وسواس قهري: ترك الصلاة عرض وتكاسل م1
ترك الصلاة عرض أم تكاسل... متابعة2
السلام عليكم ورحمة الله، د. رفيف، شكرا على ردك واهتمامك. وصلني ردك بعد العودة من العمرة وأتفق معك أن الفرص للإنابة لا تنتهي.
العمرة كانت ثقيلة على نفسي حتى إني رجعت وقد أسقطت عن نفسي ركن الحج لعلمي بعدم استطاعتي المرور بهذه التجربة مرة أخرى، لفراغه من المعنى بالإضافة للاستفزازات الخارجية (وكأن مش كفاية اللي جوايا) وَسْط همجية المعتمرين وقلة حيائهم الذي لم يخطر لي على بال والله. في بلادي يطلق من هم من طبقات المجتمع الدنيا لفظة "حرمة" على النساء، ونعدها نحن القاهريون سبة إلا أن وجودي في الحرم في معجنة بشرية جعلني أتمنى أن أكون نصف حرمة، اجعلوا مني أي شيء له حرمة ولا تنتهكوا أدميتني هكذا وليس هنا بالله عليكم علشان الواحد أصلا على حافَة الكفر وماشيين بالعلاج.
لم أفهم كيف لرجل محرم أن يندس وسط النساء بهذه الأريحية؟ كنت شفافة وغير مرئية ووجدتني من غلبي أضحك حين تذكرت لقطة من مسلسل مصري يهدد فيه بلطجي بلطجي ثاني قائلًا: "لو عتبتها تاني هنطلعك من هنا حبلى". تعلمت هناك ما كنت أعده قلة حياء، أصبحت أزاحم الرجال رغما عني ولأول مرة في حياتي. سألت نفسي بصوت عالي "هل دي عبادة ولا وزر؟" لكن قلت إن كان هو-الله- قرر أنها عبادة فهي عبادة، وربما لا يرى الله الأمر من منظوري، هو حرم الاختلاط السافر عموما لكن ربما ما لا أعلمه أنه استثنى هذا الموقف من هذا التحريم.. اعتمرت لنفسي بغير إحساس ثم اعتمرت أكثر من مرة لأمي وأبي وبعض من ذوي رحمي. السؤال هو ولماذا أثقلت على نفسي واعتمرت عن غيري وأنا لم أجد في الأمر متعة ولا معنى؟ وأجيب إني عندما كنت أعتمر عن أمي مثلا كنت أطمع أن يقبل الله جهدي كما لو كان منها وليس مني لأني استبعدت أن يقبل الله مني ذلك العمل أو ربما لأني حاولت أن أفصل نفسي ومعتقداتي -بفراغه من المعنى- عندما أهبه لأمي فلها أجر عملي ولا تحمل وزر أفكاري والله أعلم.
لم أشك في وجود النبي وصحابته إلا بعد دخولي أرض الأعراب، التزمت واحتقار المرأة وعدم النظام يصرخ في وجهي طوال الوقت. طلعت من السعُودية خلعت الحجاب واستبدلته بتربون لا يسمن ولايغني من جوع. هل يعلم المتزمتون وأصحاب الجاعورات من مختلسي الملايين من شيوخ الحرم أنهم سبب أساسي لفتنة من هم مثلي ممن يتعلقون ويتشبثون بذيل الدين لعلنا نلقى الله ونحن على دينه الذي ارتضى؟ الوضع داخل الروضة لم يكن مختلفًا، انتظرت ١١ يوم بدعوى التنظيم والدور وأبليكيشن وبتاع. وحين دخلت وجدت المنظمات يعملن على تكديس النساء حتى تطرد الواحدة منهن الأخرى وطبعا الغلبة للفتوات المتشبثات بالأرض في سوء أدب لا يليق في حضرة رسول الله وغياب الإيثار والرحمة. وضع مزري بائس. تناقض يشق على النفس أن تتقبله. عمومًا خرجت من تلك البلاد كمن خرج من قبر دفن فيه حيا وعدت إلى بلدي وفوجئت بأهلي يتهللون لرؤياي ويستبشرون بـ"الشيخة" العائدة من عند النبي الغالي. آه لو عرفوا ما ستره الله! ولا يعلمه إلا حفنة من الناس.
