بين القمقم والفوضى أوجاعنا المزمنة
بسم الله الرحمن الرحيم،
الإخوة الأفاضل في مركز الاستشارات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد بعثت لكم بمشكلتي سابقا وقد رد عليها مشكورا الدكتور أحمد عبد الله طالبا مني بعض الاستفسارات والتفاصيل، وهذه هي.. الاستشارة بعنوان أوجاعنا المزمنة بين القمقم والفوضى ضمن زواج الثقافات... وشكرا.
حضرة الدكتور أحمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا جزاكم الله خيرا على اهتمامكم بمشكلتي وردكم عليها، وأنا بناء على الرد أجد أن هناك تفاصيل كثيرة من الأفضل أن أوضحها لكم قبل أن أشرع في الإجابة على التساؤلات التي طلبت الإجابة عليها، قد أطيل عليكم فأرجو أن تتحملوني.
أولا بالنسبة لي فأنا صحيح عربية ولكن خلفيتي الثقافية مختلفة بعض الشيء؛ فوالدي كان يعمل في السلك الدبلوماسي وعليه فمولدي إلى 3 سنوات كان في دولة عربية أخرى وطفولتي في أوروبا (7سنوات-12 سنة)، ولا يخفى عليكم كوني عشت فيها فترة الطفولة مدى تعلقي بها وعندما عدت إلى بلدي كنت أجتهد في دراستي حتى أحصل على فرصة الدراسة في الخارج؛ فطبيعة الحياة هنا في بلدي لم تناسبني وبالفعل خرجت للدراسة الجامعية في الخارج حيث درست طب الأسنان.
وبالنسبة لتديني فكنت كما كانت أسرتي من العائلات التي بها الخير تؤدي الصلوات، ولكن ليس من همومها الدين، يعني من المصلين المقصرين العاملين للدنيا قبل الآخرة، وكان هذا حتى تقريبا السنة الأخيرة في دراستي الجامعية، حيث قتل خالي، وكان شخصا ملتزما فأثر موته علينا جميعا على مستوى عائلتي، وأصبحنا أسرة ملتزمة متدينة. وبعد أن أكملت دراستي عدت إلى بلدي واشتغلت معيدة في الجامعة، بعد عامين تقدم لي زوجي (الأوروبي) بواسطة شيخه، كنت مترددة في البداية كونه أوروبيًا، ولأنه كان شديد الانغلاق كل كلامه كان عن القرآن والسنة والفقه؛ فكنت أرى أنه ملتزم زيادة (حتى إنه كان يريدني أن أتوقف عن العمل)، ولكن أخي خرج معه عدة مرات وتعرف عليه أكثر فوجد أنه أيضا شخص مرح ليس بذاك الانغلاق الظاهر من كلامه وهيئته (فهو كان لبسه الثوب القصير والعمامة وله لحية طويلة).
أنا كنت دائما أردد أنني أود أن أتزوج من رجل أوروبي مسلم، وكنت أنفر من الذين يتقدمون لي من بلدي؛ لأنني أضيق ذرعا من العادات والتقاليد التي عندنا والتي ليست حتى من الدين، فلما تقدم لي زوجي كنت مهيأة نفسيا وكنت سعيدة أنه من طلاب العلم، وكنت أظن أن هذا يكفي أن تكون لنا حياة سعيدة على الكتاب والسنة غير مقيدة بتقاليد، خاصة أن الحياة ستكون في بلده وفي خدمة هذا الدين. ولا أخفي عليك يا دكتور أن زوجي كان مترددا لأنه كان يراني كثيرا عليه؛ فأنا من عائلة مرموقة وطبيبة أسنان؛ فكان يطلب من شيخه أن يزوجه امرأة عادية من طالبات الجامعة، وبعد أن تقدم لخطبتي وقبل حتى أن أجيب سافر إلى بلده وأرسل لأسرتي رسالة ألا نرتبط بهذه الخطبة، وأنه احتاج أن يكون حول أسرته لدعوتهم ولا يدري كم سيطول بقاؤه هناك.
