ملاحظة: أرجو من قارئ رسالتي ومن يريد أن يساعدني في حل مشكلتي أن يتحملني في الإطالة، فلا مجال للاختصار، فهي مشكلة عمري الذي يضيع مني دون أن أدرك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أطهر إنسان، معلم البشرية، هادي الإنسانية إلى الدين الحق، وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأشكر القائمين على موقع مجانين على جهودهم المباركة في الارتقاء بمستوى المسلم أينما كان، وخاصة في زاوية استشارات مجانين، وذلك لما تقدمه من خبرات متراكمة تفيد القارئ بالكثير في شئون حياته كلها، فلكم مني أطيب التحيات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهأنذا وبعد تردد لعله طال سنوات وسنوات سللت قلمي وبدأت أكتب، لا لألهو وألعب، بل أكتب في محاولة للوصول إلى مشكلتي الحقيقية التي بكل صراحة لا أعرف ما هي إلى الآن مع أن عمري قد جاوز الثالثة والعشرين، (أعرف أني ما زلت في مقتبل عمري، لكني أحس بأن ما أنا فيه ستمضي السنون دون أن يتغير فيه أي شيء وهذا ما أخشاه).
أولا سأبدأ بتعريف نفسي، فأنا ولله الحمد والمنة من عائلة عرفت الله وربت أبناءها على الصلاة والقرآن وتقوى الله عز وجل. وأنا ولله الحمد تميزت في عائلتي بذكائي، حيث إني أفضل إخواني مستوى في الدراسة، فأنعم الله علي بأن درست في الثانوية العامة وحصلت على معدل والحمد لله استطعت أن أدخل به كلية الطب، وأنا الآن في سنة التخرج ولله الحمد... من صفاتي الشخصية أنني خجول جدا، وللأسف هذا الخجل يلازمني إلى الآن، فلا يكاد يكون لي أي مشاركة في أي مجلس أكون فيه ما لم أكن أكبر الموجودين فأضطر إلى التحدث رغما عني بما أني أنا الأكبر وعليّ أن أتحدث وأنصح وأوجه من هو أصغر مني. فتراني في جلسات الكبار وأصدقائي وزملائي واجما صامتا لا أتكلم إلا بتعليقات بسيطة جدا تخرجني عن صمتي قليلا. لكن وعبر سني حياتي وخاصة في المرحلة الجامعية، أشعر بأن خللا ما في شخصيتي يعيقني عن التقدم في حياتي، سواء في دراستي الجامعية (مع أن عندي القدرات اللازمة للدراسة لكنني لا أجد الهمة التي تعينني على دراستي، خصوصا الآن في الجامعة، فلا يحدث معي أي موقف من صديق أو من أي شخص إلا ويؤثر على حياتي، فتراني لا أدرس يوما كاملا لأن صديقا ما ضايقني بكلمة أو بتصرف أو ما شابه ذلك)، أو التقدم في تعاملي مع الناس عامة وعائلتي خاصة، فدائما ما تكون هذه العلاقة مضطربة.
وكل ذلك نابع من أن اسمي أصبح على كل لسان بعد أن أبدعت في الثانوية العامة بحصولي على معدل يحلم به كثير من الشباب، مع أني كنت قبل ذلك غير معروف في أوساط الناس من حولي، إلا أن هذه الحادثة وجهت الأنظار تجاهي، ومن هنا أظن أن المشكلة بدأت، فأصبح الناس من حولي وعائلتي بشكل خاص يتوقعون مني أن أكون متميزا في كل شيء وأقدم وأعطي دون أن أكل أو أمل أو أن أقول أعطوني أو ساعدوني، فليس عليّ أن أشكو أبدا.. ولكن قد يسأل السائل وكيف عرفت ذلك؟ فأقول له عرفته من خلال معاملتي للناس، فعلى مستوى المسجد أو الشباب الذين أعرفهم الكل يتوقع أن أساعدهم وأقدم لهم النصح وأن أكون رائدا في الأفكار وطرح الحلول للمشاكل، وعائلتي (والداي تحديدا) تعاملني على أني إنسان يجب أن تكون فيه صفات الجرأة ومخالطة الناس والقدرة على مساعدة إخواني وأخواتي في حل مشكلاتهم (بما أني أكبر إخوتي وسأكون طبيبا بعد أشهر طبعا كما يقول والداي).
