أحييكم وجميع العاملين على هذا الموقع، جزاكم الله خيرا، ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين. مشكلتي هي خلاف جرى بيني وبين خطيبتي حول النظر من الرجل للمرأة والنظر من المرأة للرجل، حيث إنها تغضب إذا رأتني أشاهد فيديو كليب أو فيلما رومانسيا أو غربيا وتذكرني بغض البصر.
وأنا أتفق معها في أن فيها الكثير من المشاهد التي لا ترضي الله، وأنا أسعى للتقليل منها حتى أمتنع عنها نهائيا، ولكنني فوجئت بأنها أيضا تشاهد الأغاني المصورة والأفلام في القنوات، حيث إنها تنهى عن شيء وتأتي مثله.
وعندما قلت لها ذلك أجابت بأن نظرة المرأة تختلف عن نظرة الرجل للمرأة، وعندما ذكرتها بقول الله في غض البصر بالنسبة للرجل والمرأة قالت إن هذه النظرة مصحوبة بشهوة، وهذه غالب نظرات الرجال، بينما نظرة المرأة قلما تكون، وهذا هو الرأي العلمي كذلك.
حقيقة أنا لم أفهم ذلك، وقلت لها لو كان كذلك ما نهى الله عنها، وأنا سأشاهد مثلك. المهم هي غضبت، فهل قولها من الناحية العلمية صحيح؟ وهل تختلف نظرة الرجل عن المرأة؟
وجزاكم الله خيرا.
26/11/2023
رد المستشار
أنت تتساءل يا أخي عن جزئية محددة جدًا، وهي:
مدى تأثير هذه المشاهد على "إثارة الشهوة" عند الرجل والمرأة من الناحية "العلمية".
وأقول لك يا أخي إن هذه المشاهد لا يقتصر تأثيرها السلبي فقط على ذلك الجانب الذي يشغلك -وهو إثارة الشهوة- بل هناك مخاطر أخرى ربما تكون أبعد أثرًا سأذكر لك بعضها، ولكن بعد أن أجيب أولا على سؤالك المحدد:
هناك بالفعل اختلاف بين الرجل والمرأة عند نظرة كل منهما للجنس الآخر، فبالرغم من أن الدراسات تؤكد أن "النظرة" تثير الشهوة بالنسبة للجنسين فإن تأثيرها في الرجل أشد، بينما تتأثر المرأة أكثر باللمس، هذا ما تؤكده الأبحاث.
لكني أعود وأكرر أن هناك مخاطر أخرى تؤثر على الجنسين على حد سواء من مشاهدة هذه التجاوزات، وسأعرض بعضها الآن ليس لأدعو القراء لهجر الأعمال الفنية أو الدرامية ولكن لأطرح سؤالا، وهو: هل توجد صيغة متوازنة للتعامل مع هذه المنتجات الفنية والدرامية التي فيها "إثم كبير ومنافع للناس"؟ وهل إثمها -كالخمر- أكبر من نفعها؟ وما هو الإثم؟ وما هو النفع؟
أبدأ بالنفع.. وأقول إن المواد الفنية والدرامية تقدم لنا ثلاثة منافع:
1- الترويح عن النفس؛ حيث إنه ليس منطقيا أن يختفي الترويح من حياتنا، وكما قيل: "روحوا عن القلوب ساعة.. فإنها إن كلت ملت"، ولا يوجد منتج على الساحة الفنية يقدم لنا ترويحًا نظيفا مائة بالمائة... وحتى تجربة الفن الإسلامي للأسف لم تقدم إلا منتجات تعبدية أو جهادية.. ولم تقدم ترويحا حقيقيًا.
2- الثقافة: فليست الكتب هي المصدر الوحيد للثقافة؛ فالأعمال الفنية والدرامية تعتبر بوابة ضخمة للتعرف على ثقافات الشعوب وصور الإبداع الفني.
3- عدم الانفصال عن المجتمع؛ فهذه الأعمال هي التي تغذي المجتمع فكريا، فيتأثر بها سلبا أو إيجابا، فإذا انعزلنا عن هذه المنتجات نكون قد انعزلنا عن المجتمع وأصبحنا كائنات غريبة عنه.