في تلك الفترة أخرجته من رأسي وجاءني خطّاب آخرون، وبعد سنة رجع مرة أخرى وتقدم فكان هذه المرة أن انشرح صدري له واقتنع هو بي وبعملي فتزوجنا، وكما قلت لك فهو كان يدرس الدين في جامعة إسلامية ببلدي، وأنا واصلت عملي، والحمد لله شيئا فشيئا ازددنا معرفة وتعلقا ببعضنا وأنجبنا طفلتنا الأولى بعد سنتين من الزواج (وهذا التأخير كان مقصودا فنحن لم نكن متأكدين من نجاح هذا الزواج) وكنا سعداء. أما مسألة الانغلاق التي كان زوجي عليه في فترة طلبه للعلم فهو -كما قلت أنت- من متطلبات طلب العلم؛ فهو لم تكن لديه حياة اجتماعية وكان يرفضها؛ لأنه ليس لديه وقت، فكان جل انفتاحه هو مع أسرتي التي احتضنته كابن لها.
الآن أود أن أشرح لكم خلفية زوجي الثقافية وطفولته؛ فزوجي ولد لأب من إحدى دول جنوبي أوروبا بينما تنتمي والدته لدولة من دول أوروبا الشرقية، تزوج والداه في سن صغيرة فكان هو الطفل الأول، ثم عندما كان عمره 6 سنوات انفصلا فعاش طفولته متنقلا تارة مع أمه وتارة مع جارتهم وأحيانا عند عمته، وكان حلم حياته أن يصبح لاعب كرة سلة محترفا في أمريكا.
فعندما كان عمرة 14 سنة سافر لأمريكا وتعلم اللغة الإنجليزية ثم عاد لأوروبا حتى الثانوية، وأنهى الثانوية في أمريكا، والتحق بالجامعة لغرض احتراف لعبة كرة السلة إلى أن تعرف على الإسلام وانشرح صدره له فدخل الإسلام وهو في السنة الأولى من الجامعة، ولم يستمر فيما كان عليه لما في حياته كلاعب في فريق الجامعة من فتن النساء فتوجه إلى كندا والتحق بمعهد وتعلم هناك شيئا من الدين حيث بقي هناك 6 أشهر.
ثم رجع إلى بلده ومنها إلى بلدي بغرض للدراسة في إحدى الجامعات الإسلامية، واستطاع أن يتحمل خشونة الحياة هنا، وأكمل أول سنتين تعلم اللغة فيهما، وقد نبغ فيها وأتقنها ثم جاءت مسألة الخطبة كما شرحت لكم آنفا.
أنا أخشى أن حياة زوجي المتقلبة هي من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع؛ لذلك لا أدري هل هو رجل يمكن العيش معه باستقرار؟!!
بعد حوالي 7 سنوات من طلب العلم، يعمل زوجي الآن مدرسًا للغة الإنجليزية في معهد أمريكي، وجو العمل فيه شيء من البصمة الأمريكية، كما أن هذه الزميلة هي أيضًا من بلدي عاشت فترة من حياتها في أوروبا ودرست في مدارس أمريكية وجامعة عربية...
حضرتك سألتني ما الذي جذبه فيها وهو بطبعه صريح؛ فهو اعترف لي بحبه لها وأنه ما قصد أبدا أن يفتح قلبه لغيري أظن أكثر ما أعجبه بها هو the American style الذي لديها؛ فهي تعرف التعابير الخاصة في الثقافة الأمريكية وتلعب كرة السلة واللهجة الأمريكية التي تتحدث بها.
أما من ناحية الجمال وغيره فأنا وبحسب كلامه أفوقها، بل إنه قال لي إنني لا ينقصني شيء عنها بل أفوقها من جانب الدين، ولكن مع ذلك هو لا يستطيع أن يتركها، كما أنها استطاعت أن تغزو قلبه لأنها أغرقته بالعواطف والشعور له في فترة كنت أنا في مرحلة ولادة وما بعدها من انشغال بالطفلة.
فأنا لا أنكر أننا مررنا بمرحلة برود عاطفي ولكن كانت للأسباب التي قلتها، بالإضافة أنه نظرا لحالتي الصحية عشنا في تلك الفترة عند أسرتي فلم يكن بيننا التودد وما إلى ذلك فليس الأمر كما لو كنا لوحدنا في منزلنا... فهي كما يقول يشعر معها أنها تقدره وتحس.
