الزواج للجميع .. انتفاضة اجتماعية : الجمهور مبدعًا
الإخوة والأخوات:
لفت انتباهي المشكلة الموجودة علي صفحتكم بعنوان: الجنس للبعض أم الزواج للجميع ؟.. خبرة ملتزم، وأنا أريد أن أتحدث عن خبرتي للجميع، وبخاصة للأخت التي تشعر بضغط الرغبة الذي لم تعد تتحمله، وعمرها لم يتعد بدايات العشرينيات!!
عندما كنت في مثل سنها لم تكن الأمور كذلك بالنسبة لي، ورغم أني خُطبت في الحادية والعشرين فإنني كنت منشغلة تماما في هذه المرحلة بالنشاط الإسلامي في الجامعة التي كنت أدرس بها في مصر، ولا أنكر أنني كنت أريد أن أتزوج، ولكنني أيضا كنت منشغلة جدا بأشياء أخرى مثل التحصيل الدراسي، والعمل الدعوي.
بالطبع الزواج هو سنة الحياة وطبيعتها، ولكن دعيني أسأل: أليس أهلنا في فلسطين هم شباب وفتيات مثلنا؟! فلماذا لديهم طريقة أخرى مختلفة تماما في النظر إلى هذه الأشياء؟! أنا لا أعني أننا يمكن أن نكون مثلهم لأن الظروف مختلفة، ولكن المشترك بيننا هو وحدة الرسالة التي ينبغي أن نعيشها، ونسعى لتحقيقها، فنحن جميعا نبتغي رضا الله والجنة.
لذلك ينبغي أن نسمو بآمالنا وأهدافنا وأفكارنا، ونعطي لكل شيء حجمه الأصلي. وأتساءل أيضا: هل الزواج خير محقق أو مطلق؟! والإجابة طبعًا: لا... كبيرة، لأن حياة الإنسان يمكن أن تصبح جحيمًا بفعل زواج غير موفق.
أنا واثقة أن معاناتك وصبرك سيكون مأجورا من الله سبحانه، والأجر يكون على قدر المشقة، وأدعوك أن تتذكري دائما أهدافك البعيدة، وتعملي لها، وتوقني أن كل شيء يجري بقدر الله وقدرته سبحانه وكل ما يعطيه لك هو بالتأكيد خير لك، وأعني أنك مثلا لم تجربي ما حدث معي عندما عانيت مع ولدي الذي أصابه مرض وألم، والحمد لله أن منّ عليه بالعافية الآن، ولكن الأمور لا تسير على ما يرام أحيانا فلا تكوني ضيقة الأفق، محدودة التفكير، ضعيفة الصبر في هذه الأمور المصيرية في حياة الإنسان من زواج وموت ومرض وغيرها، ولكن تذكري دائما أن الله يُدبِّر لك مستقبلا جيدًا تخرجين به من سجنك كما أُخرج يوسف -عليه السلام- من محبسه.
لا تحسبي هذه الكلمات كلامًا روحيًّا وعظيًّا غير قابل للتطبيق، فهو قد أفادني كثيرا عندما كنت في مثل عمرك، وأرجو أن تحاولي قبول حياتك كما هي، واليقين بأن الله يختار الخير لك، عساه سبحانه أن يرشدنا أجمعين، ويتقبل منا ومنكم.
11/1/2024
رد المستشار
أهلاً بك مجددًا... ونرجو أن يتسع وقتك مستقبلا لمزيد من المتابعة لصفحتنا والمشاركة فيها بمشيئة الله.
فما تطرحينه يكون مثيرا لنقاش مفيد، وهكذا نطمح دائمًا وندعو إلى زيادة حجم المشاركات بخاصة المستندة إلى الخبرات العملية.
ومشاركتك اليوم تبدو نموذجا لما نطمح إليه من ناحية، وما يستدعي بعض التنويه والتنبيه من ناحية أخرى.
أذكر في البداية معلومة أعتقد أنها هامة على بساطتها فيما يتعلق بالأخت التي تتحدثين عن مشاركتها.. هذه الأخت من الخليج، والفارق هنا يتجلى فيما يلي:
1- ما زالت بنات الخليج يعرفن الارتباط في سن مبكرة، وبالرغم من وجود نسبة معتبرة من المتأخرات في الزواج، لكن احتمالات الارتباط هناك ما زالت تبدأ مبكرة، ولذلك فإن ما يُعتبر في بلدك الأصلي خطبة مبكرة نسبيًّا "الحادية والعشرين" لا يعتبر هناك كذلك.
