الجنس للبعض أم الزواج للجميع: خبرة امرأة... مشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم..
الإخوة والأخوات السلام عليكم.. أشكركم مرة أخرى على تبنيكم مشكلتنا، وأشكر الإخوة والأخوات الذين اهتموا بما كتبت فأعطوني مزيدا من الإحساس بأن في أمتنا خيرا كبيرا. لم يكن في ذهني عندما كتبت إليكم إلا فقط المشاركة بتجربتي الجنسية بناء على دعوتكم لذلك، لعله أن تكون هناك فائدة. فالحمد لله، من بركة التعاون بدا الموضوع كأنه فتح نقاشا أتمنى معكم أن يكون مشروعا حقيقيا لحل أزماتنا المزمنة النفسية والاجتماعية، وأن يحرر الله على أيديكم عقولا وطاقات كثيرة محبوسة خلف جدران العجز المزمن.
وللأسف فإن السجان دائما هو: الكبار ومصالحهم الفردية والجماعية وعقدهم الدينية والنفسية. أعتذر إن كانت ألفاظي شديدة ولكني فعلا مللت من نفسي ومن سلسلة السجون التي لا تنتهي، والتي في أحيان كثيرة تكون باسم الدين والعرف والمفروض والعيب. ستكون رسالتي هذه أولاً: تعقيبا على الردود، وثانياً: محاولة مني للمشاركة في تصور للمشروع الذي تناولتموه باسم الجنس للبعض أم الزواج للجميع ؟.. خبرة ملتزم.. ثم نداء لأصحاب الشأن الأساسيين في الموضوع، وهم الأهل، وثالثاً :نداء أصحاب المال والأعمال والزكاة.
أولا: ردي على المشاركات، التي نشرتموها بعنوان: الزواج للجميع ..انتفاضة اجتماعية: الجمهور مبدعًا
الأخت الكريمة مريم صاحبة المشاركة الأولى والله لقد دعوت لك عقب كل كلمة معاناة في رسالتك.. ظننت في بداية قراءتي لكلامك أنك أخ ثم فوجئت بعدها أنك أخت كريمة. لم أكن أظن أن من البنات أيضا من يعانين بهذا الشكل جهلا مني. بل إنني كنت أظن طوال الوقت أنني فرد من نسبة محدودة من الناس الذين يعانون -لعوامل وراثية وتنشئة اجتماعية- من هذه الرغبة هذه المعاناة التي ظننتها مرضية وفوق المعتاد والمتوسط العادي. لكن يبدو أن وجوه الناس الهادئة لا تعكس كل ما بداخلهم من ثورات وتجارب. عانيت حقا أكثر مني وأنا متأكد أن هناك من يعانون أكثر وأكثر. نحن يا أختي نعاني، ونشأنا في أسر سلوكها معتدل، فما بالك لو كان الأمر غير ذلك؟ وفي مجتمعات وأوساط متدينة.. فما بالك لو كانت غير ذلك؟
ومنّ الله علينا فلم نصب بداء الفاحشة فما بالك بمن وقع أسيرا في إدمانها؟
أنا أحاول فقط -كما حاولت الأخت "لاما" جزاها الله خيرا على دعائها- أن أتدبر معك في نعم الله علينا في هذا الشأن فإن كنا ضحايا فالحمد لله أن المصاب وصل لهذا الحد فقط. وهذه في حد ذاتها نعمة تحسدنا عليها أمم كثيرة. وأنا واثق يا إخوتي من نصر الله لا محالة. يكفي أنه أراح فؤادي بمن يشعرني أنه معي يهتم لهمي ويكتئب لكآبتي بل ويحاول جاهدا مساعدتي.. الدنيا بخير.
يا سيدتي هذا حق من حقوق الإنسان، بل الحيوان أيضا! ولا يجوز لك أبدا أن تسكتي هكذا! لماذا يكون من حق الطائشة أن تتبرج وتتأبط من يريد في الشارع ولا يحاسبها أحد.. وبنات العفة لا يكون من حقهن المطالبة بالحق الشرعي والطبيعي؟
لا يا أختي المرأة لها سن خصوبة محددة.. لديّ اقتراح لحل مشكلتك أرجو أن يكون صوابا تحركي وابدئي بإظهار اهتمامك بالزواج والقراءة عنه وسؤال والدتك وزوجات إخوتك عنه وعن تفاصيله وأموره ومسؤولياته.. وسيعرفن من "استشارات مجانين" استعدادا منك له، وهن من أنفسهن سيلاحظن سيسألنك وسيسعين وسيأتي من يطرق الباب بإذن الله "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". كل هذا بالطبع في جو من الأدب والجدية وعدم التبذل أو الظهور بمظهر الشهوانية مطلقا.. وحسبنا الله.
ولو لم يحدث تقدم بعد فترة اتصلي بإحدى صديقاتك أو زميلاتك المخلصات أو زوجة إمام المسجد ولو حتى تليفونيا وأخبريها بصراحة برغبتك الملحّة في الزواج وأن سنك تكبر وتخافين من ذلك (باقي الكلام أنتم تعرفنه كنساء أكثر مني) وأن تبحث لك عن زوج صالح مواصفاته كذا وكذا، أو يكون هذا بشكل غير مباشر من خلال زملاء إخوتك الرجال أو زوجاتهم أو والدك في العمل أو والدتك طبعا.. ويمكنك -زيادة في الاحتياط- أن تتكلمي وكأنك تتكلمين عن واحدة تعرفينها في بيت فلان (يعني والدك) ووصفها وسنها وتعليمها كذا وكذا. هدى الله إليك الزوج الصالح التقي، آمين.
الأخ "هاني" جزاك الله كل الخير على رؤيتك المفيدة، ولكنني أختلف معك في قولك: "ولكن للأسف فإننا ندخل إلى حقل الزواج بلا معرفة ولا تدريب، إلا ببعض ما نراه عن بعد، أو نقرؤه إن تيسر لنا، أو نسمعه وهو لا يخلو من العلل. فإن كان هذا هو الحال، فكيف سأدعو إلى الزواج المبكر؟ هذا من الجانب الذي يعنى بالزواج من الناحية العاطفية والاجتماعية، فما بالك إن رافق الأمر الصعوبات المادية؟ الأمر يشبه الحلقة المفرغة لا يا سيدي الحلقة المفرغة انكسرت منذ زمن، وكل الشباب -مرة أخرى- الذين لا تستمعون إليهم ولا تصبرون على مصاحبتهم.. صاروا (خبراء) بمعنى الكلمة في جميع قضايا الجنس والزواج والتعاطي، وليس يعني أن ابنك لا يجلس مع "الشلة" أن كل الشلة مثله كالقطة المغمضة.. هذا لو فرضنا جدلا أصلا أن ابنك لا يعرف! ولكنه لن يورط نفسه ويفتح فمه أمامك ومن غير مناسبة اسألوا المعلمين والإخصائيين الاجتماعيين في المدارس وستسمعون أهوالا!
وعن عدم وضوح بعض ما كتبت أعتذر، ولكني أحاول هذه المرة أن أكون أكثر بيانا، فلذلك احتملوا إطالتي! أشكر الأخت لاما على دعائها وتذكيرها لي.. نعم لقد فتحت أمامي طاقات من النور كنت محتاجا إليها أرجو ألا تكُفي عن الدعاء لي ولإخوتي الشباب. وسأطالع نصائحك كلما نسيت، وأنا أدعو الله كما ذكرتموني أن يذكركم.
الأخت "نور" أشكرك جدا على مساهمتك المفصلة والتي وجدت فيها حوافز للرد عليها بما أراه، وإن اختلفت أو اتفقت معك في بعض النقاط. بالنسبة لدعائك لي في جوف الليل فهو أجمل هدية يعطيها لي الله سبحانه جزاكم الله خيرا.
لا أجد من الكلام ما أقول، بعد أن وجدت أخيرا من عباد الله في الكون من أشعر بجوارهم - ولو لم أرهم - بطمأنينة وسكينة وثبات.. الحمد لله أن وجدت من يلتفت لصراخي ومعي أجيال وأمم متوالية. ولا أجد ما أشكرك به مرة أخرى على ثقتك وعَرضك لمساعدتي في الزواج، لكن هناك نقطة سأوضحها وهي أن مسألة تواصلي بشكل مباشر مع أحد من خلال الموقع هي أمر مستحيل تماما.. وهذا فقط -حجاب الإنترنت- هو ما شجعني على الكلام هنا بهذه الصراحة التي لا أريد أن تنتهي بفضيحتي في الدنيا.. يكفيني ما عندي. وأيضا لو حاولت مساعدة الأخت مريم التي تبحث عمن يطرق بابها من خلال البريد الإلكتروني أو غير ذلك بما يضمن لها سرية الاتصال ويظهر للأهل طبيعيا بلا حرج إن شاء الله. أما بخصوص زواجي أنا، فإن شاء الله الظروف في طريقها إلى الأحسن، وسأخبركم إن شاء الله فور خطبتي لأفرحكم كما فرحتموني.