أما بالنسبة لأي نوع من الالتزام يريد أن يعيشه فهو الآن لا يعلم ويريد أن يفكر بينه وبين نفسه في العطلة، أي في آخر يومين من رمضان، إلى أن يصل إلى نتيجة، كما يريد أن يستجمع قوته ليعود إلى أسرته ويكون الزوج والأب؛ لأنه يعرف داخل نفسه أن هذا هو الصواب والمنطق.
مع أنني أخبرته وغيري كذلك أن السبيل لذلك هو الابتعاد عن العمل بل أيضا السفر لأوروبا ويبدأ في تكوين نفسه والبحث عن عمل وما إلى ذلك، ومع الوقت يتخطى الأزمة ولكنه يرفض محتجا بأنه ربما لن يكون سعيدا ولن يعيش كشخص به الحماس للحياة؛ فهو ما عاد يريد أن يعيش ليموت؛ لذلك فهو يريد أن ينعزل من نهاية رمضان؛ لأنه كما يقول لن يخرجه أحد من هذه المشكلة إلا نفسه، وأن ما علي إلا أن أنتظر، فإن رجع لي فهو إنسان يستحقني وسيكون الزوج والأب المثالي، وإن لم يرجع لي فلا أتاسف عليه؛ لأنه لم يكن ليعطيني حياة سعيدة كما أردت.
أما بالنسبة هل استشرت أحدا فنعم استشرت كثيرين، منهم صديقة وأخت لي في الله أمريكية متزوجة أشارت علي هي وزوجها أن زوجي يمر بمرحلة اضطراب فلا أضطرب معه، وأحاول أن أثبت، مع حسن التبعل له في هذه الفترة، وهذه المشورة لم يكن تطبيقها سهلا مع مشاعر الغيرة التي تملأ قلبي، وقد حللا هذا الأمر أنه معي مفضوح؛ فنحن عرفناه ملتزما متدينا أما هي فستقبله لما هو عليه.
كما جاءتني مشورة أخرى وهي أن أخفف من تديني وأن أتقرب له عاطفيا، وأن أهتم بنفسي أكثر وقد فعلت، خاصة أنني متوقفة عن العمل الآن وبالفعل شعرت بارتياحه لي وشكرني على هذا الأمر وقال إن هذا يساعده... هذه المرأة عندها الخلفية الثقافية الأمريكية، ولكن أنا أجيد اللغة الإنجليزية وأكيد عندي معرفة بالثقافة الأمريكية التي غزت كل بيت عبر الإعلام، كما أنني أتعلم اللغة الأم لزوجي وبدأت أتحدثها وقد زرنا أهله بعد حوالي 3 سنوات من زواجنا، فكما قال إنني كنت مفخرته أمام أسرته وأسرته أحبتني خاصة والدته وأنه ازداد حبه لي أكثر بعد تلك الرحلة.
الآن أنا في منزل أهلي حتى أعطيه المساحة التي يريدها ليفكر في أمره وفي حياته ولم أغلق الباب تماما؛ فهو يجيء يزورنني ويفطر معنا، ولكنني أريد أن أعرف ماذا يجب عليَّ أن أفعل في هذه الفترة؟ هل أنتظر وإما أن يعود أو لا يعود أو هناك ما يمكنني عمله الآن؟ وهل يمكن أن أساعده؛ فأنا أشفق عليه من هذا الاضطراب الذي هو فيه؟ جزاكم الله عنا كل الخير.
25/3/2024
بسم الله الرحمن الرحيم،
الإخوة الأفاضل في مركز الاستشارات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد بعثت لكم بمشكلتي سابقا وقد رد عليها مشكورا الدكتور أحمد عبد الله طالبا مني بعض الاستفسارات والتفاصيل، وهذه هي.. الاستشارة بعنوان أوجاعنا المزمنة بين القمقم والفوضى ضمن زواج الثقافات... وشكرا.
حضرة الدكتور أحمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا جزاكم الله خيرا على اهتمامكم بمشكلتي وردكم عليها، وأنا بناء على الرد أجد أن هناك تفاصيل كثيرة من الأفضل أن أوضحها لكم قبل أن أشرع في الإجابة على التساؤلات التي طلبت الإجابة عليها، قد أطيل عليكم فأرجو أن تتحملوني.
