علم النفس الإيجابي هو حقل جديد نسبيا في علم النفس، يركز على التحفيز، والدعم البناء، بداية من اختيار الأوصاف، والتعبيرات، والمصطلحات، فهو – مثلا- عند الحديث عن مرحلة ما، أو حالة معينة، يستخدم كلمة "تحديات"، بدلا من كلمة "مشكلات"، أو أزمات، ويفضل التنبيه إلى نقاط بوصفها "فرصا سانحة"، بدلا من تسميتها: "مصادر مهدرة"!!!!
في اللحظة الحالية التي يتشوش فيها المصريون بحثا عن أفق وسط زخم المشاعر، و"المشاكل"، يمكنهم فورا أن يتأملوا فيما لديهم، فيكتشفوا أن نفس اللحظة تتيح أمامهم إمكانات جديدة هائلة!!
الفرز المجتمعي الحاصل على وقع الأحداث المتلاحقة هو فرصة للتنظم الشعبي حول أهداف جديدة واضحة، ومجموعات عمل تنشط لخدمة مصالح أو احتياجات معينة، وتجمعات على أساس وعي جديد، أرقى من غيبوبة الركود والطائفية والانقسام والفرقة وروح التشرذم والتباعد التي تعودنا على الحياة في إطارها.
الانتهاكات المتوالية لحياة الناس، وأمنهم وحرياتهم وحقوقهم في الحركة والتعبير، تدعو إلى خلق جبهة جديدة عريضة تميز بين الاختلاف السياسي المحمود والمتوقع، وبين التضامن الإنساني الواجب، مع المظلوم، مهما كان لونه، وضد الظلم، مهما كان مصدره.
الانكشاف الواضح للقصور الفاضح في أداء أجهزة دولة شاخت وفسدت تماما، هذا الانكشاف يفسح المجال، بل يستدعي سرعة أن يستثمر المصريون طاقاتهم وإبداعاتهم واتصالاتهم ومعارفهم في إطلاق مبادرات مجتمعية لسد الثغرات وتحسين حياتهم بأنفسهم، وفي هذا يمكن لهم -بالفعل- أن ينجزوا الكثير!!!
انحطاط مستوى الأداء الإعلامي وتحيزه المجنون، وتحريضه المتواصل، وإنهاكه عقول المشاهدين ونفوسهم يحفز عدة اتجاهات تأخرنا في السير فيها: من مركزية الإعلام المجتمعي وتطويره وجذب جمهور أكبر لمتابعته، بل ولإبداع أفكار جديدة عبره، ومن محاولات خلق أشكال تواصلية أكثر تعاطفا ومصداقية وإنسانية، تعتمد اللمة واللقاء الإنساني المباشر، الذي يستعيده الناس حول العالم، في بحثهم عن استعادة ما فقدوه في ظل الحياة المادية الطاغية.
الاضطرابات الأمنية والمجتمعية، والتظاهرات في المناطق المختلفة، والأزمات التي لا تكف عن الانفجار -هنا وهناك- هي بداية ممكنة للتعرف الحقيقي على خريطة وطن نعيش فيه، ولا نعلم عن تضاريسه شيئا!! لا جغرافيا، ولا سكانيا، ولا عرقيا، ولا مناطقيا!! ماذا نعرف عن سيناء بمناطقها، أو عن جبل سانت كاترين –مثلا- أو عن مناطق في الصعيد، أو تخوم المدن؟؟ ماذا نعرف عن ناسها وعن مشكلاتها؟؟
بدلا من السهر، والجلوس طويلا أمام الشاشات، وتبديد الوقت والجهد والمشاعر في متابعة أخبار وشائعات، لا ينبني على معرفتنا بها أي عمل يمكننا بعث عادات ميتة نحتاجها مثل القراءة، واللقاء لمناقشة كتاب، أو لدراسة موضوع، أو حتى لتبادل الدعم النفسي، والحكايات عن حياة كل منا اليومية، الحكي عن الذات، أصبح علاجا نفسيا معتمدا.
بدلا من كثرة الكلام فيما يؤجج الصراعات، أو فيما لا طائل من وراءه يمكننا تعلم، وتجريب قوة الصمت المتأمل، وأنواع الاسترخاء النفسي، وتدريبات التركيز والوعي الذي هو مدخل لأنشطة الحياة كلها وهذه فرصة متميزة لإقامة صلة بالموسيقى الهادئة التي ثبت علميا نفعها في تنظيم إيقاع وتركيز وأداء الدماغ.
الفرصة سانحة أيضا –من خلال المناقشات اليومية- أن نتعلم قواعد المنطق، وتكوين الرأي، ومهارات التفكير السليم، والحوار الفعال، وتحويل النزاعات، والقبول المتبادل، مما يمهد لتعايش، لا مفر من أن نتدرب على مقدماته، وأدواته.
نقلا عن موقع مصر العربية
واقرأ أيضاً:
التغيير السلوكي؛ لماذا لا يتغير الناس؟؟؟