ما يغمني ويحطمني هو حالة الفصام الديني عند بعض الدعاة والمشايخ و(الكبار) -جزاهم الله خيرا- الذين يسمعوننا آيات في خفض المهور وتيسير الزواج و"من جاءكم ترضون دينه... إلخ" ونصدقهم فعلا، فإذا جاءت ساعة الجد والضنى غال طبعا!، عرفنا أن فلانا منهم رفض فلانا لظروفه، لأجل المهر والمؤخر والصداق وتكاليف الفرح وأثاث البيت أرقام تثير الهلع، لا علاقة لها بخطب الشيخ أو تصريحات الكبير نهائيا إلا علاقة النفاق الذي لا يستحي من الله. فمن الناس من لا يدرك قول الله تعالى: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
زواج المراهقين رؤية موضوعية وعشر نقاط:
عودة إلى مناقشة القضايا التي طرحتها الأخت نور وأشكرها على تفاعلها: تفضلت بالقول: "بالله عليك هل تعرف شابا عمره ثمانية عشر عاما المفروض أنه ما زال يدرس في المرحلة الثانوية، ويتمنى أن يتزوج حتى لا يعاني مثل ما عانيت هل يدرك هذا الشاب كيف يقود زوجة من المفروض أنها مراهقة ومتمردة على أي وضع.. ويربي طفلا يذهب به ليلا للأطباء؟ أم تريده أن يترك التعليم لكي يعمل ويراعي أسرته، ونقع في كارثة أكبر. وإذا حدث لهؤلاء ولم يحسوا بمعنى ألم الحرمان من نعمة الزواج مثلك؛ لأنهم تزوجوا فور بلوغهم؟ هل سيحافظون على هذه النعمة؟"
والرد على ذلك كما يلي:
1- حالات واقعية للزواج الناجح جدا أثناء الثانوية والجامعة.. نعم أنا أعرف شخصيا أخا ملتزما زوّجه أبوه وعمره 18عاما وكان يرسل إليه نفقاته شهريا فالأب يعمل بدولة عربية وكان يعيش سعيدا جدا قبل وبعد إنجابه من أول عام وإلى أعوام طويلة واستمر في دراسته ودعوته إلى الله بلا مشاكل. كم منا يعمل بالخارج وأولاده هنا في سن الزواج ويستطيع كفالتهم وصيانتهم؟ كما أنني أعرف أخا آخر يعمل -كما ذكر لي- منذ الإعدادية، رغم أن أسرته موسرة فقط ليحقق رجولته، كما أنني قد بدأت العمل -جزءا من الوقت- وكنت في الثانوية وحتى التخرج، وهذه حال شباب كثيرين، يشعرون بذاتهم ويريدون المزيد من الاستقلالية.
أيضا التجربة السابقة ذكرها د " أحمد عبد الله " للزواج الجامعي في السبعينيات، وإن استلزمت تضحية نسبية بمستوى المعيشة، لكنها على الأقل حفظت (وشجعت وحمست) أصحابها على التفوق والاستمرار الدراسي والاجتماعي والنفسي والسياسي والديني فإنني لا أدعو - مرة أخرى! - إلى إشعال فتنة غير موجودة في شباب لا يحسها (وذلك نادر الآن)، الفتنة موجودة والشباب - الذي لا تعرفون عنه أي شيء يتزوج كثير منه سرا بنسبة حوالي 15% في مصر- زواجا عرفيا، كبديل وجزء آخر منه -له نسبة أيضا- يزني.. وجزء آخر يكتفي بعلاقات جسدية سطحية (أعني من الخارج!) فقط.
أنا يا جماعة أحاول أن أخرج كل هذه "البلاوي" من الظلمات إلى النور؛ ليأخذ كل طرف مسؤوليته، ولد.. أو بنت.. أو أهل.. أو مجتمع.. ولنتقي الله، وما داموا هم يريدون الجنس بأي طريق، فلنفسح لهم نحن الطريق الشرعي ونأخذ بأيديهم ونساعدهم، حتى ولو لم نكن تعودنا عليه، لنشأتنا في ظروف مختلفة تماما، تماما!!
2- من هي الفئة محل المناقشة؟ طبعا أنا لم أتكلم عن شباب متمرد أو ضائع أو أو نعم هم محل اهتمام، لكنني لا ينبغي أن أدخل المراهقين في تجربة لم أعدّهم لها جيدا ولم أحسن تربية أخلاقهم وأحيي عندهم نزعة المسؤولية والأخلاق أولا وإلا كنا نعبث بمستقبل الأسرة الوليدة. الموضوع إذن يحتاج إلى تمهيد وإعداد ثقافي وفقهي وأخلاقي وقانوني واجتماعي، وهذا ليس مستحيلا في الأسر المحترمة التي تهتم بغرس القيم والأخلاق الأساسية في أولادهم من البداية. أما غير هؤلاء فبالتأكيد سيحتاج أبناؤهم (وربما هم أنفسهم وهذا ليس عيبا) إلى مزيد من الإعداد وصدقوني والله لو قلتم له احفر في الصخر وسنوافق - مجرد الموافقة فضلا عن المساعدة- على الارتباط الحلال فسوف يفعل، وسيساعد هذا العرض المغري على تغييره أو تغييرها إلى شخص آخر. هذا الشخص الآخر هو الفئة التي أتكلم عنها. فالمراهق الملتزم المسؤول معروف ومتوقع ما سيفعل، والمهمل غير المسؤول أيضا يظهر ونتوقع ما سيفعل. وطبعا أنا لا أدعو أن نزوّج هؤلاء فورا كمجرد رد فعل لرغبتهم في الزواج، لا، بل نساعدهم أولا على الاستقامة، ونغريهم بعد ذلك بالزواج الطاهر -إن كان ممن يشتاقون إليه- كوسيلة لنجاح برنامج لإصلاح هؤلاء الفتية، حتى (يتأهل) الواحد منهم للزواج ولو على عدة سنوات، ولعلاقات اجتماعية ناجحة عموما، وهذا واجب أساسي للآباء "مفروض" أن يفعلوه أصلا.
3- قيادة (لا مجرد نضج) الشباب والمراهقين للعالم (وليس لمجرد أسرة) ظاهرة عالمية! الظاهرة الشبابية عالميا في الدين والسياسة والاقتصاد والمال والأعمال والإعلام وكل المجالات، (عمرو خالد، محمد جبريل، الحبيب اليمني، الرؤساء والملوك والأمراء الشباب إلخ) بل الجهاد في فلسطين؛ وكان آخر استشهادي عمره عشرون عاما بالتمام والكمال، وآخر استشهادية عمرها 16 عاما، وغيرهما.. أظن أنهم قد بلغوا قمة النضج قبل ذلك بسنوات عديدة، وفهموا معنى الجماعة والتضحية والمسؤولية إلخ، من قيم لا بد من وجودها فيمن يريد الزواج من المراهقين!
4- هل السن بالعمر البيولوجي أم بالشخصية ككل؟
إعادة تعريف على أساس واقعي مع نماذج موجودة للنضج (المبكر): ثم ألا يرى معي المتخصصون أنه يجب علينا أن نعيد النظر في موضوع "السن" هذه؟ ألا ترون معي أننا معشر الشباب قد بلغنا (الشيب النفسي)، وبالتالي البدني والاجتماعي "مبكرا" جدا عن أسلافنا؟ ألا ترون كذلك أن أولادكم صاروا "كبار بدري" جدا؟ لماذا نتعسف ونفرض على الجميع أن يعيشوا في حقائق مضت وانتهت.. وكل شيء تغير في العالم ماعدا مفاهيمنا وكتب ونظريات وأبحاث الطب وعلم النفس والاجتماع في الكتب عندنا؟ يا إخوة أنا أعرف كثيرين جدا من معارفي لهم أبناء يستعملون الكمبيوتر بكفاءة وعمرهم كم؟ 4 سنوات! بل ويجيدون التحدث بلغتين!
أظن أن هذه هي مؤهلات سوق العمل.. فما بالك لو صار عنده 10 سنوات، منها 6 خبرة في الكمبيوتر واللغات؟ هل سترفض تشغيله ولو لساعتين يوميا؟ وكيف تتخيلون معي مستقبل طفل كهذا؟ ألا يستطيع إنشاء عمل مع مجموعة أصدقاء محترفين مثله وبإشراف من الكبار؟
وللعلم، فإن الأولاد في الغرب يعملون مبكرا أيضا، ولم نسمع أن أولاد الغرب يشتكون من الحرمان العاطفي بسبب العمل الذي يستمتعون بممارسته (أو على الأقل بفلوسه!) بل لأسباب أخرى أهمها عدم الأسرة أيضا!.