أولا بالنسبة لي فأنا صحيح عربية ولكن خلفيتي الثقافية مختلفة بعض الشيء؛ فوالدي كان يعمل في السلك الدبلوماسي وعليه فمولدي إلى 3 سنوات كان في دولة عربية أخرى وطفولتي في أوروبا (7سنوات-12 سنة)، ولا يخفى عليكم كوني عشت فيها فترة الطفولة مدى تعلقي بها وعندما عدت إلى بلدي كنت أجتهد في دراستي حتى أحصل على فرصة الدراسة في الخارج؛ فطبيعة الحياة هنا في بلدي لم تناسبني وبالفعل خرجت للدراسة الجامعية في الخارج حيث درست طب الأسنان.
وبالنسبة لتديني فكنت كما كانت أسرتي من العائلات التي بها الخير تؤدي الصلوات، ولكن ليس من همومها الدين، يعني من المصلين المقصرين العاملين للدنيا قبل الآخرة، وكان هذا حتى تقريبا السنة الأخيرة في دراستي الجامعية، حيث قتل خالي، وكان شخصا ملتزما فأثر موته علينا جميعا على مستوى عائلتي، وأصبحنا أسرة ملتزمة متدينة. وبعد أن أكملت دراستي عدت إلى بلدي واشتغلت معيدة في الجامعة، بعد عامين تقدم لي زوجي (الأوروبي) بواسطة شيخه، كنت مترددة في البداية كونه أوروبيًا، ولأنه كان شديد الانغلاق كل كلامه كان عن القرآن والسنة والفقه؛ فكنت أرى أنه ملتزم زيادة (حتى إنه كان يريدني أن أتوقف عن العمل)، ولكن أخي خرج معه عدة مرات وتعرف عليه أكثر فوجد أنه أيضا شخص مرح ليس بذاك الانغلاق الظاهر من كلامه وهيئته (فهو كان لبسه الثوب القصير والعمامة وله لحية طويلة).
أنا كنت دائما أردد أنني أود أن أتزوج من رجل أوروبي مسلم، وكنت أنفر من الذين يتقدمون لي من بلدي؛ لأنني أضيق ذرعا من العادات والتقاليد التي عندنا والتي ليست حتى من الدين، فلما تقدم لي زوجي كنت مهيأة نفسيا وكنت سعيدة أنه من طلاب العلم، وكنت أظن أن هذا يكفي أن تكون لنا حياة سعيدة على الكتاب والسنة غير مقيدة بتقاليد، خاصة أن الحياة ستكون في بلده وفي خدمة هذا الدين. ولا أخفي عليك يا دكتور أن زوجي كان مترددا لأنه كان يراني كثيرا عليه؛ فأنا من عائلة مرموقة وطبيبة أسنان؛ فكان يطلب من شيخه أن يزوجه امرأة عادية من طالبات الجامعة، وبعد أن تقدم لخطبتي وقبل حتى أن أجيب سافر إلى بلده وأرسل لأسرتي رسالة ألا نرتبط بهذه الخطبة، وأنه احتاج أن يكون حول أسرته لدعوتهم ولا يدري كم سيطول بقاؤه هناك.
في تلك الفترة أخرجته من رأسي وجاءني خطّاب آخرون، وبعد سنة رجع مرة أخرى وتقدم فكان هذه المرة أن انشرح صدري له واقتنع هو بي وبعملي فتزوجنا، وكما قلت لك فهو كان يدرس الدين في جامعة إسلامية ببلدي، وأنا واصلت عملي، والحمد لله شيئا فشيئا ازددنا معرفة وتعلقا ببعضنا وأنجبنا طفلتنا الأولى بعد سنتين من الزواج (وهذا التأخير كان مقصودا فنحن لم نكن متأكدين من نجاح هذا الزواج) وكنا سعداء. أما مسألة الانغلاق التي كان زوجي عليه في فترة طلبه للعلم فهو -كما قلت أنت- من متطلبات طلب العلم؛ فهو لم تكن لديه حياة اجتماعية وكان يرفضها؛ لأنه ليس لديه وقت، فكان جل انفتاحه هو مع أسرتي التي احتضنته كابن لها.