أما الإثم -أو السلبيات والمخاطر- فهي تتمثل في:
1- هذه الأعمال بها مشاهد يحرم النظر إليها، ليس فقط لأنها تثير الشهوة، ولكن لأن هناك أمورًا إنسانية الأصل فيها هي الستر والخصوصية؛ فالثقافة الإسلامية ضد "العري" لأنه يهتك هذا الستر.
حتى إن الله تعالى قد وضع حدودًا لعورة المرأة للمرأة نفسها وليس الرجل فقط، وحرم النظرة المتجاوزة لهذه الحدود.. وكما تعلم فإن المرأة قد تعرت في الأغاني على نحو لم يعد يستر حتى هذه العورة التي يحرم على "المرأة" نفسها النظر إليها!!
2- هذه الأعمال قد رسمت صورة مثالية للمرأة الجميلة والرجل الوسيم؛ ما وضع الجميع في حرج!! وأصبحت المقارنات ظالمة، وأصبح كل من لا تتوافر فيها أو فيه هذه المواصفات يعتبر معيبا؛ وهو ما أفسد حالة الرضا بين الزوجين بل وبين المرء ونفسه.
3- زيادة الشره الجنسي، خاصة لأن معظم الأغاني بالتحديد قد أصبحت مليئة بالإيحاءات الجنسية على نحو يجعل للجنس مساحة واسعة في العقل والنفس؛ وهو ما يؤدي إلى شره وإفراط في السلوك الجنسي.
4- موقفك كقدوة لأولادك.. فإذا نجحت زوجتك أن تقنعك بجواز رؤيتها لهذه المشاكل.. فهل ستستطيع إقناع أولادها؟ أم أنهم سيجلسون ويشاهدون معها؟ أم أنها ستحبسهم في حجراتهم؟ وإلى متى ستستطيع حبسهم؟ ألا تخاف أن تفقد مصداقيتها أمامهم؟
أقول: ليس مقبولا أن تشاهد -أنت أو زوجتك- إلا ما تسمح لأولادك بمشاهدته.
والآن يأتي السؤال:
كيف يمكن مشاهدة الأعمال الفنية أو الدرامية التي تعتبر مصدرا للترويح والثقافة وعدم الانفصال عن المجتمع رغم كل ما قد تحويه من مشاهد يحرم النظر إليها؟!
لا يستطيع أحد أن يدعي أن لديه القول الفصل في الإجابة عن هذا التساؤل، وكل ما سأطرحه الآن هو اجتهاد شخصي لمحاولة وضع بعض الضوابط المعنية، وهي:
1- الانتقاء:
نشاهد ونسمع الأغنية أو الفيلم الذي يغلب على ظننا أنه نظيف ويحمل قيمة وهدفا.
2- عدم الإفراط:
فهذه الأمور -وحتى المباح منها- يجب أن يكون كالملح في الطعام بقدر معقول، وبدون إفراط.
3- الحسم والإمساك باللجام، سواء في الكم أو الكيف:
أقصد بالحسم في الكم أنك حددت لنفسك وقتا معينا من المشاهدة أسبوعيًا أو يوميًا، عليك أن تلتزم به.. وأقصد بالحسم في الكيف أنك وضعت ضوابط لما تشاهده؛ فاحرص على ألا تتدرج من الحلال إلى المكروه إلى الحرام متبعا خطوات الشيطان.
4- تقوى الله تعالى:
لا تطالع مشهدًا تستحيي أن يراك الله تعالى وأنت تشاهده.. ولا تتعد حدود الله، وتذكر أنه سبحانه ناظر إليك.. ولا تتردد في أن تغض نظرك فورًا عما حرم الله.
5- امتلاء العقل والقلب:
وهذه هي نقطة التوازن في الموضوع كله، فكلما كان عقلك ممتلئًا بالأهداف والأحلام، وممتلئًا بحسن الصلة بالله أخذت هذه الأمور مساحة محدودة في حياتك، أما إن كنت فارغ العقل والقلب فأنت فريسة سهلة للتجاوزات والإفراط والتأثر بالسلبيات.
وأذكرك في النهاية يا أخي بأن الأمر نسبي، وأن ما يناسب شخصًا قد لا يناسب الآخر.
ويظل السؤال مطروحًا:
هل أقاطع كل الإنتاج الفني والدرامي؟ أم أحاول أن أصل إلى صيغة متوازنة في العلاقة بهذا المنتج، تلك الصيغة التي تختلف من شخص لآخر؟!