بسم الله الرحمن الرحيم..
أعتذر إن كنت أبوح لكم بهذه المشكلة في هذا الوقت الذي تنشغل به أمتنا بجراحها في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وغيرهم من البلدان التي تراق فيها دماؤنا.. ولكني والله قد ضقْت ذرعا، وأحتاج فعلا إلى رأي سديد وقول رشيد من أهل الحكمة والخبرة أمثالكم.
أما بعد... عرضت هذه المشكلة من فترة على سيادتكم من فترة بعنوان: شماعة ضغوط الأهل: الشاب أيضًا يتراجع، وتم حل المشكلة لفترة ليست بالقصيرة، والمشكلة أعيدها مرة أخرى للتذكرة وهي كالآتي باختصار حتى لا أطيل عليكم..
إني تزوجت منذ ما يقرب من عامين، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن وأنا في مشكلة هي أني تزوجت في لحظة غفلة عقل.. وأوضح فيما يلي تبعات هذه الغفلة: كنت خاطبا فتاة ولا أكرر ما تحدثت عنه من قبل في صفحة المشاكل من أن العلاقة بيني وبين خطيبتي "علاقة طيبة" آنذاك، ولكن كنت أشعر أني قريب من أشياء تقربني وتعينني على طاعة الله وليست في شخصها، ولكن في أسرتها المتدينة وأخيها الذي هو صديق عمري، انفصلت عنه بعد ذلك -وليس انفصالا جذريا- المشكلة هي أني منذ زواجي من أم ابنتي حتى الآن لا أشعر أني متزوج فلا يوجد مشاعر بيننا، وأنا الآن أعمل في مجال علاقات عامة، وأخشى على نفسي من الفتنة من النساء، فأنا الآن أجاهد نفسي أكثر مما كنت عليه وأنا شاب...
فكرت كثيرا أن أتزوج الاثنين، ولكن تأكدت من نفسي أني لن أعدل بين خطيبتي الأولى وزوجتي... وفكرت لو طلقت زوجتي وأعطيتها حقها، وكل ما أملك، وألتزم بالإنفاق على طفلتي حتى زواجها... ولكن أخاف أن أشعر بالندم بعد ذلك فأنا في حيرة من أمري - أعلم أن سيادتكم لا تختارون لأحد - ولكني أريد المشورة التي ترشدني إلى ما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة.
ملحوظة:- سبب الانفصال عن خطيبتي الأولى هو ضغوط والدتي عليَّ لأسباب أنانية لأني وحيدها، ولي أخت أخرى، وهي كبيرة في السن، وكنت أخشى أن يحدث أمر الله، وأكون السبب في ذلك... مع العلم أن خطيبتي حتى الآن لم تُخطب لأسباب الله أعلم بها، ولا أعتقد أنها في انتظاري - إني أحسب نفسي، ولا أزكي نفسي أني من الملتزمين؛ ولذلك كتبت إليكم، حيث إني أجد راحة نفسية بعد الكتابة إليكم، مع العلم أني عرضت نفسي على طبيب نفسي، ولكن لم أقتنع بعلاجه. –
العقبات كثيرة بعد - لا قدر الله - طلاق زوجتي، أعتذر عن الإطالة.
وأسأل الله أن يجزيكم عني خير الجزاء، ويجعله في ميزان حسناتكم.
14/6/2025
رد المستشار
أخي الكريم، أهلاً بك هذه المرة أيضًا، ونحن لا نمل مَنْ زارنا أبدًا، ولعلك قد قرأت إجابتي على رسالتك السابقة، ولن أكرر لك ما قلته فيها. وتستطيع من الآن فصاعدًا أن تتحول بأسئلتك إلى مستشار آخر إذا أردت ذلك، أو إذا وجدت إجاباتي لا توصلك إلى الوضوح الذي ترغبه، أما وأنك ما زلت تكتب لي شخصيًا فمن حقك أن أرد عليك.
تقول يا أخي: إن أمتنا مشغولة بجراحها في العراق وفلسطين، ثم تقول إنك تزوجت في لحظة "غفلة عقل"، ألا ترى معي أن قدرًا كبيرًا مما نحن فيه كأمة إنما جاء نتيجة طبيعية لغياب العقل الفردي والجماعي، فإذا بنا أمام هذا الوضع الشائن المزري.. ولا تكفي الكلمات للتعبير عما نحن فيه!!
إذن فليست مشكلتك في جوهرها بعيدة عن مشكلات الأمة، بل هي جذر واحد هو غياب العقل، وقلت لك من قبل إن المشكلة ليست فقط في غفلة العقل واختلال الإرادة، وخلط الأوراق، وتشوش التفكير، ولكن أيضًا في الهروب من المسؤولية، وهو ما حذرتك، وأحذرك منه حين تقوم بإلقاء التبعة على والدتك تارة، وعلى زوجتك تارة أخرى، فالحقيقة أنك الملوم الوحيد، والمخطئ الأول والأخير، وهذه نقطة لازمة للبدء الصحيح بدلاً من خداع الذات مرة أخرى، وأمتنا قد احترفت الهروب من المسؤولية وخداع الذات ولوم الآخرين.
ودون أن ألغي ما قلته لك من قبل ينبغي أن ألاحظ معك نمط التفكير "التعجيزي" الذي تتبناه، وهو ذائع منتشر في حياة أغلبية الناس، فأنت بعد إلقاء التبعة على غيرك تذهب تبحث عن حلول فتجدها مؤلمة وصعبة، فتغلق الباب تلو الباب، ثم تقول أعطوني رأيًا أو اقترحوا علي مخرجًا، وأنت أغلقت المخارج كلها على نفسك، فهل هذا النمط يمكن تسميته بأي اسم غير استمرار غفلة العقل وغيابه.