2- تتحدثين عن انشغالك في تلك السن بالنشاط الطلابي الإسلامي وسط زميلاتك بالجامعة، وربما خارجها، وأعلم أن هذه الفرصة ليست متاحة بنفس القدر، بل أحيانا تكون منعدمة بالنسبة للفتاة الخليجية، فالنشاط الطلابي داخل الجامعة، والنشاط الثقافي والاجتماعي خارجها يبدو معزولا عن حركة الناس، ومحدودا كما وكيفا، هذا إن وُجد.
3- نمط الحياة في الخليج يختلف تماما من حيث الأنشطة السياسية والاهتمامات، وحتى نوعية المشكلات اليومية، وبالتالي فإن "أحجام" الأشياء تبدو مختلفة، ولا يوجد شيء في الحياة اسمه الحجم "الأصلي" الموحد في كل البيئات والمجتمعات والأعمار، وبالتالي فإن أهمية الزواج بالنسبة لفتاة في مطلع العشرينيات في أسرة تزوج أفرادها جميعا، وتعيش في الخليج تختلف عن فتاة أخرى في نفس العمر تعيش وسط مجتمع متوسط سن الزواج فيه للفتاة يقترب من الثلاثين، وتعيش في مصر مثلا.
فما هو الحجم "الأصلي" الذي تريدين الأخت أن تضع رغبتها فيه؟!
ثم تنطلقين بعد ذلك إلى مناقشة فلسفية لها وجاهتها، ولكنها أيضا تستدعي ردودا فتقولين مثلا: إن محض الزواج ليس خيرا في ذاته بل قد يحمل من الألم والشقاء أكثر مما يحمل من السعادة والهناء.
وأنا أسألك هل يوجد شيء في الدنيا لا يتصف بهذا؟! إنه حتى الإيمان بالله، والطاعة له، والجهاد في سبيله، وهي ذروة أعمال الخير، يمكن أن تكون مدخلا واسعًا لجهنم إذا عدم صاحبها الإخلاص، أو المخالفة لحدود الله، وأوامره فيما يصح أو لا يصح في تلك الأبواب، وحتى العمل الإسلامي الطلابي الذي كان نعمة إيجابية في تصورك وحالتك هو عند أخريات نقمة وسلبية يتعالجن من آثارها!!
إذن لا يوجد شيء أو نشاط دنيوي فيه الخير المطلق، ولا يعني هذا أن يتوقف الإنسان عن الحركة أو محاولة البحث والتسديد، ومن ناحية أخرى الرضا بما يقع له خارجًا عن إرادته، أو بعد الإطار، إنما هي تقول: لماذا لا يكون من حق الفتاة أن تعبِّر عن رغبتها في الزواج؟! ولماذا يحتكر الرجال هذا الأمر رغم أن نهج سلفنا الصالح كان غير هذا؟!!
ولا لوم على أختنا تلك وهي ترى في الزواج جانبه الإيجابي، ولو رأت الجانب الآخر، وتوقعت الأسوأ لما تزوجت، ولثارت في نفسها هواجس من نوع آخر تمنع طموحها إلى الزواج مطلقًا!!
وبالجملة، فإن منهاجنا المستند إلى فهم سنن الحياة ومقاصد الشرع لا يدعو أبدا إلى التسليم البارد على غرار النموذج الصوفي السلبي، أو بعض الاتجاهات الغربية المعاصرة التي ترى السلام والسكينة في الرضا بالأمر الواقع مهما كان!!
منهاجنا يقوم على رصد سلبيات الواقع وفهمها وتحليلها، والعمل على تغييرها بكل الوسائل الممكنة، ولسنا نرى في ذلك معاندة للقدرة بل نحن نغالب القدر بالقدر، ونسعى لأننا مأمورون بذلك، وعلى الله النتائج.
وفقط بعد أن نستفرغ الوسع، ونعذر إلى الله، ولا يبقى في جعبة جهادنا سهم نطلقه على خطأ فردي أو اجتماعي عن هذه النقطة تحديدًا -وليس قبلها أو بدونها- ترتاح نفوسنا، وترضى بالنتيجة التي تحققت مهما كانت، ونرى أن فيها الخير؛ لأنها تدبير الله، وحصاد فعلنا، ونتيجة ضربنا في الأرض.
