عن نفسي كثيراً ما أنسى، صحيح أنسى الإساءة ولكني أنسى أيضاً ماذا قال لي فلان حينما حدثني بالهاتف أو ماذا كنت أنوي أن أفعل حينما ذهبت إلى تلك الغرفة من المنزل... وقد وجدت أن ذاكرتي تتحسن كثيراً حين تكون كل أمور حياتي مرتبة وحين تقل الضغوط أو الأعمال خاصة تلك التي تتطلب مجهودا ذهنيا وتركيزا عاليا.
أحب أن أقول أن قوة ذاكرتنا كبشر تتفاوت من شخص إلي آخر كما أن تخصص الذاكرة يتفاوت أيضا فبعضنا قد يحفظ جيداً أرقام الهواتف والبعض الآخر يحفظ أسماء الأشخاص، ومن ناحية أخرى هناك قدر طبيعي من النسيان يتعرض له كل منا، كأن ننسى الأحداث التي وقعت في فترات بعيدة، إلى أن نصل مع تقدم العمر إلى أن تكون حالة الذاكرة كما وصفها الله تعالى بدقة في سورة النحل آية 70 حيث النسيان التام لكل ما كان الفرد يعلمه (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
لكن لمَ يحدث ذلك؟ لماذا ننسى؟ مثل هذا السؤال يدور في أذهان بعض الناس، وخاصة عندما يتعرضون لكثير من المواقف الحرجة والحساسة بسبب نسيان بعض المواعيد المهمة، أو نسيان أسماء أشخاص مقربين لهم، أو نسيان أشياء مهمة أو أماكن لا يتذكرونها.
على أي حال هناك رؤى مختلفة لتفسير سبب أو أسباب النسيان ومنها أن الإنسان إذا ترك موضوعاً اكتسبه لفترة ما فإن ما اكتسبة يضمر فينسى وتتلاشى المعلومات التي تعلمها، وكلما طال الزمن الذي لا تسعمل فيه هذه المعلومات زاد التلاشي، فخبراتنا تسجل في دوائر كهربية وعصبية في المخ –ومع الزمن تضمر هذه الستجيلات وتصبح ضعيفة.
وتسمى هذه النظرية باسم" نظرية الضمور Decay Theory". فالطالب يتذكر بعض الدروس التي يحبها بينما ينسى الدروس التي لا يحبها بسبب عامل الوقت والمراجعة فنحن عادة ننسى أن لم نحاول استعادة ما تعلمناه مع مضي الوقت.
أما نظرية التداخلInterference Theory فترى أن المعلومات التي نكتسبها قد تتدخل في معلوماتنا السابقة وقد لوحظ أنه إذا نام الفرد بعد تعلمه بعض المواد فسيتذكر هذه المواد بطريقة أوضح عما إذا كان تعلمها أثناء النهار وقد أرجع العلماء ذلك بأن تدخل أوجه النشاط المختلفة أثناء النهار، وكثرة الأعمال الذهنية والحركية من طبيعتها أن تؤثر على عملية التدعيم.
هناك إجابة أخرى على السؤال وهي أنه كلما كانت المادة التي نكتسبها أو نتعلمها كاملة وحاصلة على معنى كان تذكرها أيسر وأبقي. أما الأشياء الناقصة وغير الحاصلة على معني فهي أكثر قابلية للنسيان ويطلق على هذه الإجابة" نظرية عدم اكتمال المكتسب".
ورغم أن نظرية عدم اكتمال الخبرة أو المكتسب تعد أكثر النظريات صحة في تفسير النسيان، إلا أنها لم تفسر ما وراء التذكر والنسيان من قوي تجعل بعض المعلومات لا تكتمل، فكثيراً ما تلعب الدوافع دورا هاماً في النسيان والتذكر .
من هنا ظهرت فكرة أخرى ترى أننا في الواقع لا ننسي شيئا أبداً، وأن ألأشياء التي تبدو لنا منسية ليست إلا أشياء لا نستطيع التوصل إليها لسبب أو لآخر فنحن في معظم الأحيان نكون مشغولين بالانتباه إلى الخبرات الجديدة لدرجة تمنعنا من التفكير في الخبرات القديمة. ويطلق على هذه الفكرة" نظرية عدم التوصل".
ولكن أليس للتحليل النفسي رؤية ما فيما يتعلق بموضوع النسيان؟ فلقد اعتبر فرويد أن الأشياء التي نتذكرها والأمور التي ننساها على صلة بقيمتها وأهميتها بالنسبة إلينا وهكذا فإن الأشياء المزعجة لنا نميل إلي نسيانها نسيانا مؤقتا وذلك بطردها من شعورنا. وهذا ما يسمى بالكبت الذي يهدف إلى حماية أنفسنا من المعلومات المؤلمة غير المقبولة. وتسمى "نظرية الكبت Repression Theory".
لكن هل الأمر كله نظريات؟ وهل تشبع هذه النظريات نهمنا للفهم وهل تجيب على سؤال لماذا ننسى؟ أم أنها تطرح مزيد من الأسئلة وتجعلنا في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في عالمنا العربي؟ سأترك لكم باب التعليق مفتوحاً والسلام عليكم
اقرأ أيضا:
الصحة النفسية في مواجهة الكوارث / صدمات الطفولة