تابع: يجب على الرجال أن يكونوا مؤكدين لذواتهم(3)
هَلّ بالإمكان أَنْ يَعِيشُ البشر جميعا حياة سوية؟ يقوم فيها بعضنا على اَحترام البعض الآخر، وبصورة متبادلة، هل نستطيع حماية حقوقِ الإنسان، لسكان الجنوب قبل سكان الشمال من كوكبنا؟ وهل نستطيع أن نعالج ذلك بنشر المساواة والعدالةِ بين البشر؟ وتبادل الاحترام بين الأشخاصِ بغض النظر عن السماتَ العرقيةَ أَو الشخصيةَ أو الدينية؟ لقد كانت الإجابة على أولئك التساؤلات بالإيجاب حلما قديما، دعا إليه إفلاطون في جمهوريته الفاضلة، ونادى به السيد المسيح بقوله: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض المسرة"، وجاء الإسلام مؤكدا لذلك، فيقول عز وجل: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". سورة الحجرات آية 13.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يتصارع البشر فيما بينهم، إن الصراع بين البشر قضية أزلية، منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل حقدا وحسدا عليه، لذا فإن مبررات الحروب والنزاعات والصراعات كثيرة: مثل الطمع فيما يمتلكه الغير، أو للغيرة والحسد، أو لاسترداد حق مغتصب، أو دفاعا عن العزة والكرامة، أو للتنازع على الحدود أو على مساحة من الأرض، أو على مصدر من مصادر الماء، أو لاحتكار بلد ما لمنتج ما، أو لنشر أيديولوجية أو دين ما، أو رغبة في التوسع وتكوين الممالك والامبراطوريات، أو لإظهار القوة العسكرية والاقتصادية، أو للأخذ بثأر قديم، أو للسيطرة على الممرات والطرق أو الأماكن الاستراتيجية والدينية، أو لبعض هذه الأسباب مجتمعا، لذا فلن تتوقف الحروب والصراعات طالما هناك بشر يعيشون على سطح الأرض، وخير وسيلة لتجنب الحرب هو الاستعداد الكامل بالقوى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية للحرب، فعندئذ سيخشى مجابهتك الأعداء والطامعين"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفى إليكم وأنتم لاتظلمون" سورة الأنفال آية 60، وليس بخاف على أحد أن تحقق القوة النفسية والثقة والاعتزاز بالنفس للأفراد في مجتمع ما، تؤدي إلى تحقق كل من القوتين العسكرية والاقتصادية في ذلك المجتمع.
لكل ذلك أصبح تأكيد الذات من الأهمية بمكان أَنْ نَعمَلُ على تحقيقه في مجتمعاتنا بصبر وإصرارِ، كما نَبْدأُ بتَطوير مهاراتِ توكيد الذات وبصورة متزايدةِ، وكَيْفَ نَستعمل توكيد الذات في التَعَامُل مع الناسِ، وهم قد يكونون من مجموعات عرقية ودينية مختلفةِ؟
أولا: كيف نعاملُ كُلّ شخص بِاحترام؟
ثانيا: كيف نتعرف على خلفياتِ بعض الناسِ الفكرية والثقافية، والذين قد نتعاملُ معهم في بعض المواقف؟
ثالثا: إذا ْظهر شيءَ غير عاديَ في أسلوبِ شخص ما – مثال أن يَقِفُ قريبا جداً منك، أو أو أن يتَفادى أي تواصل بالعين، أو أنْ يَكُونَ خجولا بشدة َوبشكل مُلحّ، لربما تقول شيء مثل: "لاحظتُ أنّك تَقِفُ قريبا جدا منيّ عندما نَتحدث معا، أنا لَسْتُ مُتعودا عَلى ذلك، هَلّ من الممكن أَنْ يكون هناك مسافة كافية بيننا عندما نتحدث معا؟"
تذكّرْ بأنّ كُلّ إنسان فريدُ ومتميز، فكل إنسان هو مزيج معقّد مِنْ العُمرِ، والجنس، والتركيب الجيني، والثقافة، والاعتقادات، والتجارب، والحياةِ الشخصيةِ. فالإيطاليون، أَو الأيرلنديون، أَو الفيتناميون، أَو المكسيكيون لَيسوا متشابهين، لكن أعضاء كُلّ مجموعة لَها قاسم مشتركُ من الصفات والعادات والتقاليد. فالمراهقون، أَو المُسنّون، أَو طلبة المدارس مختلفون بالتأكيد عن بعضهم البعض في بعض السمات، َوكذلك الرجال في منتصف العمرِ، أَوفي الثلاثينات من العمر قد يكون لديهم بعض الاختلافات، لَكنَّ لدَيهُمْ بعض التشابهاتُ أيضا، والتي قَدْ تَكُون مهمةَ للمعْرِفة.
يُعيقُ المجتمعُ تأكيدَ الذات في أغلب الأحيان:
على الرغم مِنْ التحسيناتِ المهمةِ التي حدثت في مجال حقوق الإنسان، وكذلك النضج الاجتماعي الحادث في كثير من المجتمعاتِ، إلا أن تشجيع المجتمعِات لسلوكِ تأكيد الذات مازالَ محدوّداُ. فكُلّ شخص له حقّ التعبيرِ الذاتيِ والاستقلالية بدون الإحساس بالخوف أَو الذنب، فمن حقّ الشخص أن يبدي رأيا معارضا، ولكن علينا أن نميز بين احترام توكيد الذات، ولكن في نفس الوقت علينا أن نعادي جميعا العدوانِ التدميريِ ضد الآخرين.