وأظن وكردة فعل لما حصل وفي إطار خصائص شخصيتي (الخجل، الحساسية المفرطة من تصرفات الآخرين)، أصبحت أواجه الفشل تلو الفشل، فتفكيري مشتت بين نظرة الناس وعائلتي لي وما يقولونه عني من أني لا أستطيع مواجهة المشاكل وحلها، ومع أنني طبيب لكنني خجول ولا أحب مخالطة الناس، وبين التقدم في دراستي (قد يسأل السائل كيف تقول التقدم في الدراسة وأنت ولله الحمد في السنة السادسة، فكيف اجتزت هذه السنوات؟ فأقول له نعم من السهل أن تنجح فمعدلي في الجامعة خصوصا السنتين الأخيرتين لا يتجاوز مجرد النجاح (أكثر من 60 بقليل) فهذا بالنسبة لي قمة الفشل لأني لم أعتد ولم أطمح إلا أن أكون مبدعا متميزا، فكيف بي الآن أبحث عن النجاح فقط، ثم إن الحصول على الشهادة ليس هدفي، وإنما هدفي أن أصبح طبيبا مبدعا مشاركا في نهضة أمته في هذا المجال).. وفشلي في أن أصبح مبدعا في تخصص الطب الذي أدرس فيه، دفعني إلى اليأس فأصبحت أواجه الفشل بعد الفشل، فحياتي الاجتماعية تعتبر شبه مدمرة، فأنا بين نار فشلي في الدراسة ونار فشلي وعدم قدرتي على مخالطة أقراني والاحتكاك معهم لما أحس من داخلي بأني أقل منهم، فتراني أحدث نفسي عندما أكون مع أحدهم:
عليك أن تنجح في دراستك أولا ثم تحدث لهؤلاء الأصحاب، فكلهم ناجحون ويتقدمون في حياتهم بصورة جيدة أما أنت فواقف مكانك لا تتقدم سواء في دراستك أو في علاقاتك مع الناس وتعاملك معهم. وهأنذا قد دخلت في حلقة مفرغة، أصبحت أتجنب مقابلة أي من أصدقائي، وإذا قابلتهم فلساني ينعقد ولا أعرف كيف ولا ماذا أتحدث معهم وغالبا ما يشعرون هم بذلك. فأصبحت أشعر بأن نظراتهم لي قد تغيرت وأصبحت أحس أني سأواجه الانهيار التام في حياتي الاجتماعية وعلاقاتي مع الآخرين حتى مع عائلتي... أنا الآن على أعتاب التخرج لأصبح طبيبا!! ولا أظنني قادرا على أن أقوم بمهمتي كطبيب ناجح قادر على التعامل مع مرضاه بكل ثقة وأريحية، وعلي أن أكون بالمستوى الذي يجب أن يكون عليه الطبيب من مخالطة الناس والأصدقاء والحديث معهم. في النهاية أحب أن أقول ببضع كلمات ما أعتقد أنها مراحل المشكلة ومكوناتها:
• شخصيتي خجولة وحساسة جدا لتصرفات الآخرين.
• دخلت تخصص الطب، الذي يحتاج تماما لعكس الصفات التي عندي فأعقب ذلك تقصير في الدراسة طبعا.
• أزمة الثقة بنفسي بدأت: هل أن ناجح أم فاشل؟ هل أنا قادر على النجاح في حياتي أم لا؟
• بدأت بموازاة ذلك المشاكل في علاقاتي الاجتماعية لأنني أحس بأني أقل من الآخرين، وأنني فاشل في حياتي.