وبالطبع المرفوض هو أن نمنعه من اللعب بعد ذلك، لكن غرس قيمة العمل والتعويد عليها -مع استمرار مساعدة وكفالة الأسرتين لهما- شيء لا أظن أن أحدا يجادل في أهمية غرسه، بدلا من العجز والبطالة (النفسية) التي أصابت جيلنا من الشباب!
أنا لن أرد على كل مثال ضربته، وكل توقع سلبي، ولكن سأسأل سؤالا: لماذا التشاؤم المسبق من الحلال هكذا؟ هذا حل موجود لإنقاذ آلاف الضحايا كل يوم من الفواحش والانحرافات الرهيبة مهما كانت احتمالات الحلال فليس أمامنا -كبشر ضعفاء جدا أمام غضب الله- غيره! هل سمعتم عن اختراع قديم اسمه نوادي الكشافة والمرشدات؟ ما رأيكم، نستطلع رأيهم، هل الجدية والالتزام والرجولة والمسؤولية والصدق وقوة التحمل وغيرها من الصفات، هل منع التدرب عليها عندهم الأولاد والبنات من الاستمتاع بحياتهم؟ أم أنها قدمت للبشرية أجيالا من الأصحاء الأسوياء المتوازنين؟ هل تعرفون أعمار هؤلاء (الناضجين)؟ إنهم أطفال، ومراهقون في الأساس. المسألة إذن موجودة في جوانب منها، وموجودة كاملة (نضج شخصية مع زواج مراهقين) في الريف، وأحيانا في المدن، وموجودة بكثرة رهيبة في الزواج العرفي لكنها سرية وبها نقائص وغير شرعية.
5- هل ظلمنا (طفولة) الأطفال أو المراهقين عندما زوجناهم بمن يشتهون؟
أولا دعونا نتفق أن من بدأ لديه الإحساس الجنسي وبلغ الحلم وظهرت عليه علاماته وعلامات المراهقة بشكل عام فإننا لا يصح أن نستمر في اعتباره طفلا (لا يحاسب ولا يتحمل مسؤولية أفعاله، وبالتالي هو غير مسؤول) بل سنطلق عليهم مراهقين حتى لو كان عمرهم 10 سنوات.. ومعروف أن هذه التغييرات لا تستلزم بالضرورة تغير جميع اهتمامات الطفولة السابقة (السيدة عائشة كانت تلعب لعب الأطفال وهي متزوجة)، بل إنني على العكس أرى أننا نظلم جانب الطفولة في المراهق (والشاب أيضا) بحرمانه من اللعب الحلال مع زوجة يشتاق للعب معها (وهو يشاهد اللعب مع الجنس الآخر في كل مكان وكل وقت!!). وكما ذكرت الأخت لاما: "المعاناة الطويلة تدمّر الملكات النفسية وتجعل الإنسان أشبه ما يكون بالأشباح التي لا أثر لها في هذه الدنيا".
ومرة أخرى لسنا في وضع الخيارات الكثيرة!! نحن في حالة طوارئ جنسية واجتماعية!
وبالنسبة لتحمل المسؤولية المبكرة فأنا -بشكل عام- أراه أفضل من كل الوجوه من الانحراف المبكر، الزنى المبكر، الشذوذ المبكر، إضاعة الأوقات والموارد في مواقع الإنترنت الإباحية والمحادثات الهاتفية وأجهزة المحمول بين المراهقين والإجهاض إلخ ما تعلمون من نتائج. لو كان تعويد (الأطفال) -الذين ما عادوا أطفالا نهائيا ومنذ زمن بعيد!- والمراهقين على الاعتماد على النفس والإنتاج سيسبب لهم عقدا نفسية كما تخافين فأهلا وسهلا بها إن كان في ذلك ضبط لفطرتهم وتوجيه سديد لها نحو الجنس الآخر -لا نفس الجنس (في المثلية)، ولا نفس الجسد (في العادة السرية)- وحماية لهم من عادات ترسخ في نفوسهم وأبدانهم ولا تقتلع، تربك الأعصاب والفكر والتركيز (وبالطبع تؤثر على التقدم الدراسي والرياضي والفني والاجتماعي والنفسي مباشرة) وتوجهات الانفعالات والمشاعر، وتدفع للنظرة الحرام والفسق العلني والفواحش واللامبالاة والجريمة. وكذلك من مستقبل زوجي به من المشاكل ما تقرءون على هذه الصفحة بعد الزواج. إضافة إلى ما في الانجرار إلى هذه الأمور من اتصال بمجتمعات الفساد، وهي شبكات ودوامات فيها كل الموبقات وضد كل الأديان.
وأخيرا.. فإن سنة الله في النفس البشرية الضرب على الحديد وهو ساخن، واستغلال الحماس للشيء فور وجوده، فلماذا في تفكيركم لم يجعل الله "النضج" الجنسي عند 18 أو 21 سنة مثلا؟ إنه نظام الكون، نحن الذين ينبغي أن نطور أولادنا ليكونوا رجالا ويتحملوا في سن التكليف كل التكاليف الشرعية، وإلا فهل رفع عنهم تكليف الزواج (للبالغين المحتاجين إليه منهم) ولم ترفع عنهم الصلاة أو الحج أو الجهاد؟ هذه والله بدعة مدمرة! ونريد بعد أن تنطفئ سخونة الحديد وفورانه الطبيعي الرباني بأن نقول له: نعم الآن انفعل و(حرك) عواطفك التي أمضينا معك 20 عاما في تكتيكات وأساليب كبتها و(التسامي بها!) وقتلها!! هل هذا منطق علمي؟ طبعا سيستجيب على مضض وهو "قرفان" بعد أن مُنع الماء والهواء بحكم اجتماعي مؤبد 20 سنة! وستكون تعاملاته مع كل ما يتعلق (بالأمور دي) تعاملات المجبر المكره الذي فقد حاسة الحب للجنس الآخر وكل ما يتعلق به!
6- وبخصوص الإهمال المتوقع من البنات المراهقات.. أظن أننا نلاحظ دوما أن البنات (ينضجن) أسرع، ويتشوقن للقيام بدورهن الفطري بكل حب، فكم ترى الأطفال الإناث والمراهقات يحببن حمل إخوتهن الصغار وتنظيفهم وإطعامهم وعلاجهم وكل شيء.. كأنها أمه! ماذا ينقصها إذن؟ الزوج. وأن يكون هذا طفلها.
7- عمالة المراهقين (وليس الأطفال) ظاهرة عالمية صحية أيضا: المراهق لم يعد طفلا فساعدوه على الاستقلال المادي والاعتماد على الذات كالغرب، هذا كله بالطبع لو اختار الشريكان -أو وضعتهما الظروف في ضرورة- الانفصال عن بيت الأهل تماما.
المهن (المحترمة) كثيرة لا حصر لها: الإلكترونيات وإصلاح الأجهزة الكهربائية (يحبها جمهور غفير من الأولاد البيع والتجارة، الصناعات المنزلية (وهي فرصة لضرب عصفور ثالث وتنمية المواهب التي نصرخ من موتها!) الكمبيوتر بمجالاته اللانهائية: كتابة.. رسم وإعلان.. برمجة.. ألعاب.. ويمكن للمراهق إذا أجاد في مجال منها أن يقوم بتدريسه لغيره: التدريس والتدريب بدلا من تعلم وتعليم أشياء أخرى تقضي عليه.. أستغفر الله العظيم! محو الأمية وهذا وحده مجال مفتوح وإن كنا سنراعي توازن الأعمار بين المعلم والطلاب.. تحفيظ القرآن بأجر. وأظن أن ما يتعلمه الأولاد في حصص التربية الصناعية هدفه ذلك، وإلا فما هدفه؟ فليطبقوا إذن ما يتعلمونه في التربية الصناعية عمليا وبأجر! ويمكن للزوجة أن تعمل ولو لساعات في اليوم –عند الضرورة القصوى جدا- في حياكة أو صناعة منزلية مع الزوج، أو زراعة أو رعاية أطفال... إلخ. هذا -للأخت نور- وأنا لم أمسّ التعليم من قريب أو بعيد، ولو تحريت عن حال الطلاب الآن لفضلت أن يشغلهم (أو يحفزهم أيضا) الزواج عما هم فيه والذي يقضي على دراستهم وشخصيتهم ومجتمعهم، باسم التعليم أي تعليم يا أختي!!؟
8- المطالب موجودة، موجودة لا ضغوط جديدة إذن على المراهق! من قال إنهم لا يجدون مطالب ومسؤوليات -تجاوزًا- في هذه السن؟ إنهم يبحثون عن موارد لتغطية نفقات الملابس والعزومات في الملاهي الليلية - أو النوادي إن كانوا غير فاسدين – و"الخروجات" والرحلات وركوب السيارات والسهرات! نفقة بنفقة إذن! ثم ليس المشكلة أن أشعر بالمسؤولية -حيث "المفروض" أن أشعر بها عند سن التمييز- أو المطالب المادية الاجتماعية المشكلة هي في "كيف" أشعر بها؟ عبئا ثقيلا؟ أم واجبا محل تقدير من المجتمع؟ ومفتاحا لسعادة زوجية واستقرارا شاملا ورضا رب العالمين وشخصية سوية نفسيا واجتماعيا؟
9- هل نستطيع التفكير خارج ذواتنا ونرى الأمور بمنظار المعذبين ولو لمرة واحدة؟ نور يا أختاه! أنا أكاد أشعر أنك متزوجة، ومنذ زمن.. لذلك لن تفهميني ولن تفهمي الأخت مريم ذات الاثنين والعشرين عاما!
