تعتمد جميع الوظائف العصبية في الدماغ وكل المجموع العصبي على معالجة الإشارات داخل وبين العصبونات (الخلايا العصبية). لذلك فإن فهم تلك الإشارات أو السيالات العصبية أمر أساسي لتحديد كيفية التواصل بين العصبونات، وكيفية دمج وتخزين المعلومات وعلاوة على ذلك، فإن هناك علاقة وثيقة بين الإشارات العصبية الشاذة أو خلل التوصيل العصبي والمرض النفسي والعصبي واضطرابات وظائف المخ الرئيسية. ولذلك نجد أن البروتينات الموجودة في غشاء العصبون والمسئولة عن نقل السيال العصبي ونجد الناقلات العصبية المختلفة والمشابك العصبية والقنوات الأيونية الموجودة في غشاء العصبونات وكذلك المستقبلات العصبونية كلها يمكن أن تكون أهدافا علاجية للأمراض العصبية والنفسية؛
ونحن في هذه المقالة معنيون بالقنوات الأيونية Ion Channels (أو القنوات الشاردية) وهي ثقوب موجودة في جدران الخلايا القابلة للاستثارة خاصة العصبونات والخلايا العضلية، وكل قناة أيونية هي جزيءُ بروتيني ضخمٌ يمتدُّ عبر الغشاء الخلوي من سطح الغشاء الخارجي إلى سطحِهِ الداخلي، بحيث يسمح للأيونات (الشوارد) المختلفة بالعبور من جهة لأخرى. ويتحدَّدُ اتجاهُ حَرَكَة الأيونات تبعا لدرجةِ الميل الكهروكيماوي عبر الغشاء، وبوجه عام تميلُ الأيونات إلى الحركة من الجهة ذات التركيز العالي إلى الجهة ذات التركيز المنخفض (تبعا للضغط التَّنَاضُحي Osmotic pressure )، ولكن في وجود الميل الكهربي تتحرك أيضا حسب فرق الجهد نجد أن من الممكن ألا تكونَ هناك حركة أيونية بالرغم من وجود فروق في التركيز، وغني عن التذكير أن توليد التيار الكهربي اللازم لانتقال السيالات العصبية يعتمد على تدرج تركيزات أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم بين جهتي الغشاء الخلوي، ولذلك نجد أن القنوات الأيونية الانتقائية للأيونات الثلاثة السابقة الذكر هي الأكثر شيوعا في الجهاز العصبي.
وقد تكونُ القناة الأيونية نفسها مفتوحة أو مغلقة، وفتح القناةِ يمكنُ أن يتمّ بتغييرِ فرق الجهد عبر الغشاء (مثلا إزالةُ الاستقطابِ Depolarization أو وصول جهودِ الفعل العصبي)، أو التصاقُ مادة كيميائية بمستقبلة في أو بالقرب من القناةِ الأيونية.
ومن الجدير بالذكر أن معظم السموم التي طورتها الكائنات المفترسة والضارية (كالأفاعي والعقارب والأسماك والنحل..... إلخ.) تعمل على أساس سد هذه القنوات في الأعصاب. ولهذه القنوات أيضا دورٌ أساسيٌّ في تحديد العديد من التفاعلات البيولوجية التي لها علاقة بالتغيرات السريعة في الخلايا مثل انقباضات عضلة القلب والعضلات الهيكلية والملساء وكذلك لها دورٌ في نقل الأغذية عبر الأغشية الطلائية ( Epithelial Tissues )، وفي تفعيل خلايا تي الخاصة بالمناعة..... إلى كثير غير ذلك من الوظائف الحيوية الهامة، لذلك فإن البحث عن أدوية جديدة يبدأ عند القنوات الأيونية.
أنواع القنوات الأيونية:
يستند تصنيف القنوات الأيونية إلى خاصيتين هامتين الأولى هي الانتقائية للأيونات التي تمر عبر القناة، والثانية هي حساسية القناة لفروق جهد الغشاء، وهل تتغير نفاذية القناة عند تغير فرق الجهد عبر الغشاء، وعادة تكون القنوات الأيونية المسئولة عن توليد جهود الفعل Action Potentials حساسة لفروق الجهد Voltage Sensitive ، في حين لا تكون القنوات المسئولة عن الجهد الكامن للغشاء Resting Membrane Potential كذلك بقدر ما تكون حساسة لفروق تركيز الأيونات، فهناك إذن نوعان من القنوات الأيونية:
1- القنوات الأيونية الحسّاسَة لفرقِ الجهد (المنظمة كهربيا Voltage Gated )
2- القنوات الأيونية الحسّاسة لفرق التركيز (المنظمة كيميائيا Ligand Gated )
إلا أن هذا التصنيف مصطَنَعٌ إلى حدّ ما لأن عددا من القنواتِ الحَسّاسة لفرقِ الجهدِ يمكنُ تنظيمُ أدائها بالناقلاتِ العصبية (الكيميائية)، وكذلك بأيونات الكالسيوم، وأيضا هناك بعض القنوات الأيونية التي لا تفتحُ بتغيرات فرق الجهد ولا تفتحُ بمادة كيميائية وإنما تنْفَتِحُ مباشرة بالشدّ أو الضغط الفيزيقي (مثلا المستقبلات الجسدية الحسية Somatosensory Receptors والمستقبلات السمعية Auditory Receptors ).
