مقدمة:
من أهمِّ ما يُميِّز حياة الإنسان مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين سرعة إيقاع الحياة وثورة الاتصالات التي جعلت العالم كمدينة صغيرة، وكذلك دخول التكنولوجيا في كلِّ أنشطة الحياة اليومية في جميع المجالات من: التعليم، الصناعة، التجارة، الزراعة، الطب،المواصلات والاتصالات، وأيضًا تحوُّل الاقتصاد العالمي إلى نظام السوق الحرة; كل هذه المتغيرات الكبيرة في نمط الحياة تشكل تحدٍ لقدرات الإنسان ومن ثمَّ فإن عليه استيعابها والتعامل معها؛
فهي إذن تشكل ضغوطًا نفسية لإنسان هذا العصر وعليه التكيف معها، وفي الوقت الذي يمكنه فيه التكيف مع بعض الضغوط فإنه قد لا يستطيع التكيف مع البعض الآخر وبالتالي تظهر الآثار السلبية للضغوط على الاتزان النفسي للفرد حسب شدة هذه الضغوط كأن يعاني من التوتر والقلق أو الملل أو التمارض والغياب عن العمل أو تركه كلية كما تظهر الآثار السلبية على العمل نفسه في شكل قلة الإنتاج وتدهور الاقتصاد القومي مما يعوق جهود تنمية المجتمع وتقدمه (5: 85) .
والضغوط النفسية للعمل كجانب هام من ضغوط الحياة هي ظاهرة نفسية مثلها مثل القلق والعدوان وغيرها لا يمكن إنكارها بل يجب التصدي لها من قبل المختصين لمساعدة العامل على التكيف مع عمله وصولاً إلى زيادة الإنتاج وجودته وبالتالي تنمية المجتمع وتقدمه (7 : 34) وإذا كانت مجالات العمل المختلفة تزخر بمصادر الضغوط التي يمكن إرجاع بعضها إلى العامل والآخر إلى المؤسسة والبعض الثالث إلى البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد (5 :180) فإنه حسب تصنيف منظمة العمل الدولية تعد مهنة التدريس من أكثر مجالات العمل ضغوطًا فهي أكثر المهن الضاغطة (5 –80) وذلك من خلال ما تذخر به البيئة التعليمية من مثيرات ضاغطة يرجع بعضها إلى شخصية المعلم التي تحدد قدرته على التكيف مع المتغيرات السريعة والكبيرة في مجال التعليم ومؤسساته وما ينظم أو يقيد عملها من قرارات ولوائح وقوانين ويرجع البعض الآخر إلى البيئة الاجتماعية الخارجية التي يعيش فيها المعلم ومدى تقديرها لدوره وللأهمية التعليم، وإذا كان مهمًا التصدي لظاهرة الضغوط النفسية للعمل عامة، فالتصدي لضغوط مهنة التدريس أهم بكثير، وذلك من منطلق أن نظرة المسئولين إلى التعليم لم تعد كقطاع استهلاكي بل هو أهم من أهم مجالات الاستثمار؛
كما أن التعليم هو الأداة الأولى والأكثر فاعلية في تطور وتنمية المجتمع (15 :120) وذلك حين يمد سوق العمل بما يحتاجه من الخبرات المتطورة والحديثة، يضاف إلى ذلك الدعوة المباركة من السيد الرئيس إلى دخول مصر عصر التكنولوجيا بقوة في جميع مجالات الحياة وأهمها قطاع التعليم وما يلقيه على عاتق المعلمين من أعباء، ومن هنا كان اهتمام البحث الحالي بدراسة ضغوط مهنة التعليم على نفسية المعلم، والتي يسميها البعض الإنهاك النفسي أو الاحتراق النفسي للمعلم (614، 8، ) .
ولما كانت ضغوط العمل يمكن إرجاعها إلى واحد أو أكثر من العوامل الثلاثة : الفرد – المؤسسة – البيئة المحيطة، فقد اهتم الباحث بالعوامل الخاصة بالفرد متمثلة في عوامل شخصيته : الثبات الانفعالي، السيطرة، الحساسية، الدهاء، الراديكالية، التوتر وكذلك جنس المعلم وتخصصه ومدى خبرته .
الدراسات السابقة حول الموضوع:
1- دراسة ساندرز وواتكنز:
تهدف دراسة وواتكنز إلى بيان علاقة "ضغوط الحياة وأسلوب حياة المعلم" بضغوط مهنة التدريس، حيث طبقت على 1400 معلم بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية بولاية لينويا الأمريكية بمقياس clark للضغط المهني واستبيان everly لأسلوب حياة المعلم وقد أوضحت أن المعلم الذي يعاني من ضغوط في حياته العامة هو أكثر أحساسَا بضغوط المهنة وأن ضغوط المهنة ترجع لمصادر أهمها العائد الاقتصادي للمهنة وعلاقة المعلم بطلابه وتلاميذه
2- دراسة بول بوردن:
وكان هدفها دراسة العوامل المؤثرة على النمو المهني للمعلم ; فقد استخدم بوردن أسلوب المقابلة المتعمقة مع 15 معلم بالمرحلة الابتدائية تترواح مدة الخبرة لديهم بين 4 : 28 سنة، حيث قسمت سنوات الخبرة إلى ثلاثة مستويات (1- 5) ، (6-10) ، (11 سنة فأكثر)، ومن خلال المقابلات المكثفة والطويلة مع المعلمين تبين التأثير الإيجابي على النمو المهني للمعلم لكل من: سنوات الخبرة، خصائص شخصية المعلم، اتجاهاته نحو مهنة التدريس، العلاقة بالزملاء والطلاب.
