بعض مفكرينا من أصحاب المشاريع النهضوية المنضّدة على رفوف التجاهل والنسيان، يرى العلة في أن الأمة مهتمة بالعلوم الدينية، ومتمترسة في ذاتها المنغلقة، وعندما تعرّضت لأنوار العلم منذ القرن التاسع عشر أصابتها الصدمة، ووجدت نفسها غير قادرة على المواكبة لعلم أوجده الغرب.
وهذا طرح لا يمتلك رصيدا واقعيا، ويكشف جهل أصحابه بتراث الأمة، ودورها في مسيرة الإنسانية الحضارية.
أمتنا منبع العلم ومنطلق أساسياته، التي أوصلت الدنيا إلى ما هي عليه اليوم، فما تمكن منه الغرب بدأ من الأرضية العلمية العربية، التي انطلقت منذ القرن الثامن الميلادي وتواصلت لقرون، حتى أخرجت الدنيا من عصورها المظلمة، فتمتعت بأنوار العقل وتفاعلت مع العلم، بعد أن أهملت ثقافات الطاغوت والاستعباد للبشر بإسم الدين الذي سفك دماء الملايين من أبنائها، قبل أن ترتشف النور العربي الساطع.
الأمة عالمة، والذي يهمل هذه الخاصية المتميزة يسعى لمعاداتها، وتستطيع أمتنا أن تنهض وتكون في بضعة عقود، عندما تتوفر لها قيادات ذكية، وتزدان كراسيها بالعارفين المتنورين، لا بالجاهلين المتوهمين بأنهم يعرفون، وهم في دياجير الأمية يعمهون، فيعادون أنوارها المعرفية، ويحاربون عقولها الحضارية الإبداعية، ويحشدون أبواقهم الصاخبة حول كراسي القهر والفساد والمتاجَرة بدين.
الأمة أقوى وأعرق من دعوات الغاطسين في أوحال الوهم، والتصورات المسوّقة لتدميرها ومنعها من التفاعل مع عصرها، وتدثيرها بما هو سلبي، وإقناعها بأنها عاجزة وعالة على غيرها من الأمم.
وستنتصر على الخائبين بأنواعهم، وستلد أرحامها رجالاتها المعبرين عن جوهرها، وطاقاتها الفوارة المترجمة لإرادتها الحرة الفائقة الإنجاز والتدبير.
إن تهافتهم على الطروحات السلبية، المستوردة من قاعات دروسهم في الجامعات الأجنبية، توهم الأجيال بأن الأمة كما يرونها ويريدون لها أن تكون، وهي التي تكون كما تريد أن تكون، وتفرضه طاقاتها الكامنة في ترابها وعقول أجيالها المتنورين.
فهل لبعض المفكرين أن يتكلموا بلسان عقل الأمة، لا بلسان الآخرين!!
أمة العلم وجهل القدوةِ
داؤها داءٌ وخيم السطوةِ
أنكروا ذاتا أنارت أرضنا
وسقتها من رحيق القوةِ
وعلت فوق ظلامٍ دامسٍ
وأبانت عن أصيل القدرةِ
واقرأ أيضا:
عاهة الكلام!! / التكنولوجيا أولا!!