أزمة الطفل العربي:
ما يجري من أحداث الآن في كثير من الدول العربية التي قامت فيها الثورات وما زالت تتعثر في خطواتها نحو بناء منظومات سياسية ومجتمعية وقيمية جديدة نرى الأطفال في أزمة شديدة وهم يعيشون الأحداث اليومية فيفقدون ذويهم أو يفقدون إحساسهم بالأمان أو يفقدون حياتهم. كل هذا يجعل الطفولة تنتقل من عالم الأمن والسعادة والمحبة والسرير الدافئ والحضن الرفيق واللمسة الحانية وحدوتة قبل النوم والأحلام الجميلة واللعبة المسلية إلى عوالم الصراع والتناقضات العقائدية والسياسية والتصدعات داخل الأسرة والمجتمع وافتقاد الاحتياجات الأساسية للحياة السوية, وهذا يحتم علينا أن نتوقف ونتبين أين أطفالنا وكيف أحوالهم ولماذا ندوسهم بلا رحمة ونحن نتسابق في صراع مجنون نحو السلطة أو السيطرة أو الغلبة السياسية والأيديولوجية أو المغانم الزائلة, بينما يتشكل جيل جديد من أطفال اليوم وقد زرعنا في قلوبهم الشوك والكراهية دون أن ندري وحرمناهم لحظات السعادة التي كانوا يستحقونها منا في طفولتهم.
من هو الطفل:
۰ في الشرع : من لم يبلغ الحلم
۰ في القانون (رقم 12 , 1996) المعمول به في مصر حاليا مادة 2 : كل من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة.
۰ في علم النفس: تنقسم الطفولة إلى ثلاث مراحل ولكل مرحلة خصائصها ومحاورها طبقا لنظرية إريك إريكسون في مراحل النمو:
1- مرحلة الرضاعة: الثقة مقابل عدم الثقة
2- مرحلة الطفولة المبكرة: الاستقلالية مقابل الخجل والشك
3- مرحلة الطفولة المتأخرة: المبادرة مقابل الشعور بالذنب
إشكاليات حول تعريف الطفل:
توجد خلافات في بعض المجتمعات والثقافات حول تعريف الطفل والسن الذي تتوقف عنده الطفولة وتبدأ المسئولية خاصة في مسألة الزواج والعمل والمسئوليات المدنية والجنائية. فبعض المجتمعات ترى أن الطفولة تنتهي حين البلوغ وبالتالي يصبح الشخص قادرا على الزواج والعمل ويتحمل المسئوليات المدنية والاجتماعية, بينما ترى مجتمعات أخرى أن البلوغ ما هو إلا تغير بيولوجي يحتاج إلى مزيد من النضج النفسي والاجتماعي لا يتحقق إلا مع بلوغ سن الثمانية عشر حسب القوانين الدولية.
الطفل هو الحلقة الأهم والأضعف في ذات الوقت:
فعلى الرغم من محبتنا للطفل وحرصنا على سلامته ورعايته, وعلى الرغم من كونه مسئولية المجتمع, إلا أنه أحد الفئات الأكثر هشاشة والأكثر قابلية للانجراح والتأثر بالتقلبات والاضطرابات المحيطة به. ولهذا تقاس درجة رقي وتحضر أي مجتمع بدرجة رعايته للضعفاء وخاصة الأطفال. ومن هنا نشأ مفهوم المصلحة الفضلى للطفل, ففي المادة 3 من قانون الطفل: تكون لحماية الطفل ومصالحه الأولوية في جميع القرارات أو الإجراءات المتعلقة بالطفولة أيا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها.
ملامح الشخصية تتشكل في غالبيتها أثناء مراحل الطفولة:
۰ رؤية المدرسة التحليلية: السنوات الخمس الأولى وتأثيرها الحاسم في التكوين النفسي للطفل (المرحلة الفمية، والمرحلة الشرجية، والمرحلة الأوديبية).
