ربما تتعرض اللغة العربية في الجزائر إلى هجمة لإبعادها عن الحياة وتفضيل الفرنسية عليها، ويبدو ذلك في الدعوة لإستعمال العامية في المدارس والتركيز على اللغة الفرنسية، لأن العربية وفقا لما يُشاع لا تتواكب مع العصر ولا تنتج إلا شعرا، وأنها من اللغات الصعبة، وفي هذا إنتكاسة وطنية حضارية لا بد من الإنتباه إليها والتيقظ من تداعياتها.
فمن المعروف أن الشعب الجزائري تعرض لسياسات فرنسته أي تحويله إلى مجتمع فرنسي، ومضت هذه السياسة تفعل فعلها لقرن ونصف، وبعد الإستقلال قاد الرئيس الجزائري هواري بومدين سياسة التعريب أو الأعربة الجزائرية، ونجح في تحقيق ثورة عربية أعادت المجتمع الجزائري إلى أصله ومنابعه الحقيقية، فبرع بإنتاج فكر عالمي مؤثر في الحياة العربية والعالمية، وبرز الكتاب والشعراء والروائيون، والمفكرون الناطقون بالعربية، ولهم وقعهم ودورهم الإنساني المنير.
وربما لن تنتكس العربية في الجزائر وتتغلب عليها الفرنسية، التي لا يتكلمها إلا نسبة ثلاثة في المئة من سكان الدنيا أو مئة وثلاثين مليون، بينما العربية يتحدث بها أكثر من ربع مليار ويتفاعل معها أكثر من مليار إنسان في الأرض، وهي من اللغات الحية الأصيلة التي تتسيد الأرض وتمارس دورها الإنساني والحضاري بنشاط وهمة عربية معاصرة رغم الموانع والتحديات وأصناف القاسيات.
وتسلسلها بين لغات العالم الرابعة أو الخامسة وتأتي بعد الإنكليزية، بينما الفرنسية تسلسها الثامن عشر. فالمشكلة الحضارية لا يمكن إلقاؤها على أية لغة، وإنما تكمن في المناهج والرؤى والتصورات، والآليات التي تتحقق في أي مجتمع إنساني، ويبدو أن هناك تسويقا وترويجا لمفاهيم سلبية عن اللغة العربية، تهدف إلى إقصائها من الوعي الفردي والجمعي، وإحلال لغة أخرى مكانها، والمقصود هو اللغة الفرنسية التي عليها أن تتسيد وتتمكن من المجتمع وتفرض ثقافتها وآدابها عليه.
إن العربية هوية وطنية وبودقة حضارية، وطاقة إبداع وتنوير وإدراك وإبتكار وتجدد ونماء، وهي بما فيها من نسغ الحيوية والمطاوعة والمواصلة والإستيعاب والتمدد والإحتواء، لقادرة على أن تواكب وتتقدم وتتعاطى مع المستجدات والتحولات، والتغيرات الإبداعية والفكرية والعلمية والتقنية، وغيرها من موضوعات العصر المتوهجة بالمهارات العقلية، القادرة على توليدها وتطويرها وتنمية ما فيها من الأفكار والتطلعات الكامنة.
اللغة العربية راية ذات قيمة إنسانية ومعنوية وتختزن أمجادا إبداعية متميزة، وفيها من ذخائر الأفكار والحِكم والدلالات والإستجابات، ما يغني الأجيال ويوفر لها الوقت والطاقات، والإستهانة بلغة الضاد تعني الإستهانة بالهوية والذات والقضية الحضارية العربية.
ويبدو أن للإرادة السياسية دور في تعويم أية لغة وإضعافها وتقليل شأنها، فاللغة وسيلة لفرض المناهج السياسية والسيادة على الآخر الذي يتم إمتلاكه بمصادرة لسانه، وتغييب وعيه وتحويله إلى موجود يترجم إرادة أصحاب اللغة المفروضة عليه والممتلكة لعقله وقلبه ووجدانه.
فما أحوج أمة العرب إلى رفع شأن اللغة العربية وإعلاء قيمتها ودورها وأهميتها، وإظهار محاسنها الحضارية وقدراتها التواصلية ومرونتها الإستيعابية، وما فيها من طاقات الإبتكار والتجدد والأصالة، فلا تزال أبجديتها معينا مطلقا للمستجدات والولادات المعجمية، القادرة المقتدرة على التفوق على ما في عصرنا من عطاءات، ومبتكرات تقنية وعلمية وفكرية وثقافية مطلقة.
فالعيب في العرب وليس بلغة العرب، وما عابت أمم وشعوب لغاتها إلا العرب، وما وجدت صينيا ينكر لغته أو يابانيا أو أجنبيا، وإنما الجميع يسعون إلى النهوض بها وتجديد نسغها وعصرنة مفرداتها والسباحة بها في تيار العولمة الصاخب.
فلماذا ينسلخ العرب عن لغتهم ولماذا يلقون عليها عجزهم وسوء مناهج تفكيرهم؟!!
واقرأ أيضا:
صوت الكلمة!!/ تحيا مصر قدوة عربية منيرة!!/ السلطة والدولة!!/ عيدٌ؟!على من عائدٌ يا عيدُ؟/ أين العيد؟!!