ولعل أهم خاصية للقنوات الأيونية هي أنها تُشبعُ العصبونات بالقابليةِ للاستثارة الكهربية، وبينما نجد القنوات الأيونية موجودة في كل أجزاءِ العصبونات وإلى حدّ أقلّ في الخلايا الدبقية، إلا أنها موجودةٌ أيضا في عائلات أخرى من الخلايا.
وتتكونُ كل الأغشيةِ الحَيَويةِ بما في ذلك غشاءُ العصبون من طبقة مزدوجة من الشحم لها مقاومةٌ كهربية عالية، أي أن الأيونات لن تستطيعَ المرورَ من خلالها بسهولة، وعليه فمنَ الضروري لكي تمرّ الأيونات عبرَ الغشاء أن توجد فيه ثقوبٌ (القنوات الأيونية) في الطبقة الشحمية المزدوجة، أو أن يوجد حَمَلةٌ Carriers (أي أنظمة حمل) تجمِّعُ الأيونات من جهة من الغشاءِ وتحملُها عبرَهُ إلى الجهة الأخرى لتفرزِها، وفي العصبونات نجدُ أن معدَّلَ نقل الأيونات اللازم لنقل السيال العصبي (الإشارة العصبية) سريعٌ بما يفوقُ طاقةَ أي نظامِ حَمْل، وبالتالي فإن القنوات الأيونية (أو ثقوب الغشاء) هي ما تستخدمُهُ العصبونات لنقلِ الأيونات عبر غشائها.
الخواص الرئيسية للقنوات الأيونية:
(1) مكونةٌ من وُحَيْدات (وحدات صغيرة) بروتينية، وتمتَدُّ قاطعة الغشاءَ الخلوي ما بين خارجه وداخله وتسمحُ للأيونات بالمرورِ باتجاه الداخل أو الخارج (أي أنها ثقوبٌ عابرةٌ للغشاء Transmembrane Pores )
(2) قناة بهذا الشكل يجبُ أن تكونَ قادرة على التغيُّرِ من حالةِ الفتح إلى حالةِ الغلقِ وبالعكس، وقد نحتاجُ حالات أو أوضاعا بين الفتحِ والغلق.
(3) يجبُ أن تكونَ القناةُ قادرة على الفتحِ استجابة لمثيرات محددة، ولمعظَمِ القنواتِ مُسْتَشْعراتٌ Sensors لتغيّراتِ فرقِ الجهد، فتفتحُ استجابة لإزالةِ الاستقطاب (أي فرق الجهد الذي يغيّرها من حالةِ الجهدِ الكامنِ للغشاء –في حالة الراحة- ويساوي ~ -70 إلى -80 مليفولت) إلى قيمة أقلّ سلبية، وعلى العكس من ذلك فإن بعضَ القنوات الأيونية خاصة تلك الموجودةَ في المشابك العصبيةِ لا تفتحُ بتغيّرات فرقِ الجهدِ وإنما بواسطَةِ مادة كيميائية (مثلا الأستيل كولين) فلتلكَ القنوات مستقبلاتٌ Receptors لتلك المادة الكيميائية، وعندما تلتصقُ تلك المادةُ بمستقبلتها تنفتح القناة الأيونية.
لكن كثيرا من القنوات الأيونية لها مُسْتَشْعِراتٌ لفرقِ الجهدِ ومسْتَشْعراتٌ كيميائيةٌ، ووجودُ أيون داخل خلويّ أو جزيء مرسال ثانوي Secondary Messenger Molecule (مثل الأدينوسين أحادي الفوسفات الحلقي) يؤدّي إلى تنظيم عملية سريانِ الأيونات التي نتجتْ عن تغيّرات فرق الجهد عبر الغشاء.
إذن فتنشيط Activation مستشعرةِ فرْقِ الجهد أو المستقبلة الكيميائية يؤدّي إلى فتحِ بوابَةٍ Gate داخلَ القناةِ الأيونية تسمحُ بسريانِ الأيونات عبرها، وبعد ذلك تُغْلقُ القناةُ إما من خلالِ التعطيلِ البسيطِ Deactivation (ويعني ببساطة عكْسَ الفتْحِ أي غلقَ البَوّابَة)، أو التعطيلِ النشِطِ Inactivation ويعني أن بوابة أخرى ستتحركُ إلى داخلِ القناةِ ببطء مقارنة بسرعةِ حركةِ بوابةِ التَّنْشِيط إلى خارجِ القناة، وبالتالي فهناكَ برهةٌ من الوقت لا تكونُ فيها أي بوابة داخل القناةِ وتستطيعُ الأيوناتُ الحركة خلالها.