۰ رؤية المدرسة السلوكية: تراكم الارتباطات الشرطية وتكوين منظومات السلوك
۰ رؤية إريك إريكسون لمراحل النمو
۰ الأحداث والصدمات في مرحلة الطفولة وتأثيرها على الحالة النفسية في مراحل العمر المختلفة
حقوق الطفل:
1 – الحق في النسب
2 – الحق في اسم مناسب
3 – الحق في الجنسية
4 – الحق في الرضاعة والحضانة والمأكل والملبس والمسكن ورؤية والديه ورعاية أمواله
5 – الحق في الرعاية الصحية
6 - الحق في الرعاية الاجتماعية
7 – الحق في التعليم
8 – حقوق خاصة للطفل المعاق
9 – حقوق خاصة لذوي المواهب والقدرات
10 – حقه في الثقافة النظيفة
11 – حقه في الحماية مما يلوث وعيه من مواد إعلامية أو ثقافية لا تناسب سنه
12 – تكون له معاملة خاصة تتناسب مع المراحل العمرية في حال ارتكاب جريمة
13 - حقه في أن يعيش في جو أسري هادئ ومتوافق
14 – حقه في ممارسة هواياته وأنشطته الترفيهية التي يحبها
15 – حقه في ممارسة الشعائر الدينية للدين الذي ينتمي إليه
16 – حقه في اختيار مساره التعليمي
17 – حقه في اختيار مساره الوظيفي والمهني
18 – حقه في اختيار أصدقائه
المؤسسات التربوية الأكثر تأثيرا في الطفل:
1 – الأسرة
2 – المدرسة
3 – المؤسسة الدينية ودور العبادة
4 – الإعلام
الطفل في أسرة مضطربة:
لم يعد الطفل ينعم بأسرة هادئة راضية كما كان, ولم تعد الأم متفرغة لرعايته طول الوقت, ولم يعد الأب موجودا أغلب الوقت, ولم تعد الأسرة قادرة على الرعاية والحماية كما يجب, فالجميع تطحنهم عجلة الحياة القاسية, والظروف المجتمعية والحياتية والدولية الصعبة. وهذه الضغوط أثرت في البداية على علاقة الوالدين فأصبحت أكثر توترا وانعكست في النهاية على الطفل, وأثرت على تلبية الكثير من احتياجاته المادية والنفسية مما أنتج سمات مثل الأنانية والعدوان والعناد والغيرة واللامبالاة والانطواء والسلبية واللامبالاة وتجنب المسئولية والميل إلى السيطرة والتسلط والتوجه نحو العنف كوسيلة أساسية لحل المشاكل, والسرقة والكذب والهروب من البيت ومن المدرسة والفشل الدراسي والتدخين وتعاطي المخدرات.
ومن العوامل الأسرية التي تؤدي إلى اضطراب حياة الطفل نذكر:
1 – الصراعات الوالدية المستمرة
2 – تفكك الأسرة بالانفصال أو الطلاق
3 – معيشة الطفل مع أحد الوالدين وفقدان الآخر
4 – الاختلاف الحاد والدائم بين الوالدين في طريقة التربية
5 – القسوة في معاملة الطفل
6 – الاضطراب النفسي لدى أحد الوالدين أو كليهما
7 – الإفراط في التدليل وتلبية كل طلبات الطفل
8 – التفرقة في المعاملة بين الأطفال
الطفل في مدرسة مضطربة:
على الرغم من أهمية المدرسة كمؤسسة تعليمية وتربوية هامة تكمل دور الأسرة وتصحح بعض أخطائها في التربية, إلا أن المدرسة في الوقت الحالي قد أصابها ما أصاب المجتمع من تدهور واضطراب.
ومن العوامل المدرسية التي تؤدي إلى اضطراب حياة الطفل نذكر:
1 – تركيبة المدرسة من فصول وفناء وحديقة, حيث سيطرت الرغبة في الكسب المادي فأدت إلى بناء مدارس مكدسة بالفصول ومحرومة من أماكن اللعب والنشاط, فصارت المدرسة كئيبة ومنفرة (ولا ينفي هذا وجود بعض المدارس الفخمة عالية التكاليف) .
2 – الازدحام الشديد في الفصول
3 – التفاوت في الخدمات والمناهج وطرق التدريس وفرص النشاط والترفيه بين مدارس الفقراء ومدارس الأغنياء مما يخلق حالة من طبقية وعنصرية التعليم
4 – ضعف إعداد المدرس واضطراب شخصيته وأدائه
5 – تكدس المناهج والضغط على الطفل لتحصيلها
6 – الاعتماد على التعليم التلقيني واختزان المعلومات دون تطبيق, مع إهمال مهارات حل المشكلات والإبداع
7 – سوء المعاملة وتكرار العقاب البدني
8 – الانفصال بين ما يدرسه الطالب وبين الحياة العملية
9 – الضغط الشديد من الأسرة والمدرسة والمجتمع لتحصيل مجموع كبير جدا لدخول الكلية التي رغبها دون الوضع في الاعتبار لاختلافات الميول والذكاءات
الطفل في مجتمع مضطرب:
نتيجة للتحولات السريعة, وكثرة الصراعات السياسية والعسكرية والدينية والطائفية, أصبح المجتمع غير مستقر وغير آمن في أوقات كثيرة, وبما أن الطفل هو الحلقة الأضعف لذلك كان هو الأكثر تأثرا ومعاناة بما يدور في المجتمع من أحداث, فهو يرى ويسمع ويعايش أحداثا من العنف والتوتر لا يقدر عليها جهازه العصبي والنفسي ولا يستطيع استيعابها في بنائه المعرفي فيضطرب ويتشوه. وقد زادت حدة العنف والصراعات في البيت والمدرسة والشارع ومكان العمل والمؤسسات المختلفة مما سرق من الطفل إحساسه بالأمان على نفسه وذويه واحتياجاته.
