مساء الخير وتحية طيبة
أنا فتاة عمري 19 سنة مشكلتي كبيرة ومتفرعة؛ فبداية عندما كنت صغيرة كانت بنات عمي- في نفس سني- يقمن معا بخلع ثيابهن، واللعب بالأجزاء السفلى من الجسم، ونمت هذه العادة عندي دون أن أعرف حرمة ذلك من عدمه، لكني كنت أقوم بها قبل النوم أحيانا، وخصوصا عندما أكون متضايقة أو تحت ضغط نفسي، وعندما كبرت استمرت هذه العادة، وهي تزداد عند وجود المشاكل في البيت.
وعندما كنت في الرابعة عشرة من عمري قام أبي بالزواج من امرأة أخرى وأهملنا، فاتجه قلبي في تلك الفترة إلى أول فتى رأته عيناي، وهو أخ لصديقتي، وعندما علمت أمي بذلك كلمتني، وجعلتني أعدها أني سأنساه.
كنت قد قللت كثيرا من تلك العادة في تلك الفترة، بعد ذلك عدت للعادة بكثرة إلى أن أنهيت دراستي الثانوية، ودخلت الجامعة ومرت السنة الأولى طبيعية جدا. وفي السنة الثانية أحببت شابا معي في نفس القسم، وجاء وقال لي إنه يحبني. في البداية كنت سعيدة جدا، وتوقفت عن العادة، ولكن حبه خمد مع إحساسي بالذنب وبالمعصية لله فتركته، ومازلت أعاني من هذا.
والآن أنا أعلم أن هذه العلاقة حرام من البداية لغياب غض البصر وحدود العلاقة بين الشاب والفتاة، وأعلم أن هذه العادة تعني أنني غير طبيعية (مشاعري الجنسية قوية)، أو عندي نقص حنان لظروف عائلتي المختلفة منذ الصغر.
أريد أن أتخلص من هذه العادة، وأريد الإنسان الذي يحتويني ويحبني ويعطيني الحنان الذي فقدته وأفتقده، أريد أن أتخلص من إحساسي بالذنب تجاه ما اقترفته في حق الله (كل ما كان بيننا كلام والحمد لله).
أرجو أن أجد لديكم إجابة عن كل ما في نفسي، وشكرا.
20/5/2025
رد المستشار
الأخت السائلة، من نعم الله علينا -وهي لا تعد ولا تحصى- أن صفحتكم هذه قد حازت الثقة والقبول، والفضل لكم بعد المولى -عز وجل- في ذلك، ومن آيات الثقة عمق المصارحة والبوح، وقد قررت الفتاة العربية بعد طول تردد أن تقول ما لديها، وأصبحنا نستقبل من الفتيات مثلما نستقبل من الشبان ما يناقش أدق المسائل، وأكثرها حساسية، وحواء الصغيرة تسأل لتعرف وتتعلم، وتبدد ظلام الجهل والجاهلية التي دفنتها فيه الممارسات والمفاهيم الخاطئة البعيدة عن روح الإسلام، فإذا بها تنفض عنها غبار السنين، وتبوح من وراء حجاب، وتشتكي وتجادل بالتي هي أحسن.
والله نسأل أن نكون على قدم رسوله الذي كانت تسأله النساء في أدق شئونهن، ويجيب الحبيب بلا حرج، وتأخذه إحداهن تنتحي به جانبًا لحاجة، أو تسير معه في طرقات المدينة لشأن خاص، وهو يطاوعها دون ضجر؛ فهو الرءوف الرحيم بالمؤمنين، كما وصفه ربه، وهو –صلى الله عليه وسلم- القائل عن نفسه بحق –ولا يقول إلا الصدق- إنما أنا رحمة مهداة.
وأختنا هنا تلتقط خيطا هامًا للغاية؛ فهي تربط بين ممارسة العادة السرية بجهل الحكم الشرعي المتعلق بها من ناحية، وبالضغوط النفسية والأسرية والمشاعر العاطفية من ناحية أخرى.
وكأن الطاقة الخام الموجودة في داخل كل إنسان تبحث عن مخارج؛ فهي تخرج في تعبير عاطفي تارة، أو تخرج في عادة سرية، أو تخرج في ممارسة نشاط نافع أو ممتع، وهي نفس الطاقة في كل الأحوال؛ فإذا وجدت منفذًا أنفع وأمتع سلكته وتركت الآخر الذي تستقذره، وربما لا تريده ولا تسلكه إلا مضطرة.
هذه لقطة تستحق أختنا عليها التحية، ولكنها إلى جانب هذا تخلط الأوراق على نحو نجاهد على هذه الصفحة في تشريحه وتفصيله؛ لأن حجم الالتباس فيه كبير، ومداخل الشر فيه متنوعة.
فأنت يا أختي ترتبين تعلقك بالفتى الأول -أخو صديقتك- "وقد كنت في الرابعة عشرة" فتضعينه بوصفه نتيجة سيئة مبررها زواج أبيك الثاني، بينما العدل أن تفهمي أن ميلك إلى الجنس الآخر في هذه السن هو شيء طبيعي، وتعلقك بهذا الشاب كان صورة من صور هذا الميل الفطري، ولم تكوني وقتها في حاجة إلى ممارسة العادة السرية؛ لأن طاقة المشاعر كانت تخرج عبر هذا المخرج العاطفي البريء الساذج سذاجة هذا العمل الجميل، ولم تذكري لنا صورة تعبيرك عن هذه المشاعر تجاه شقيق صديقتك، وهل اقتصر الأمر على خيالات ومشاعر من طرف واحد أم ماذا؟!