وسريانُ الأيونات عبرَ القناة قد يكونُ انتقائيا Selective أو لا انتقائيا Non-selective فإذا كانت القناةُ انتقائية بما يعني أنها تسمحُ لأيونات محددة بالمرور عبرها فإنها تتمكنُ من ذلك بواسطة مُرشّحٍ. ومرشّحُ الانتقاء هذا يستندُ إلى اعتبارات تَنْشيطية (حرارية ديناميكية) وتُسَمَّى القناةُ الأيونية تبعا له، مثلا قناةُ الصوديوم، وأما القنوات اللا انتقائية فتسمح بمرورِ أنواع عديدة من الأيونات متشابهةِ الشحنة عبرها مثلا قناة هَوَابِط (كاتيونات) الأستيل كولين.
ويُستخدمُ عددٌ من القياسات الفيزيقيةِ المُخْتلفةِ في الوصْفِ العام للقناة الأيونية، فيُسَمَّى صافي تدَفُّق الأيونات بالتيَّار Current، وأما طاقةُ النقل Conductance فتعرفُ بأنها متبادلُ المقاومة (التيار/فرق الجهد)، وتمثلُ السهولةَ التي تمرّ بها الأيونات عبر الغشاء، وأما النُّفُوذيةُ Permeability فتعرفُ بأنها معدَّلُ انتقالِ مادَة أو أيون عبرَ الغشاء عند فرقِ تركيز معين.
وهناكَ أنواعٌ عديدةٌ من القنواتِ الأيونية، فحتى داخلَ الأسرةِ الواحدة من القنواتِ الأيونية الانتقائية هناك عدة أصناف، فمثلا هناك خمسةُ أصناف على الأقل من قنوات البوتاسيوم، ويحكمُ عدد ونوعيةُ القنوات الأيونية خواصَ استجابة الخلية، وفي حالةِ العصبون يُعَبَّرُ عن هذا بمعدلِ توليدِ جهود الفعل والاستجابة للمدخولات المشبكية.
الاضطرابات الإكلينيكية للقنوات الأيونية:
هناك عددٌ من العقاقير تحدثُ أثرها من خلال العمل على القنوات الأيونية ومنها عقّاقيرُ التخديرِ الموضعي وبعض مضادات الصَرْع Antiepileptic Drugs وفي السنواتِ الأخيرةِ اتضحَ أن عددا من الاضطرابات العصبية العضلية التي تتعلقُ أعراضها أساسا بوظائف العضلات إنما تنتجُ عن حدوثِ طفرة جينية تؤثِّرُ على قنوات الصوديوم، وتَشْمل هذه الحالاتُ الأشكالَ المختلفة لتَشَنُّجِ العضل التَّوَتُّرِي Myotonia (ويعني تأخُّرَ انْبِساطِ العضلةِ بعدَ انقباضها إراديا، أي أنّ المريضَ إذا أمْسَك شيئا في قبضةِ يده فإنه لا يستطيعُ إطلاقه من يده بسهولة)، وأيضا الأشكالَ المختلفةَ للشلَلِ الدوريِّ Periodic Paralyses حيث يعاني المريض من شلل رخْو عابر قد يكونُ جزئيا أو مُتَعَمِّما.
وكذلكَ فإنّ بعض أنواعِ الشقيقةِ الفالجية العائلية Familial Hemiplegic Migraine واضطراباتِ وظائفِ المُخَيْخِ تكونُ مصحوبة بشذوذات في قنواتِ الكالسيوم، وأيضا بعض أشكال الصرْع قد تكونُ في الأساس اضطرابات في قنوات أيونية معينة، وفي اضطرابات أخرى تحدثُ إعادةُ توزيع أو تحدث تعريَةٌ لقنوات أيونية لم تكن عاملة في الحالة الطبيعية، وكثيرا ما يحدثُ هذا في القنواتِ الأيونية على منطقةِ الغشاءِ التاليةِ لعُقَد رانفييه نتيجة لعمليةِ إزالةِ الميالين المركزيّ كما نجدُ في اضْطرابِ التصلّبِ المُتعدد Multiple Sclerosis في الجهاز العصبي المركزي، وإزالةِ الميالين المحيطيّ في متلازمة جيان باريه Guillain-Barre Syndrome في الجهاز العصبي المحيطي مما يؤدّي إلى إعاقة نقل جهود الفعل.
المراجع: Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
واقرأ أيضًا:
التعليق: بداية لا يسعني إلا الشكر الجزيل لكل من ملأ هذه المساحات بالمقالات المطروحة العلمية منها خاصة .
وسؤالي هو :
هناك قنوات عاملة خلال كمون الراحة فما هي هذه القنوات ( جميع القنوات العاملة الأيونية الانتقائية واللا انتقائية ) إذا أمكن.
شكرا