هذا ما كتبه قلمي وأفاض، حاولت فيه عرض ما أحسب أنها المشكلة، وأترك لمن يريد أن يساعدني في الحل أن يدلني هل أنا بالفعل مصيب فيما أقول أم أن هناك مشكلة أخرى لم أستطع فهمها وإدراكها؟ أنا جاد جدا في حل ما أنا فيه.. أريد الحل أينما كان، وسأبذل كل ما بوسعي وكل ما أملك في سبيل حل مشكلتي وفك القيود التي تعيقني.
دلوني بالله عليكم وأجيبوني الإجابة الشافية فأنا لم أعد أحتمل أكثر.
وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
13/3/2024
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أنا التي أشكرك على اهتمامك بتصفح موقعنا والاستفادة من استشارات مجانين، فهذه الخدمة هي للجميع لعلنا نقدم فيها ما ينفعنا ويأخذ بأيدي الشباب في أمتنا.
مشكلتك بدأت منذ الصغر، وسأبدأ بفترة الطفولة، فمشكلة الخجل والانطواء ترجع إلى التنشئة الأسرية، فنجد الأهل يدللون الطفل أو يحمونه باستمرار - حماية زائدة - فلا يجد نفسه مطلوبا منه أن ينمي مهاراته الاجتماعية، ولا يلحظ من يشجعه على الشراء أو الإجابة عن أسئلة المدرس بالفصل، أو نجد الأب والأم لا يعطون الطفل الفرصة كي يصبح ذاته، بل يضفون عليه دوما أدوارا يضطر الطفل أن يلعبها كدور الابن المؤدب أو الضحية أو السيئ وغيرها من الأدوار التي تملى عليه، فإن لم يقبل هذه الأدوار واجه النقد والتهديد بفقد الحب وغير ذلك!!
وكل هذا يعكس خللا في فهم كيفية التعامل مع الأبناء، وخللا في التوازن الأسري، وقد تكون التربية فيها نوع من القسوة التي تجعل الطفل يفقد ثقته بنفسه ويشعر أنه أقل من غيره، وقد بدأت رسالتي بهذا الموضوع لأنه هام جدا لكل الآباء والأمهات، وأيضا الشباب المقبل على الزواج وتكوين أسرة جديدة، فالناتج عن هذه الأنواع من التربية هو أن يكون الابن/الابنة من النوع الخجول مفرط الحساسية.
إذن كيف يمكن أن تحلها وتخرج من صمتك إذا انتقلنا إلى مشكلتك الحالية بغض النظر عن أسبابها الماضية.. حتى نجد لها الحل المناسب نحتاج إلى أن نشخص مشكلتك، والتي أرى أنها في نقص المهارات الاجتماعية اللازمة للتعامل مع الناس، والشكاوى الأخرى التي لديك هي أمر مترتب على هذه المشكلة، نعم.. إن مشكلتك لم تبدأ مع الثانوية العامة، بل بدأت قبل ذلك، فما حدث بعد نجاحك هو شيء جميل، فلدينا في مصر مثلا من يحصل على مجموع كبير وتصبح سيرته على كل لسان يكون سعيدا للغاية وربما ينتهز الفرصة في توطيد وتوسيع شبكة علاقاته مع الآخرين، فكون الناس قد عرفوك وسمعوا عنك فهذا شيء رائع ونعمة نحمد الله عليها.. أنا أدرك وأتفهم أن ما جعل الأمر صعبا هو بعض الضغوط الأسرية نتيجة هذا التفوق، ولكن من قال إنه ليس من حقك أن تطلب أو تسأل؟ لا أحد قال ذلك.. ولكن "نفسك" فقط بما لديها من مهارات تواصل محدودة هي من قالت إنه ليس من حقك، وما دام الأمر كذلك فالحل أيسر بإذن الله.
البداية تكون من داخلك، وقد بدأت بالفعل بعد أن قررت بعد تردد طال سنوات في أن تبحث عن حل وأن تكتب لنا، وهذه هي البداية، والبداية - كما يقولون نصف الطريق - أما النصف الآخر فتبدؤه من الآن ومن هذه اللحظة، فتتوكل على الله تعالى وتنوي التخلص من مشكلتك ثم تأخذ بالأسباب.. ابدأ في تطوير علاقاتك الاجتماعية، فتقرب ممن هو قريب منك، وأطل الحديث معه يوما بعض يوم.
