علاج المشكلات بهدوء
والمشرف أو الرئيس لابد وأن يؤمن بمبدأ أو قضية الشورى.. وإنها ضرورة شرعية عقلية وعملية حتى يتمكن من تطبيقها على أعضاء فريق عمله.. كما أنه لابد وأن يوفر المناخ اللازم الذي تتم من خلاله الشورى.. لأنه إذا لم يوفر ذلك المناخ.. وكان المدير أو الرئيس شديد وحاد اللهجة -مثلاً- فإن ذلك سيحول دون تحقيق معنى الشورى.. ويجعل فريق عمله يحجم عن إبداء رأيه خوفًا من الانتقاد.. وعليه إذاً أن يتحمل عواقب انفراده برأيه.... ولات حين مناص..
ولقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- توفير ذلك المناخ الجيد لتحقيق الشورى مما أدى إلى ظهور آراء ناضجة تمثلت في كثير من الآراء الابتكارية؛ و كان هذا أمر رباني؛ فأمره عز وجل قائلاً: "وشاورهم في الأمر".
يقول أبوحيان التوحيدي: "المُستَعِين أحزم من المُستَبِد، ومن تفرد لم يُكمِل، ومن شَاور لم ينقُصْ". ولذا يُقال أن: "المشورة هي الحفيدة التي تأتي فيما بعد"؛ وما أجمل أن يُرزق أي منا بحفيد. فمما لا شك فيه أن ثقة أفراد الفريق في سعة صدر قائدهم وأنه يجيد فن الإنصات لآرائهم واحترامها يجعلهم يدلون بآرائهم ولا يحرمون مؤسستهم أو دولتهم من ثمرة تفكيرهم..
كما حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إدارته للدولة الإسلامية الناشئة على الشورى، حيث وضع أسس الشورى فكون مجلسًا من أربعة عشر نقيبًا اختارهم من أهل الرأي والبصيرة، ممن يشهد لهم بالعقل والفضل.. ومن جميل ما قرأته قول لأفلاطون (وليتنا ننتفع به): "رأي من هو دونك في المعرفة، أفضل من رأيك بنفسك، لأنه خالٍ من هواك!".
أهمية تفويض المهام وتوزيع المسئوليات
إياك ومحاولة الاستئثار بكل خير، فلابد وأن يكون لمن حولك نصيب في هذا الخير، فالفرد وحده لا يستطيع عمل كل شيء، ولكن يحتاج إلى مساعدة الآخرين، فيزداد الخير ويعم على الجميع، ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك.
لقد أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهمية تفويض المهام و توزيع المسئوليات ومن ثَمَّ:
أوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل طاقة ما يناسبها من عمل.. ووزع المسئوليات.. وفوض المهام.. ومنح أجزاء متساوية من المسئولية والسلطة لأصحابه -رضوان الله عليهم-. ففي عهده -صلى الله عليه وسلم- تولى "علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان" كتابة الوحي، كما كان يقوم بذلك أيضا أثناء غيابهما "أبي بن كعب" و"زيد بن ثابت"، وكان "الزبير بن العوام" و" جهيم بن الصلت" يقومان بكتابة أموال الصدقات، وكان لدى "عبد الله بن الأرقم" و"العلاء بن عقبة" سجلات عن القبائل ومياهه، وكذلك عدد الأنصار ذكورا وإناثا وكان "زيد بن ثابت" يعد الكتب إلى الملوك والزعماء، وكان "عبد الله بن الأرقم" يُندَب أحيانا لأداء هذا العمل، "وكان يعهد بخاتمه إلى "حنظلة بن الربيع"، وكان "حذيفة بن اليمان" يعد تقديرات الدخل من النخيل، وكان "المغيرة بن شعبة" و"الحسن بن نمر" يكتبان الميزانيات والمعاملات بين الناس، وكان عملهما هو تسجيل المعاملات وتوثيقها، وكان "مُعيقب بن أبي فاطمة" يُسجِل دخل الدولة "أي يكتب مغانم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا إشارة إلى أصحاب المهام والمسئوليات في تفويض المهام وأن يعهد ببعض مهامه إلى أحد معاونيه ويعطيه سلطة اتخاذ القرارات اللازمة للنهوض بهذه المهمة على وجهٍ مرضٍٍ. وهذه من أهم أساسيات علم الإدارة الحديثة، والتي تتلخص في قدرة قائد الفريق على استغلال أقصى طاقة إنتاجية من فريق العمل الذي ينضوي تحت قيادته، وعلى المدى البعيد، وكذلك إعداد وتكوين أجيال تالية قادرة على الإنتاج بصورة أفضل من الجيل الحالي.
ومما لا شك فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أدى هذه الأدوار فإنه سيكون أسرع وأفضل، ولكن على المدى القصير، وسيتحمل أكثر من طاقته ويغرق في كثير من التفاصيل الروتينية وتصبح المسئولية عبئا ثقيلا. لقد علمنا صلى الله عليه وسلم الالتزام بروح الفريق في إنجاز أي عمل، وليس المهم أن أكون القائد في أي عمل، ولكن المهم أن أُنجزَ ما كُلِفت به بنجاح؛ أنظروا معي إلى جيش أسامة بن زيد الذي وجهه صلى الله عليه وسلم -قبل وفاته مباشرة- للثأر من الروم وحلفائهم بعد غزوة مؤتة!، والذي لم يتجاوز عمره في ذلك الحين ثمانية عشر عاماً، والذي كان فيه أسامة قائداً على عددٍ كبير من أكابر الصحابة عُمراً وقدراً، ومن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أنفذه خليفته أبو بكر رغم ارتداد معظم القبائل في الجزيرة العربية عن الإسلام –رضي الله تعالى عن صحابته جميعاً-.
لقد أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن قدرته على تحقيق النتائج ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأداء أصحابه، وهذه من النظريات الهامة في استثمار طاقاتك؛ ألا وهي قدرتك على أن تجعل من الآخرين حولك أداة في نشر أفكارك الخيرة المفيدة، والأهم هو أن تجعل من تلك الأفكار النظرية الخيرة الطيبة واقعاً سهل التطبيق من المقتنعين به، والأعظم عند الله تعالى هو أن تربي أنت والآخرين المؤمنين بفكرك أجيالاً يعتنقون هذا الفكر الخير، ويحرصون جميعاً على تطبيقه ونشره، وهذا هو اختصار لمعجزته صلى الله عليه وسلم في نشر عقيدة التوحيد، واعتناق ربع سكان الأرض تقريباً لهذه العقيدة في هذه الأيام. ويتبع >>>>>>>>>>> البطل المُنتَظَر ليس مُستورداً