10- معتقدات ومعلومات وعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان:
أ- بخصوص العمر المناسب.. أقول لك إنني بدأت معاناتي (أعواما) منذ الإعدادية، وأذكر أن نصف فصلي في الابتدائية كانوا يفهمون الجنس ويطلقون القصص (المخترعة طبعا) على علاقات جنسية بين الطلبة والطالبات، وهي مدرسة خاصة محافظة ومعظمها من محدودي الدخل (فما بالك بما هو أقل مستوى!) وكان بعضهم يتحدث عن الأفلام الجنسية أيضا، ويقول النكات التي تدل على أنه يعرف كل شيء عن المرأة! والتي لم أفهم معناها أنا إلا الآن.
ب - من يفرض "المفروض"؟ وكيف نتعامل مع واقع مجنون ومع ثقافة التعذيب؟ واقع الإثارة وتلوث الضوضاء الجنسية صار مجنونا، في كل شارع وإعلان ومحشورات بجواري في الميكروباص، وواقفات حولي في الأتوبيس المزدحم! وفي قاعة محاضرات الجامعة والطابور بعطور وروائح رهيبة، وفي التلفزيون مع كل إعلان وأغنية وفي شرائط الكاسيت التي أسمعها رغما عني في الطريق والمواصلات وحتى إعلانات الجرائد، ومزاح -وأحيانا مراودة والله!- الزميلات لي في العمل، فحتى لو تزوجت بعد الجيش (كما ذكرت) تكون الأرض شبعت من دموعي والسماء من صراخي وصحيفتي من المعاصي! من الذي جعله "مفروضا"؟ لا أدري أم أننا وقعنا في الفخ واتخذنا الأمر الواقع (الاستثنائي) المخالف لسنة الأنبياء والرسالات والفطرة أصلا يقاس عليه ومعيارا للصواب والخطأ والمفروض وغير المفروض تعذيبا لأنفسنا وللناس؟ أم أننا ما زلنا نعيش في رواسب ما تربينا عليه ثقافة الرضا عن تعذيب الذات والآخر وربط ذلك بقيم دينية وأخلاقية وضرورات وهمية؟
هل لا بد أن نكون مُكفهري الوجوه متعبين معذبين حتى نكون عند الله مقبولين؟
المشكلة سيدتي في تعودنا على نمط من العلاقات والأفكار -غير موجود أصلا سوى في أذهاننا وما أنزل الله به من سلطان ألمحه في قولك: "بالله عليك هل تعرف شابا عمره ثمانية عشر عاما "المفروض أنه ما زال يدرس في المرحلة الثانوية" من جعل هذا المفروض مفروضا؟ أو ليس من المفروض أيضا كل ما نحن نصرخ من عدم وجوده، أو نستغيث لأنه "مفروض" ألا يكون موجودا؟ الآن حجم وكيف ونوعية واستمرارية واختراقات الفساد 24 ساعة يضغط على المتدين -فما بالك بمن هو أقل مقاومة!- بشكل يكاد يسحقه، بل ويسحقه أحيانا حينما يقول الله سبحانه: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" كل هذه الحواس، إضافة إلى حاسة الجلد أيضا -في المواصلات العامة والطوابير، بل وفي الشوارع المزدحمة- كلها مشغولة بمواقف مثيرة جدا لأي بشر!
يا إخوتي نحن وصلنا إلى الوضع الاستثنائي الشرعي الذي يبيح الله لنا فيه ما لا يبيح في غيره (لو كان حراما أصلا)! ومطالبون -وآثمون إن لم نتحرك - باختيار أقل الضررين وأهون الشرين -إن كان في التربية على المسؤولية ضرر أصلا- كما تقول الشريعة السمحاء الرحيمة التي يبدو أننا لم نعد نفهمها!
ج - هل نسمع ونطيع "للمفروض" من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وسيرة الأنبياء وطبيعة الفطرة؟ "المفروض" فطرة وشرعا أن يتزوج كل من استطاع الباءة الجسمية والنفسية والمادية وإلا كان من إخوان الشياطين، سواء كان ذلك مستقلا بنفسه تماما أو بمساعدة الأهل والنسائب والحي والمجتمع ككل، وإلا فلمن توجّه أمر الشارع "وأنكحوا" في الآية "وأنكحوا الأيامى منكم"؟ إن لم يكن لجماعة المسلمين والحي والأهل؟
وللدكتور أحمد عبد الله أقول: لا أجد ما أشكرك به على تبنيكم لقضيتنا العادلة. ولكن يكفيكم ما ستحفظون من أعراض وما ستفتحون من بيوت. بخصوص وضع المشكلة الجنسية-الأسرية: أنا لا أعرف مدى حجم المشكلة، ولا تداعياتها المستقبلية، ولا موقعها من أولويات الأمة، ولكن أنا أراها مشكلة مهمة جدا وفرض عين لأنه يتعلق بالشرف والعرض والنسل، بل وبمكافحة الزنى والشذوذ وهو كما نعلم يمسخ الناس والأمم.
ولا أدل من أهمية هذه القضية (الزواج) من تسخير الأمم المتحدة والولايات المتحدة ومنظمات كثيرة لمواردها من أجل ضمان صحة الأم والأولاد والصحة الإنجابية، وغير ذلك من قضايا لا يخدمها الانحراف بأي صورة، سواء كان عادة سرية أو مثلية أو زنى أو حتى جنسا خارجيا قبل الزواج.. كلها تؤثر في النفس والمجتمع والإنتاج. ولكن القضية كما تفضلت هي: كيف نسّوق هذه الحقائق ونقنع الناس بها؟ أنا أرى أن المناخ مناسب والشباب يستمع للكلام المنطقي بشرط ألا تقول له: لا تفعل! ولكن قل له: افعل هذا بدلا من هذا! وهذا سيكون كلاما معقولا!
ثانيا: رؤيتي عن بعض قضايا المشروع:
1- كيف نبدأ؟ ومن أين؟ ومع من؟: يمكن لحملتنا هذه أن تبدأ كدعوة وحركة اجتماعية كل منا في محيطه الشخصي.. كما تفضلت الأخت نور -جزاها الله خيرا- وليبدأ بنفسه وأولاده وأصدقائه ومن له سلطان عليهم، وسينتشر التقليد كما انتشر الخمار والنقاب وغيره بدون دعاية أو دعوة مباشرة.
2- توضيح هام: وأحب أن أوضح لكم أنني لا أدعو الآباء إلى (إغراء) الشباب والبنات لا وألف لا أنا أتقدم بوصفة علاج لسرطان اجتماعي موجود بالفعل وصدقوني والله صدقوني، أي شاب مراهق (ذي خلق طبعا) يعده أبوه بمساعدته في تزويجه لو أتقن في دراسته مع نجاحه في عمل بسيط سوف يفجر هذا الوعد في الولد طاقات هائلة؛ ليظفر بمن يحب، وينعم بما يحلم به ويراه في كل مكان حوله (للأسف) من متعة جنسية وصداقة زوجية شابة.
3- سياسات وأساليب مقترحة للتعامل الأسري خلال التجربة:
أ- على الكبار إعطاء الأمان الحقيقي وتوقع سماع المفاجآت وعدم العقاب بل المساعدة في الحل: يا آباء ويا أمهات الشباب ينتظر من الكبار إعطاء الأمان والإذن فقط بالصراخ، وستسمعون أهوالا أنتم عنها غافلون!
ب - احترس تماما أن تقع في الفخ، ويكون همك وتركيزك ونيتك -كأي طفل غير ناضج- أن تستكشف! علاقات ابنك أو ابنتك.. هذا كفيل بتدمير كل شيء إلى الأبد! لا يستخفنك الشيطان ويشكك في أبنائك، ولكن فقط استعد إن كانت هناك علاقة أن تتعامل معها بسلوك نبوي شريف ومسؤول يحيي الموتى ولا يميت الأحياء وبنية أداء رسالتك المقدسة لمساعدتهم في محنهم التي عافاك الله منها في شبابك.
ج - مهدوا للأمور جيدا ثقافيا وفقهيا ونفسيا وناقشوا موضوع الزواج باستفاضة وتفصيل معهم.. حتى يعرفوا (ويعرف الآباء أيضا كافة مسؤولياته ومتعته ومميزاته في الدنيا والآخرة والدين والمجتمع بدون مبالغة في الترغيب ولا الترهيب من مسؤوليته، والتي ستساعدونه حتما على التدرب بالقيام بها كما وجهنا الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وإكمالا لرسالتكم نحو الأبناء والمجتمع بل والبشرية.