ومن العوامل المجتمعية التي يتأثر بها الطفل نذكر:
1 – الفقر وما يتبعه من سوء التغذية وقلة وسائل الترفيه واللعب
2 – الازدحام الشديد والحرمان من الخصوصية في المعيشة السكنية
3 – الاستنزاف الشديد لطاقة الوالدين في العمل بما لا يتيح لهما رعاية الأبناء بشكل جيد وبأعصاب مستريحة
4 – فقدان العلاقات الاجتماعية الدافئة والمدعمة
5 – عدم توفر القدوة في المجتمع
6 – الصراع الاستهلاكي وما يفرزه من قيم انتهازية
7 – العنف المجتمعي في الشارع ووسائل المواصلات
الطفل في عالم مضطرب:
بما أن طفل اليوم قد اتسع عالمه من خلال وسائل التواصل الحديثة فإنه أصبح أكثر تأثرا بما يحدث في كل مكان فيه فهو يتابع الصراعات والحروب والكوارث والأزمات على شاشات التليفزيون وعلى الإنترنت ويتأثر بها, كما أنه يتأثر بما يموج به العالم من أفكار وتيارات واتجاهات متعددة ومتناقضة, وهذا يؤدي إلى حالة من تشوش الوعي واضطرابه كتأثير سلبي كما أنه يؤدي إلى حالة من اتساع الوعي وثرائه كتأثير إيجابي.
الطفل وقت الحروب والأزمات والكوارث:
إذا كنا قد تحدثنا عن تأثير اضطراب الأسرة واضطراب المدرسة واضطراب المجتمع المحلي واضطراب المجتمع العالمي على الطفل في الأحوال العادية, فإن هذا التأثير يتضاعف في أوقات الحروب والأزمات والكوارث , حيث تزداد الضغوط بما يفوق قدرة الأسرة أو المجتمع على حماية الطفل وتلبية احتياجاته, ومن هنا يتعرض الطفل لكل الانتهاكات المادية والمعنوية, فيفقد بيته أو يفقد ذويه أو يصاب أو يموت هو شخصيا خاصة وأنه غير قادر على الدفاع عن نفسه.
الآثار السلوكية لوجود الطفل في ظروف وأحوال مضطربة:
مع الوقت تتشكل سمات مثل الأنانية والعدوان والعناد والغيرة واللامبالاة والانطواء والسلبية واللامبالاة وتجنب المسئولية والميل إلى السيطرة والتسلط والتوجه نحو العنف كوسيلة أساسية لحل المشاكل, والسرقة والكذب والهروب من البيت ومن المدرسة والفشل الدراسي والتدخين وتعاطي المخدرات.
كما تتكون لدى الطفل صورة سلبية عن الحياة وعن الناس وعن المستقبل وتتشوه إدراكاته واستجاباته للأحداث.
ويضطرب نموه الجسدي والنفسي والاجتماعي بالقدر الذي يتعرض فيه للضغوط والصراعات والاضطرابات.
إشكاليات والتباسات حول حقوق الطفل وحرياته بين الثقافات المختلفة:
ثمة خلافات في مواثيق الطفل والقوانين المنظمة والمحافظة على حقوقه بين المجتمعات والثقافات المختلفة تدور حول محور حرية الطفل, والفرق بين الرعاية والوصاية, ومدى أحقية الوالدين في التدخل في خيارات الطفل وحريته خاصة الفتيات, والتعارض بين تعاليم الأديان والمواثيق الدولية الحديثة. كل هذا يحتاج للكثير من البحث والنقاش للوصول إلى مساحات اتفاق وتوافق حتى يستفيد الطفل من تلك المواثيق والقوانين الدولية دون التفريط في المعتقدات الدينية والأعراف والتقاليد الثقافية بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل.