قطعك لهذه العلاقة أعادك إلى دائرة ذاتك التي فيها الداء المتمثل في المشاعر المتدفقة، وفيها الدواء "الجاهز" المتمثل في العادة السرية، تحلين بها المشكلة- أو هكذا تتصورين- دون التورط في علاقات أو مشاعر تجاه أحد بما ترفضه الأسرة، أو تعجزين عن إدارته أو فهم أبعاده، وقد يؤدي إلى ما يحمد عقباه!
ثم يظهر في الأفق حب جديد تختفي معه العادة تمامًا، ولكن هذا الحب بالصورة التي ظهرت في ممارسته، عدم غض البصر، وحدود العلاقة… إلخ، هذه الصورة للحب اصطدمت بما تؤمنين به، وهذا الصدام أنتج شعورًا بالذنب رغم أن كل ما كان بينكما لم يتعد الكلام، وهذه الصورة المختلة هي تمامًا ما نعيشه من اضطراب يا ابنتي الكريمة.
أختي الكريمة, راجعي نفسك لتكتشفي الخرافات التي تتخيلينها عن ذاتك بأنك إنسانة غير طبيعية لمجرد أن لديك مشاعر، أو أنك تشتهين الرجال، وتنتظرين اليوم الذي فيه تتزوجين، وتحصلين على حقك المشروع، وتقضين وطرك بالحلال، وقد تحلمين بهذا اليوم في ليلك ونهارك، هذه مشاعر لا تدعو إلى الشعور بالإثم أو الذنب إلا عند الجهال الذين يعرفون خلق الله وفطرته وحكمه في النفوس والقلوب والمشاعر والعلاقات.
عليك أن تتوبي إلى الله إذا كنت قد ارتكبت محرمًا، أو تورطت في شبهة مع زميلك هذا، أما أن تعيشي أسيرة الكمد لأنك تريدين حقك في الاهتمام والحب والحنان، وتبحثين عن هذا، أو أن تشعري بالأسى لأنك -بسبب بساطة تفكيرك وتقديرك- تمارسين العادة بديلاً لغيرها من سبل استثمار الطاقة التي بداخلك..
فاسمحي أن أقول لك هنا: إن الحرام بيّن، والحلال بيّن، وإن الجهل والوحدة والفراغ مداخل واسعة للشيطان.. ميلك للرجال حلال، وميلك لأحدهم بعينه حلال، وخيالك وأحلامك عنه حلال، ثم أنت تعرفين حدود التعامل الصحيح دينيًا بين الشاب والفتاة ما دام لا يزال أجنبيًا عنها؛ فأين اللبس أو الغموض، ومن أين تأتي مشاعر الذنب والإثم بالتحديد؟!
نقص الحنان لا يكفي مبررًا للخطأ بانتهاك البدن، أو الخطأ في اختيار الشريك لمجرد التعويض.. ونقص الحنان وما يحتاج إلى تعويض ستحصلين عليه عبر شبكة واسعة من العلاقات، وليس من مجرد الحب العاطفي مع شاب. ونقص الحنان الموروث المتنامي منذ الصغر لا تفلح أية علاقة مع أي رجل مهما كان رومانسيًا، وحتى لو وصلت الأمور إلى الزواج، فإن هذه العلاقة الزوجية، على الرغم من عمقها وثرائها، وليست كافية لتعويض الحنان المفقود، ولا هي بديل عن شبكة اجتماعية واسعة من الصديقات وشريكات الاهتمامات والهموم، والكثير من الزيجات تفشل لأن أيًّا من الطرفين -الفتاة غالبًا- ينتظر الحصول على "التعويض" أو الحنان المفقود عبر علاقة فيها من البذل مثل ما فيها من الأخذ، وربما البذل المطلوب أحيانًا يكون أكثر، خاصة في البدايات.
راجعي إجاباتنا السابقة عن العادة عند البنات لتعرفي أنها ممارسة شائعة ومتكررة، وأنها ليست السبيل الأمثل للتعامل مع الشهوة، والتخلص منها ممكن، وحكمها الشرعي يرتبط بالغرض منها، والضرورة من ورائها، وراجعي إجاباتنا لتعرفي وتتأكدي مما يغفل عنه الكثيرون من أن الله غفور رحيم، وأن الإنسان ظلوم جهول، ولتعرفي أن الصحبة الصالحة ضرورة، والأنشطة الممتعة ضرورة.
ومن هذه الإجابات:
الاستغناء عن الاستمناء
عند البنات ...بعض مساوىء الاسترجاز!
استرجاز البنات.. الخوف من العواقب
الاسترجاز والذنب والذنب والاسترجاز!
أرجو أن تكوني معنا على الدوام لتجدي إجابة عما يعتمل في نفسك السؤال تلو السؤال، وتخرجين من الشبهات الواحدة تلو الأخرى، وتتعلمين معنا أنه لا مستقبل للأساطير التي حكمت حياتنا رجالا ونساء، وأنها جميعًا ستذهب جفاء؛ لأنها كانت مجرد زَبَد، ولن يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس...
تابعينا بأخبارك