الخوف الدائم
بالتعبير الدارج أنا "من يوم يومي" أي منذ وعيت على الدنيا وأنا أنتظر حدوث مصيبة لي!! لست أدري ما الذي يجعلني في حالة الخوف الدائمة هذه وأنا أعلم أنه لا يجوز التفكير في الله سبحانه وتعالى بهذه الطريقة فهو يحبنا ولا يبتلينا إلا لخير، لكني دائما أنتظر الابتلاء الذي لا أعرف إن كنت سأصمد معه أم لا!!
ربما عرفت منذ زمن أن الابتلاء سنة الحياة وأنه لا بد لكل إنسان أن يبتلى ليستحق درجته في الجنة، ولذلك أنا دائما أعيش حياتي في خوف وأتخيل ماذا سيحدث عندما يبتليني الله بمصيبة مزلزلة وكيف ستكون حالتي؟ ولذلك أحاول أن أسابق الزمن حتى عندما تأتيني المصيبة فإنها تكون أخف ما يكون.
دعوني أعطي لكم بعض الأمثلة..
منذ صغري وأنا أشهق رعبا كلما تنهدت والدتي وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله.. لأنني سمعت أكثر من مرة أن أشخاصا قالوها وتوفاهم الله بعدها مباشرة!! ثم كبرت وأصبحت فتاة في السادسة والعشرين من عمري الآن، ووالدتي حتى الآن حية والحمد لله، أطال الله في عمرها بالصالحات وكذلك أبي، طبعا لم تخل حياتنا من الصعاب والشدائد التي كادت أن تزهق روحي وقتها لشدة الحزن لكن لسبب ما كنت أعتبر نفسي أني لم أمر بعد بالمصيبة الكبرى التي تنتظرني في حياتي والتي لابد هي واقعة لكل إنسان مؤمن!.. مثل أن رزقنا بطفلة رضيعة أختا لي عاشت خمسة أشهر ثم ماتت، وكان لهذا أثر كبير في دعم نظريتي بأنني لابد يوما سأبتلى بمصيبة عظيمة.
كنت أظن أني لن أتزوج مطلقا، ولو تزوجت فلن أنجب، ولو أنجبت فسوف أنجب مشوهين! ولله الحمد والمنة لم يعاقبني الله على هذا التفكير السوداوي الذي لا أستطيع منه فكاكا، بل تزوجت بإنسان كريم أحبه للغاية ورزقني بصبي وفتاة رائعين أذكياء غاية في الجمال حتى أنني لا أمر بمكان دون أن يلفت أولادي الأنظار بجمالهم والحمد لله أكررها ولا أمل.
الآن أصبحت الفكرة الجديدة عندي أن زوجي سيموت قريبا ويترك لي أطفالا أيتاما لأربيهم! للأسف أتعامل مع هذه الفكرة على أنها مسلمة وأتخيل كيف سيأتيني خبره وكيف سيجن جنوني ثم بعد ذلك كيف سأعاني لأجلب لقمة العيش لأولادي دون أن أعتمد على أحد. وهكذا تجدونني في الحياة أصارع حتى أسابق الزمن وأؤمن لنفسي وظيفة محترمة أو يؤمن زوجي عملا خاصا له يدر دخلا محترما لأولاده حتى بعد أن يموت!!.
أعرف أن الرزق أولا وأخيرا بيد الله ودائما أدعوه ليفتح علينا أسباب رزقنا، ولكن لو حدثت مصيبة ثم صارت عشرا لأنه ليس بيدنا ما نكتفي به عن الناس، ألن يكون الحق علينا لأننا لم نسع بما يكفي؟ طبعا أنا أعرف أنه (البلاء موكل بالقول) لكن صدقوني أنا لا أستطيع أن أمحو هذه الفكرة من ذهني.. بحثت في الكتب عن قوانين الابتلاء وأسبابه لكني لم أجد ما يشفي غليلي.. هل من الممكن أن يعيش المرء حياته بطريقة عادية فيها صعود وهبوط لكن دون ابتلاء مزلزل؟
أم أنني أعاني من وسواس قهري أم من مرض نفسي أم ماذا؟ أتمنى حقا أن تشيروا علي بما يجب أن أفعله فأنا بالفعل أسيرة دوامة لا أستطيع الفكاك منها.. أصبح تفكيري ماديا بحتا وفقدت معظم روحانيتي بسبب طفلتي الرضيعة الآن وأنا لا أحب هذا ولكني لا أستطيع الخروج منه دون فكرة مقنعة.
لن أطيل عليكم أكثر من ذلك وأتمنى منكم ردا سريعا
جزاكم الله خيرا.
21/1/2022
رد المستشار
أحيانًا أسأل نفسي سؤالا: ما هو التحدي الأكبر الذي يعيشه الإنسان في حياته؟
فأجيب على نفسي: ذلك هو التحدي بين الإنسان وبين أفكاره السلبية، أو غير المنطقية!! والإنسان عندما ينتصر في هذا الصراع يكون قد حقق لنفسه خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة.
أنا أقول لك هذه الكلمات -في الحقيقة- لأدعوك لدخول هذه المعركة بروح التحدي، والإصرار على الفوز، وحتى لا تكوني مثل كثير من الناس الذين ينتظرون حتى تأتي الأيام بالتغيير ولا يعلمون أن التغيير في أسلوب التفكير لا يأتي إلا بالجهد الذاتي والتدريب.