الآن أود أن أشرح لكم خلفية زوجي الثقافية وطفولته؛ فزوجي ولد لأب من إحدى دول جنوبي أوروبا بينما تنتمي والدته لدولة من دول أوروبا الشرقية، تزوج والداه في سن صغيرة فكان هو الطفل الأول، ثم عندما كان عمره 6 سنوات انفصلا فعاش طفولته متنقلا تارة مع أمه وتارة مع جارتهم وأحيانا عند عمته، وكان حلم حياته أن يصبح لاعب كرة سلة محترفا في أمريكا.
فعندما كان عمرة 14 سنة سافر لأمريكا وتعلم اللغة الإنجليزية ثم عاد لأوروبا حتى الثانوية، وأنهى الثانوية في أمريكا، والتحق بالجامعة لغرض احتراف لعبة كرة السلة إلى أن تعرف على الإسلام وانشرح صدره له فدخل الإسلام وهو في السنة الأولى من الجامعة، ولم يستمر فيما كان عليه لما في حياته كلاعب في فريق الجامعة من فتن النساء فتوجه إلى كندا والتحق بمعهد وتعلم هناك شيئا من الدين حيث بقي هناك 6 أشهر.
ثم رجع إلى بلده ومنها إلى بلدي بغرض للدراسة في إحدى الجامعات الإسلامية، واستطاع أن يتحمل خشونة الحياة هنا، وأكمل أول سنتين تعلم اللغة فيهما، وقد نبغ فيها وأتقنها ثم جاءت مسألة الخطبة كما شرحت لكم آنفا.
أنا أخشى أن حياة زوجي المتقلبة هي من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع؛ لذلك لا أدري هل هو رجل يمكن العيش معه باستقرار؟!!
بعد حوالي 7 سنوات من طلب العلم، يعمل زوجي الآن مدرسًا للغة الإنجليزية في معهد أمريكي، وجو العمل فيه شيء من البصمة الأمريكية، كما أن هذه الزميلة هي أيضًا من بلدي عاشت فترة من حياتها في أوروبا ودرست في مدارس أمريكية وجامعة عربية...
حضرتك سألتني ما الذي جذبه فيها وهو بطبعه صريح؛ فهو اعترف لي بحبه لها وأنه ما قصد أبدا أن يفتح قلبه لغيري أظن أكثر ما أعجبه بها هو the American style الذي لديها؛ فهي تعرف التعابير الخاصة في الثقافة الأمريكية وتلعب كرة السلة واللهجة الأمريكية التي تتحدث بها.
أما من ناحية الجمال وغيره فأنا وبحسب كلامه أفوقها، بل إنه قال لي إنني لا ينقصني شيء عنها بل أفوقها من جانب الدين، ولكن مع ذلك هو لا يستطيع أن يتركها، كما أنها استطاعت أن تغزو قلبه لأنها أغرقته بالعواطف والشعور له في فترة كنت أنا في مرحلة ولادة وما بعدها من انشغال بالطفلة.
فأنا لا أنكر أننا مررنا بمرحلة برود عاطفي ولكن كانت للأسباب التي قلتها، بالإضافة أنه نظرا لحالتي الصحية عشنا في تلك الفترة عند أسرتي فلم يكن بيننا التودد وما إلى ذلك فليس الأمر كما لو كنا لوحدنا في منزلنا... فهي كما يقول يشعر معها أنها تقدره وتحس.
أما بالنسبة لأي نوع من الالتزام يريد أن يعيشه فهو الآن لا يعلم ويريد أن يفكر بينه وبين نفسه في العطلة، أي في آخر يومين من رمضان، إلى أن يصل إلى نتيجة، كما يريد أن يستجمع قوته ليعود إلى أسرته ويكون الزوج والأب؛ لأنه يعرف داخل نفسه أن هذا هو الصواب والمنطق.
مع أنني أخبرته وغيري كذلك أن السبيل لذلك هو الابتعاد عن العمل بل أيضا السفر لأوروبا ويبدأ في تكوين نفسه والبحث عن عمل وما إلى ذلك، ومع الوقت يتخطى الأزمة ولكنه يرفض محتجا بأنه ربما لن يكون سعيدا ولن يعيش كشخص به الحماس للحياة؛ فهو ما عاد يريد أن يعيش ليموت؛ لذلك فهو يريد أن ينعزل من نهاية رمضان؛ لأنه كما يقول لن يخرجه أحد من هذه المشكلة إلا نفسه، وأن ما علي إلا أن أنتظر، فإن رجع لي فهو إنسان يستحقني وسيكون الزوج والأب المثالي، وإن لم يرجع لي فلا أتاسف عليه؛ لأنه لم يكن ليعطيني حياة سعيدة كما أردت.