كُلّ منّا يَمتلكَ الحقّ في إبْداء رأيه، والشُعُور بالارتياح حول عَمَل ذلك، طالما نحن لا نَآْذي الآخرين، وفي عمليةِ تأكيد الذات قد يُعاقُ الشخص في أغلب الأحيان بشكل ملحوظ أو غير ملحوظِ، إما من العائلةِ، أو في المدرسة، أو في العمل، أو من نظمنا السياسية، أو من أجهزة أخرى في بلادنا.
في العائلةِ، الطفل الذي يُقرّرُ أن يعبر عن رأيه، ترى أفراد الأسرة الأكبر سنا تُراقبُ أقوال أفعال الصغير في أغلب الأحيان وفوراً، ويسمع الصغير من أفراد العائلة الأكبر سنا، قدرا لا حصر له من الأوامر والنواهي "لا تتكلّمُ مع أمِّكَ بمثل هذه الطريقةِ التي يتكلم بها الأغبياء" (من الأبّ)" عندما يتحدث الأطفال في الشارع، يجب أن يكون صوتهم منخفضا، لا أن يكون صوتهم مزعجا مثل صوتك"(من الأخ الأكبر)، "لا يَصح أن تلبس هذا البنطلون الجينز القديم، مع هذا القميص الجديد، فتكونُ غير جدير بالاحترام" (من أخته الأكبر)، "لا تناقش معي هذا الموضوع مرة ثانية، فأنت مازلت صغيرا"(من العم)" إجلس محترما مهذبا، فأنت لم تعد صغيرا"(من الأم)، من الواضح أن هذه الأوامرِ الأبويةِ المشتركةِ لَيستْ باعثا أبدا للطفل على تأكيد ذاته.
وفي المدرسة معلمون كثيرون يمنعون تأكيد الذاتِ، فالمطلوب من أطفال الروضة والمرحلة الابتدائية الهدوء، وحسن السلوك والطاعة العمياء لطلبات المدرس أو المدرسة، أما الذين لا يَستجيبونَ لسلطةَ المعلم أو المعلمة، أو قد "يُعارضُون النظامَ" بطريقةٍ ما، يَتم التعاملُ معهم بصرامة من المعلمين والمعلمات ومن إدارة المدرسة، ولكن يَعترفُ المربون بأنّ عفويّةَ الطفلَ الطبيعيةَ، فيما يقوله ويفعله، هامة في تَعَلّم المُؤثرات الموجودة في بيئته الخارجيةِ، ولكن يرى مربون آخرون أن من أهم أدوار المدرسة هو تعليم الالتزام، ووضع الأطفال جميعا في قالب معين واحد، فيتيح ذلك للتلاميذ تعلم أكبر قدر من العلوم الدراسية الأكاديمية، وهذا النموذج يريح المعلمين، ولكنه لا يؤدي إلى تفجير الطاقات وتنمية القدرات المختلفة لدى التلاميذ.
تزداد مشاكل العمل غالبا عندما يكون هناك مشاكل مع المدير، وأسوأ هذه المشاكل هي التعامل مع مدير متسلط، والذي غالبا ما يكون لديه اضطراب في الشخصية، وتزداد المشكلة سوء عندما يكون المرءوس غير قادر على تغيير مكان العمل، أو تقديم استقالته والذهاب إلى عمل آخر، وهنا يصبح العمل جحيما لا يطاق، ويستنفذ المرءوس رصيده من الإجازات، ولكن دون جدوى، وإلى متى سيظل وضع هذا المرءوس هكذا في عمله؟! يمكنك أن تجد بعض الحلول لتلك المشكلة في الصفحات القادمة.
من مشاكل العمل أيضا المشاكل بين الزملاء من نفس المستوى، وهي عديدة، مثل الزميل الذي يلقي بأعباء عمله على زملائه بأي حجة من الحجج، أو الزميل الذي يبلغ المدير بتفاصيل ما يحدث مع زملائه في غرفتهم، أو الزميل الذي يكتب شكاوي كيدية في زملائه حتى يكون هو أفضل العاملين أمام المديرين في العمل، وغيرهم الكثير من أنماط العمل المضطربة.
النظم السياسية لَيستْ مثل البيت والمدرسة في طريقة التَأثير على التطويرِ المبكّرِ لسلوكِ تأكيد الذاتِ، لَكنَّهم يَعْملونَ القليل لتَشجيع ِهذا السلوك، كما يَبْقى اتّخاذ القراراتُ السياسيُة من الصعب الوصولُ إليها بشكل كبير، و بالذات إلى المواطن المتوسط الحال ؛ لذا عادة ما تدَّعي الحكومات أن المؤكدين لذواتهم عدوانيون، وبالذات لو كان مجال تأكيد ذواتهم هو نقد السياسات الاستراتيجية أو الاقتصادية أو الاجتماعية للحكومات.
ويتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> مقياس للتمسك بحقك وتأكيدك لذاتك