بسم الله الرحمن الرحيم
أكمل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه شرح صفات المتقين بالكلمات التالية:
نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضا بالقضاء: يقول ابن أبي الحديد في شرح هذه الفقرة:
يعني أنهم قد طابوا نفسًا في البلاء والشدة كطيب أنفسهم في الرخاء والنعمة، وذلك لقلة مبالاتهم بشدائد الدنيا ومصائبها.
وفي هذه الفقرة نقطة هامة للذين يدعون الإيمان أو التقوى ولعامة الناس وللذين يهتمون بالصحة النفسية.
فالنقطة المهمة للذين يدعون الإيمان أو التقوى هي أن الإنسان يكون متقيًا عندما تكون الشدة والرخاء في عينه واحدة. أي أنه يكون راضيًا تمامًا بقضاء الله.
وها الأمر ربما يكون من أهم الميزات التي تميز المتقين عن غيرهم وهو أمر صعب جدًا عندما يكون الإنسان في موضع الابتلاء، فكثيرًا ما نرى أناسًا عاكفين علي سجادتهم يصلون النوافل والمستحبات ويلزمون أنفسهم بصلاة الليل والصوم التطوعي في أكثر الأيام التي يستحب فيها الصيام، والسبحة لا تفارق أيديهم والذكر لا يفترق عن ألسنتهم ولكن إذا أوقعهم الله جل وعلى في موضع الاختبار و مرض عزيز لهم فهم أولاً يتوسلون إلى جميع الأدعية والنذور وكأنهم يريدون إلزام الله تعالى بطاعتهم و إذا لم يستجب لهم وحصل ما لا يتوقعونه فهم يجزعون ويفزعون ويعترضون على الله سبحانه لماذا لم يستجب لهم دعاءهم.
فالأعمال التعبدية كلها أعمال بالجوارح والأعضاء ولكن الرضا بالقضاء يحتاج إلى يقين قلبي بأن كل ما كتبه الله لنا هو الصواب وهو الحق ولا يحق لنا أن نعترض على قضائه المحتوم.
وطبعًا الرضا بالقضاء والقدر لا يعني التكاسل والجلوس في البيت وعدم السعي وراء الحاجات.
فيجب علينا أن نميز بين الأعمال التي هي من وظائفنا والأعمال التي تخرج من نطاق إرادتنا واختيارنا وتدخل بأكملها في نطاق الخالق جل وعلا.فالموت والحياة خصوصًا يخرجان عن نطاق إرادتنا وهما أمران داخلان تحت إرادة الله دون غيره.فإذا حدث ومات مريض عزيز علينا بعد أن بذلنا جهدنا في علاجه، إذا كنا متقين حقيقة سوف نرضى بذلك كاليوم الذي ولد فيه ذلك العزيز.. أي لا يفرق لدي المتقين ولادة عزيز أو موته و هذا فعلا ً أمرٌ صعب لغير المتقيين و هو اختبارٌ واضح ينجح فيه فقط من رزقهم الله التقوى.
وبهذا يستطيع الإنسان الذي عادةً ما تخفي عليه دوافعه وحقيقته أن يعلم أين يقف من الناحية الإيمانية.. فربما خطر في باله أنه إنسان متقي مؤمن وهو لا يعلم حقيقة ً مدي إيمانه.. وربما يكون الجهل بالذات من أهم الدوافع إلى عدم الشفاء من الأمراض النفسية.. وهذا دليل آخر على أن الإنسان المتقي هو الإنسان السوي من الناحية النفسية.. وفي الحقيقة خطبة المتقيين ترسم لنا سمات الإنسان السوي علاوة على الإنسان المتقي..
فالإنسان المتقي يدعي بقدر إيمانه ويعمل حسب ذلك ولا يدعي أكثر مما يكنه نفسه لكي يظهر فشله في الاختبارات النفسية الإلهية... فكما يختبر علماء النفس الناس سواء كانوا مرضى أو أصحاء ويخبرونهم بنتيجة الاختبارات.. فالله سبحانه و تعالى أيضًا يختبر شخصية الإنسان (هل هو إنسان أناني أم أنه اجتماعي يريد الخير للجميع؟ هل هو عالم بنفسه و دوافعه أم جاهل بذلك؟؟، هل هو تابع للذاته أم لعقله؟؟)
ولكن الفرق بين الاختبارات الإلهية والنفسية هو أن الله سبحانه وتعالى لا يخبر الناس بنتيجة الاختبار ويوكل ذلك إليهم و لذلك كثيرًا ما يغفل الناس عن النتيجة و لكن المختبر الإنساني يخبر الإنسان بذلك.. و ذلك لأن الله سبحانه يريد من الإنسان أن يسعي وراء معرفة ذاته و يمتنع عن خداع نفسه..
فيا حبذا لو خلونا بين فترة وفترة مع أنفسنا ومسكنا بقلم وورقة وحللنا أنفسنا ودوافعنا ونياتنا.. لماذا عملنا هذا العمل؟؟ لماذا جزعنا تجاه هذا الاختبار؟؟ لماذا نحب هذا الشخص؟؟ لماذا نكره هذا الشخص؟؟ لماذا نسعى وراء هذا الهدف سواءً كان هدفًا ماديًا أو معنويًا ؟؟ و...
فربما تكون الخطوة الأولى في سبيل الدخول في وادي التقوى هي المعرفة الذاتية. والخطوة الثانية هي الرضي بقضاء الله .
ولكن إذا فشلنا في الأولى فالثانية سوف تنبهها على ذلك وذلك ربما يكون بأشد الوسائل وأعنفها.
ونوكل تكملة الخطبة إلى المقالة القادمة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقرأ أيضاً:
الرجال المنحرفون جنسيا والإيذاء الجنسي للنساء/ لماذا الرجال أكثر عرضة للشذوذ الجنسي من النساء؟/ إدمان الجنس أم إدمان التزنيق؟