تأمل معي:
- زوجتك لا تتحرك ولا تتغير -طبقًا لإفادتك-، وأنت تريد أنثى وامرأة فهل خاطبت في زوجتك تلك المعاني؟ أم أنك تعيشها في خيالك، وتحتفظ بها مرتبطة فقط بخطيبتك السابقة؟! فلا أنثى غيرها ولا امرأة سواها؟!
- يبدو أن خطيبتك السابقة كانت أجمل شكلاً، ولكنها أقل التزامًا، وأنت اليوم تعمل في العلاقات العامة، وتثيرك فتنة النساء، وتجاهد نفسك... إلخ، فهل تظن أنك لو تزوجت نساء الدنيا كلها إلا واحدة فسيمنعك هذا من الافتتان بها أو أن تشتهي وصالها؟! لا يا أخي إذا نام العقل، واضطرب التفكير، واستيقظت الشهوة فلن تنفعك نساء الدنيا، فعن أية فتنة تتحدث؟! الفتنة ليست في عطر يفوح أو مفاتن تلوح.. الفتنة بداخلك، وبداخلي وبداخلنا جميعًا، ونحن نختار أن نستجيب لها أو أن نهذبها، ولو اعتكفت في مسجد تصوم النهار، وتقوم الليل، فإن ذلك يضعف الشهوة، ولكن الفتنة تظل هناك تنتظر الفرصة لتنطلق.. إذن هناك الشهوة والفتنة والفرصة، وهناك العقل.. فأين عقلك؟!
- ولأنك تصر على تغييب عقلك ثم تقول ساعدوني.. تذهب لتقول إنك متأكد أنك لن تعدل بين هذه وتلك إذا تزوجت أنثاك التي في خيالك، فعن أي عدل تتحدث؟! عدل العقل في العطاء المادي والأصول؟! أم عدل القلب في المشاعر؟! وإذا كنت تخشى الظلم في قسمة العقل والقلب أو أحدهما.. ألا ترى أنك بالفعل حاليًّا تظلم زوجتك، بل تخونها شعوريًّا حين تعطيها نفسك جسدًا بلا قلب ولا مشاعر، وتعطي الروح والحب لامرأة في خيالك؟! هل من العدل أن تقارن بين واحدة رأيت عوراتها النفسية والجسدية، وأخرى لم تر منها إلا الوجه الحسن، والحديث الحلو، ووعود الأماني السخية قبل الزواج؟
- ثم تذهب تتحدث عن عواقب الطلاق.. طلاق مَنْ؟! طلاق زوجتك التي كانت في بيتها، ثم ذهبت تطلبها جسدًا وقلبًا فأعطتك ما استحللته أنت منها بكلمة الله، ولم تعطها أنت إلا جسدًا بلا روح، وهمًّا مقيمًا، بغفلة عقل منك، وأوضاع لا ناقة لها فيها ولا جمل ولا ذنب غير أنها صدقتك، وذهبت معك لتكون تحتك، تسلمك نفسها، وتحمل منك وتلد، ولمّا ذقت عُسيلتها (حلاوة الجماع)، ونثرت بطنها، وأخذت منها، ولم تعطها.. ذهبت تقول: ما هذا الذي فعلته بنفسي؟! آسف لم أكن أقصد؟! تزوجتك في لحظة غفلة عقل؟! وعاشرتك في لحظة غفلة عقل؟! ونفخت بطنك بجنين في لحظة غفلة عقل؟! واليوم انتبهت.. فماذا أفعل؟!
- هل تعرف يا أخي الكريم ما هو الحل المثالي لمشكلتك؟ ولكثير من مشكلات أمتنا البائسة؟! أن يعود الزمان إلى الوراء فنختار طرقًا أخرى غير التي سرنا فيها، وإن كنت أحسب أننا في غفلة عقولنا سنكرر أخطاءنا!! دعني أتأمل معك المقترحات أو المشاهد المطروحة:
* مشهد الجمع بين زوجتين، ويتبعه أن تنزل الأولى من برجها العاجي في خيالك إلى أرض الواقع في بيتك، وساعتها ستقول أنت: يا ربي لم أكن أظنك هكذا!! وتكاليف هذا المشهد مادية ومعنوية، وله إيجابيات وسلبيات بالطبع.
* مشهد طلاق زوجتك، وزواج الأخرى: وله تبعات أنت تعرفها أكثر مني، وسيوجعك ضميرك، وبخاصة حين ترى بعينيك أن الأمر لم يكن مثلما تخيلت فيما يتعلق بالأنثى التي في خيالك.
* مشهد طلاق زوجتك والبقاء لفترة حتى تسترد عقلك الغائب؛ لأنني أراك مندفعًا دون عقل، فتنقلب الأشياء في إدراكك، وتضطرب مشاعرك وأفكارك، وتحتاج إلى فترة تستعيد فيها توازنك، وتتخذ فيها قرارًا تكون مسؤولاً عنه هذه المرة.
* مشهد العلاج النفسي: وأنت لم تذكر لنا تفاصيل هذا الخيار على مستوى الأعراض، كما سألتك في إجابتي السابقة، ولا على مستوى طلبك للعلاج الذي تقول إنك لم تقتنع به (!!) في رسالتك الأخيرة هذه.
* مشهد البقاء كما أنت، وهو ما من شأنه أن يسلمك للحزن والكآبة، والبحث عن تفسيرات غيبية أو خُرافية لما أنت فيه، وحلول من نفس الصنف، أو لعل الله يفتح عليك فترى الأمور بشكل مختلف بناءً على وعي مختلف، وفي كل الأحوال، أرجو أن تتابعنا بأخبارك. والله معنا.