3- دراسة سكوب ريتشارد ولونسكى ادوارد:
وقد هدفت إلى الإجابة على التساؤل: هل الراتب عامل ضغط أم دفع للمعلم ؟ حيث أجريت الدراسة على 24 من قيادات التعليم و165 معلم من مقاطعة نيوهامبشير الأمريكية، وذلك من خلال كفاءة العمل كمًا وكيفًا، ورضا المعلم عن البيئة المدرسية بكل محتوياتها من طلاب وزملاء وإدارة العمل اليومي واتجاهات المعلم نحو التدريس وضغوط العمل، وقد تم ذلك من خلال المقابلات مع أفراد العينة، وكذلك الإجابة على استبيان اتجاهات المعلم نحو: الطلاب، البيئة المدرسية، التعليم وقد أوضحت النتائج أن من أهم أسباب النمو المهني للمعلم واتجاهاته الموجبة نحو مهنة التعليم هو الراتب الكافي وأيضًا الاتجاهات الايجابية والمساندة من المجتمع المحيط بالمدرسة.
4- دراسة هيبس وهابلين:
وكانت بهدف دراسة ضغوط مهنة التدريس وعلاقتها بمركز الضبط ومستوى الإنجازات المتوقعة من المعلم، حيث طبق -على عينة مكونة من 219 معلم ومعلمة بالمرحلة الثانوية و85 مشرفًا تربويًا- مقياس الضغوط المهنية ومقياس روتر لمركز الضبط ومقياس مستوى الإنجاز، فأوضحت النتائج المطلوبة وجود علاقة ارتباطية سالبة بين درجات المعلم والضغوط المهنية ومستوى إنجازاته ، وبين ذوي مركز الضبط الداخلي.
5- دراسة هيبس ومالبن:
وهدفت إلى دراسة علاقة مهنة التدريس ومركز الضبط لدى المعلم بظاهرة الاحتراق النفسي حيث طبقت على 242 معلمًا بالمرحلة الثانوية و65 مشرفًا تربويًا مقاييس: الاحتراق النفسي لماسلاش وجاكسون ومركز الضبط لروتر وضغوط العمل، فأوضحت النتائج أن المعلمين الأكثر إحساسًا بضغوط العمل هم الأكثر احتراقًا نفسيًا بأبعاد: الإنهاك العصبي، وتبلد المشاعر، ونقص الإنجازات ، وهم أيضًا ذوو مركز ضبط خارجي.
6- دراسة دنيهام ستيف:
وقد بحث فيها أسباب استقالة المعلمين من مهنة التدريس حيث أن الاستقالة هي استجابة واضحة للتعرض لضغوط قوية جداً وقد أجريت الدراسة على 57 معلم حديثي الاستقالة من التعليم الابتدائي بمقاطعة نيووويلز باستراليا وتمت في المقابلات الشخصية سؤال هؤلاء المعلمين عن رؤيتهم للأسباب التي أدت بهم إلى ترك المهنة وقد بينت النتائج أن من أهم أسباب الاستقالة كان وصول المعلم إلى نقطة حرجة في اتجاهات نحو مهنة التدريس تلك التي يعجز المدرس فيها عن مسايرة التغيرات في العملية التعليمية ومقاومتها، وأيضًا معاناته من الاتجاهات السلبية للمجتمع نحو مهنة التدريس ونقص العائد المادي وسوء أخلاق الطلاب وسوء العلاقة مع الزملاء.
7- دراسة فيلدنج وجل:
وكانت عن ضغوط مهنة التدريس والاحتراق النفسي وعلاقة المعلم بطلابه لدى المعلمين من الجنسين، حيث طبقت على عينة من 162 معلم ومعلمة بالمرحلتين الإعدادية والثانوية مقاييس الاحتراق النفسي لسلاش جاكسون وضغوط المهنة وعلاقة المعلم بطلابه، فأوضحت النتائج أن المعلمات أكثر من المعلمين إحساسًا بضغوط المهنة وأكثر احتراقًا نفسيًا وأن المعلمين من الجنسين ذوي الاتجاهات السالبة نحو الطلاب هم الأكثر معاناة من ضغوط المهنة وأكثر احتراقًا نفسيًا.
8- دراسة كاد فيد ولوننبرج:
هدفت إلى دراسة العلاقة بين ضغوط المهنة ومركز الضبط لدى المعلم ، حيث طبقت على عينة من 191 معلمًا بالمرحلة الثانوية مقاييس مركز الضبط (داخلي / خارجي) وضغوط مهنة التدريس فأوضحت النتائج وجود فروق دالة إحصائيًا بين المعلمين ذوي مركز الضبط الداخلي وذوي مركز الضبط الخارجي وفي ضغوط المهنة وهي لصالح ذوي مركز الضبط الخارجي .