مر عام تقريبًا منذ تلك الرحلة التزمت في معظمه بتعاطي الدواء كما وصفه د.أبوهندي أنا أتعاطى الأدوية منذ ديسمبر ٢٠٢٠. ولكني قررت أن أتوقف عن تعاطيها نظرا لزيادة الوزن الكبيرة التي حدثت خلال تلك الفترة حتى أني صرت لا أفقد من وزني إلا لو امتنعت تماما عن الطعام إلا بضع لقيمات.
السبب الآخر لقراري هذا هو التغيرات السلوكية والمعرفية التي حدثت خلال العام والتي أعزوها للدواء، -"الفرامل نعمت" كما حذرني د. أبو هندي عندما كنت أطلب منه زيادة جرعة الدواء -وأحب أوضح أني لم أراجع دكتور أبو هندي منذ شهور وإن كنت قابلته لعله كان سيعدل جرعات الدواء كما تتطلب الحالة-. كنت ما بيني وبين نفسي أعرف أن أكثر سمات شخصيتي ثباتا هي العفة، أما الآن فأصبح عندي بلادة وعدم قدرة على تمييز الأمور. كنت في السابق أخاف النطق بالحرام خوفا أن تقع كلماتي أول ما تقع في سمع الله. الآن صار لساني فاحشًا، أسب بيني وبين نفسي وأمام المقربين مني وصرت لا أستحي من مناقشة أي أمور على الإطلاق مع من كان. بوصلتي معطلة، فقدت القدرة على تمييز المقبول والغير مقبول مجتمعيا (ملعون أبوه مجتمع بس معلش بنحاول مانكنش ممن يشيع الفاحشة)
التعبير الذي على وجهي الآن هو الاشمئزاز، ليس فقط من نفسي وإنما من العيشة واللي عايشنها واليوم الأسود اللي اتكتب علينا فيه نعيشها. الواحد لا لاقي راحة في الحلال ولا راحة في الحرام، لا راحة مع معاناة المرض ولا راحة مع تعاطي الأدوية. وقفت الدواء بغير تعمد مدّة فوجدت نفسي "أحس" آه والله بس كده، رجعت أحس -بالمناسبة رجعت لي الرغبة في الاعتمار لكني لا أعتقد أني سأطاوع نفسي-. وقتها أخدت قرار بالالتزام بصلاة الفجر مدّة شهر على أن تكون خطوة أولى في محاولة للالتزام بالصلاة.
طبعا لم أستمر ولا أعرف السبب، كل شيء في حياتي يبدأ ثم ينقطع دون أي وعي مني، كأن حياتي يعيشها شخص آخر وأنا كالمحلل الذي يأتي في مرحلة يحاول أن يستنبط دوافع ما حدث، كيف بدأ وكيف ولماذا انتهى. وفي العموم لا أجد إلا النسيان سببا أو التقلبات المزاجية التي تتبدل مثل تبدل الطقس، قسرا ودون توقع. قبل أن أترك هذة النقطة أحب أقول أن ما دفعني للصلاة هو ما قرأت لك ولدكتور وائل حول أحكام الموسوسين وأيضا الإحساسات الوسواسية التي يعاني منها البعض وأنا منهم ووجدت في كلامكم الحاسم بأن القلم يرفع عن الموسوس كُلِّيَّة في كل هذه الأمور راحة كبيرة وفعلا دخلت في الصلاة وتركت شياطين أفكاري ترقص حولي وأنا غير عابئة بها. أتمنى أن ينتشر علمكم هذا بين المسلمين. جزاكم الله خيرا. بعدها عدت للدواء مرة أخرى لأن رغبتي في الانتحار وصلت لمستوى أكبر من قدرتي على المقاومة.