أما بالنسبة هل استشرت أحدا فنعم استشرت كثيرين، منهم صديقة وأخت لي في الله أمريكية متزوجة أشارت علي هي وزوجها أن زوجي يمر بمرحلة اضطراب فلا أضطرب معه، وأحاول أن أثبت، مع حسن التبعل له في هذه الفترة، وهذه المشورة لم يكن تطبيقها سهلا مع مشاعر الغيرة التي تملأ قلبي، وقد حللا هذا الأمر أنه معي مفضوح؛ فنحن عرفناه ملتزما متدينا أما هي فستقبله لما هو عليه.
كما جاءتني مشورة أخرى وهي أن أخفف من تديني وأن أتقرب له عاطفيا، وأن أهتم بنفسي أكثر وقد فعلت، خاصة أنني متوقفة عن العمل الآن وبالفعل شعرت بارتياحه لي وشكرني على هذا الأمر وقال إن هذا يساعده... هذه المرأة عندها الخلفية الثقافية الأمريكية، ولكن أنا أجيد اللغة الإنجليزية وأكيد عندي معرفة بالثقافة الأمريكية التي غزت كل بيت عبر الإعلام، كما أنني أتعلم اللغة الأم لزوجي وبدأت أتحدثها وقد زرنا أهله بعد حوالي 3 سنوات من زواجنا، فكما قال إنني كنت مفخرته أمام أسرته وأسرته أحبتني خاصة والدته وأنه ازداد حبه لي أكثر بعد تلك الرحلة.
الآن أنا في منزل أهلي حتى أعطيه المساحة التي يريدها ليفكر في أمره وفي حياته ولم أغلق الباب تماما؛ فهو يجيء يزورنني ويفطر معنا، ولكنني أريد أن أعرف ماذا يجب عليَّ أن أفعل في هذه الفترة؟ هل أنتظر وإما أن يعود أو لا يعود أو هناك ما يمكنني عمله الآن؟ وهل يمكن أن أساعده؛ فأنا أشفق عليه من هذا الاضطراب الذي هو فيه؟ جزاكم الله عنا كل الخير.
25/3/2024
رد المستشار
الأخت الكريمة:
شكرًا لكي ثقتك، وأعتذر عن تأخري في الإجابة عليك!! أفادت توضيحاتك في إضاءة الصورة أكثر ما كنا قد تحدثنا عنه قبل عن مرحلة التردد التي يعيشها زوجك كونه يتنقل من مسار إلى مسار، ومن سياق إلى سياق ومناخ آخر.
مسألة إقامته أو سفره، بقائه في بلدك أو عودته ليعمل في بلده، هذه أمور تستقلان بتقديرها، مع ملاحظة أن زيادة التساؤلات والمتغيرات وعلامات الاستفهام في حالة سفره إلى بلده من شأنها أن تضغط أكثر على نفسه، وهو يبدو أنه غير محتمل للتعامل مع حاصل التغيرات التي طرأت عليه!!.
هنا أحب أن أؤكد ما أعتقد أنك تدركينه، ويجدر بزوجك أن يدركه بوضوح أيضا، وهو أن ما يحدث له حاليا من بلبلة وشكوك وتضارب هو شيء متوقع جدا وطبيعي على خلفية ما حصل من تغيير في ظروفه.
هنا مسألة لا أستطرد فيها على أهميتها القصوى، وهي ثنائية إنسانية مهمة للغاية يعيشها كل إنسان وتتمثل في أهمية الجمع بين أمرين يبدو للكثيرين أنهما متناقضان، وهما ليسا كذلك:
الأول أن يقبل الإنسان نفسه، ولا يعيش نكدا تعيسا رافضا لما يجول بداخله من رغبات ودوافع، وما تشهده حياته من أحداث وتحولات فينظر إليها بمنظار الفشل والإحباط عند كل عثرة، بينما يجدر به أن ينظر إلى كل خطأ بوصفه درسا يزيد من خبرته في مستقبل أيامه، وينظر إلى حياته على أنها تخصه.