4- إحصائيات وأبحاث وأرقام، وبخصوص الإحصاءات والأبحاث فقد قرأت على الإنترنت تصريحا للدكتور "أحمد المجدوب" من مركز البحوث الجنائية في مصر يقول فيه "إن نسبة المساجين المتزوجين لا تتعدى 35% من مختلف الأعمار، أما النسبة الباقية 65% فيتوزعون ما بين العزاب غير المتزوجين والأرامل والمطلقين" وذلك في حديثه عن حق الخلوة الشرعية للسجين وزوجته ألا يعني ذلك أهمية الزواج في مكافحة (كافة) مظاهر الجريمة؟
5- ماذا يقول هدي القرآن والسنة عن كيفية التعامل مع نداء الفطرة؟ كنت أتصفح كتاب "صحيح مسلم بشرح النووي" فوجدت في "كتاب النكاح" باب: "ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته" قوله -صلى الله عليه وسلم- "إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتِ أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه" حديث رقم 2491 و 2492 وفي الرواية الأخرى: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه". هذه الرواية الثانية مبينة للأولى.
يرشدنا الحديث إلى أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته فليواقعها؛ ليدفع شهوته, وتسكن نفسه، ويجمع قلبه على ما هو بصدده. ويروى: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب، وهي تمعس نيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان... إلخ". هذه هي الطبيعة والفطرة يا سادة، فلماذا تدعوننا إلى قمعها وتعذيب أنفسنا ومخالفة الفطرة؟ لماذا؟ كما أننا ينبغي أن نذكر باستمرار أن فتنة النساء على الرجال -خاصة، وإن كان العكس قائما- هي أشد الفتن، والفتنة أكبر من القتل فهل نفعل شيئا لمواجهة (أشد الفتن) بنص الحديث؟ ولماذا في فكركم فصل الله (الرشد) المقتضي دفع الأموال لليتامى عن النكاح في الآية (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم…" (النساء –6).
6- هناك تجارب متناثرة هنا وهناك في دول عربية وإسلامية، لكنها تبقى تجارب عظيمة لتيسير الزواج والزفاف الجماعي وغير ذلك، محدودة النطاق الجغرافي لكنها تمثل (مدارس تجريبية) رائدة ومشجعة على درب التعاون ومحاربة الأنانية الاجتماعية وعدم الإحساس بمعاناة المسلم القريب وخطر ذلك.
7- أفكار بخصوص المساعدة على تزويج المراهق والشاب غير القادر:
أ- على القائمين على هذا المشروع أن يراعوا تصنيف كل حالة وطريقة التعاون مع الشاب، وإن كان الموضوع لا يبدو وكأنه صدقة أو زكاة بل منحة لا ترد أو مسابقة أو منح يرد منها جزء رمزي إلخ.
ب- عدم اشتراط السن، ولكن يمكن الاستعاضة عنه بمقابلات شخصية، وكتب توعية، وتثقيف تعالج الزواج الشبابي من كافة جوانبه، وعمل دورة مناقشات مفتوحة مع مجموعات المتقدمين حولها ومع المتخصصين.
ج -يمكن أن يُعطى للمراهق صك بالمنحة وليكن اسمها أصيلا وجذابا معا: (منحة العفة أو منحة الشرف) حتى يستطيع التقدم للزواج على أساسه، طبعا تجاوبا مع الواقع الفكري، ومع عقلية أهل العروس الذين قد لا يوافقون على الزواج وكل في مسكنه أو في مسكن إحدى الأسرتين.
د - تقدم المنح في شكل عيني (أثاث أو مقدم شقة مثلا) مرة واحدة بموجب عقد الزواج.
هـ - فتح باب تيسير الزواج للمسلمين وغير المسلمين من مواطني الدول العربية والإسلامية بلا فرق، ففي صلاحهم أيضا صلاح للكل وفي استثنائهم إشعال حقد وكراهية وفتنة.
و- التعاون بين المؤسسات المعنية والنقابات والجمعيات الأهلية المعنية.
8- على الحملة كسب تأييد المشجعين والمتعاطفين مع الفكرة من شخصيات عامة ودعاة وشيوخ وشيخات وأمراء وأميرات وملوك وملكات آخرهم ملك وملكة المغرب الشباب جدا المتزوجان حديثا جدا.. ومبروك عليهم وعقبالنا! وإذا تبنى هذا التوجه الكبار (الفاهمون) في بيوتهم مع أبنائهم وتناقشوا فيه مع أصدقائهم، وتحدث عنه الدعاة والمصلحون والنفسيون والاجتماعيون في جو مجتمع يتحرك -جنسيا واجتماعيا- بنفس الحركة ولكن في الحرام.
9- مطلوب أبحاث من المتخصصين وأساتذة الجامعة:
أ- بحث عن ميول واتجاهات وأفكار وممارسات الأطفال-المراهقين عمر 10- 18 سنة عن الجنس وعلاقاته والزواج وتحبيذه والمسؤولية والاستعداد لتحملها.
ب - بحث عن زواج المراهقين -ولن أسميه المبكر لأنني لا أفهم مبكرا عن ماذا؟- في الدول الإسلامية ناطقة وغير ناطقة بالعربية.
ج- بحث عن زواج المراهقين في ريف الدول الإسلامية.
د- بحث عن آراء الآباء والأمهات ومدى استعدادهم لزواج مراهقيهم ومساعدتهم على النجاح، وإصلاح أخطائهم (بعلاقات غير شرعية) في هذا الشأن ومدى استعدادهم لمواجهة ذلك إن كان حدث؟
هـ- طبعا البحوث الفقهية المتعلقة بالموضوع من كافة جوانبه.
10- أمامنا الآن خطتان للبدء: واحدة عاجلة للتطبيق الفوري ومساعدة الشباب الحالي بما تيسر عينيا وبدون أدنى شبهة أذى أو منّ، أو صلة مباشرة بين المعطي والآخذ (ما عدا العلاقات الشخصية الخاصة طبعا)، وهنا سيكون دور أهل البنت مهما وتغيير نظرتهم للناس والأمور و(مستقبل البنت!) مهما أيضا والصيغة الأخرى هي تشجيع الاستعفاف المبكر بالزواج (لمن يحتاج) بدون أي قيود أو شروط من أي نوع! وهذه هي معركتنا مع (المسخرة الفكرية الموروثة!) التي أنشأت مسخرتنا الجنسية الضاغطة!
11- بعض الظواهر الناتجة وبعض الإيجابيات والسلبيات:
أ- من الظواهر المتوقعة: عودة الأسرة الكبيرة ولو في السنين الأولى من زواج المراهقين، ولو في حالات دون أخرى، وما بها من بهجة وانتماء ومشاكل أيضا وتحديات متوقعة ومحتملة.
ب - السلبيات: بالتأكيد سيكون هناك سلبيات، وسيكون هناك سوء استغلال، وسيكون هناك سوء تفسير. إلخ، من طبائع اختلاف البشر في التأثر بأي تجربة، سيسعد بها العفيف الملتزم المسؤول وسيتهرب منها، أو يسيء استغلال فرصها غير الديّن والمستهتر، وبالتأكيد فإن أولياء الأمور لن يعطوا الجوهرة لمن يرميها أو يحرموا الدواء ممن يستحق، فكلهم نظر وبصيرة!
ج - إيجابيات ومميزات زواج المراهقين، وقبل العشرين: التجارب الناجحة لزواج المراهقين موجودة بكثرة، وتفوق الحصر في القرى بالذات، ولكن تحتاج لتسليط الضوء عليها، وأقترح عليكم عمل تحقيق صحفي طويل وشامل لكل الدول الإسلامية عن الظاهرة وآثارها السلبية والإيجابية. "كل" ما أذكره هنا يجري على قدم وساق في القرى بشكل طبيعي، لكن حياة المدن وثقافة المدن أفسدت فطرتنا، وجعلت المعروف عندنا منكرا والمنكر عندنا معروفا.فالزواج يساعد على :
1- وجود هدف ورسالة في الحياة بدلا من الضياع والفراغ الفكري والنفسي: تعرفوا ماذا ينقصهم؟ الهدف المرغوب، والدافع والحافز و"الهدف" في هذه الحياة وهذا المجتمع الذي لا يعلم (الطالب) فيه عن مستقبله (هدفه) إلا "دِكة" أمام المنزل يجلس عليها مع آلاف العاطلين والعمالة المسرحة!