الآن وقد بدأت فعليا في تقليل جرعة الدواء تدريجيا، أضحك سخرية، من إيماني المشروط بجرعة الدواء. مجرد تخفيف جرعة الدواء أدخلني في حالة من البارانويا تجعلني أستقبل كل ما يجري حولي على أنه جزء من خُطَّة الله المحكمة لتكديرنا وتحميلنا ما لا نطيق. وتبدأ الرحاية من جديد في سكة مختلفة تمامًا عن الأولى. لو أن عندي الجرأة اللازمة للانتحار لانتحرت، لكن ليست الجرأة فقط هي المشكلة، حيث أوقن أن الموت لن يجنبني شيء فما هي إلا عتبة أتخطاها لأدخل في س وج في عالم جديد، عالم ربما لن تكون فيه سعة للتكفير عما كان مني من أخطاء أختمها بقتل نفسي. لكن من ناحية أخرى وأنا مالي، مش ربنا اللي خلقني كده؟ الاختيار ما بين أن أعيش مجنونة أو أعيش نصف مجنونة وفاقدة لاحترامي لنفسي. هختار الجنان، ونرجع للأسئلة اللي ملهاش إجابات والكفر الذي تليه نوبات البكاء والرغبة في الانتحار. أنوي إن شاء الله أن التزم بمقابلة د أبو هندي، لعل الجلسات المنتظمة تقلل من حدة الأعراض على الرغْم من إيقاف الدواء. رغم أني أخشى لومه لي على الانقطاع وأخشى رده فعله على إيقاف الدواء أيضا.
أعتذر منك إن كانت لغتي أحيانا سوقية - طبعا غير خلط العربي بالمصري-، كنت أحاول أن أكون صادقة وألا أستخدم لغة مهذبة على غير حقيقتي. فأنا أحبك ولا أحب أن أخدعك. وربما أيضا الأفكار والفقرات غير مترابطة لأني كنت أكتب وأنا أعمل على مدار أيام تخللتها فترات انقطاع. وأعلم أنك كالعادة ستترفقين بي، لكن أرجو ألا تفعلي إن كان منبع هذا الترفق شفقة على اعتبار التشخيص السابق بالاكتئاب لأن هذا ما سأضطر للتعايش معه ما بقي من عمري.
شكرا جزيلًا لحضرتك
ولدكتور وائل على كل شيء
27/9/2023
رد المستشار
الابنة المتابعة الفاضلة "Shams Ali" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك ومتابعتك خدمة الاستشارات بالموقع.
نعتذر بداية عن التأخر الطويل في الرد على هذه الاستشارة، فقد كانت في عهدة مستشارتك الرقيقة د. رفيف الصباغ لكنها بعد تعاظم الحمل عليها تركت بعض الاستشارات لي فكانت فترة التأخير بسبب ذلك، وأراك لم تكتبيها إلا فضفضة ووصفا لخبرات أزعجتك.
تختلف بشكل كبير خبرات الناس عند زيارتهم للمشاعر المقدسة، ولا أستطيع إلا أن أدلي بشهادتي وقد زرت الكعبة والمسجد النبوي على فترات في حياتي بدأت بسنة 1977 وتكررت كل عدة سنوات، لكنني منذ حوالي سنة 2000 لم أعد أجد معاناة كالتي كانت بل جهود فاقت المتوقع في كثير من الأحيان لتيسير أداء المناسك، يعني ليس فقط في الطواف وإنما في كل المشاعر لا سيما رمي الجمرات... صحيح أن الازدحام كثيرا ما يفوق الاستعدادات وتحدث بعض الحوادث لكنها حقيقة لا تقارن بما كان يحدث قديما، ولا أحسب التدافع الذي قد يحدث أثناء الحج في الفترة الأخيرة يساوي 1% مما كان يحدث قديما، وأشهد كذلك أنني خلال السنوات العشر الأخيرة لم أذهب مرة إلا ووجدت تطويرا وتيسيرا أكبر من المرة السابقة.
هذا من ناحية المستضيفين لزوار المشاعر، وأما أخلاق الناس في الزحام فأمر لا يمكن التنبؤ به بما يجعل استبعاد حدوث ما يسيئ لأحدهم أمرا بعيد المنال، وبيني وبينك أنت متحاملة بشدة على كل شيء وكل مكان.
مشكلة افتقادك للمشاعر الإيمانية المتوقعة والمنتظرة ربما تأتي بسبب حكايتك مع الوسوسة، وكذلك الاكتئاب، ولما كنت أجيبك اليوم وقد مضت 7 شهور على إرسالك هذه الاستشارة فإني أعلم أن كثيرا مما كتبته هنا قد تغير، وأنت الآن في حالة طيبة وبلا علاج، وكفى الرد إلى هنا.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.