نظرة شائعة أن يقال للإنسان كن ما أنت ولا تتكلف ولا تتصنع ولا تكذب وتضع أقنعة، وفي هذا بعض صواب، ولكن كيف يمكن أن يتوازن الإنسان بين هذا الأمر الأول والأمر الثاني وأعني به سعيه الدائب إلى أن يكون أفضل، وأقترح هنا أن معادلة السعي الإنساني الدائب إلى الله سبحانه إنما تتكون من عمليات ثلاث ينبغي أن تتكامل وتتضافر، لا أن تتناقض وتتنافر، وهذه العمليات الثلاث أقترح لها الأسماء التالية: قبول، مراجعة ونقد، تطوير وتدريب، قبول مراجعة.
وهكذا دعيني أطبق هذا على حالة زوجك ليتضح ما أقوله أكثر: حدثت لزوجك أحداث منذ طفولته وحتى الآن، وطالما هي وقعت كما حصل فينبغي القبول بها والتعليم منها، والتسليم بأن كل خطوة كانت بقدر من الله، وعليه أن يتفهمها، ويتعامل معها بما يناسبها، بما في ذلك أن يقابل تلك الزميلة المثيرة للبلبلة لديه!!.
وعليه أن يتفهم أن خلفيته أسلمته لما هو فيه الآن، وأن ما هو فيه ليس سرًا كله، وأنه يمكن أن يخرج من سلبيات وضعه الحالي إذا استوعبه وعرف كيف يتعامل معه ويتجاوزه، والقبول هنا يعني عدم تبديد الطاقة في الحزن على وقوع ما وقع!!.
وارد ومفهوم ومتوقع أنه تأثر بتغيير ظروفه، وبفترة الابتعاد العاطفي بينكما بعد إنجابك، وبمقابلته مع زميلة متفهمة ومتحررة ومتوددة دون أن تطلب مقابلاً لهذا غير الصداقة!! والله أعلم!!.
ليس في تأثره هو بهذا أو ذاك ما يدهش، ولا ما يشينه مبدئيا على الإطلاق -في رأيي- ولكن ما يشين ويدعو للمؤاخذة ولوم الذات أن يقف أمام هذا الوضع عاجزا عن اتخاذ خطوات لائقة للتعامل معه، وهذه هي خطوة أو عملية النقد والمراجعة التي ينبغي أن يقدم بها كل إنسان منا بصدد ما يواجهه ويعيشه.
قد يكون جزء من مشكلة زوجك هو أنه مثل أغلبنا: قليل الخبرة بالحياة، سطحي الإلمام بالدين، وعمق فلسفته، وبالتالي ضيق الأفق، ومثله الملايين منا نحن المسلمين، وإن كان ضيق الأفق ليس حكرا علينا بالطبع!!.
أقصد أن هناك أسئلة واختبارات نتصورها بين ما نتصوره بدائل على طريقة إما/ أو، ورغم أن الأمور لا تكون كذلك.
مثال: علاقته بزميلته هذه هو يرى أن المتاح بشأنها إما قطع هذه العلاقة، وهو ما لا يستطيعه، أو الزواج منها، وهي ترفض، وأنت كذلك، وقد لا يكون هذا مناسبا بالفعل للجميع، والاختبار الثالث هو بقاء الوضع على ما هو عليه، بينما يمكن تطوير أو تغيير شكل وأوضاع العلاقة فتندرج في إطار أعم وأشمل جماعيا واجتماعيا وإنسانيا يتوجه بوجودك معهما في عمل أوسع لنفع المجتمع الذي تعيشون فيه!!.
أختي: لم أستطع منع نفسي من الدهشة طوال قراءة رسالتك هذه والسابقة من غياب أي دور لكم عن الفعل!!.
أنت وزوجك والزميلة على خلفية شديدة الثراء والتركيب، ألا من طريقة لاستثمارها هذا لصالح المجتمع المفتقد لهذه الخلفيات التي يحتاجها ليتحرك إلى الأمام وسط ثنائيات التحديث/ التخلف، والالتزام / الانحلال... إلخ. ألم يشعر زوجك بتأنيب الضمير هو وزميلته، وأنت أيضا -سامحيني- ألم تشعروا أن لله فضلا عليكم إذ وضعكم في هذه الخبرات، وأن هذا هو علم يسألكم عنه يوم القيامة!!.