هناك أفكار سلبية غير منطقية تكاد تسيطر عليك تمامًا وتكدر عليك صفو حياتك، وهذا ليس مرضًا نفسيا، ولا وسواسا قهريا، وإنما هو ما يسمى "فكرة سلبية غير منطقية تابع فيها"، وأنا قد أجبت على رسائل كثيرة سابقة تحمل نفس المشكلة. وكنت أشير دائمًا إلى أن الحل في هذه الأحوال هو التدريب على مهارتين:
1- مهارة "مناقشة" الفكرة من خلال الحوار الذاتي الإيجابي.
2- مهارة "طرد" الفكرة إذا أطلت برأسها في وقت غير مناسب أو بشكل مبالغ فيه.
الفكرة التي تسيطر عليك هي أنك -كما نقول في المثل المصري- "تقدرين البلاء قبل وقوعه" أي تتوقعين الشر بشكل مبالغ فيه ودون مبرر منطقي. لذلك فأنت تحتاجين وقتا طويلا من التدريب على "مناقشة" فكرتك في هدوء وعقل، فتقولين لنفسك مثلا: "الخوف من الألم" هو الذي يجعلني أفكر بهذه الطريقة!!
هل الخوف من الألم يمنع حدوث الألم؟
هل الخوف من الألم يخفف من الألم إذا حدث؟
هل الخوف من الألم له أي فائدة من أي نوع؟
الخوف من الألم لن يمنع حدوثه، ولن يخفف منه إذا حدث وليس له أي فائدة!! أشعر "بالألم" دون حدوث مكروه، ودون حدوث ما يؤلم!!
أنا أخاف من الألم؛ لأنني أتصور أنه سيحطمني وأنني أضعف من أن أتحمله!! والحقيقة ليست كذلك فإن الألم -رغم قسوته- إلا أن له الفضل في أن يجعل الإنسان أقوى وأكثر خبرة.
ومن ناحية أخرى: لماذا أنا "غبية"، و"مغرورة"؟ "غبية" لأنني أتصور أن الله تعالى الذي يقدر الابتلاءات لن يقف بجانبي وسيتركني وحيدة مع ألمي!!، "ومغرورة" لأني أتصور أني أحيط بحكمة كل شيء وأعرف ما هو النافع وما هو الضار، رغم أن الحقيقة هي أن "الله" وحده هو الذي يعلم ما ينفع وما يضر، وقد قال في كتابه الحكيم: "وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ"، هذا هو نموذج للحوار الذاتي الذي يمكن أن يدون بينك وبين نفسك، وهذه هي المهارة الأولى.
وحيث إنه لا يمكن أن تقضي حياتك منها في "جدال" و"مناقشة" لأفكارك السلبية، فأنت في حاجة لمهارة أخرى وهي: التدريب على "طرد" هذه الأفكار وأحيانًا، وعدم الاستغراق فيها، والانشغال عنها بأعمال أخرى أو أفكار أخرى إيجابية؛ حيث إن الذهن البشري لا يستطيع أن ينشغل بفكرتين في نفس الوقت، فإذا انشغل بفكرة إيجابية واستغرق بخياله وعقله ومشاعره فيها فورًا، فإن هذا يصرف عنه الفكرة السلبية مباشرة.
هذه هي المهارة الثانية... وهي أيضًا تحتاج للتدريب، وأختم حديثي معك بالتعليق على جملة ذكرتها في رسالتك عندما تحدثت عن الطفلة الصغيرة التي ماتت بعد 5 أشهر من ولادتها، قلت "كان لهذا أثر كبير في دعم نظريتي"، أي نظرية تقصدين؟! نظرية أن "حياتنا قد تحدث بها ابتلاءات؟" هذه معلومة بديهية؛ لأن الحياة ما هي إلا اختبار كبير، وإن كان يتخللها الكثير من السعادة، وطيب العيش، أم نظرية أن "كل بلاء متوقع سيحدث حتمًا" هذه فكرة خاطئة فليس كل بلاء متوقع سيحدث حتمًا، وكثير من الابتلاءات التي توقعتها أنت لم تحدث فعلا، بل هذا هو الغالب على حياتك، أن التوقعات السيئة لم تحدث!!
وهذا "يهدم" نظريتك في الحقيقة، أريد أن أختم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه" صدق صلى الله عليه وسلم، هذه هي الحقيقة في 99% من أحداث حياتنا، أما الـ 1% الذي يحدث فيه خروج عن القاعدة نفوض فيه الأمر لله، ولا ننتظره أو نتوقعه أو ننشغل به، بل يملؤنا اليقين أن الله سيقدر لنا الخير؛ حيث كان ثم يرضينا به، هو الحليم الكريم الرحيم.
ويضيف د. وائل أبو هندي الابنة الفاضلة "علا" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ليس لدي ما أضيف بعد ما تفضلت به مجيبتك د. فيروز عمر إلا أن أؤكد على أهمية اللجوء لمعالج نفساني إن لم تكفك توجيهات مجيبتك... لأن استمرار القلق المتعمم دون علاج قد يؤدي إلى تطور اكتئاب جسيم إضافة لتأثيره السيء على حياتك وحياة أسرتك،
اقرئي على مجانين:
القلق التوجسي : قلق متعمم
اضطراب القلق المتعمم
القلق المتعمم : أعراض الليل والنهار