2- حل مشكلة الفراغ والجوع العاطفي والنفسي/الاجتماعي، الكل مشغول ولا يجد وقتا لإشباع عاطفة نفسه، وحينما يكون المراهق متزوجا سيتحقق وجود إنسان بجانبه دائما يدعمه نفسيا. أضف إلى ذلك أنها زوجة شابة فائرة مراهقة متعطشة -مثله- للجنس واللعب والخروج والمزاح، لا 10 و20 عاما بينهما! كما أن في انشغال المراهقة عاطفيا ونفسيا واجتماعيا بزوجها وأولادها في هذه السن سيكون بديلا لها عن (البحث عن الحب!) في الشوارع والإنترنت، والتفريط في العرض لأي وهم، ولأي شخص، مضغوطة وبدون تفكير.
3- مميزات في تربية الأولاد: الأبناء: آباء أقرب لهم سنا وعاطفة وفهما ونشاطا وحركة. وظهور صداقة جميلة بينهما تقضي على السجن الانفرادي النفسي الذي لا نجد له مسكنا غير شلة تقبل أي عضو.. وهي شلة الفساد غالبا.
4- وجود كيان (الأسرة) في نفس ووجدان الإنسان في حد ذاته مكسب، يؤسس قيمة الانتماء المفقودة، وقيم (التضحية في سبيل الجماعة).
5- وجود كيان الأسرة سيفتح لهما (بوصفها شخصا اعتباريا اسمه الأسرة) فرص التعارف مع أسر أخرى، وعمل علاقات صحية نظيفة ناضجة بدلا من علاقات الفرد الواحد، سواء مع نفس الجنس (الشلل) أو مع الجنس الآخر، أو مختلطة! وما فيها من أخطار عدم الإحساس بالمسؤولية وسهولة انتشار العادات سيئة كانت أو حسنة مثل المخدرات، وممارسة الجنس وعبادة الشيطان وغيرها من أي شيء (مثير) يملا الفراغ النفسي والفكري القاتل ويفرغ الطاقة الشبابية الجهنمية!
6- سهولة حل المشاكل السرية والعنف وتغيير (الصورة النفسية) عن الزواج: والله أعلم أنا أظن أن الشباب بشكل عام ألين، وأسرع لقبول التغيير والتوجيه والإرشاد من الكبار؛ لذلك سيسهل إن شاء الله مع من هم في قمة الطاقة الجنسية والإقبال على الحياة، عكس أن تتعاملوا مع من تبلدت مشاعرهم ودخلوا سن اليأس، والعجز النفسي والكهولة العاطفية التي تصيبنا بعد طول حرمان وكبت (كما ذكرتم)، وقهر (بكل أنواعه)، وعادة سرية وأوهام في خيالات ومن ثم تقل رغبتنا في الزواج من أصله أو تموت أو تخفت، أو تبقى مع مشاعر دفينة موءودة من الغضب والحنق على النساء (أو الرجال في حالة المرأة)، حيث إن طول الحرمان والتعذيب بسبب شيء ما يولد في المرء عداء في العقل الباطن تجاهه (تماما كما تكره الأخت مواضيع الزواج بينما أتخوف منه أنا عافانا الله جميعا)، مع ما يتبع ذلك من مشاكل بدءا من التسرع في الاختيار وانتهاء بما بعد الطلاق، ووضع الأولاد، ومرورا بالعنف الأسري! حيث الأسرة لم تعد في العقل الجمعي لنا إلا مصدر مطالب منهكة، ومشاكل، وخناقات، ووسيلة سريعة للإصابة بالأمراض المزمنة كالضغط مثلا! في حلقة مفرغة أخرى!
كما تم -في نفس الوقت- محو الصورة الإلهية لهذه العلاقة، فأصبح الكثير يتساءل: لماذا الزواج إذن؟ ولماذا تعذيب النفس طول العمر في سجن اختياري؟ والتي هي -في كل الأديان - رباط مقدس وكفى، وفي الإسلام نصف الدين.. نعم نصف الدين (بحاله!) يا جماعة.. هذا هو سبب عدم التفاؤل من فكرة زواج المراهقين.
7- حفظ الموارد: تخيلوا معي حجم الموارد التي ينفقها الشباب العزاب والشابات حول الجنس: إنترنت، وأسطوانات كمبيوتر، ومجلات، وشرائط فيديو، ومخدرات وخمور وأدوية الجنس وأمراضه واستئجار شقق وسيارات وخلافه مع التشتيت الذهني والنفسي بسبب هذا الموضوع. نعم المتزوجون يقعون في هذا كله، ولكن (الزبائن) الرئيسيين هم العزاب صدقوني. ما أثر كل هذا على الإنتاج وتحسين الأحوال؟
8- تدعيم الإحساس بالمسؤولية: أمام المجتمع (ممثلا في الأسرة الصغيرة) والزوجة وأهلها التي تسبب فقدانها في الأنانية الرهيبة وظاهرة تجارة المخدرات (منهم كثيرون مراهقون بالمناسبة!!) و(حيتان) الملايين -سابقا-، والدولارات والضمانات -حاليا- وغيرها. انظروا في الحياة الأسرية ومراهقة هؤلاء، ولا أظن أن تجدوها سليمة!
9- تأسيس وإشاعة (ثقافة الزواج) والجماعة والتعاون مع الآخر وما يتعلق بها من إيجابيات بدلا من (ثقافة الانفراد)، وتجنب أو استغلال أو عداء الآخر، وما يتعلق بها من سلبيات.
10- تسهيل امتداد واستمرار الاستمتاع الأسري بعد الأولاد: إذ بعد أن كبُر الأطفال ثم تزوجوا خلال عشرين عاما خدمة! ستكون فرصة جميلة لأن يبدأ الزوجان، وهما ما زالا شابين في الأربعينيات الجزء الخاص المستقل من حياتهما، لا أن يظلا يرعيان أولادا شاخوا في الشباب وانطفأ حماسهم للحياة ولم يجدوا عملا فقعدوا في البيت.
11- طاعة الله في سنة الأنبياء: النكاح "لم نر للمتحابين مثل النكاح": لماذا نغفل عن نصر الله وإننا بذلك نحفظ أعراض الآلاف بل ملايين من البنات والأولاد، بل نحفظ حياة أجنة توءد وأجنة تسقط ومواليد تُلقى على قضبان القطار وآلافا في دور اللقطاء!
وكثيرا ما ينجر الفتى والفتاة بعد سقوطه من باب الشهوة الجنسية إلى ممارسة البغاء أو الإدمان أو الشذوذ! بل نتقي غضبا إلهيا بدأنا نلمسه بوضوح مصداقا لنذير النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-: "إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله -عز وجل- بهلاكها".
12- زيادة الوطنية والجدية في مواقف الدفاع عن الوطن ومصالحه، وقلة جرائم الخيانة وتدمير الوطن والاقتصاد؛ لأن وطنية واستبسال العازب أقل من استبسال المتزوج (عنده عيال وبيت سيخاف الله فيهم) وهذا معروف.
ثالثا: نداء مخلص، وكلمة أخيرة: نداء مخلص لأهل الخير القادرين ومخرجي الزكاة:
أخيرا.. أتوجه هذه المرة بندائي للقادرين ورجال الأعمال أن يجعلوا لحفظ أعراض آلاف البنات والشباب وإقامة أسر ولبنات قوية للمجتمع -وهذا حق المجتمع عليهم- نصيبا في زكواتهم وإنشاء صندوق لهذا الغرض فورا والآن، وتجميع طاقات الجمعيات التزويجية العاملة في العالم الإسلامي لتبادل الخبرات والتعاون المشترك لحفظ شرف ونَسَب المسلمين في أرض الإسلام.
يا جماعة قليلا من العدالة الاجتماعية في الإسلام قليلا من حقوق المسلم على المسلم التي نسيناها تماما ونرددها دائما في نفاق غافل وندعي أننا مؤمنون! .
أنقذونا وأنقذوا معنا شرفكم وعرضكم، يا أرباب الأسر الكريمة.
17/6/2025
رد المستشار
أسفرت عن حقيقتك، وكشفت عن وجهك وأفصحت عن نواياك، واتضحت خطتك..