يا ألله كم يتبدد من طاقاتنا المذهلة في معارك شخصية!! بداهة أسأل عن تلك الزميلة التي تلعب كرة السلة، ولديها طاقة ذهنية وإنسانية تدفنها في مجتمع قد لا يقبل بها، وهي هكذا غريبة عن طباعه وسياقاته، وهي تجد حلا فرديا بوجود زوجك في حياتها بوصفه متنفسا يفهم ويحاور، وهو أيضا تقريبا يفعل نفس الشيء، فلا يكون منتهى الطموح في أحسن الأحوال غير أن يتزوجا على أساس من بعض توافق الطباع، وليذهب المجتمع المحتاج إلى الجحيم!!
نِعم الإخلاص للأمة وللدين!! بل بئس النهج، وبئس الأنانية التي نعيشها!!
قصدت أن أقول إن ضيق أفقنا الشرعي والإنساني من شأنه أن يحصر الحلول والمسارات المقترحة، بينما أرض الله واسعة، وفي الدين بحبوحة، وفي الأمة مساحات مهجورة تحتاج إلى تعمير، ولكن من؟! وكيف؟!.
أعود لأقول إنها تقبله كما هو، وتريده متنفسا لها، على الأقل، وهو كذلك، وقد يتصور أن الزواج بها هو الحل أو الاختيار الأمثل، وهو ليس كذلك -ربما- من جهات عديدة؛ فالمتحررة حين تكون زوجته لن يكسب المزيد من مميزاتها بينما سيكتوي بنار الغيرة والشك والخلافات على سلوكيات كثيرة تريدها وتمارسها هي، ولا ولن يقبلها هو، وبخاصة وقد عاشرك نموذجا لانفتاح معقول مع التزام مقبول ومرغوب منه!!.
أزعم أنك تفهمين كلامي حرفا حرفا، وأنك أنت أيضا ينبغي أن تقبليه كما هو على النحو الذي أطلت في شرحه راجيا ألا أكون قد أمللت.
لا تطلبي الطلاق، ولا تتجاوبي مع تلميحاته هو به، ولا تقبلي بأن تكوني غير نفسك، مع تأكيدي على أهمية تفهمك لما حدث ويحدث له، ومع بقائك قريبة منه فإن الوقت في صالحك.
أرجو أيضا أن تختفي من حياتكما تماما فكرة أنك "كثير عليه"؛ فهي كفيلة بتدمير أية علاقة زوجية، علاوة على أنها وهمية، وغير سليمة، أنت وجدته يحقق لك معادلة صعبة كنت تبحثين عنها، ولو بقدر جزئي، وهو أيضا وجد معك معادلة معقولة وآمنة للحد الأدنى من شروط دخوله في علاقة تكوين أسرة، وفكرة أنك "كثير عليه" تبعده عنك وتبعدك عنه!!.
تفيدك أيضا رعاية شئونه الشخصية على النحو الذي يشعر فيه معه أنه لا يستطيع الاستغناء عنك، وأن تعتبرا معا أن ما يعيشه من بلبلة هو من التحديات التي تواجهكما معا، وتواجه أسرتكما، وليس مجرد شأن عليه هو أن ينتهي منه على هذا النحو أو ذاك، وفي هذا الإطار فإن اعتزاله ليفكر وحده بالأمر يساهم في تكريس إحراجه وعزله والضغط عليه، فهل سينعزل عن الأخرى أيضا ليتخذ قرارًا متوازنًا ومتجردًا؟!! تواصلي معه ولا تتركيه للشيطان.
وعندي نقاط أخرى ريما تستغرق تفصيلات وتطويلات، وأعتقد أنكما يمكن أن تستفيدا من القدوم إلى القاهرة، هنا لدينا تفاعل مختلف بين الانفتاح والالتزام لا يتوافر في بلدك، والإقامة لمدة سنة مثلا يمكن أن تضبط أمورا مثيرة في حياتكما، وعلى الأقل فإن زيارة قصيرة يمكن أن تكون فرصة لمقابلة تزوران فيها من يرحب باللقاء، ولعلكما تنتفعان، في حالتكما القاهرة أهم وأولى من غيرها.
اقرأ أيضًا:
زواج الثقافات: التعميم مضلل والناس معادن
زواج الثقافات: جدل الشمال والجنوب
زواج الثقافات أهم من لون الجلد!