الطفل والإنترنت:
أصبح الإنترنت متاحا لكثير من الأطفال منذ سن مبكر, وربما يشكل الإنترنت مجالا للمعرفة غير المتناهية بالنسبة للطفل ولكنه في نفس الوقت يشكل خطورة عليه نظرا لعدم وجود ضوابط على المواقع المختلفة التي يرتادها أو يمكن أن يرتادها الطفل, وقد أدى هذا إلى وقوع الأطفال ضحايا لمواقع تجارية أو سياسية أو دينية أو جنسية تشوه وعي الطفل أو تأخذه لمساحات لم يتهيأ لها بعد خاصة إذا كان الطفل يتصفح تلك الواقع وحيدا بعيدا عن توجيه وإرشاد الأبوين. والإشكالية القئمة حاليا هي بين التوازن في إعطاء حرية المعرفة والاستكشاف للطفل وبين المحافظة عليه من مواد ضارة أو غير مناسبة للمرحلة العمرية التي يعيشها.
كيف نحمي أطفالنا في هذا العالم المضطرب؟:
قد لا نكون قادرين على السيطرة على البيئة أو المجتمع الذي نعيش فيه ويعيش فيه أطفالنا, وقد تتسرب إليهم مخاطر لم نقدر على دفعها .... كل هذا لا يمنع من أن نبذل جهدا لتقليل المخاطر, وتوفير أجواء أكثر أمانا وصحة لأطفالنا, ويتم هذا على المستويات التالية:
۰ الأم : وهي الحاضنة الأولى والأهم للطفل, فنعتني براحتها وطمأنينتها وتوفير احتياجاتها المادية والمعنوية
۰ الأسرة, وهي الحضن الأوسع للطفل, فنسعى إلى تماسكها, وتوفير وسائل السكن والمودة والرحمة فيها, وتمكينها من أداء وظائفها التربوية بشكل متوازن, ويتم هذا من خلال القوانين والترتيبات والمؤسسات المجتمعية التي ترعى الأسرة وتعطيها كل الإمكانات لرعاية الطفل, وعلاج الاضطرابات الأسرية بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل
۰ المدرسة, وهي المؤسسة التربوية المدعمة والمكملة والمصححة لدور الأسرة التربوي, وهي تحتاج لإعادة النظر كثيرا من حيث المبنى وأعداد التلاميذ ونوعية المناهج وطرق التدريس وإعداد المعلم وارتباط التعليم بالحياة والاهتمام بجودة التعليم وجعله مستساغا وومستحبا ومرغوبا للطفل, وأن تمنحه مهارات تجعل حياته أفضل وليس مجرد معلومات نحشها في رأسه فيقاومها ويعاندنا.
۰ الإعلام, وخاصة التليفزيون, وهو الأكثر تأثيرا في الطفل, ويحتاج إلى ميثاق شرف إعلامي يراعي حق الطفل في مشاهدة آمنة ونظيفة وهادفة وبناءة, كما يحتاج لمواكبة الوالدين لما يشاهده الطفل.
۰ المؤسسة الدينية, وقد صارت هناك فجوة بينها وبين الطفل, بل ربما لم يعد الطفل واردا على خريطتها بشكل جيد, ومن هنا ضعفت الثقافة الدينية أو تشوهت.
۰ المجتمع, وهو الدائرة الأوسع المحيطة بالأم والأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والإعلام, وبالتالي فهو يحتاج لجهود المخلصين والعقلاء والعلماء لكي يصبح مجتمعا بناءا قائما على العلم والإيمان والتوجه نحو الرقي والنهوض ورعاية حقوق الإنسان وخاصة حقوق الطفل, تلك الحقوق التي يجب أن تتأكد من خلال مواد الدستور والقوانين وتترسخ في ثقافة المجتمع وتصل إلى الطفل من خلال مؤسسات واضحة ومحددة وقادرة.
۰ العالم الأوسع, وهو يتجه منذ سنوات لرعاية الطفولة خاصة في أوقات الحروب والكوارث والأزمات, ويصدر المواثيق والقوانين الدولية لحماية الطفل, ولكن ثمة صعوبات تكتنف الفروق الثقافية والعقائدية بين الدول ربما تحول دون الاستفادة من تلك الجهود .
واقرأ أيضًا:
جودة حياة الطفل المصري خلال الاضطرابات / تغطية الإعلام للأحداث السياسية والتأثير النفسي على الأطفال / من قتل الطفولة في اليمن؟