وصلتني رسالتك وأنا أستعد للسفر في جولة آسيوية طالت، وحملت كلماتك معي أطوف بها ومعها، وكم تمنيت أن يشفق عليك وعلي زميل أو زميلة في فريق الاستشارات أو مستشاري الصفحة وبدلا من التأخير تظهر على كلماتك إجابة وسافرت إلى بلاد منها الصين فهل تعرف ما هو أبعد؟ وعدت لأجد سؤالك كما هو ينتظرني لأجيب عليك.. وطبعا أنت لاحظت أن رسالتك طويلة جدا هذه المرة، وتتضمن العديد من الأفكار، فهي دسمة كما وكيفا، اثنتا عشرة صفحة يا رجل؟ وكان صديقنا هاني من الأردن قد قال في تعقيب سابق عليك أن أمامه مرافعة لا بد أن يعدها وهو يعمل محاميا ولكنه قبل المرافعة جلس ليكتب رسالة بعثها لنا، ويبدو أنك على عكسه أرسلت لنا المرافعة نفسها فهل أنت أيضا تعمل محاميا؟
المهم أن رسالتك هذه المرة جاءت كاشفة لأبعاد جديدة من مخططك الذي كان قد بدا بريئا للوهلة الأولي. أنت تريد أن نقلب حياتنا رأسا على عقب: تريد من الآباء والأمهات أن يصيغوا السمع للأبناء والبنات بعد أن يعطوهم الأمان، ويتناقشوا معهم ومعهن بصراحة ودون نفاق أهكذا ببساطة؟ تريد من الشباب أن يثق في نفسه، ويتحول إلى قوة منتجة منذ نعومة أظفاره فيخرج إلى الحياة العملية جامعا سلامة القصد، إلى حماس الروح إلى عنفوان القوة البدنية مستثمرا هذا كله فيما يعود على نفسه بالستر زواجا، وما يعود على وطنه بالنفع إنتاجا وتنمية يا للعجب.
وتريد أن تختفي من حياتنا أساسيات وثوابت تعودنا على وجودها في مستوى القيم الاجتماعية، والسلع الاستهلاكية فتخسر محلات الأزياء التي تنتج وتبيع الثياب الكاشفة والضيقة والمثيرة، وتخسر كل استثمارات خدمات المتعة الحرام، وإدارة العلاقات غير المشروعة يا للهول.
وتريد أن يتغير موقفنا من تنظيم النسل حين نرى الإنسان ثروة نسعد حين تزداد، ونستثمر فيه ولا يصيبنا الحزن حين تتكاثر الأعداد فنراها أفواها مفتوحة تلتهم عائدات التنمية المعوقة أصلا وتريد أن تبطل حجة القائلين بأن مصيبتنا في الإنجاب غير المحدود وتريد أن ترد على المتواكلين القائلين بأن محض الإنجاب يعني زيادة الموارد والرزق فتقول أنت: إن العبرة بالزيادة نفسها ولكن العبرة باستثمارها فأي منطق هذا؟
وتتجرأ على الكبار –كل الكبار- ناقدا أحوالهم وازدواجية خطابهم، وتعاميهم عن الحقائق الساطعة لصالح الأوهام الشائعة وتطالبهم بالتوبة عن هذا ليتوب الله عليهم فكأنك تطلب من الشركاء في الجريمة أن يكونوا شهودا على أنفسهم وقضاة على أعمالهم وجزءا من حل المشكلات التي شاركوا في صنعها.
وتتدخل في مجال علم النفس والاجتماع مطالبا بإعادة تعريف ومراجعة في مفاهيم مثل: النضج والمراهقة إلخ.. وتستنكر مقولات المدارس الغربية المعتمدة لدى مراجعنا الأكاديمية التي ترى أن المراهقة مرحلة أزمة، فتقول سيادتك للمتخصصين: لطفا لعل الأزمة فيكم.. فماذا أبقيت دون انتقاد وماذا تركت دون محاولة اجتهاد؟ وأنت تقتحم مساحات سلطة العلماء والفقهاء والمسؤولين والآباء وحتى الشباب لتقول آراء جذرية انقلابية مرفوضة بحكم الأمر الواقع، والشائع، وأنت تستغل حجاب الإنترنت لتقصف قواعد حياتنا الجميلة المستقرة.
لا شك أن مخططك هذا هو التخريب بعينه.. في نظر الكثيرين، أما أنا فسعيد به وبك وأدعو لك، وأتفق معك في كل ما قلته تقريبا أنا أهنئ الصفحة بك وأهنئك بكل من تجاوب معك ومن سيتجاوب مع رسالتك هذه بإذن الله. ولكن من واجبي نحوك ومن حقك علي أن أساعدك لتعرف أولا حقيقة وأهمية ما تدعو إليه، ولتنتبه ثانيا إلى طبيعة العقبات والعوائق التي تنتظر فكرتك.
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل في أعقاب لقاء الوحي الأول بالنبي الكريم، وبعد أن سمع ورقة بالأمر من خديجة زوجة الحبيب وأم المؤمنين الأولى.
قال ورقة للرسول بعد أن سمع منه عن الرسالة: ليتني أكون معك حين يخرجك قومك.. فيتساءل الرسول الكريم –بأبي هو وأمي- في براءة: أو مخرجي هم؟ وذلك لأنه كان يحمل لقومه الخير كله والحق كله والسمو كله، يحمل لهم العز والرقي والسيادة في الدنيا، والنعيم والرحمة، والجنة في الآخرة، ولا يرى أن أي عاقل يمكن أن يأبى هذا ويؤثر عليه النقيض ولكن ذلك كان وسيكون إلى قيام الساعة.
صحيح أن الداعية لفكرة لا بد أن يتمسك بالصبر، وطول النفس ويتسلح بأدوات المنطق، وأساليب الإقناع من معلومات وأفكار وأطروحات ناصعة صحيحة متماسكة، وأن يجمع بين الموعظة المؤثرة والأسلوب البليغ بما فيه من ترغيب ووعيد، ولكنه بالإضافة إلى ذلك ينبغي ألا يتوقع النجاح السريع.. أو حتى المديح الواسع، بل ليته ينجو من اللوم، وصنوف المعارضة أو المواجهة بشتى الطرق.
ودعوتك التي تدعو إليها واضحة في منطقها قوية في حججها محددة في مطالبها واعدة في نتائجها والمناخ الذي نعيشه يقول: إنه علي الأقل: لا بأس من التجريب لأن الأمر لن يكون بحال من الأحوال بأسوأ مما نحن فيه، ولكن هذا ليس كافيا للنجاح رغم أنه معقول للبدء.
رغم جودة تحليلك، وتماسك ردودك وحرارة دفاعك عن أطروحاتك فإنك وقعت في تناقض قاتل: ففي الوقت الذي ترى فيه الكبار بمثابة السجان بل والمسجون في أغلال عقدهم الدينية والنفسية، أراك تتوجه إليهم في نهاية المطاف ليتفهموا ويتغيروا وأنا أشك في الكبار من هذه الناحية تماما، لأسباب فسيولوجية بيولوجية وأخرى نفسية وثالثة اجتماعية وثقافية تجعل الكبار دائما هم الحلقة الأقوى والجبهة الأصلب في مواجهة التغيير والتغير، فلهم مصالح فعلية متجذرة ولهم على الأقل عوائد مستقرة في التفكير والسلوك وإدارة الأمور أضعاف ما للشباب في نفس الواقع الذي يعيشه هؤلاء وأولئك.
وعندما أتحدث عن الكبار أقصد الكلمة بمعناها الواسع، وليس فقط الآباء والأمهات ولا تكفي النوايا الحسنة كما لاحظت أنت ولا الكلمات الطيبة؛ لأن العمل على غير ذلك فنحن فعلا أمام تشابكات وتراكمات لعقود طويلة، وأمام مخاوف مستمرة ومستقرة من أوضاع وأشياء بعضها حقيقي وبعضها متوهم ولا تفلح الكلمات أو المواعظ وحدها هنا.
وتأمل معي في مسيرة أية دعوة: بمن تبدأ وكيف تظهر وتنجح؟
الصنف الأول من الرواد يكون من فئة الرساليين وهم فئة قليلة بطبعها ولكنها غاية في الأهمية وهم يتحرون الحق حيثما كان، ويدورون معه حيث دار، ولو كان ضد مصالحهم الآنية المؤقتة والمحدودة؛ لأن مصلحتهم المهمة والكبرى أن ينتصر ما يرونه وينحازون إليه بوصفه الحق، والأفضل للإنسان، ومثالهم في دعوة الإسلام سيدنا أبو بكر، ويأتي من بعده مباشرة عمر بن الخطاب ثم الآخرون من الرعيل الأول من هذه الفئة.
وبعد الرساليين تأتي فئات الناس تختلط لديهم المصالح بالمبادئ بدرجات ومقادير متفاوتة فيكون بعضهم إلي هذه أو تلك أقرب، دون أن يقتصر على واحدة دون الأخرى، ثم تأتي فئة أصحاب المصالح يرون أن العاقبة لهذه الدعوة فيندرجون في الصف بحثا عن المغنم، وقد تصلح أحوالهم وتستقيم سيرتهم فيما بعد، ووسط هذه الفئات جميعا يكون الشباب أسرع حركة وأكثر مرونة والشباب كما تعرف ليس مرحلة عمرية بمقدار ما هو حالة نفسية فيها قدرة على العطاء، واستعداد للبذل ولتحمل تبعات ومسؤوليات الرغبة في التغيير، الشباب حماس وقوة وعزيمة وإرادة تجلت في تحركات مناصرة فلسطين خلال الأسابيع الماضية كما رأينا، ويمكن أن تتجلى في مناصرة فلسطين خلال الأسابيع الماضية كما رأينا، ويمكن أن تتجلى في مناصرة أية قضية. وهنا ألفت نظرك إلى أن الحماس لقضية والاستعداد للتضحية من أجلها شيء، أما النضج فشيء آخر تماما رغم أن الأول يمكن أن يكون مقدمة للثاني.