تقول إنك تضطر في بعض الأحيان أن تتحدث حينما تكون أكبر الموجودين.. هذا جميل، فبمجرد أن تجد صديقك أو قريبك يتحدث في موضوع ما علق برأيك على هذا الموضوع أو على ما سمعته أو قرأته حول هذا الموضوع، علق حتى لو كان كلامك مكررا أو عاديا، فالفكرة هي أن تجرب وتتدرب دون أن تحكم على ما تقولونه، ثم تطور ما تقولونه في المرحلة القادمة، وفي نفس الوقت لاحظ من حولك فستجد شخصا أو أكثر بمثابة قدوة في الحديث.. تعلم منه متى يتكلم وماذا يقول، فهذا الشخص لم يولد بهذه القدرات، ولكنه اكتسبها على مر الزمن، وما دام الأمر مكتسبا فبإمكانك أن تكتسب هذه المهارات أيضا.
هناك جانب آخر من المهم أن تهتم به، وهو طريقة تفكيرك، فأفكارك عن الآخرين معظمها سلبية، فأنت تقول مثلا: إن الأهل علاقتي بهم مضطربة، والكل يتوقع مني طرح الحلول، ووالداي يطلبان أن أهتم بإخوتي فسأصبح طبيبا بعد شهور... إلى آخر هذه التعليقات.. وكل هذه التعليقات هي مفيدة وبناءة، انظر إليها من جانب آخر فستجد أن والديك يلحظان قلة حديثك فيحاولان تشجيعك على الكلام والاهتمام بالغير، فأنت بالفعل ستكون طبيبا بعد شهور بإذن الله، والطبيب عليه أن يتعامل مع زملائه ويهتم بمرضاه ويتحدث معهم، وبما أنك من النوع قليل الكلام فإن الناس يتصورون أن هذا الشخص "قليل الكلام" لديه نضج وقدرة على النصح، وهذا كلام صحيح.. أتعرف لماذا؟ لأن الشخص قليل الكلام يكون كثير الاستماع إلى الآخرين وكلما استمع الإنسان إلى غيره زادت معلوماته وتوسعت مداركه، ومن المتوقع أن تكون أنت كذلك.
تجاوز حدود نفسك وقلل من التركيز على ما تحتاجه أنت وفكر في الآخرين، فكر في العطاء حتى تحصل على مكافأة ترضيك، قد تكون مكافأة بكلمة شكرا أو بدعوة جزاك الله خيرا، وما إلى ذلك من كلمات تشجعنا على العطاء وتبعدنا عن التفكير المزعج داخل النفس، ومع الوقت ستزداد ثقتك بنفسك وسيكون تركيزك على أمور وأشخاص آخرين.
ما أقوله يحتاج إلى دافع حقيقي ورغبة في التغيير، ولكن ليست رغبة بالكلام فقط وإنما رغبة بالفعل والتحرك والتصرف.. إذا وجدت صعوبة كبيرة في تنفيذ ما أقوله فخذها مني نصيحة، إن العلاج النفسي الجماعي سيساعدك كثيرا، فهذا العلاج عبارة عن مجموعة من أصحاب المشكلات ومعهم قائد لجلسة العلاج ومساعد له، فتكون هذه المجموعة بمثابة مجتمع مصغر تتدرب فيه على فهم الآخرين وفهم ما يدور في عقولهم، وتجريب للتعارف على أشخاص جدد، وعلى أن تسمع منهم كيف يرونك وكيف يستقبلون صمتك.
واقرأ أيضًا:
طالب الطب ورحلة الأهوال!
طالب الطب متى يرضى عن نفسه؟
الطب يا طالب الطب
طالب الطب: الوحدة والشعور بالذنب!
النفس والطب!