9- دراسة شوقيه إبراهيم 1993:
كانت بهدف دراسة الضغط النفسي لدى الفئات الخاصة ومعلمي التعليم العام في ضوء جنس المعلم ومدة خبرته وعلاقته بتلاميذه وبزملائه وحاجاته الإرشادية، حيث طبقت -على 80 معلم من معلمي الفئات الخاصة، و100 معلم بالتعليم العام بالمنصورة - مقاييس الإنهاك النفسي للمعلم، العلاقات الشخصية بمدرسته ويشمل علاقته بتلاميذه وزملاؤه وإدارة مدرسته، فأوضحت النتائج أن معلمي التربية الخاصة أكثر ضغوطًا من معلمي التعليم العام كما أوضحت ارتباطًا سالبًا بين مدة خبرة المعلم والضغوط النفسية لمهنة التدريس وبالنسبة لنوعية المعلمين فالمعلمون الأكثر ضغوطًا هم الأكثر اضطرابًا في علاقاتهم بتلاميذهم وبزملائهم وبإدارة المدرسة، وقد أوضحت الدراسة أن أهم مصادر ضغوط مهنة التدريس هي: علاقة المعلم بطلابه وبزملائه وبإدارة مدرسته، وصراع وعبء الدور واتجاهات المجتمع نحو هذه المهنة.
10- دراسة يوسف نصر مقابلة:
وقد بحث فيها عن العلاقة بين مركز الضبط كسمة للمعلم وظاهرة الاحتراق النفسي كنتيجة للتعرض لضغوط المهنة وعدم القدرة على التوافق معها - حيث أجريت على عينة من 309 من معلمي المرحلة الثانوية بالأردن منهم 199 معلم و 110 معلمة - وقد طبق عليهم مقياس الاحتراق النفسي لماسلاش وقد أوضحت النتائج أن المعلمين من الجنسين ذوي الضبط الخارجي كانوا أكثر احتراقًا نفسيًا من غيرهم .
11- دراسة عزت عبد الحميد:
وهدفت إلى بحث العلاقة الاجتماعية السائدة التي يلقاها المعلم، وضغوط مهنة التدريس برضائه عن عمله حيث أجريت الدراسة على عينة من 187 معلم ومعلمة بالمرحلة الابتدائية منهم 97 ذكور و90 إناث، وطبق عليهم استبيان ضغوط العمل لهامل وبراكن ومقياس المساندة الاجتماعية والرضا عن العمل للِسْتَرْ.
وأوضحت نتائج الدراسة : أن المعلمين أكثر ضغوطًا من المعلمات في بعد استغلال المهارات ، ولم توجد فروق بين الجنسين في الدرجة الكلية لضغط العمل، كما وجد ارتباط سالب بين ضغوط العمل ورضا المعلم عن عمله لدى الجنسين ، والمعلمات كنَّ أكثر رضا عن العمل من المعلمين، وسنوات الخبرة أيضًا ترتبط إيجابيًا برضا المعلم عن عمله أما المساندة الاجتماعية فلا تخفف من ضغط العمل إلا في بُعدَيْ : المساندة المالية ومساندة أسرة المعلم له .
12- دراسة فوقية محمد راضى:
وكانت بهدف دراسة الإنهاك النفسي لمعلمي الفئات الخاصة من الجنسين في ضوء بعض المتغيرات مثل: نوع إعاقة الطفل، إعداد المعلم، سنوات الخبرة مع المؤسسة (حكومية / خاصة)، كثافة الفصل، وسمات شخصية المعلم; كما يقيسها اختبار شخصية المعلم كما يقيسها الاختبار متعدد الأوجه أجريت الدراسة على 60 معلم متوسط أعمارهم (م = 33.89) و60 معلمة (م = 30.86) بالمنصورة والقاهرة والزقازيق وقد طبق عليهم : مقياس الإنهاك النفسي لمعلمي الفئات الخاصة -الخاص بالباحثة- ومقياس نمط السلوك للباحثة ومقياس اتجاهات المعلم نحو الطلاب المعاقين للباحثة واختبار الشخصية متعدد الأوجه تعريب لويس كال وعطية هنا وعماد الدين إسماعيل.
وقد أوضحت النتائج الآتي :
1- أن المعلمات كن أكثر إنهاكًا نفسيًا من المعلمين.
2- ارتباط سالب بين مدة خبرة المعلم والإنهاك النفسي.
3- معلمي المؤسسات الحكومية أكثر إنهاكًا نفسيًا من معلمي المؤسسات الخاصة.
4- الإنهاك النفسي للمعلم يرتبط ايجابيًا بكثافة الفصل.
5- الإنهاك النفسي للمعلم يرتبط إيجابيا بأبعاد شخصية المعلم : توهم المرض – الاكتئاب – الهستيريا – الانطواء الاجتماعي.
عن مجلة علم النفس عدد 148 عدد يوليو-ديسمبر 2003
ويتبع >>>>>: ضغوط مهنة التدريس (2)