ولا أريد أن ندخل في جدل يشبه المناظرة التاريخية التي لم تنحسم بعد عن البيضة أولا أم الدجاجة، أنت تقول أعطوا الشباب أو المراهقين فرصة وثقة وأذنا مصغية إلخ.. وسترون منهم ومنهن عجبا، والبعض يقول النضج أولا. وأرى أن الطرف صاحب المصلحة الكبرى في التغيير وصاحب القدرة الأوسع والإرادة الأقوى هو الطرف المطالب بجهد أسرع وأعظم فهل الكبار هم هذا الطرف؟
أخي الكريم، إن الاحترام والتقدير والفرص التاريخية كلها مثل الحرية لا تعطى ولكن تنتزع؛ فلا تقل للكبار أعطوا فهم غالبا لن يفعلوا إلا قليلا ممن يفقهون ويبذلون، ولكن قل للصغار: تعالوا ننضج معا لننسف ما استقر في عقول الكبار، وما يتكرس الآن في وعي الجميع عن أجيال تائهة لا تدري من أمر دينها أو دنياها إلا القشور.
لا تتوقع تغييرًا في نظام التعليم أو نمط التفكير أو أسلوب حياة الناس إلا بجيل كامل من الاستشهاديين يوقف حياته على نسف ما استقر من انطباعات وممارسات وأوضاع تحب وأحب –ومعنا كثيرون– أن تتغير، لكنها ستظل ما لم يبرز سف من المراهقين/ النموذج في التزامهم ووعيهم، وفئة من الآباء والأمهات/ النموذج في مرونتهم وتفاهمهم، وعندئذ يمكن أن نتحدث عن تعديل لاتجاه التيار، ولدينا الآن بدايات جيدة من هذا وذاك، فقط أردت أن أقول لك: الشباب بالمعنى الأعمق للكلمة هم المخاطب الأهم بخطتك وأفكارك، وليس غيرهم.
* وقد يفيد على سبيل المثال أن نتناقش كيف تتحول الروح العالية، والمشاعر العاتية التي اندلعت مع الانتفاضة، وخلال شهر أبريل- نيسان المنصرم فشملت أقطارنا من المحيط إلى الخليج، بل وامتدت إلى أنحاء كثيرة في العالم، كيف نستثمر هذه الروح – ومعظم روادها كانوا من المراهقين والشباب – في إنضاج هذه الأجيال؟!
والنضج هدف في حد ذاته، رغم أن الوعد بالزواج يمثل دافعًا مضاعفًا، وقبله ومعه الدافع لدخول جنة الله، وتحصيل رضاه، لأنني أرى الشاب التافه، أو المراهق الأرعن الخاوي من أي مضمون، أراه سائرًا إلى حتفه حتمًا تتناوشه السهام، وتتربص به الدوائر، فإن لم تخطفه المخدرات بأنواعها، جذبته أفكار الهوس المتلبسة بالدين حينًا وبالكفر أحيانًا، أو امتصته حمى الجنس المتصاعدة، أو هو يتردى في مهاوي اليأس والقنوط، واللامعنى واللاجدوى في واقع قاتل متخلف يحيط به، ولا عاصم له من هذه الأهوال والأمواج العاتية العالية إلا بإيمان زين الحماس بالوعي، ويضبط القدرة بالعقل، وينطلق بعد ذلك غير عابئ بتثبيط أو تخذيل.
* ما ضاع حق وراءه مطالب، وبمقدار ما يكون هذا المطالب واعيًا بما يريد، مستعرًا جدية مسعاه، وصعوبة مبتغاه، مدركًا حقيقة قضيته، صامدًا في الثبات على موقفه بمقدار ما ينجح وما نحن بصدده هنا ليس مجرد مطلب جنسي أو نفسي مشروع بحب الدين والظروف المعاصرة فحسب، ما تتحدث عنه يا "أخي في حقيقته هو تخطيط مختلف للمستقبل، وهندسة مغايرة لما نعيش عليه، وصحيح إن واقعنا لا يغري بالحفاظ عليه أو التمسك به، ولكن هذا لا يكفي وحده للتغيير، فالتغيير ليس عملية تلقائية كما تعرف، وليس ساعة رملية تنقلب على ناحية عندما تفرغ الأخرى.
وأعيدك إلى نفس المشهد السابق: النبي الكريم مع "ورقة بن نوفل" حين تساءل الرسول مندهشًا: أو مخرجي هم؟!
فرد ورقة: ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عاداه قومه، وهو في تقريره هذا يشبه الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إلام تدعو الناس؟! فقال الحبيب المصطفى: أن يشهدوا أنه لا إله إلا الله، وأنني رسول الله فرد الأعرابي: هذا أمر تقاتلك عليه العرب فهمها الأعرابي، ولم نفهمها!
* أنت تقول للناس: تعالوا نتغير بجد، وفي نواحي كثيرة، فهل تصلح دعوة كهذه أن تكون من وراء حجاب؟! وهل تنتظر بعدها شهقة من السامعين، أو أن يقولوا لك: تصور أننا كنا غير منتبهين لهذا كله وجزاك الله خيرًا ثم "تصفيق حار"؟!
لا يا أخي.. فكرتك أهم وأخطر من هذا، وتحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد النقاش من وراء حجاب، ولا أدفعك بهذا إلى الظهور – فهذا أمرٌ تستقل أنت تقديره – ولكن أحاول أن أبحث معك عن أبعاد ما تطرح، ومقتضيات إنجاحه. وأرى أن نقطة البدء التي في أيدينا أن نعمل على إطلاق مبادرة من الجيل الجديد وإليه تطرح سؤالاً وهدفًا محددًا ومركزيًا: كيف ننضج؟! ونصبح مسؤولين عن أنفسنا وأمتنا؟! وكيف نستفيد من إيجابيات وجود الكبار، ونتلافى سلبياتهم.. وهي كثيرة؟! كيف نكتسب من المعارف والقدرات والمهارات ما نستطيع معه انتزاع الاعتراف بالوجود الأدبي، والحق في الاستقلال، والتأثير والمشاركة في إدارة الأمور؟!
كيف نصبح نحن – كما هو الأصل- قاطرة التغيير، والأمل في المستقبل بدلاً من وضعنا الحالي في ذيل القطار، عالة عليه يجرنا، ونجر معنا أذيال الخيبة والبطالة، والعبث، والاكتئاب؟!
كيف نصبح أقوى لنقود أنفسنا، وتغيير أمتنا بدلاً من أن تقودنا شهواتنا، وتحكمنا غرائزنا؟! لسنا أقل من وفاء أدريس، أو آيات الأخرس، ولسنا أقل من عشرات الفتيان والصبايا على أرض الإسراء يواجهون بصدورهم المفتوحة، وأيديهم العارية من كل سلاح إلا الحجر فوهات الدبابات، ومدافع الأباتشي، ومن أراد التغيير فلا مفر من المواجهة "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم".
* وفي درب المواجهة المسؤولة، والجدية الفاعلة، والشهادة على واقعنا، والاستشهاد الحي ببذل النفس في ساحات العمل والنهضة، في هذا الدرب لا أخشى على شاب مراهق أو فتاة تتفجر أنوثتها، لأن الشهوة هنا ستكون في سياقها الإنساني الطبيعي: صفحة من ضمن صفحات، وفكرة وسط أفكار، ورغبة "ليست" الوحيدة، ولا الضاغطة في فراغ من الدور والفعل، والوعي.
لا أخشى أنا من الغريزة المشتعلة أو الشهوة المتقدة أو الفوران الجنسي إلا إذا كانت هذه النيران تشتعل في فراغ النفس والذهن والمجتمع، لأن الإنسان التافه، والمجتمع المخلف سيكون وقودًا سهلاً، وريحًا تحمل شرارات النار ليحترق كل شيء، أما السياق الذي يعمل وينتج، يفكر ويتحرك، يتفاعل ويتدافع فستظل فيه تلك النار شعلة ضوء، ودفء حميم يعطي الحياة طعمًا ولونًا ورائحة.
* مرة أخرى وأخيرة لا أريد أن ندخل في جدل "البيضة أم الدجاجة"، ولكنني أراك تطرح أمورًا إما أنك تعرف قدرها وحقيقتها، وهذا يتطلب منك أكثر من مجرد البيان الذي أراك تحسنه، أو أنك لا تعرف حتى الآن، وفي كل الأحوال نحن معًا حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الفاتحين.
وفي رسالتك من الأفكار ما يستحق نقاشات أوسع في قضايا كثيرة، ولكنها المساحة المحددة، وأرجو أن يتسع المجال لجولات قادمة من النقاش، والرسالة برمتها مطروحة على القراء الكرام للتعقيب والمشاركة.