخطبة تحقيق السكن النفسي والعاطفي، وإيجاد شريك مستقبلي تتبادل معه الأحاسيس والعواطف، فهل هذا أمر حسناته أكبر من سيئاته؟ أم العكس هو الصحيح؟! خصوصًا أن أحد الأفاضل خوفني من تشتيت الخطبة الطويلة لتركيز الخاطبين في العمل والدراسة؛ واستثارتها لمكنون النفس العاطفي بدلا من تهدئته، فلا أدري إن كان كلامه صحيحًا أم لا؟ وأضيف في هذا المقام أنني لا أقصد فتاة بعينها، أخاف أن أُسبق لها فأريد خطبتها لأكون السابق، بل أقصد مبدأ خطبة أي فتاة، مع ملاحظة أنني لا أقصد بالخطبة مجرد الوعد بالزواج، فالسائد عندنا أن الشباب الملتزم – جعلني الله منهم – إذا استقر اختياره على فتاة فخطبها وتم الأمر فعليه أن يتعجل إجراء عقد الزواج فوراً حتى قبل أن يلبس عروسته شبكة الخطبة، وذلك للخروج من أي محظور شرعي قد ينشأ عن علاقة الخطيبين، هذا ما أقصده فما رأيكم دام فضلكم؟
بيد أنني أعرض عليكم مشكلة متفرعة عن قضية الخطبة لها جوانب شرعية واجتماعية وملخصها أن الشاب الخاطب وقد تم عقد قرانه على خطيبته يشعر بأنها زوجته فعلًا وإن لم يدخل بها بعد، فربما قصد أن يستمتع بها بعض الشيء، دون الجماع بالطبع … ظاناً أن هذا من حقه شرعاً ولا غبار عليه، بيد أن علماء الشريعة – وهذا اختصاصي – مختلفون حول ذلك، بعض معلمينا الأفاضل الذين استشرتهم قالوا: إنها زوجته شرعًا وعرفًا ولا مجال للومه على ذلك، بيد أن آخرين يرون غير ذلك حتى عدم جواز الخلوة بين الخاطبين وإن عقد قرانهما وذلك من باب سد الذرائع، وملحظهم في ذلك ما قد يترتب على تلك الخلوة من آثار خطيرة على الفتاة بوجه خاص؛ فيجب درء تلك الأخطار، ويستشهدون بحادثة مشهورة وقعت في الأردن حيث كان أحد الشباب خاطبًا لفتاة وعقد قرانه عليها، وأصبحا يخرجان سوياً ويختليان، ثم إن ذلك الشاب توفاه الله في حادث قبل أن يدخل بزوجته، فما مرت بضعة أسابيع حتى ظهرت علامات الحمل على تلك الفتاة، وقالت: هو من زوجي المتوفى، فما كان من أهل ذلك الشاب إلا أن أنكروا ذلك الحمل، ورموا الفتاة المسكينة بالزنا! فكيف لها إذن أن تثبت دعواها، وهي غير مدخول به؟! فيقول هذا الفريق من علماء الشريعة: فدرء هذا الاحتمال واجب، ويكون بمنع الخلوة بين الخاطبين وإن عقد قرانهما!! فما ترون في ذلك؟ مذكراً أنه يوجد فرق كبير بين الفتاة المدخول بها وغير المدخول بها من حيث وجوب نصف المهر للمطلقة غير المدخول بها، والمهر كاملاً للمطلقة المدخول بها، وغير ذلك من الفروق
وبإجمال لما سلف ذكره:
1 ـ ما هي إيجابيات وسلبيات الخطبة طويلة الأمد مع عقد القران؟
2ـ ما هي حدود العلاقة المسموح بها لمن عقد قرانه على زوجته ولم يدخل بها بعد؟
أنتظر ردكم بفارغ الصبر
وشكراً من القلب
19/11/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، رغم أننا نحب التركيز في حل المشكلات المحددة المتعلقة بحالات محددة دون كثير اهتمام بالظواهر الاجتماعية، والأسئلة العامة، إلا بما يخدم التفاعل مع الحالة التي أمامنا، رغم هذا فسأجيب عن تساؤلاتك؛ لأنها ربما تجيب عن حيرة آخرين.
بالنسبة للخطبة طويلة الأمد فلا يمكن التعميم على كل الحالات والمجتمعات، والموضوع كما تكرمت شارحاً يبدو مركبًا لا يصلح معه وضع قاعدة عامة، ولكن ننظر في ظروف الطرفين من حيث السن والطباع واستعدادات الأهل نفسيًّا وماديًّا واجتماعيًّا، هذا هام وأرى أن الحد المعقول من التعارف بين الزوجين قبل الدخول من شأنه أن يجنبهما العديد من العثرات بعده، وهذا التعارف لا يتحقق – في بعض المجتمعات – إلا بالخطبة والارتباط؛ لأن المجال العام في هذه المجتمعات يغلب عليه الانفصال بين حركة الجنسين بحيث يكون أي احتكاك أو تفاعل مباشر بينهما مستنكراً ومتعسّفا – بفتح السين وتشديدها – فتكون الخطبة عند ذلك هي السبيل للتعارف والتواصل الذي إن أنتج نفوراً متبادلاً – في أسوأ الأحوال – يبقي أمر العلاقة قبل الدخول أقل ضرراً، وفي خطبة كهذه فإن الاحتياط واجب، والسلامة لا يعدلها شيء كما يقول الإمام النووي رحمه الله، وسواء انعقد القران أو لم ينعقد فإنه ينبغي الاحتراز من الوقوع في تجاوز مستوى ما تتيحه صيغة الارتباط.
فإذا كانت الصيغة مجرد الوعد بالزواج بقراءة الفاتحة، أو لبس الشبكة فقط فإن المتاح يكون هو اللقاء في وجود محرم، أو الخروج في وجود الأسرتين أو أفراد من هنا أو هناك "أقصد من أسرة الفتاة"، وإذا انعقد القران نظرنا هل نحن بصدد طرفين تلعب بقلبيهما عاطفة جامحة يُخشى معها استباق الأحداث، وتطورها الطبيعي في مجتمع لا يعترف بالزواج إلا بعد الدخول أم نحن في ظروف أخرى بالنسبة للطرفين والبيئة المحيطة، والأمور تختلف من مكان لآخر.
لذلك أكرر وأؤكد أن القواعد العامة لا تصلح هنا، ومراعاة العرف السائد من توجيهات شرعنا الحنيف الذي من فلسفته أن يعترف بالتعدد والتنوع في التصورات والممارسات طالما كانت في إطار المباح، لا أن يتصادم - دون ضرورة - مع مألوف حياة الناس وتنظيمهم لشئون عيشهم، ويبقى الإنسان أمير نفسه يستفتي قلبه- في إطار المباح- ويختار ما يجعل حياته خالية مما يشوبها أو يُعكِّر طهرها برعونة أو خفة عقل أو قلة نضج، مما قد يجلب سعادة لحظة، أو لذة ساعة ثم يعقبها ندم يدوم أو ألم يؤذي نفسه أو من يحب. وأهلاً بك.