ونحن في شأن رغبة الإنسان الجنسية درجنا على احترامها، والدعوة إلى تقديرها وعدم تجاهلها، وبنفس الوقت وضعها في وسط بقية الرغبات الإنسانية المشروعة الأخرى مثل الرغبة في التفوق العلمي، والتميز الاجتماعي مثلا، وندعو إلى وضعها في حجمها بين اهتمامات عدة، وهذا الحجم متغير من سن إلى سن، ومن ظرف إلى ظرف، ومن حالة إلى أخرى.
وأرجو أن نلاحظ أن الأخت المشاركة تفتقد أكثر ... الجانب العاطفي والروحي، ومعاني الأنس بشريك تأوي إليه، وتفضي إلى ما يفضي إليه كل زوج وزوجة، ولا يقوم مقام هذه الرغبة المشروعة شيء، ولا يعدلها نشاط آخر، ولكن دعوتنا هي للتكامل بين المشاعر والمناشط والجوانب المتعددة في الإنسان دون أن يعني هذا مصادرة أو تأجيلا لشيء منها، ودعوتنا هي للحركة الواسعة في المجتمع سعيا للمشاركة في التغيير، وليس لمجرد البحث عن زوج مناسب.
ونحن مع أخواتنا في الخليج نبحث بدأب عن اهتمامات فكرية واجتماعية تتجاوز التسوق، والموضة، والخوض في سيرة الآخرين، وبقية العبوة "النسائية" الشائعة هناك، ونحسب أن جهدا ينبغي أن يبذل، وجهادا ينبغي أن يدور لتعديل أوضاع المرأة والمجتمع في الخليج وغيره؛ لتكون على مستوى القيم الإيمانية السامية التي يؤمن بها أغلب أهلنا هنا وهناك.
ونسعى في الخليج، ومع جميع الأهل في كل الأقطار والأقاليم الجغرافية، والقطاعات الثقافة الحضارية الفرعية داخل الجسد العربي والإسلامي الكبير، إلى بلورة نمط حياة يتمثل هذه القيم في كل نشاط حياتي إنساني واجتماعي يومي تعليما وتثقيفا وإعلاما ومعرفة وتجديدًا وترفيهًا.
ونحن حين نسعى مع أهلنا في الخليج وغيره إلى ذلك الهدف نقوم بهذا ليس لتخفيف حدة نداء الجسد الثائر واعتباراته، ولكن لأن الحياة السليمة هكذا ينبغي أن تكون شاملة ومتوازنة.
تبقى نقطة أخيرة تتعلق بأهلنا في فلسطين الذين تقولين أنت عنهم: إن لديهم طريقة أخرى تماما في النظر إلى "هذه الأشياء"، وبعد ذلك تتواضعين بأننا لن نكون مثلهم لأن الظروف مختلفة.
واسمحي لي أن أتبين وأستفهم عن هذه الطريقة المختلفة تمامًا!! واسمحي لي أيضا أن أقول لك يا سيدتي بأن هذه أسطورة وهمية تتخيل أهلنا هناك مخلوقات خرافية من نور: لا ترغب في النكاح، ولا تخاف القتل، ولا تحزن، ولا تتشاجر أحيانًا لأسباب تافهة.
وأنا أزعم أننا يمكن وينبغي أن نتعلم منهم ونكون مثلهم؛ لأن عظمة أخوتنا في فلسطين تكمن في إنسانيتهم المتكاملة فهم يحبون ويكرهون، يرغبون ويعفون، يحسنون ويخطئون، وتميزهم لا يكمن في أنهم توقفوا عن ناحية من نواحي الإنسانية الطبيعية الفطرية لصالح أن يُقال عنهم أنهم ملائكة تنتمي إلى عالم آخر.. تميزهم يكمن في أنهم بتكوينهم الفطري البشري المتكامل الذي يمارسونه يوميا يقفون في لحظة المواجهة بصدور عارية، وقبضة ليس فيها سوى حجر ليواجهوا من اتبعوا أهواءهم، وغرقوا في ماديتهم، ويحرصون على أي حياة كما يذكر القرآن.
ومن هذه المواجهة بين بشر يمارس إنسانيته المتكاملة المتوازنة، وآخر أخلد إلى الأرض والتصق بمادتها يحسبها نهاية المطاف، في هذه المواجهة، ولأنها كذلك، ينتصر أهلنا هناك لأنهم البشر السوي المنشود، وليس لأنهم ملائكة وهميون
تقبلي احترامنا، وسننتظر رسائلك.