سؤالي ـ جزاكم الله خيرًا ـ مهمٌّ جدًا في حياتي، وهو أنني شاب متزوج ولديّ خمسة أطفال، وفي فترة من الفترات كنت أعيش مع عم زوجتي، أي شقيق والدها الذي كان متزوجًا منذ حوالي عشرين عامًا في تلك الفترة، وكان شديد التعلق بأطفالي.
وفي أحد الأعوام بعثت إلى الخارج من أجل الدراسة، وفي أثناء فترة الدراسة احتجت لوجود أسرتي إلى جانبي فقمت باصطحابها معي إلى الخارج، وتركت مع عم زوجتي ابنتي التي كانت تبلغ من العمر عامًا ونصفًا لتعيش معهم، ولكن مع غيابي الطويل في الخارج مع أسرتي وبعيدًا عن ابنتنا، تعلقت بتلك الأسرة، وعند عودتنا من الخارج سكنت مع أسرتي في مكان بعيد عن البيت الذي تعيش فيه ابنتنا، ولم نستطع أخذها منهم؛ نظرًا لعدم إنجابهم أطفالاً، ولكن مشيئة الله فوق كل شيء، وقد رُزقا بولدين الآن، ونريد الآن أن نعيد ابنتنا، ولكنهم متعلقون بها أكثر من ولديهما، ويعتبرونها أثر الخير عليهم، وهي بسبب تلك الفترة الطويلة معهم لا تستطيع العيش معنا بأي طريقة.
إن ابنتي تعيش مع تلك الأسرة الآن وهي في العام الثامن من عمرها، وهم لديهم اثنان من الأبناء؛ أرجو منكم إعلامي بموقفي من الشرع: هل عليّ أيُّ ذنب من ترك ابنتي تعيش مع تلك الأسرة؟
أفيدوني أفادكم الله، وإذا كان هناك أي فتوى في هذا الأمر أرجو منكم ذكر اسم الشيخ المفتي، وجزاكم الله عني وعن جميع المسلمين الخير على طرح هذا البرنامج لكي يسهل على الناس،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
09/6/2025
رد المستشار
الأخ الكريم، حالة ابنتك هي حالة معروفة وطبيعية نتجت عن الفترة التي عاشتها في بيت هذا العم، ومسؤوليتك – مثل كل أب – توفير الرعاية والعناية والحنان لها في أي بيت كانت.
والأصل في الإسلام – كما أفهمه – أن الأبوة والأمومة تكون من الناحية البيولوجية لشخصين أحدهما أعطى الحيوان المنوي، والأخرى أعطيت البويضة والرحم، أما من الناحية الاجتماعية فالأبوة جماعية ، وكذلك الأمومة، ومرتبطة بالقرب أو البعد، ومرتبطة بالحنان والعناية والرعاية. إذا فهمنا الأمر على هذا النحو تحل الكثير من مشكلاتنا؛ فتجد المرأة التي لا تنجب فرصة للأمومة الاجتماعية حنانًا ورعاية، ومشاعر دافئة تتبادلها مع أبناء وبنات تقوم على شئونهم وأمورهن – مع مراعاة الحدود الشرعية – ودون أي حرج اجتماعي أو نفسي.
وتجد الابنة التي خاب ظنها في أبيها – البيولوجي كقدوة – عدة آباء حولها يتسابقون في رعايتها ومساندتها، ويجد الشاب المسترشد حكيمًا قريبًا أو بعيدًا يخفض له جناحه، ويتعلم منه حين يفقد والده البيولوجي ماديًّا بالموت أو الغياب، أو حين يفقده معنويًّا بالانسحاب الذي يصيب البعض فينكص عن القيام بمسؤولياته.
الشاهد أنه لا يوجد خطأ شرعي، أو ضرر نفسي أن تنشأ ابنتك في بيت العم، طالما راعينا ما تجب مراعاته من تفريق بينها وبين أولاده في المضاجع وغير ذلك، وبالمناسبة أنت لم تذكر أعمارهم ولا جنسهم، ولكن ينبغي أن تعود الابنة لمكانها الطبيعي في بيتك تدريجيًّا عبر برنامج وخطوات نجملها لك فيما يلي:
1- لا تضغط عليها لتعود إليكم قسراً.
2- بناء علاقة متينة مع هذه الابنة؛ حيث تقوم أنت وأمها بزيارتها في بيت العم باستمرار، واصطحابها معكم في زيارات وللنزهة، ولا تنس الهدايا واللعب، والاهتمام بشئون دراستها، والمكافأة على التفوق، وتكثيف هذا الاهتمام في حالات الطوارئ: امتحانات – متاعب صحية… إلخ وبذلك تترسخ دعائم المحبة والود.
3- التعاون مع أسرة العم في التوصيل التدريجي لفكرة تعدد الآباء، والأمهات التي شرحتها لك توًّا، فتدرك الابنة "تدريجيًّا" أن لها أمًّا بيولوجية أنجبتها، وأمًّا قامت على رعايتها، ولكل منهما حقوق وهكذا … وكذلك بالنسبة لك وللعم الذي قام على رعايتها.
4- هذه الحقيقية ستحتاج إلى وقت لتصل إلى إدراك الصغيرة؛ لأن تفكير الأطفال بدائي وبسيط لا يفهم تركيب وتشابك الحياة والعلاقات، والمطلوب هو الصبر والجهد والتعاون بين الأسرتين.
5- بحسب تجاوب الابنة، وبحسب قدرتكم على تنفيذ هذا البرنامج، تقدمكم فيه يمكن التفكير في انتقالها إلى بيتكم، ولو لبعض الوقت في خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، فيمكن الاتفاق – بعد فترة – على أن تقضي معكم عطلة نهاية الأسبوع، ثم تعود إلى بيت العم مع بداية الأسبوع التالي، والمدرسة… وهكذا.
ثم يمكن أن تقضي لديكم الإجازة الصيفية ثم العكس بأن تقضي عندهم الإجازة، ومعكم فترة الدراسة، وبالتدريج ستعرف ابنتك، وتفهم أن مساحة الوالدية تتسع للكثيرين والكثيرات، وأن الله حين حرمها من وجودك لفترة، فإنه عوضها عن ذلك بأب آخر وقتها، ويكون ذلك مدعاة للاطمئنان النفسي، وربما التفاخر الاجتماعي، وحجر الزاوية في نجاح هذه الخطة هو الحكمة والتعاون والتفاهم واتفاق الأساليب التربوية بين الأسرتين، وتمنياتنا بالتوفيق. وتابعنا دائما بالأخبار